على الرغم من مرارة الوضع المعيشي والأزمات المتوالدة، يوماً بعد يوم، مع اقتراب نهاية شهر الصوم، ورفع الدعم عن السلع الأساسية كالمحروقات والخبز والدواء، فضلاً عن افتعال مشكلات شائكة كاختفاء هذه السلع، تمهيداً لرفع أسعارها، أكثر مما هي عليه الآن، وانعدام رؤية مشروع حلحلة أو انفراج في الجو الحكومي، فإن المواجهات البطولية للمقدسيين والفلسطينيين في القدس، والضفة، ونابلس ويافا فضلاً عن غزة التي ردّت الصاع صاعين، وأنذرت الاحتلال بالانسحاب من الأقصى، كانت موضع متابعة حماسية من اللبنانيين، الذين شعروا بالتضامن والاعتزاز بالوقفة البطولية لاشقائهم الفلسطينيين.. علّها ترسم الأمل بالدولة الفلسطينية والعودة إليها انفاذاً للقرارات الدولية..
في ظل هذا الترقب، تمعن الطبقة السياسية بالاستهتار بمصالح اللبنانيين، واستقرارهم، وتأليف حكومة، تتولى معالجة الأزمات المستفحلة، على كل المستويات والتي تُهدّد الأمن الاجتماعي والاستقرار العام.
سياسياً، يترقب الوسط الرسمي والسياسي مسار تطورات الايام المقبلة بعد زيارة وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان والخطوة الفرنسية الجديدة بعد التلويح ببدء الاجراءات العقابية على معرقلي حل الازمة، فيما نشطت الاتصالات الداخلية على اساس مبادرة الرئيس نبيه بري الذي بدأ جس النبض باتصال معاونه السياسي النائب علي حسن خليل بالرئيس سعد الحريري، ولاقاه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط باتصال اجراه عضو كتلته النيابية وائل ابو فاعور ايضاً بالحريري. لكن حسب تيار «المستقبل» لم تعرف تفاصيل الاتصالات، وقالت: المطلوب الانتظار لنرى مسار التطورات بعد عطلة عيد الفطر.
في هذه الاثناء، تنهمك الاطراف المعنية بما وصفته مصادر متابعة عن كثب مرحلة تقييم مرحلة ما بعد زيارة لودريان، حيث يدرس الرئيس الحريري الخيارات المتاحة بين الاعتذار الباهظ الكلفة عليه وعلى تياره سياسيا وبين المضي في مشاورات تأليف الحكومة لكن وفق الحد الادنى من الشروط والمعايير الموضوعة من دون التنازل عن موقفه بعدم لقاء النائب جبران باسيل قبل تشكيل الحكومة.
بالمقابل، تقول اوساط مطلعة على موقف رئاسة الجمهورية ان دوائرها ما زالت ايضا في مرحلة التقييم للمرحلة الماضية ولم يُتخذ اي قرار برغم ان التواصل مستمر مع الفرنسيين، وان كل ما يتم التداول به عن اتصالات ومساعٍ جديدة لم يتبلغ بها القصر الجمهوري وليس معنياً بها بشكل مباشر الى حين حصول تطور يُعتد به.
وقالت أوساط سياسية لـ«اللواء» أن المشهد اللبناني قابل على متغيرات تتصل بترددات رفع الدعم وما يمكن ان يكون عليه المقابل سواء من خلال البطاقة التمويلية أو من خلال أي إجراء آخر. وقالت هذه الأوساط أن عدم الوضوح في الرؤية حتى الآن يفتح المجال أمام رسم تكهنات غبر سليمة لمسار الأوضاع في لبنان حتى وإن صدر تطمين من هنا أو هناك.
وأشارت إلى أن من هناك من يتحدث عن تضخيم ما قد يفضي إليه رفع الدعم لكن ما حقيقة الأمر تفيد أن اللبنانيين سيجدون أنفسهم في ليلة وضحاها أمام واقع ارتفاع جنوني للسلع والبنزين وغيره وغيره.
اوروبا تتابع
وبرغم الاجواء السلبية التي احاطت زيارة الوزيرلودريان، أكد الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل، «أن بعض الدول الأوروبية قلقة للغاية إزاء تدهور الوضع في لبنان».
وقال بوريل، قبل بدء مباحثات وزراء الخارجية صباح امس في بروكسل، إنه بحث الأزمة مع وزير الخارجية اللبناني شربل وهبة يوم الأحد، معبّراً عن أسفه لعدم تحسن الوضع في لبنان.
ومن المقرر أن يعرض الوزير لودريان، تقريراً على نظرائه حول نتائج زيارته منتصف الأسبوع الماضي إلى لبنان. وهدد لودريان من أنه إذا استمرت حالة المراوحة فقد يصار إلى «تشديد هذه الإجراءات أو توسيعها لتطال مسؤولين من دون أن يذكر أسماءهم.ويمكن أن تستكمل بأدوات ضغط متاحة لدى الاتحاد الأوروبي.
وشدد على أنه «يعود للمسؤولين اللبنانيين أن يقرروا ما إذا كانوا يريدون الخروج من المأزق الذي وصلوا إليه».
وفي السياق، أفاد دبلوماسي أوروبي، في حديث لـ«العربية»، بأن «قسم العمل الخارجي الأوروبي وزّع ورقة خيارات على الدول الأعضاء، تشمل حوافز لتفعيل الشراكة مع لبنان، إذا تم تشكيل حكومة إصلاحات، لكن الورقة لا تستبعد خيار العقوبات».
وأضاف: إننا نتقدم خطوة خطوة باتجاه إجراءات ملموسة.
شنكر ينعى مفاوضات الترسيم
اعتبر مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق ديفيد شينكر أن «الموقف الذي قدمه لبنان بشأن ترسيم الحدود لم يأت بحل، والإسرائيليون يستخرجون الآن الغاز، وعلى غير استعداد للتوصل الى اتفاق مع لبنان».
وقال في حديث لقناة «الحرة»: «لبنان يعتبر أن لديه كل الوقت، ونصرالله قال أمس أن المقاومة في وضع ممتاز ولا أحد يهتم بلبنان خاصة حزب الله».
وأضاف شينكر: «ولكن في هذا الوقت، سوريا تنتهك سيادة لبنان في الشمال وتبرم العقود مع شركات روسية للتنقيب واستخراج الغاز في المياه التابعة للبنان ولبنان لا يهتم بانتهاك سيادته من قبل سوريا فاعتقد أن هذه المفاوضات سخيفة ولن تنجح ومأسوف عليها».
المنصة.. وتعاميم الحاكم
وفي سياق الوضع المعيشي والمالي، وجّه وزير المال في حكومة تصريف الأعمال كتاباً جوابيّاً إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، حول موضوع إطلاق منصّة الصيرفة، مبدياً موافقته للتنسيق معه على إطلاقها «بهدف المساعدة على تأمين ثبات القطع استناداً إلى أحكام المادة 75 من قانون النقد والتسليف» بحسب بيان الوزارة.
وعلى خط موازٍ، أعلن الحاكم سلامة في كتاب أرسله إلى وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال راوول نعمة عن «تعديل آلية بيع الدولار بالسعر الرسمي مقابل الليرة، بحيث تتطلب الآلية الجديدة الحصول على موافقة مسبقة من مصرف لبنان لأي طلبات جديدة».
كما أصدر مصرف لبنان تعميماً للمصارف يتعلّق بتعديل التسهيلات الممكن أن يمنحها المصرف المركزي للمصارف وللمؤسسات المالية بالإضافة إلى إجراءات استثنائية حول السحوبات النقدية من الحسابات بالعملات الأجنبية، ومساعدة المتضرّرين من الانفجار في مرفأ بيروت
وكذلك، وجه المصرف المركزي تعميماً للمصارف يتعلّق بإجراءات استثنائيّة حول العمليات على العملات الأجنبيّة، وآخر لمؤسسات الصرافة، يتعلّق بتعديل القرار الأساسي المتعلّق بالمنصة الالكترونية لعمليات الصرافة.
وفي حين استمرت الزحمة امام محطات الوقود القليلة التي ما زالت توزع البنزين لليوم الثاني على التوالي، اوضح عضو نقابة اصحاب المحطات في لبنان جورج البراكس ان «ازمة البنزين في طريقها الى الحلحلة لأن الشركات المستوردة باشرت امس، توزيع المحروقات وستستمر في التوزيع حتى عيد الفطر». وقال: ان إحدى البواخر المحملة كميات كبيرة حصلت على موافقة مصرف لبنان وباشرت التفريغ في المستودعات الخاصة في الدورة.
واشار الى «البلبلة التي حصلت في اليومين الماضيين بسبب الشائعة عن رفع الدعم عن المحروقات وادت الى هلع المواطنين وقلقهم والتهافت على محطات البنزين». موضحا ان «هناك محطات لديها مخزون منخفض بسبب التقنين في الاعتمادات مما اضطر بعض المحطات الى الاقفال».
ولفت الى ان «هناك باخرة موجودة في عرض البحر منذ عدة ايام لم يصدر بعد الاعتماد الخاص بها كما هناك بواخر مقبلة»، متمنيا ان «يقوم مصرف لبنان بتسهيل فتح الاعتمادات والاسراع فيها لاراحة السوق».
واكد ان «لا رفع للدعم عن المحروقات في المدى المنظور فموضوع المحروقات معقد جداً، وانعكاساته السلبية على المواطنين اكبر من أي سلعة اخرى». كاشفا ان «هناك 3 مليارات دولار قيمة استيراد المحروقات سنويا، فرفع الدعم لن يكون سهلا وتأثيره لن يكون فقط على سعر البنزين بل على كل السلع».
اعتصام الأطباء
وسط هذا الجمود والتأزم بدا الأخطر، ما آل إليه الصدام بين الجسم القضائي والجسم الطبي، فقد نفذت نقابة الأطباء أمس إضراباً تحذيرياً لأسبوع، انطلاقاً من أمس، عبر توقف القطاع الاستشفائي عن العمل، مع استمرار استقبال الحالات الطارئة أو غير الممكن تأجيلها، احتجاجاً على قرار رئيس محكمة استئناف الجنح القاضي طارق بيطار في قضية الطفلة إيلا طنوس التي بترت أطرافها الأربعة.
واعتصم ظهراً عشرات الاطباء من مستشفيات العاصمة والمناطق، أمام قصر العدل في بيروت، في حضور نقيب اطباء لبنان في بيروت البروفسور شرف ابو شرف ونقيب أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون ورؤساء ومديري المراكز الصحية والطبية في المستشفيات، استنكارا لصدور «القرار الظالم والجائر بحق الطبيبين والمستشفيين المعنيين بقضية الطفلة ايلا طنوس».
واستهجن نقيب الاطباء القرار الصادر عن القاضي طارق بيطار، وقال: «إنه قرار ظالم ومجحف، والنقابة تعترض عليه وستستمر في التصعيد واكمال الطريق حتى احقاق الحق وانصاف العدل في هذه القضية».
ونبهت نقابة الصيادلة من اختصار القطاع الصيدلي، لأن المنظومة السياسية بأي حل من شأنه اخراج القطاع الصيدلاني من غرفة العناية المركزة ومعه الشعب، الذي بات بين البحث عن علبة حليب للاطفال وعلبة دواء وتنكة بنزين ورغيف خبز كمن يعيش مأساة يومية يتمنى الموت فيها على الذل الذي يعيشه في بلد ينهار بمؤسساته كافة والمسؤولون عنه ما زالوا يبحثون عن التوافق في ما بينهم حول جنس الملائكة قبل ان يستمعوا الى صرخة شعب يحتضر».
533141 إصابة
صحياً، أعلنت وزارة الصحة العامة عن 21 حالة وفاة و302 إصابة بفايروس كورونا، خلال الـ24 ساعة الماضية ليرتفع العدد التراكمي إلى 533141 حالة مثبتة مخبرياً، منذ 21 شباط 2020.