اكتمل مشهد الانهيار الاخلاقي والسياسي والاقتصادي بالامس، مع دخول المواجهة المفتوحة بين القطاع الطبي والقضاء مرحلة دقيقة بعدما اضربت القطاعات الصحية، وتوقفت عن استقبال المرضى الا الحالات الطارئة منها. هذا «الكباش» على خلفية قضية الطفلة ايلا طنوس، زادت على واقع اذلال اللبنانيين مشهدا جديدا حيث امضوا نهارهم بالوقوف على محطات الوقود، والبحث عن الكهرباء، وملاحقة اسعار المواد الغذائية، واللحوم، والدجاج، حيث ارتفعت الاسعار دون حسيب او رقيب، وكان رفع الدعم بات امرا واقعا، فيما الغموض لا يزال سيّد الموقف حيال بيان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة حول امكانية استعادة المودعين جزءا من دولاراتهم ابتداء من حزيران المقبل، وسط علامات استفهام كثيرة حيال امكانية تطبيق هذه الخطوة التي تحتاج الى تفاهمات غير متوفرة حتى الان مع المصارف. وفي ظل مناخات «ضبابية» حيال حدود العقوبات الاوروبية المرتقبة ومدى فعاليتها، عكس البيان «العنيف» للمكتب السياسي لـ «حركة امل» تجاه بعبدا وميرنا الشالوحي، استمرار المناخات السلبية الداخلية حيال الملف الحكومي، فيما يراهن الرئيس المكلف سعد الحريري على زيارة مرتقبة للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى السعودية منتصف الجاري»ليبني على الشيء مقتضاه».
هذه المناخات الداخلية المعقدة تتزامن مع ارتفاع منسوب التوتر على الحدود الجنوبية تزامنا مع اطلاق العدو الاسرائيلي لمناوراته العسكرية، التي جمدها لـ24 ساعة بالامس، تزامنا مع التصعيد في القدس المحتلة وقطاع غزة، وقد سارعت «اسرائيل» الى محاولة التهدئة على الجبهة اللبنانية بعد تحذيرات الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، مستخدمة «القناة الروسية»، وذلك على وقع ارتفاع المخاوف في «الجبهة الداخلية الاسرائيلية» من تعاظم القدرات الصاروخية لدى المقاومة التي رأى فيها احد المراكز البحثية بأنها توازي القوة النارية لحلف «الناتو»!.
«تطمينات» عبر موسكو
وفي هذا السياق، علمت «الديار» انه بعد ساعات من تحذيرات الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لـ»اسرائيل»، سارعت «القيادة الاسرائيلية» الى اجراء اتصالات رفيعة المستوى مع الجانب الروسي باعتباره الطرف الاقدر على ايصال رسائل الى الطرف الاخر، وبحسب اوساط ديبلوماسية، اكد مضمون «الرسالة» ان المناورات الواسعة، ليست مقدمة لحرب على الجبهة الشمالية، وانما مجرد اجراءات روتينية عسكرية لتعزيز «الردع»، ورفع مستوى الجاهزية العسكرية. وقد حرصت موسكو على نقل هذه «الرسالة» الى كل من طهران، ودمشق، وبيروت لتجنيب المنطقة أي تصعيد اضافي، وعدم حصول اي أحداث غير محسوبة في الميدان، مع وجود «تأكيدات إسرائيلية» بالحرص على عدم اتخاذ اي خطوة تؤدي الى حرب محدودة او الى مواجهة مفتوحة…! وبالتوازي، تحدثت صحيفة «هارتس» ان «إسرائيل» نقلت ايضا رسائل تهدئة الى الدول العربية التي فتحت معها علاقات مؤخرا، وطالبوهم بنقل «رسائل» الى «حركة حماس» التي تملك برأيهم كل الأسباب التي تجعلها «تضرم النار» في هذا التوقيت في ظل فترة سياسية انتقالية في «اسرائيل»، وتقدر «حماس» بأن «قادة إسرائيل» ليسوا في وضع يخوّلهم إعلان الحرب على القطاع.
قلق من صحة كلام نصرالله
من جهتها رجحت صحيفة «يديعوت احرنوت « أن تبقى مناورة «مركبات النار» في غرفة العمليات، وفي اطار المناورات على الجبهة الشمالية، وقالت انها لن تنتقل إلى وضع حقيقي هناك. وذَكرت الصحيفة بكلام السيد نصر الله الاخير الذي اكد فيه ان المقاومة ستكون متأهبة وكل الجبهات قابلة للاشتعال. وفي محاولة منها لشرح الاسباب الكامنة وراء عدم جهوزية «اسرائيل» للحرب، اشارت «يديعوت» الى ان كلام الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في «يوم القدس»، وقوله بأن «إسرائيل» خائفة جداً وهناك ثغرة في جدار الكيان الصهيوني الذي يسير نحو حرب أهلية وأن «الجمهور الإسرائيلي» خائف من هذا الاتجاه. اضافة الى تأكيده بأن «الجيش الإسرائيلي» ليس واثقاً بقدرته على التصدي للنار من عدة اتجاهات، إذا ما نشبت حرب. كل هذا التوصيف مقلق جداً، برأيها، ويلقي بالأضواء على عزلة كبار رجالات جهاز الأمن وفي مقدمتهم رئيس الأركان افيف كوخافي، ورئيس الشاباك نداف ارغمان، الذين يتعين عليهم أن يتخذوا القرارات على نحو منقطع عن الأحداث السياسية الداخلية. وبرأي «يديعوت» فإن فراغ أداء القيادة السياسية واضح داخل «اسرائيل» وعلى مستويات الجيش والمخابرات، ويدرك كبار المسؤولين بأن مسؤوليهم لا يؤدون مهامهم ومنشغلون بآخر ترتيبات الحكومة التالية وبمعركة رئيس الوزراء للبقاء، وهكذا يكون صعباً بل ومتعذراً إدارة اي أزمة أمنية تمر بها البلاد.
المقاومة و»الرسائل»؟
في المقابل، لا تبالي المقاومة بكل «الرسائل الاسرائيلية» وتتعامل بجدية كاملة مع «المناورات الاسرائيلية»، حيث الاستنفار بلغ ذروته في الساعات القليلة الماضية، ووفقا لاوساط مطلعة فان التطمينات «الاسرائيلية» لا تعني شيئا، ولا تقدم او تؤخر، وأي «دعسة» خاطئة من قوات الاحتلال سيكون الرد عليها سريعا وحاسما. ولا احد يمكنه الجزم في ظل حالة الفوضى السياسية والارباك الامني، ما يمكن ان ترتكبه «اسرائيل» من اخطاء، ولهذا لا يمكن الركون الى «المناورات» السياسية او العسكرية، والتعامل سيكون مع الوقائع لا مع «الرسائل».
«الناتو» وقوة حزب الله!
وفي سياق «المتابعة الاسرائيلية» الحثيثة لتعاظم قدرات حزب الله القتالية كشف مركز دراسات «إسرائيلي» عما تدعيه القياداة العسكرية والامنية انه «خريطة» تحدد بشكل تفصيلي انتشار الصواريخ التابعة للحزب في مناطق لبنانية مختلفة، ويزعم موقع مركز الدراسات الإسرائيلي «ألما» في تقريره العسكري ان الخريطة تكشف عن ستة مواقع عسكرية جديدة… لكن المفارقة في تقييم المركز تكمن في انه يشير الى ان التقديرات الموجودة في «اسرائيل» تشير الى ان نطاق القوة النارية التي يمتلكها الحزب، باتت تضاهي لا بل تتجاوز في بعض النواحي جيوش «الحلف الاطلسي».
«غراد» «فجر» و»بركان»
وبحسب الخريطة هناك خطين أساسيين للدفاع أنشأهما الحزب بهدف إعاقة أي مناورة برية مستقبلية لـ «الجيش الإسرائيلي» في لبنان. ومن هذه المناطق يخطط الحزب، لتوجيه صليات كثيفة من النيران في اتجاه التجمعات السكانية الإسرائيلية، يبدأ الخط الأول عند «الحدود الإسرائيلية» ويمتد شمالاً حتى نهر الليطاني، ويحتوي على عدد كبير من صواريخ «غراد» و»فجر» بمدى 75 كيلومتراً، ما يضع مستوطنات شمال «إسرائيل» في دائرة الاستهداف. كما تحتوي المنطقة على نوع ثالث من صواريخ «بركان»، يمتاز بمداه القصير وقوته النارية المدمرة، وهو استخدم بنجاح في معارك حزب الله مع المجموعات المسلحة في سوريا واثبت قدرة عالية على التدمير. كما أشار التقرير إلى أن خط الدفاع الأول في لبنان يحتوي أيضا على وجود مكثف للصواريخ المضادة للدبابات والصواريخ المضادة للطائرات المحمولة على الكتف.
«خط الدفاع» الثاني
أما خط الدفاع الثاني يبدأ عند نهر الليطاني ويمتد شمالاً حتى نهر الزهراني. وفي هذه المنطقة، وفقاً لتقييم «الما»، تنتشر صواريخ «زلزال» متوسطة المدى، التي يبلغ مداها 200 كيلومتراً، جنباً إلى جنب مع بطاريات حديثة مضادة للطائرات، فيما يشكل سهل البقاع شرقي لبنان، خلفية لوجستية وعملياتية للحزب، فضلا عن استضافته مصانع الأسلحة التي يبدو أنها تصنع مكونات للصواريخ الموجهة بدقة.
وما يقلق «اسرائيل» محاولات حزب الله تحويل صواريخ فاتح -110 إلى صواريخ موجهة، وهو امر بحسب التقرير يشكل تهديدا خطيرا لأنه يمنح الحزب القدرة على استهداف «المواقع الاستراتيجية الإسرائيلية» بدقة. وتوقع «الما» ان تتمكن «أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية» المتعددة الطبقات من وقع العديد من هذه الترسانة، إلا أنها لن تكون قادرة على اعتراض كل شيء بحسب مسؤولين امنيين وعسكريين سابقين في «اسرائيل».
«عين التينة» تصعد مع بعبدا؟
حكوميا، خرق البيان الشديد اللهجة الصادر عن المكتب السياسي لـ»حركة امل» حالة الجمود السياسي التي تلت مغادرة وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان بيروت واعلانه «وفاة» المبادرة الفرنسية، وبحسب اوساط سياسية مطلعة، يعكس هذا الهجوم العالي النبرة تجاه بعبدا وميرنا الشالوحي، وصول المبادرات الداخلية الى «حائط مسدود»، بعد محاولة يتيمة من قبل عين التينة التي تحركت خلال الساعات القليلة الماضية من خلال «جس نبض» «بيت الوسط» مباشرة، والرئاسة الاولى، عبر وسطاء، حيال اعادة احياء مبادرة الرئيس نبيه بري لتشكيل حكومة من 24 وزيرا، مع طرح حل وسطي يقضي بتسمية وزيرين مسيحيين من قبل اطراف مسيحية حيادية ممثلة في المجلس النيابي. لكن هذه المبادرة لم تلق اي رد فعل ايجابي من قبل رئيس الجمهورية وفريقه السياسي.
وقد ترجم هذا الانسداد في بيان الحركة بالامس تصعيدا تجاه «المعرقلين»،حيث عبّرعن قلق اللبنانيين نتيجة مواقف الأطراف والتذاكي في رمي الاتهامات بالتعطيل السياسي الذي تجاوز حدود المعقول، وبحسب البيان»المطلوب ليس تكرار شعارات شعبوية، بل ترجمة فعلية وكشف وفضح ومحاسبة تقوم على معايير القانون والعدالة. وآخر الأسئلة هي حول التدقيق الجنائي ومساره، وأين أصبح وما هي الخطوات العملية لإنجازه وتحديد كل ما يتعلق بمصير أموال الناس وحساباتها…
وهنا السؤال الدائم حول المسؤولية المباشرة عن تعطيل مصالح البلد نتيجة السياسات التي أوصلت الكهرباء إلى حالتها الحالية والعتمة التي يعيشها البلد وإمكانية توسعها، وهذا يفرض بأن يبدأ بتدقيق جنائي مباشر بهذا الملف الذي تتكامل فيه عناصر الخلل من الانتاج إلى شركات الخدمات وفشلها والتمديد لها إلى ما يتعلق بالجباية وصفقات الفيول ومسارها وغيرها، ومسؤولية الوزراء المتعاقبين عن كل هذا الخلل الذي لن تغطيه تعمية الحقائق برمي الحجج والاتهامات الممجوجة. وقد وجه البيان سهام الانتقاد لما اسماه الاستعراضات القضائية الاخيرة «غامزا من قناة» تحرك القاضية غادة عون، كما انتقد عدم «الافراج» عن التشكيلات القضائية التي رفض رئيس الجمهورية توقيعها. في المقابل، تشير اوساط بعبدا الى انها ليست في وارد التراجع عن التزام الرئيس المكلف بالمعايير المكلوبة كي يحصل على توقيع الرئيس والا فان «الفراغ» يبقى افضل من تشكيل حكومة على قياس الحريري وفريقه السياسي.
لماذا تريث الحريري ؟
من جهتها، اكدت مصادر «تيار المستقبل» ان فريق رئيس الجمهورية ميشال عون مصر على تعطيل البلد في حال لم يحصل ما يريد. ولهذا الامور لا تزال عند «نقطة الصفر»، مستبعدة خيار اعتذار الرئيس الحريري حاليا. واشارت الى أن رئيس الحكومة المكلف متمسك بتكليفه وبالمبادرة الفرنسية وقد اتخذ هذا القرار بعدما تلقى دعم رؤساء الحكومات السابقين نجيب ميقاتي، وفؤاد السنيورة، وتمام سلام الذي ابلغ البطريرك الراعي بالامس بقرار الرئيس المكلف.
لكن اوساط دبلوماسية لا تستبعد ان يتخذ الحريري قرارا بالاعتذار في وقت غير بعيد، لكنه يتريث الان الى حين اتضاح معالم الموقف السعودي نهائيا، خلال الزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى الرياض في ١٧ الجاري!.
اسئلة حول خطة سحب الودائع؟
وفيما استمرت مشاهد اذلال اللبنانيين من خلال الطوابير امام محطات الوقود لليوم الثاني على التوالي، وغلاء اسعار اللحوم والدجاج وغيرها من المواد الغذائية، أعلن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في كتاب أرسله إلى وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال راوول نعمة عن «تعديل آلية بيع الدولار بالسعر الرسمي مقابل الليرة، بحيث تتطلب الآلية الجديدة الحصول على موافقة مسبقة من مصرف لبنان لأي طلبات جديدة.
في هذا الوقت، تبقى الاسئلة مفتوحة حيال بيان المصرف المركزي الذي صدر قبل يومين حول امكانية حصول المودعين على ودائعهم بما لا يتجاوز الـ25 الف دولار، وعلم من مصادر مطلعة ان المجلس المركزي في مصرف لبنان لم يكن على علم مسبق ببيان حاكم مصرف لبنان، وستتم مناقشة الامر خلال الساعات المقبلة لمعرفة خلفيته. والاسئلة تبقى مفتوحة حيال ما قصده الحاكم بتوافر التغطية القانونية لحصول المودعين على اموالهم مع العلم ان هذا الامر لا يحتاج لاي قانون، اذا ما توافرت الدولارات في المصارف التي لم تستشر حتى الان في هذا الملف. اما اذا كان المقصود قانون «الكابيتال كونترول» فان هذا الربط يطرح اكثر من علامة استفهام حيال «رمي الكرة» الى المجلس النيابي مع العلم ان التعميم لا يحتاج الى مثل هذه التعقيدات.
اما السؤال المركزي حيال تأمين الدولارات فتبقى دون اجابات واضحة، لان المصارف لم تبد اي استعداد لسحب الاموال من البنوك المراسلة، ولا تملك السيولة المطلوبة، كما تدعي، ولم يوضح الحاكم مدى استعداده للافراج عن الاحتياط الالزامي لتغطية السحوبات. ووفقا للمعلومات فان الصيغة المطروحة تقضي بالسماح للمودعين بسحب 25 الف دولار على 3 سنوات.على صعيد آخر، ارسل وزير المال في حكومة تصريف الأعمال كتاباً جوابيّاً إلى سلامة حول موضوع إطلاق منصّة الصيرفة، مبدياً موافقته للتنسيق معه على إطلاقها «بهدف المساعدة على تأمين ثبات القطع استناداً إلى أحكام المادة 75 من قانون النقد والتسليف».
اين اصبحت تحقيقات المرفأ؟
في غضون ذلك أكد المحقق العدلي في ملف تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، الذي استلم الملف منذ قرابة الشهرين ونيف، في إحاطة لمجريات التحقيق المتعلق بإلانفجار، أن «العمل جار بصمت وسرية وسرعة من دون تسرع وعلى محاور عدة متزامنة، أولها تسطير قرابة 23 إستنابة قضائية تقريبا الى الخارج، تم الطلب من خلالها تزويد التحقيق بصور إلتقطتها الأقمار الصناعية التابعة لعدد من الدول فوق محيط المرفأ والتي تكشف الكثير من الأمور التي ستصب حتما في مصلحة التحقيق.
وبالتوازي تم تسطير عشرات الإستنابات الداخلية لجهات محددة في إطار جمع المعلومات والتقاطع في ما بينها»، كاشفا أن «قراءة الملف وتمحيصه والتمعن به تطلب أكثر من أسبوعين، لتلي ذلك مرحلة إستجواب الموقوفين وتخلية سبيل عدد منهم، ثم الإستماع الى إفادات شهود عديدين، منهم مَن لم يسبق أن تم الإستماع اليهم من قبل، كما يتم العمل راهنا منذ قرابة الشهر على الناحية التقنية في التحقيق التي من المفترض أن تؤدي الى تأكيد أو نفي الكثير من الفرضيات المحتملة حول طبيعة الإنفجار وكيفية حدوثه. ووفقا للمعلومات، لم يتلق القضاء اللبناني بعد اي استجابة من الدول المعنية بمراسلات القاضي البيطار حول صور الاقمار الاصطناعية!