دخل ملف تشكيل الحكومة اللبنانية العتيدة في مرحلة جمود لا يعرف مداها حتى الساعة، رغم حديث البعض عن محاولات مستجدة لإعادة تحريك الاتصالات المتوقفة بين الطرفين المعنيين الأساسيين، أي رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، وما بينهما من عقد ترتبط أيضاً برئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، حيث باتت مسألة عقد لقاء بين الأخير والحريري يوازي أو يفوق أهمية السباق على الحصص الوزارية التي لا تزال عالقة.
وتعكس مواقف حلفاء الطرفين (الثنائي الشيعي)، أي “حركة أمل” التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري (القريب من الحريري)، و”حزب الله” (حليف باسيل)، هذا التأزم بعد محاولتهما الدخول على خط كسر الجليد وطرح حلول باءت كلها بالفشل حتى الساعة.
وبدا واضحاً تصويب بيان “حركة أمل” أمس (الاثنين)، سهامه بشكل غير مباشر على رئاسة الجمهورية والتيار الوطني الحر، وحديثه عن فشل مبادرة بري الأخيرة التي تقضي بتأليف حكومة من 24 وزيراً كما عن الفساد في الكهرباء وانتقاده المواقف حول التدقيق الجنائي وغيرها، في وقت تقرّ مصادر مقربة في “حزب الله” بفشله في كل المحاولات التي قام بها لتقريب وجهات النظر بين الحريري وباسيل، مع تأكيدها أن الحزب سيستمر في مساعيه، وإن كانت اتصالاته متوقفة في الوقت الحالي.
وتقول مصادر لـ”الشرق الأوسط” إن “موقف حزب الله معروف حيث يرى أن الأولوية اليوم هي تشكيل الحكومة ومعالجة الوضع الاقتصادي، لذا كانت الدعوة ولا تزال لعقد لقاء في أسرع وقت بين عون والحريري لكسر الجليد وإعادة بناء الثقة لاعتقادنا أنه من دون عقد اللقاء من الصعب تشكيل الحكومة”.
وعن دور “حزب الله” مع حليفه باسيل كما دور بري مع الحريري للعب دور إيجابي على خط الحل تقول المصادر: “حصلت جهود في هذا الإطار مع الطرفين من قبل حزب الله وحركة أمل، لكنها لم تصل إلى نتيجة ولا نزال نحاول تقريب وجهات وترميم الثقة بين الطرفين”.
وتضيف: “اللقاءات بين حزب الله وباسيل مستمرة ومفتوحة لحرصه على الإسراع بتشكيل الحكومة”، موضحة أن “رئيس التيار لديه وجهة نظر نقدرها ونحترمها كما نحترم وجهات النظر الأخرى بحيث يقول إن الحريري يلتقي الجميع ويرفض اللقاء به إضافة إلى مبدأ تسمية الوزراء المسيحيين مقابل تسمية الطوائف الأخرى لوزرائها”.
مع العلم بأن باسيل يعلن صراحة عن مطلب تسمية الوزراء المسيحيين على غرار الطوائف الأخرى، فيما عقدة لقاء الحريري – باسيل، ليست جديدة، وإن كان لا يقر بها الأخير، وكانت قد أشارت المعلومات إلى محاولات سابقة في هذا الإطار كان آخرها عبر باريس التي حاولت أيضاً العمل على عقد اللقاء لكنها قوبلت برفض الحريري الذي ربط حصوله بما بعد تشكيل الحكومة.
أما على خط “حركة أمل”، فلا يبدو أن الوضع أفضل وإن كانت سهامها موجهة بشكل غير مباشر إلى العهد حيث انتقدت أمس “مواقف الأطراف والتذاكي في رمي الاتهامات بالتعطيل السياسي وهو ما بدأ يطرح أسئلة أكثر تعقيداً حول طبيعة النظام والقدرة على الاستمرار”.
وقالت “أمل” في بيان لمكتبها السياسي: “يزداد قلق اللبنانيين ليصل إلى حدود اليأس نتيجة مواقف الأطراف والتذاكي في رمي الاتهامات بالتعطيل السياسي الذي تجاوز حدود المعقول، ولم يضرب صورة العهد والسلطة وقدرتهما على المعالجة، بل بدأ يطرح أسئلة أكثر تعقيداً حول طبيعة النظام، والقدرة على الاستمرار والحفاظ على وجود اللبنانيين وحمايتهم سياسياً واجتماعياً، وعلى الثقة بالنهوض من جديد بعد تضييع الفرصة التي كانت مدخلاً لتجاوز الأزمة وبدء مساعي الحل الاقتصادي والمالي والاجتماعي، عبر الالتفاف على مبادرة الرئيس نبيه بري والعودة لطرح صيغ تعيدنا إلى مربع الثلث المعطل بشكل أو بآخر وتبعدنا عن الوصول إلى تفاهم وتسوية يجب أن تبقى قائمة على قاعدة المبادرة الفرنسية”.
وأكدت “أمل” أن “تطورات المنطقة والحوارات القائمة بين دولها تفرض من جديد التركيز على الإسراع في الوصول إلى حلحلة العقد، والابتعاد عن الحسابات المصلحية والخاصة وإنجاز تشكيلة حكومة قادرة على مواكبة ما يجري، والاستفادة من الفرص حتى لا تكون نتائج ما يجري في الإقليم على حساب لبنان وشعبه، ولننقذ ما يمكن بعد الانهيارات الواسعة في تأمين مقدرات عيش اللبنانيين وحياتهم التي أصبحت بأبشع صورها مع فقدان المواد الأساسية والارتفاع الحاد بالأسعار”.
وجددت التأكيد على أن “مفتاح الحل الجوهري هو في التمسك بميثاقنا ودستورنا، والتركيز على ما لم يطبق منه، بدءاً من إقرار قانون جديد للانتخابات النيابية يلبي طموحات اللبنانيين وينسجم مع ما ورد في اتفاق الطائف”، مشيرة إلى أنه “آن الأوان لكي نبدأ بنقاش بعيد عن التوترات والحسابات الضيقة، تمهيداً للانتخابات النيابية المقبلة التي نصّر على إجرائها في مواعيدها، ونرفض مجرد الهمس في إمكانية تأجيلها، مذكرين بمسؤولية الإخلال بالواجبات الدستورية لكل من لا يقوم بدوره في إصدار المراسيم والقرارات اللازمة لإجراء الانتخابات الفرعية”.