يُستبعد ان يشهد هذا الأسبوع اي تطور سياسي حكومي بفعل العطلة التي ستدخلها البلاد مع نهاية شهر رمضان المبارك وحلول عيد الفطر السعيد، وبالتالي، لا حركة داخلية متوقعة تكسر حالة الجمود الحكومي، فيما الأنظار مشدودة إلى خطوات فرنسية متوقعة، بعد زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان الاخيرة للبنان، حيث تردّدت معلومات، انّ هذه الزيارة، التي كشفت الوجه الفرنسي الآخر حيال المسؤولين اللبنانيين الذين تحمِّلهم مسؤولية الفراغ الحاصل، ستعقبها عقوبات، في رسالة موجّهة الى كل من تعامل بخفة مع السعي الفرنسي لإنقاذ اللبنانيين لا الفرنسيين، وذلك بسبب الأطماع الشخصية والخلافات السلطوية التي حولّت الدولة اللبنانية دولة فاشلة، وعرّضت لبنان وتعرِّضه لمخاطر كبرى.
وفي هذا السياق، لاحظت اوساط متابعة للتطورات الجارية، انّ الرئيس المكلّف فضّل عدم التسرُّع في خطوة الاعتذار، ليس فقط لأنّه يعتبر انّ مسؤولية عرقلة التأليف يتحمّلها فريق العهد، الذي يريد حكومة على شاكلة المستقيلة، لا تستطيع إخراج البلد من ورطته، بل لأنّه جزء من تحالف سياسي يخشى ان يؤدي اعتذاره إلى تحكُّم رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل بمفاصل الحكومة العتيدة، بحجة انّ الوقت داهم والبلد ينهار وانّ تجربة الحريري يجب ان تشكّل درساً لكل من يحاول الوقوف في مواجهة العهد. ويبدو انّ رئيس مجلس النواب نبيه بري غير مؤيّد لخطوة اعتذارالحريري، وكذلك الأمر بالنسبة لرئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، ورئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية.
إلّا انّ السؤال الأساس يبقى في مدى قدرة اللبنانيين على الصمود مع اقتراب موعد رفع الدعم، خصوصاً انّ هذا الدعم سيبدأ رفعه على مراحل، وفي ظل غياب البدائل، على وقع انقسام سياسي وفراغ حكومي وانهيار مالي؟ وهل سيبقى الوضع متماسكاً ام يمكن ان يهتز الاستقرار الاجتماعي؟ وهل من فرصة أخيرة قبل الدخول في المحظور؟
بين بعبدا و«بيت الوسط»
وفي ظلّ هذه التساؤلات وبعد أيام على مغادرة وزير الخارجية الفرنسية بيروت، نشطت الاتصالات على اكثر من مستوى. وكشفت مصادر سياسية تربطها صداقة بمختلف اطراف الخلاف لـ«الجمهورية»، انّ هناك اتصالات بدأت منذ الجمعة الماضي على مستوى الاصدقاء المشتركين لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلّف تشكيل الحكومة سعد الحريري، وبمعرفة وتشجيع رئيس مجلس النواب نبيه بري، من أجل جسّ نبض حول إمكانية إحياء الإتصالات المقطوعة على اكثر من مستوى.
وفي معلومات لـ«الجمهورية»، انّ هذه الاتصالات تهدف الى تسويق سيناريو يتحدث عن احتمال إحياء اللقاءات بين عون والحريري، وكذلك بين عون وبري، اللذين لم يُرصد منذ اشهر اي حركة او لقاء مباشر بينهما، كما جرت العادة، على الرغم من غياب لقاءات الاربعاء الاسبوعية بينهما منذ تفشي جائحة «كورونا».
لقاءات وحركة سرّية
وعلى هذا المستوى، راجت في اوساط قريبة من بعبدا و«بيت الوسط» وعين التينة، معلومات عن لقاءات عُقدت في الساعات الماضية على مستوى المستشارين واصدقاء مشتركين، من اجل اطلاق هذه الحركة السياسية، بدءاً من اليوم، في محاولة لتحقيق مراميها قبل نهاية الأسبوع الجاري، بحيث تكون عطلة عيد الفطر مناسبة لبلورة مشروع تشكيلة حكومية جديدة تحيي الحوار بين هذه الأطراف.
وقالت مصادر نيابية مطلعة لـ»الجمهورية»، انّه بالإضافة الى هذه الاجتماعات المغلقة وغير المعلن عنها، كُشف عن زيارات في الايام الماضية قام بها كل من النائبين علي حسن خليل ووائل ابو فاعور، فيما رُصدت حركة ناشطة لوسيط امني اعتاد ان يلعب هذه الأدوار في اوقات سابقة.
لبنان والاتحاد الاوروبي
ومن جهة اخرى، تتجّه الأنظار الى لقاء وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي المزمع عقده إلكترونياً في الساعات المقبلة، حيث سيخاطبهم الوزير لودريان ويطلعهم على نتائج زيارته لبيروت وما نوى عليه وما تحقق، وخصوصاً انّه سيكون مضطراً الى التشاور معهم في تزخيم العقوبات التي يقترحها ضد معرقلي تشكيل الحكومة والمتهمين بالفساد في لبنان.
مواقف
على صعيد المواقف، قال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، خلال قداس بداية الشهر المريمي وتكريس كنيسة بيت مريم أمس في بازيليك سيدة لبنان – حريصا: «لأننا نناضل لمنع سقوط لبنان، نجدّد النداء إلى المعنيين بتأليف الحكومة ليسرعوا في الخروج من سجون شروطهم، ويتصفوا بالمناقبية والفروسية، ويعملوا، بشرف وضمير وإصغاء مسؤول إلى أنين الشعب، على تشكيل حكومة قادرة تضمّ النخب الوطنية الواعدة». وأضاف: «إذ نلحّ على موضوع الحكومة، فلأننا نخشى أن يُهمل ويُنسى في مجاهل لعبة السلطة داخلياً وفي صراع المحاور إقليمياً»، ملاحظاً «أنّ هناك من يعمد إلى دفع لبنان نحو مزيد من الانهيار لغاية مشبوهة».
وقال: «إنّا إذ نكرّر الدعوة لإعلان حياد لبنان الإيجابي الناشط، وتلازماً لعقد مؤتمر دولي خاص بلبنان برعاية منظمة الأمم المتحدة، فلكي يكون مصير لبنان مستقلاً عن التسويات الجارية في الشرق الأوسط، ولو على حساب حق شعوب المنطقة في تقرير مصيرها. أما نحن اللبنانيون، فمسؤولون عن تقرير مصيرنا الحرّ والسيادي، بعيداً من تأثير أي مساومة، أو تسوية من هنا وهناك وهنالك. دورنا أن نواصل النضال من أجل استعادة القرار الحرّ والسيادة والاستقلال وسلامة كل الأراضي اللبنانية. لا يمكن أن يكون لبنان سيداً ومستقلاً من جهة، ومرتبطاً بأحلاف ونزاعات وحروب من جهة ثانية».
وختم الراعي: «وعليه، نحن نؤيّد تحسين العلاقات بين دول المنطقة، على أسس الاعتراف المتبادل بسيادة كل دولة وبحدودها الشرعية، والكف عن الحنين إلى السيطرة والتوسّع. ونتمنى أن تنعكس أجواء التقارب المستجد على الوضع اللبناني، فيخف التشنج بين القوى السياسية، وتنسحب من الصراعات والمحاور، ما يسمح للبنان أن يستعيد حياده واستقلاله واستقراره. ونطالب هذه الدول بأن تنظر إلى القضية اللبنانية كقضية قائمة بذاتها، لا كملف ملحق بملفات المنطقة».
عوده
ومن جهته، متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده، قال في قداس الأحد في كاتدرائية القديس جاورجيوس في بيروت: «كم نحن بحاجة في هذه الأيام الصعبة إلى أناس مؤمنين بالله الذي يجعلهم أمناء للوطن الممنوح لهم، لبنان، يؤمنون به وطناً نهائياً وحيداً لهم، يعيشون فيه اخوة يتقاسمون فيه الحلو والمرّ، يشهدون له بلا خوف ولا تردّد، ويموتون دفاعاً عنه وحده وشهادة لإيمانهم وتعلّقهم به».
وأكّد «أنّ دور المواطن الصالح هو المساهمة في حفظ كرامة وطنه واحترام دستوره وتطبيق قوانينه والعمل مع مواطنيه من أجل المصلحة العامة لا مصلحة الزعيم أو الحزب أو الطائفة».
مأساة.. وكذب ونفاق
اقتصادياً ومالياً، اذا كانت المياه تكذّب الغطاس، فإنّ الوقائع تُكذّب جميع الاطراف التي لها علاقة بملف الدعم. عملياً الدعم شبه متوقف، بدليل انّ المواطن لم يعد يعثر على قطرة بنزين لسيارته، وحبة دواء لعلاجه، وكيلو عدس مدعوم لسدّ جوعه. انّها المأساة المزدوجة، حيث يؤكّد مصرف لبنان انّه لم يوقف الدعم، ويؤكّد المسؤولون عن قطاع المحروقات انّ البنزين متوافر مبدئياً، لكنه مفقود فعلياً. التجار، أو بعضهم، توقف عن توزيع المواد المدعومة خوفاً من وقف الدعم فجأة قبل تسديد فواتيرهم، بما قد يتسبب بإفلاسهم. تجار آخرون يدّعون الخوف، لكنهم اوقفوا توزيع بضائع مدعومة واحتكروها بهدف تحقيق ارباح خيالية غير مشروعة بعد رفع الدعم. في النتيجة، تتبادل الاطراف المعنية الاتهامات، لكن النتيجة مأساة يتحمّل نتائجها المواطن الذي اصبح يعتاش على كراتين الإعاشات.
«مبادرة» المركزي
في هذه الاجواء القاتمة، أطلق مصرف لبنان ما سمّاه «مبادرة تهدف الى إراحة اللبنانيين ضمن القوانين والأصول التي ترعى عمل مصرف لبنان»، وتقوم هذه المبادرة التي اعلن عنها حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة في بيان صدر مساء امس، على الآتي:
ـ أولاً، يفاوض مصرف لبنان حالياً المصارف اللبنانية بهدف اعتماد آلية تبدأ بموجبها المصارف بتسديد تدريجي للودائع التي كانت قائمة قبل 17 تشرين الأول 2019 وكما أصبحت في 31 آذار 2021، وذلك بالعملات كافة. ولهذه الغاية طلب مصرف لبنان من المصارف تزويده المعطيات ليبني عليها خطة يتمّ بموجبها دفع مبالغ تصل إلى 25 ألف دولار أميركي، وبالدولار الأميركي أو أي عملة أجنبية، إضافة إلى ما يساويها بالليرة اللبنانية. وسيتمّ تقسيط هذه المبالغ على فترة زمنية يُحدّدها مصرف لبنان قريباً. ومن المتوقّع أن يبدأ الدفع ابتداء من 30 حزيران 2021، شرط الحصول على التغطية القانونية.
ـ ثانياً، يُطلق مصرف لبنان منصّة «صيرفة «(SAYRAFA)، أي المنصّة الالكترونية لعمليات الصرافة بمشاركة المصارف والصرّافين، مع ما تؤمّنه هذه المنصّة من شفافية في الأسعار وفي المشتركين فيها، بحيث لا تشمل الصرافين غير الشرعيين. وسيُصدر مصرف لبنان التعاميم إلى الجمهور فور الحصول على إجابة وزير المال كما ينصّ القانون.
وسيقوم مصرف لبنان بالتدخّل عند اللزوم لضبط التقلبات في أسعار سوق الصيرفة، علماً أنّ السعر ستحدّده حركة السوق التي ستكون مفتوحة أمام الأفراد والمؤسسات.
ـ ثالثاً، وعلى عكس ما يُشاع في عدد من وسائل الإعلام، فإنّ مصرف لبنان لا يزال يؤمّن بيع الدولار للمصارف على سعر الصرف الرسمي للمواد الأولية التي قرّرت الحكومة دعمها، وهو ملتزم ببيع هذه الدولارات على السعر الرسمي لكل الاعتمادات التي وافقت عليها المراجع الرسمية، والمصرف المركزي ينفّذ هذه العمليات يومياً وتباعاً.
من ناحية أخرى، وحفاظاً على استمرارية مقاربة الدعم وفق ما تقتضيه المصلحة اللبنانية العليا ومصلحة المودعين، والتزاماً بقانون النقد والتسليف، وجّه مصرف لبنان كتباً إلى الوزارات المعنية من أجل ترشيد الدعم، وهو ينتظر الأجوبة الواقعية والتي يمكن تنفيذها قانوناً.
تساؤلات مشروعة
هذه المبادرة، ورغم انّها توحي أنّ عملية استعادة المودعين لودائعهم سوف تبدأ في حزيران المقبل، الّا انّ اسئلة كثيرة مطروحة حول امكانات النجاح، من أهمها الآتي:
ـ اولاً- إذا كان سقف إعادة الودائع هو 25 الف دولار سنوياً، كما ذكر بيان مصرف لبنان، فهل يعني ذلك انّ وديعة قيمتها مليون دولار سيتعهّد المصرف بإرجاعها الى مودعها في خلال 40 سنة؟ وماذا اذا كانت قيمة الوديعة 10 ملايين دولار، هل ينتظر صاحبها 400 سنة للحصول عليها؟ وماذا عن وديعة الـ100 مليون دولار؟!
ـ ثانياً، من أين سيكون مصدر تمويل إعادة الودائع؟ هل سيتمّ استعمال الاموال التي كوّنتها المصارف في المصارف المراسلة بناء على التعميم 154؟ وماذا عن التعهدات التي وقعّتها المصارف مع اصحاب هذه الاموال، والتي تعهّدت بموجبها بإبقاء هذه الاموال مُحرّرة ودفعت فوائد في مقابلها؟
– ثالثاً، كيف ستتعهد المصارف بإعادة الودائع، ولم يتمّ بعد انجاز مشروع اعادة هيكلتها وتصنيفها، لكي يتبين من هي المصارف القادرة على الاستمرار ومن هي المصارف العاجزة؟
ـ رابعاً، كيف ستتصرف المصارف غير القادرة على الدفع، والتي لم تنجح في تكوين اموال في الخارج؟ هل يُحرم المودع الذي شاء الحظ انّه يتعامل مع هذه المصارف من حقه في استعادة وديعته بالتقسيط؟
ـ خامساً، هل تعني الصيغة المبهمة التي استخدمها البيان للحديث عن المنصة الالكترونية انّ مصرف لبنان سيستخدم اموال الاحتياطي الالزامي لدعم سعر صرف الليرة عند الحاجة؟
كلها اسئلة تؤكّد انّ الامور لا تزال ملتبسة، وانّ كل الإجراءات الموعودة لا تنفي حقيقة انّ المواطن يجوع ويُذل، ولم يعد قادراً على تأمين الغذاء والدواء والمحروقات، والدولة بكل اركانها غائبة.
كورونا
صحياً، أعلنت وزارة الصحة العامّة في تقريرها اليومي أمس حول مستجدات فيروس كورونا تسجيل 570 إصابة جديدة (561 محلية و9 وافدة) ليصبح العدد الإجمالي للإصابات 532839 اصابة. كذلك سجل التقرير 26 حالة وفاة جديدة، ليصبح العدد الإجمالي للوفيات 7486 حالة.
دعم الأدوية
الى ذلك، أكّد وزير الصحة في حكومة تصريف الاعمال الدكتور حمد حسن لـ»الجمهورية»، انّ «رفع الدعم عن الدواء او ترشيده امر مرفوض كلياً في هذه المرحلة، ولن نقبل بحصوله، لأنّ الأمن الصحي للمواطن هو فوق كل اعتبار»، مشدّداً على «أنّ الدواء يجب أن يكون في آخر لائحة ترشيد الدعم وهو ليس كأي سلعة أخرى».
واشار حسن الى «انّ ترشيد الدعم للدواء يجب ان يكون مسبوقاً بسدّ حاجة السوق من الأدوية وحليب الأطفال والمستلزمات الطبية وكذلك بتعزيز الصناعات الدوائية الوطنية، وهذا يحتاج إلى فترة تمتد ما بين ثلاثة وستة أشهر تقريباً».
وقال: «انّ الدواء له خصوصية، وبالتالي فإنّ استمرار دعمه لوقت إضافي هو قرار ضروري ومبرّر، على أن يترافق ذلك مع تفعيل دور الاجهزة الرقابية المختصة لمنع تهريب الأدوية كما يحصل مع تهريب المواد المدعومة الأخرى مثل المحروقات والسلة الغذائية والمواشي».
واعتبر «انّ مواصلة دعم الدواء ستكون أقل وطأة على الدولة والشعب على حدّ سواء اذا كان المال سيُصرف لخدمة المواطن حقاً وليس لخدمة المهرّبين، مع لحظ ضرورة الاحتكام الى أولويات وزارة الصحة في الدعم الدوائي وليس الى اي نوع من انواع الاستنسابية».
ولفت حسن الى «انّ المرحلة الانتقالية التي نمرّ فيها تتطلب تسجيل أدوية بديلة (جنريك)، كونها تجمع بين الفعالية المطلوبة والأسعار التنافسية التي يمكن أن تكون اقل بنحو 30 في المئة من تلك المعتمدة في السوق».