قد يكون الأسوأ من فصول التحلل المتعاقبة لمهابة الدولة وسلطتها والتي كان آخرها انفجار تداعيات عمليات تهريب المخدرات والمنوعات الى المملكة العربية #السعودية ان يصبح الملف الحكومي في طي النسيان بعدما تراجع الى المراتب الخلفية سواء بتعمد الجهات المعطلة ام بسبب تصدر الفضائح اليومية واجهة الأولويات . وفيما بدأ يقترب استحقاق بالغ الدقة والخطورة يتمثل ببت مسار #رفع الدعم عن المواد الاستهلاكية الأساسية من خلال البطاقة التمويلية والذي أنكبت حكومة تصريف الاعمال على مواجهته وعقد أجتماع لهذه الغاية مساء امس برئاسة رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب بما يعكس بدء العد العكسي لحسم الاتجاهات النهائية لهذا الملف الأساسي ، بدا واضحا ان ملف #تشكيل #الحكومة الجديدة صار في مرحلة موغلة من التجميد وسط شلل غير مسبوق في المبادرات والمشاورات والتواصل السياسي حتى على مستوى القوى الداخلية فيما بينها . وما يثبت هذه المخاوف معلومات تؤكد ان ملف رفع الدعم وانجاز البنية الإدارية والقانونية لرفعه وتأمين تمويل البطاقة التمويلية لمئات الوف العائلات قد وضع على نار حامية لبت هذا الاستحقاق قبل نهاية أيار المقبل بما لا يجعل البلاد تنزلق نحو مرحلة من الاضطرابات الاجتماعية الخطيرة الذي تخوف منها خبراء اقتصاديون وماليون وأمنيون . ويبدو ان هذا الاتجاه سيشق طريقه كخيار وحيد لان أحدا في السلطة ومجلس النواب او لدى المعارضين لا يملك أي خيارات متاحة غير رفع الدعم في مقابل البطاقة التمويلية كما ان أحدا لا يمكنه ان يقدم أي ضمانات بوقف هذا المسار ما دام تشكيل الحكومة الجديدة صار في عالم الغيب الى اجل غير معروف اقله وفق المعطيات الراهنة . ولذلك بدا المشهد السياسي الداخلي في الفترة الأخيرة كأنه أصيب بالخواء الكامل وسط انكشاف القوى الداخلية كافة وعلى رأسها العهد في دوامة العجز والتعطيل والتخبط بين الأولويات المتزاحمة ربما في انتظار تحرك خارجي جديد بعدما تراجعت الى حدود بعيدة الرهانات على المبادرة الفرنسية اليتيمة ولم تؤد التحركات الديبلوماسية الأخرى ولا سيما منها الروسية الى المساهمة بعد في تبديل صورة التأزم علما ان موسكو تستقبل اليوم رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل في اطار لقاءاتها مع قادة سياسيين #لبنانيين وبعدما زارها اخيرا رئيس الحكومة المكلف #سعد الحريري .
وسط هذا الشلل الشامل وفي اطار ترجمة الاهتمام البابوي المتواصل بلبنان برزت رسالة البابا فرنسيس امس الى رئيس الجمهورية العماد ميشال مؤكدا فيها “ان لبنان لا يمكنه ان يفقد هويته ولا تجربة العيش الاخوي معا التي جعلت منه رسالة الى العالم بأسره”، وجدد رغبته في “ان تتحقق زيارته الى لبنان وشعبه الحبيب” . وجاءت الرسالة في معرض شكر البابا للرئيس عون على الرسالة التي بعث بها عون اليه على اثر زيارته للعراق متضمنة دعوة رسمية للبابا لزيارة لبنان ورفع البابا الدعاء “الى الله لكي يساعد الرئيس عون والمسؤولين السياسيين ليعملوا من دون هوادة من اجل الخير العام في بلاد الأرز”.
مواقف من الحكومة
اما في اطار المواقف الداخلية من الازمة الحكومية فبرز موقف للمجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز بعد اجتماع هيئته العامة برئاسة الشيخ نعيم حسن وحضور رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد #جنبلاط اعتبر فيه ” إن القوى المعنية المسؤولة عن تأليف الحكومة مُطالبة بوقف التعطيل وتبادل الاتهامات وإغراق البلاد في متاريس المواقف الذي يدفع البلاد عميقاً في الهاوية، وتشكيل حكومة تنفّذ برنامج الإصلاح المطلوب لبدء المعالجات المنشود للأزمات المتفاقمة بأسرع وقت”.
ولفتت كلمة لجنبلاط خلال الاجتماع اتسمت بتشاؤم كبير حيال الملف السياسي الحكومي معلنا انه “ينسحب من كل الموضوع “، اذ قال مخاطبا المجتمعين: “لا أستطيع اليوم أن أبشّر بشيء ، ولم أقم بأي مبادرة، فقط لبّيت دعوة من رئيس الجمهورية ميشال عون وقامت القيامة يمينا ويسارا، لم أكن المبادر وقلت لا بد من تسوية. ففي أوج الحرب عندما كانت المدافع تقصف، شكّلنا حينذاك حكومة وفاق وطني مع أمين الجميل الذي كنا على عداء مع عهده في حينها، شكّلنا حكومة في اوج الحرب في الـ 84، بدّك تتعاطى وتحكي مع الناس، قمنا بمحاولة تسوية الظروف لم تسمح. واليوم اذا كان من أحد في البلد يظن أن هناك من يفكر بنا فلا أحد يفكر بنا، وإذا لم يقم أصحاب الشأن الكبار بتسوية داخلية فلا موسكو ولا غيرها تستطيع أن تنوب عنا بتسوية داخلية نعتقد أنها قد تفتح الباب أمام التفاوض مع الهيئات الدولية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي من أجل تخفيف العبء الاقتصادي والاجتماعي ومدّنا ببعض المال ولا مهرب… هذه مؤسسات دولية شرط أننا كلبنانيين نوّحد ارقامنا المالية حيث المرة الماضية كان هناك ثلاثة أرقام والفرق بينها مليارات . أعود وأكرر لم أقم بمبادرة وإنما طرحت تسوية . انسحب من كل الموضوع وإن شاء الله يأتيهم الالهام، لأن الآتي أصعب والظروف المحيطة لا أحد يفكر بالآخر، وربما هناك أمل من المبادرة الفرنسية بما تبقى”.
وكانت التطورات السياسية والامنية الاخيرة محور زيارة وفد “تكتل الجمهورية القوية” الى بكركي، دعما لمواقف البطريرك مار بشارة بطرس الراعي . وبعد اللقاء تحدثت النائبة ستريدا جعجع باسم الوفد ووجّهت نداء الى “تكتل لبنان القوي” “لكي يبادر للتنسيق معنا من اجل ان نستقيل جميعا من مجلس النواب الامر الذي من شأنه ان يفقد المجلس ميثاقيته “. ولكن “تكتل لبنان القوي” كرر في بيانه الأسبوعي مساء ان “الاستقالة من مجلس النواب قد تقدم حلا لموضوع حجز التكليف بيد رئيس الحكومة المكلف لكنها لا تعطي أي نتيجة فعلية بتحقيق المطالب الإصلاحية في ظل الوضع السياسي والتوازنات القائمة في البلاد ” .
الازمة مع السعودية
اما في اطار تداعيات المقاطعة السعودية للمنتجات الزراعية اللبنانية فاعلن قصر بعبدا ان الرئيس الجمهورية العماد ميشال عون اجرى اتصالاً هاتفياً بوزير الداخلية والبلديات العميد محمد فهمي، واطلع منه على نتائج التحقيقات الجارية ومسار الإجراءات التي اتخذت في الاجتماع الموسع الذي عقد اول من امس في قصر بعبدا. وقد وضع الوزير فهمي الرئيس عون في آخر التفاصيل المتعلقة بالموضوع، وما توافر من معطيات لدى الأجهزة الأمنية، كما اعلمه عن اتصال اجراه بوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، مؤكداً ادانة لبنان لعملية #التهريب وكل ما يمس امن المملكة واستقرارها وسلامة شعبها، واطلعه على الإجراءات التي اتخذها لبنان في هذا الصدد.
في غضون ذلك اوضح السفير السعودي في لبنان وليد بخاري، عبر “تويتر”، أن “إجمالي ما تم ضبطه من المواد المخدرة منذُ بداية عام 2020 حتى شهر نيسان 2021، بلغ سبعة وخمسين مليون ومئة وأربعة وثمانين الف وتسعمائة حبة مخدرة .
وفي هذا السياق أبدت الهيئات الاقتصادية تخوّفها الشديد “من أن يؤدي التراخي في معالجة الأزمة الحالية بجدية مطلقة، إلى تجرؤ الخارجين عن القانون التمادي بأفعالهم الجرمية وبالتالي توسّع الحظر ليشمل دولاً أخرى ومنتجات أخرى”. وسألت “المسؤولين في الدولة من أعلى الهرم حتى أسفله: إذا لم تتحرّكوا في هذه اللحظة المفصلية من تاريخ لبنان لمعالجة هذه الأزمة التي ستكون لها آثار كارثية على عشرات آلاف اللبنانيين بل مئات الآلاف وعلى الاقتصاد الوطني وعلى وَطَنٍ بات يعتمد على ما يأتيه من عملات صعبة جراء التصدير للاستمرار في أدنى شروط الحياة، فمتى ستتحرّكون ؟” واقترحت خارطة طريق مُلحّة لمعالجة الأزمة، توزّعت على المستوى الداخلي، وعلى مستوى منافذ التصدير البحري والبري الشرعيّ .