لفتت مساء أمس تغريدة على حساب البطريركية المارونية عبر موقع “تويتر”، نقلت عن البطريرك بشارة الراعي استعجاله عقد مؤتمر أممي لإنقاذ لبنان من الخطر الوجودي المحدق به، قائلاً: “إنَ ميثاق الأمم المتّحدة ونظامها الداخلي مليئان بالمواد التي تُجيز عقد مؤتمر أممي لحل هذه القضايا، ولا بدّ من الإسراع في عقد هذا المؤتمر لأنَ التأخّر بات يُشكِّل خطراً على لبنان الذي بنيناه معاً نموذج الدولة الحضارية في هذا الشرق، ويستحقُّ الحياة”.
وشكلت تغريدة الراعي الموقف الجدي الفعلي في المشهد السياسي والوطني عقب زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان الذي غادر بيروت على وقع استخفاف قوى السلطة بزيارته والتهكّم على فشل مبادرة بلاده الإنقاذية للبنان، معبراً عن نقمته على المنظومة الحاكمة ومتوعداً بإجراءات عقابية متدرّجة ضد المعرقلين والفاسدين، تبدأ من منع دخولهم الأراضي الفرنسية ولا تنتهي عند إحكام الطوق الأوروبي والدولي حول رقابهم.
بدا واضحاً من سياق اللقاءات المحدودة التي عقدها المسؤول الفرنسي ومن أجوائها المشحونة مع الرؤساء الثلاثة أنّ باريس كفرت بقدرة الطبقة الرئاسية والسياسية الحاكمة على إصلاح ما أفسدته في البلاد، فأصبحت تميل إلى كفة دعم القوى المعارضة وتعزيز مقدرات الصمود والتصدي لديها في سبيل إعادة إنتاج سلطة موازية قادرة على محاكاة متطلبات الشعب اللبناني ومواكبة مرحلة الإصلاحات المطلوبة من المجتمع الدولي. وبهذا المعنى، لاحظت أوساط مواكبة لزيارة لودريان أنها حملت في طياتها “ما هو أشبه ببيان رقم واحد فرنسي يحثّ اللبنانيين على تنفيذ انقلاب انتخابي ديموقراطي على المنظومة الحاكمة، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه والقفز من مركب “الانتحار الجماعي” الذي تقوده السلطة”.
وفي كلمته أمام الصحافيين في قصر الصنوبر قبيل مغادرته لبنان، لم يُخفِ وزير الخارجية الفرنسية الحاجة إلى “تجديد حقيقي في ممارسات لبنان السياسية والمؤسساتية”، مشدداً في هذا المجال على أهمية الاستحقاق الانتخابي العام المقبل باعتباره من “الاستحقاقات الأساسية” التي يجب أن تشكل فرصة لمستقبل لبنان، وندّد في المقابل بالمسؤولين السياسيين الذين بات عليهم “تحمل نتائج الفشل والتنكر للتعهدات التي قطعوها”، مع إشارة غير مباشرة إلى وجود هواجس دولية من إمكانية لجوء الطبقة الحاكمة إلى منع إجراء الاستحقـــاق الانتخابـــي في مواعيده، من خلال حديثه عن وجوب “احترام المواقيت الديموقراطية”، وتنبيهه إلى أنّ “محاولات تأجيل الانتخابات أمر لن تقبل به فرنسا والمجموعة الدولية”.وكشفت مصادر سياسية مطلعة على أجواء لقاءات وزير خارجية فرنسا بالرؤساء الثلاثة ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري أنها كانت “بالغة السلبية”، لا سيما وأنه “رفض الغوص في الملف الحكومي، إنما جاء ليبلّغ المعنيين بأنهم خذلوا باريس ولم يكونوا صادقين معها بعدما نكثوا بوعودهم وفشلوا في تشكيل حكومة كانت فرنسا مستعدة لتقديم كل أشكال المساعدة لتشكيلها”.
ففي بعبدا، وصفت المصادر لقاء لودريان بعون بأنه “كان غير ودي”، فهو “تكلم بلهجة فوقية لم ترُق لرئيس الجمهورية” ورفض الاستماع منه إلى “الشروحات والتبريرات المعهودة حيال عملية عرقلة التأليف ورمي المسؤوليات على رئيس الحكومة المكلف دون سواه، محملاً إياه كما غيره من القيادات السياسية مسؤولية العرقلة، ومحذراً في المقابل من أنّ مرحلة العقوبات انطلقت ولم يعد يجدي التبرير نفعاً مع فرنسا”. والأمر نفسه في عين التينة “لولا حنكة بري الذي عندما استشعر أنّ الضيف الفرنسي غير راغب بالحديث عن الحكومة وعقباتها، تطرق معه مباشرةً إلى رفض أي حكومة لا تكون برئاسة سعد الحريري ولا يكون فيها ثلث معطل، فأوصل بذلك رسالة مقتضبة للقيادة الفرنسية تؤكد التمسك بالحريري وعدم الاستعداد للتفكير بتكليف غيره لتشكيل الحكومة، مع التشديد على أنّ الطرف الذي يتحمل مسؤولية العرقلة معلوم، وهو الوحيد الذي لا يزال يحول دون ولادة الحكومة”.
أما اللقاء مع الحريري فكانت أجواؤه “غير مريحة في الشكل والمضمون”، وفق ما نقلت المصادر، موضحةً أنّ التبريرات “البروتوكولية” لعقد اللقاء في قصر الصنوبر وليس في بيت الوسط لم تكن مقنعة “فكيف يسمح البروتوكول باستقبال رئيس مكلف في قصر الإليزيه ولا يسمح بزيارته في بيروت؟”، ونقلت أنّ “لودريان لم يستثنِ الحريري من مسؤولية الفشل في التأليف والإيفاء بتعهداته أمام الإدارة الفرنسية بتشكيل سريع للحكومة”.
وعن لقاء المسؤول الفرنسي مع مجموعات المجتمع المدني ونواب مستقيلين، أكدت المصادر أنه شدد على “ضرورة خوض الانتخابات النيابية بلوائح موحّدة للمعارضة لأنّ التعاطي الفرنسي المستقبلي سيكون مع هذه القوى التي عليها ان تلملم نفسها وترص صفوفها”، طالباً منهم العمل “بجدية أكبر للوصول سريعاً إلى سدّة الحكم عبر وضع برامج سياسية واقتصادية سينالون على أساسها كل الدعم من فرنسا ومن غيرها من المجتمع الدولي”.