الرئيسية / صحف ومقالات /  الجمهورية:«توتير» سياسي يسبق لودريان.. وباريس تتوعّد.. والحريري ينتظر
الجمهورية

 الجمهورية:«توتير» سياسي يسبق لودريان.. وباريس تتوعّد.. والحريري ينتظر

هي الفترة الأكثر غموضاً التي يشهدها لبنان منذ استقالة حكومة حسان دياب قبل تسعة اشهر، مروراً بالتكليف المقطوع للسفير مصطفى اديب، والتكليف المستعصي للرئيس سعد الحريري منذ تشرين الاول من العام الماضي.

الطاقم القابض على الدولة والحكومة، في ذروة إرباكه، يترقّب ما سيتمخّض عن زيارة وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان، الذي التقى خلال الساعات الماضية نظيره الاميركي انتوني بلينكن في لندن وكان لبنان حاضراً بينهما، وتبادلا وجهات النظر حول الزيارة وجدول اعمالها وغاياتها. وبحسب مصادر ديبلوماسية فإنّ زيارة لودريان تحظى بدعم اميركي واضح حيالها، علماً ان الترتيبات انجزت لعقد لقاءات اليوم مع كل من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري والرئيس المكلف سعد الحريري، اضافة الى لقاءات اخرى معلنة وغير معلنة، تشمل عددا من الشخصيات، على ان تنتهي الزيارة بمؤتمر صحافي يعقده لودريان يوم غد الجمعة يتناول فيه كل وقائع الزيارة ونتائجها، ليغادر بعده عائداً الى باريس.

 

رسالة شديدة اللهجة

واستبق لودريان وصوله الى بيروت بتغريدة قال فيها: سأكون في لبنان يوم غد (اليوم) موجّهاً رسالة شديدة اللهجة الى المسؤولين السياسيين، ورسالة تعبّر عن تضامننا التام مع اللبنانيين، وسنتعامل بحزم مع الذين يعرقلون تشكيل الحكومة، ولقد اتخذنا تدابير وطنية، وهذه ليست سوى البداية. اضاف: تؤكد زيارتي ايضاً تضامن فرنسا في مجال التعليم والطبابة والآثار، ودعمها اللبنانيين الذين يبذلون قصارى جهدهم من اجل بلدهم».

 

شائعات

وكان المشهد الداخلي قبل ذلك، قد تقلّب على ايقاع تسريبات وشائعات سابقة لزيارة لودريان، جرى ضخّها من غرف ومطابخ سياسية، يبدو جلياً انّ غايتها الاستثمار على حضور رئيس الديبلوماسية الفرنسية قبل وصوله، وتجييره لمصلحتها على حساب الخصوم على حلبة الحكومة، وعلى حساب كل الآخرين على الحلبة السياسية بشكل عام.

 

قالت الشيء وعكسه!

تلك التسريبات والشائعات قالت الشيء وعكسه، وأدت كما هو واضح، وظيفة خبيثة بتوتير الداخل، ودفعت العلاقة المتوترة بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل وبيئتيهما السياسية وغير السياسية، الى نقطة الغليان الشديد وخصوصاً بعدما شرعت تلك الغرف في تسريبات متتالية عن غالب ومغلوب في الملف الحكومي، وانّ رئيس الجمهورية (ومعه جبران باسيل) كسر الحريري ويوشك أن يحقق ما يريده لجهة إبعاده عن رئاسة الحكومة، وان الحريري بفعل «الفيتو» السعودي القاطع عليه انتهى، ويوشك ان يصبح خارج الحكومة، وربما خارج السياسة نهائياً.

 

ما سرّ الصمت؟

وَقع هذا الترويج كان مستفزّاً في بيت الوسط، والرئيس الحريري بلغ ذروة الامتعاض، وعلى ما تؤكد مصادر موثوقة لـ»الجمهورية» فإن ما ساهم في ذلك هو الغموض الذي شاب الموقف الفرنسي:

اولاً، لناحية الصمت الفرنسي الكلّي حيال جدول العقوبات التي فرضتها باريس على شخصيات لبنانية معطلة للحل في لبنان، ولتشكيل حكومة المبادرة الفرنسية. حيث ساوى هذا الصمت الصالح بالطالح، اذ انه شجّع مجموعة المسربين على ادراج الجميع في خانة معطلي الحل في لبنان، وتعميم العقوبات لتشمل مقربين من الحريري وجبران باسيل. والمثير للانتباه في هذا السياق ان باريس ورغم هذا الارباك الذي تسببه الصمت وعدم الاعلان عن المعاقبين، تركت الامر يتمادى ويتفاعل، ولم يصدر عنها ما يؤكد هذا التعميم او ينفيه.

ثانياً، الصمت الفرنسي المطبق حيال زيارة لودريان الى بيروت، وعدم التصريح او التوضيح للغاية الحقيقية منها، فحتى الآن كل ما يتصل بالزيارة مبهم. فلا الجانب الفرنسي قال شيئاً سوى ما قاله لودريان عن الرسالة الشديدة اللهجة، ولا احد من افراد الطاقم الحاكم في لبنان من أعلى هرمه الى أدناه يملك ادنى فكرة عن تلك الرسالة ولا عما يوجد في جعبة لودريان، ولا احد منهم محيط باللغز الذي يستوطن هذه الزيارة، ولا بالسر الكامن خلف توقيتها في هذه اللحظة اللبنانية المشتعلة فوق اكوام من الازمات والسيناريوهات السوداء، ولا بماهيّة الهدف الذي يريد الفرنسيون ان يسجلوه في مرمى معطلي الحل في لبنان.

وربطاً بذلك، فإنّ المقاربات السياسية في الداخل تبدو متناقضة، ومنطلقة من رغبات اكثر مما هي منطلقة من معطيات حولها، حيث ثمة من يعتبر انّ لودريان آت لإبلاغ العقوبات التي قررتها فرنسا بحق معطلي الحل. في مقابل ذلك كلام يتردد في اوساط وصالونات سياسية عن ان الوزير الفرنسي آتٍ بعصا غليظة ليصالح فيها سعد الحريري وجبران باسيل، و»ليربّي» فيها معطلي المبادرة الفرنسية، ويدفعهم الى وقف اللعبة العبثية التي يمارسونها، والايفاء بالالتزامات التي قطعوا لإنجاح المبادرة. على ان اكثر المقاربات مبالغة، هي تلك التي تحدثت عن ان لودريان آت ليرعى اعلان الحريري اعتذاره عن عدم تشكيل الحكومة، وليضع اللمسات الاولى على حكومة جديدة بلا سعد الحريري… وما زال الكلام مستمراً.

ثالثاً، الصمت الفرنسي المطبق حيال إمكان شمول برنامج لقاءات لودريان، لقاء مع الرئيس المكلف الى جانب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب. وترك الامور بين هبّة لبنانية تستبعد اللقاء وتتحدث عن رفض وزير الخارجية الفرنسية اللقاء بالرئيس المكلف، وهبّة لبنانية اخرى تنفي هذا الرفض وتؤكد قيام لودريان بزيارة بيت الوسط للقاء الحريري.

 

إعتذار واستقالة معاً؟!

هذه الاجواء لم ترح الحريري وفريقه السياسي، وأيضاً المتناغمين معه في ملف تأليف الحكومة. وقالت مصادر موثوقة لـ»الجمهورية»: ان امتعاض الرئيس الحريري مبرّر حيال خطوة تعتبر مهينة له سياسيا وشخصيا. وكذلك حيال محاولة استضعافه وتصويره طرفا محشورا؛ السعودي يرفضه ولم تعد لديه هوامش يتحرك فيها، وان امامه خيارات محدودة جدا امّا ان يقبل بحكومة وفق شروطهم، وهذا انتحار، وامّا ان يعتذر ويرحل وهذا انتحار ايضا.

وتضيف المصادر «انها تأمل ان تكون كل الالتباسات التي احاطت بزيارة لودريان قد عولجت وزالت ربطاً بحركة اتصالات جرت في الساعات الاخيرة. فكل الاحتمالات مفتوحة امام الرئيس المكلف، وتحددها التطورات اللاحقة، كما انّ الرئيس المكلف قد دخل مرحلة القرار الحاسم. امّا بالاستمرار في تحمّل المسؤولية، واما الذهاب الى الخيارات الصعبة، لقلب الطاولة سواء بخيار الاعتذار عن عدم تشكيل الحكومة، او بخيار استقالة كتلة تيار المستقبل من مجلس النواب. وهو ما بدأ نواب من كتلة المستقبل يجاهرون به علناً.

 

لماذا الزيارة؟

ووسط هذا الصمت والغموض الذي يرافقه، أثيرت علامات استفهام لدى مستويات سياسية مختلفة، حول سبب زيارة لودريان الى لبنان في هذه اللحظة، وتبلّغت «الجمهورية» من احد كبار المسؤولين قوله: بالتأكيد ليس ما يمنع ابداً حضور الوزير لودريان الى لبنان، لكن حتى الآن لا أعرف لماذا سيأتي وماذا يحمل وماذا سيقدم؟ خصوصاً انّ المعطيات المتوفرة لا توحي بامتلاك باريس اي امر نوعي مختلف عما كان لديها في السابق، ليمكنها من الدفع في المبادرة الفرنسية الى حيز التنفيذ الفوري وتشكيل حكومة على اساسها.

وردا على سؤال عما اذا كانت باريس قد قررت الدخول في مواجهة على الحلبة اللبنانية، سأل المسؤول الكبير: مواجهة بينها وبين من؟ حتى في موضوع العقوبات فإنّ باريس تحاذر حتى

الآن المجاهرة بها او بمن شملت او بحجمها.

اضاف: لا اعتقد ان باريس بصدد الانتقال من كونها عامل استقرار في لبنان، وهو ما عبّرت عنه في التفاتتها تجاه لبنان، بعد انفجار مرفأ بيروت وإطلاق مبادرتها الانقاذية، الى مهدد للاستقرار فيه.

واكد المسؤول الكبير ان اولوية باريس انجاح مبادرتها واعادة تزخيمها، وبالتالي ووفق ما هو واضح على الخط الفرنسي، فإن باريس ليست في صدد مواجهة من شأنها ان تهدد الاستقرار في لبنان. قد ترفع نبرتها قليلاً انما ليس الى الحد الذي يقود الى مواجهة. من هنا، فإنّ زيارة لودريان لن تأتي بالحل معها، بل هي قد لا تخرج عن سياق التمنيات الفرنسية على الاطراف في لبنان للالتزام بالمبادرة الفرنسية وتشكيل حكومة على اساسها.

واعتبر المسؤول الكبير انّه قد حُمِّلت الزيارة قبل حصولها اكثر مما تحتمل، وجرى تصويرها على انها ستُحدث نقلة نوعية في لبنان، والشريحة الواسعة من اللبنانيين باتت تترقّب ما سيتأتى عنها. وهذه الشريحة ستصاب بالخيبة حتماً لأنها لن تقدم شيئاً اكثر من كلام قديم تكراراً للدعوات باسم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للايفاء بالتزاماتهم.

 

المستقبل

الى ذلك، راوح الملف الحكومي في موقعه السلبي، وبدا المشهد الداخلي انه رُكن على حافة انتظار نتائج زيارة لودريان، في وقت كانت فيه لقاءات نيابية من كتل مختلفة تعقد في المجلس النيابي، ومحور الحديث فيها ما تردد عن امكان اعتذار الرئيس الحريري عن عدم تأليف الحكومة.

وفيما تتجنّب اوساط بعبدا مقاربة الحديث عن اعتذار الحريري، مشيرة الى ان رئيس الجمهورية ما زال ينتظر ان يتسلّم مسودة حكومية من الرئس المكلف، لوحظ تأكيد نواب تيار المستقبل على ان الاجواء غير مريحة، والافق يبدو انه قد اقفل بالكامل، واللافت ان اوساط المستقبل ما زالت تعول على جهود الاصدقاء للمساعدة في فك العقدة الحكومية المعطلة للتأليف، وتأمل في ان تؤدي زيارة لودريان الى حل حكومي، الا انها اشارت الى انها تنتظر كيف ستتم الزيارة وماذا سيطرح خلالها، وفي ضوء ذلك يبنى على الشيء مقتضاه.

 

وردا على سؤال عن اعتذار الحريري، قالت الاوساط: هذا واحد من الخيارات المطروحة، والرئيس الحريري قد اتخذ قراره وينتظر، ولكن لا شيء محسوما او ثابتا حتى الآن، فلن نستعجل الامور، هناك جهود تبذل، وهناك مسعى يقوم به البطريرك الراعي لناحية ايجاد مخرج لعقدة تسمية الوزيرين المسيحيين في الحكومة، فلننتظر الامور لأنها لم تنته بعد.

وحول الشائعات التي تطلق حول «فيتوات» على الحريري ومنعه من تشكيل حكومة، قالت الاوساط: لا شك ان مطلقي هذه الشائعات يرفضون الحل في لبنان، بل يريدون استمرار الازمة، وهذه الشائعات لا ترقى الى الحد الذي تستأهل فيه الرد عليها، وفي مطلق الاحوال فإنّ الجواب سيكون صادماً ومحبطاً لكل هؤلاء.

 

ثنيٌ عن الاعتذار

الى ذلك، كشفت مصادر واسعة الاطلاع لـ»الجمهورية» عن محاولات في الساعات الماضية قامت بها جهات سياسية فاعلة متفهمة لموقف الحريري، لثَنيه عن الاعتذار عن عدم تشكيل الحكومة، واخراج هذه الفكرة من رأسه اذا كان في هذا الوارد.

وبحسب المصادر فإنها تتفهّم اذا كان الحريري يلوّح بالاعتذار امام «المتحاملين عليه» ليردعهم عن اي محاولة للمَس به، ولكن لا نؤيده في ذلك ان اقدم عليه، لأنّ اعتذار الحريري إن حصل، ستكون نتيجته الاولى كارثية بالمعنى السياسي على الحريري، فاعتذاره معناه الانتحار السياسي، وكأنّه يستسلم لعون ويرضخ لجبران ويمنحهما ما يريدانه على طبق من ذهب، اضافة الى آثاره الوخيمة على البيئة والجمهور الازرق بشكل عام. واما على المستوى الحكومي، فالاعتذار سيعقد الامور بشكل كبير جدا، ويوقع البلد في أزمة بديل عن الحريري لتشكيل الحكومة، حيث لن يمتلك احد الجرأة من أن يتقدم للترشيح لرئاسة الحكومة مفتقداً الغطاء الحريري والغطاء السني بكل عام.

 

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *