ما من جديد يُذكر، وما من قديم يُعاد. طوابير الذل تنتظر اللبنانيين أينما اتجهوا. لكن ما يعمّق جراحهم، علمُهم أن الحل لمختلف أزماتهم موجود ويتوقف على تحمّل المعنيين لمسؤولياتهم عبر التوجه نحو تشكيل حكومة تُطلق رحلة الإنقاذ في أسرع وقت.
لم يصل لبنان بعد إلى نقطة اللاعودة، وهذا الأمر سبق أن أكده مختلف الدبلوماسيين الذين زاروا لبنان سابقاً، والذين عكسوا إستعداد دولهم لمساعدة لبنان شرط أن يساعد نفسه أولاً، ويبدأ كل ذلك بخطوة الحكومة. إلّا أن الملف الحكومي يرواح مكانه ولا مبادرات فعلية يمكن الحديث عنها، فالفريقان المعنيان بالتشكيل ما زالا يتمترسان وراء الشروط والشروط المضادة ما يحول دون التوصل إلى أي تسوية. ويبقى فقط مسعى رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يقوم على الإتصال بمختلف الأطراف بهدف التقريب من وجهات النظر لإنجاز التسوية المنشودة، هو التحرك الوحيد الذي من شأنه أن يُحدث صدمةً إيجابية، خصوصاً بعدما كان واضحاً تراجع الجهود الفرنسية في هذا السياق.
مصادر مقربة من “حركة أمل” لفتت إلى أن “مبادرة الرئيس بري الأساسية لا زالت موجودة، لكن المشكلة تكمن في تلكّؤ البعض في تلقفها وعدم العمل لإنجازها، فنحن بإنتظار الآخرين للتحرك، خصوصاً وأنه لم يتبقَ غير مبادرة رئيس المجلس كحل بعد ما تم إفشال المبادرة الفرنسية، علماً أنها الأكثر محاكاةً لطبيعة العلاقات الداخلية في البلد”.
المصادر أشارت في حديث مع جريدة “الأنباء” الإلكترونية إلى أن “البلاد لا تمتلك ترف الوقت، فالمطلوب الإستعجال بتشكيل الحكومة، لكن البعض لا يريد تطبيق الطائف ولا تشكيل الحكومة وفق مندرجاته، ورغم مطالبته بضرورة التأليف بالعلن، إلّا أن تلك النداءات لا تُقترن بتحركات جدية، بل بفرض الشروط المعرقلة، فهذا البعض يريد حكومةً مركبة حسب مواصفاته، في وقت ندعو للإلتزام بالدستور والإحتكام إليه”.
ورأت المصادر أن “لبنان وصل إلى الهاوية، فالناس تنتظر في الطوابير أمام محطات المحروقات، والإشكالات تحصل يومياً في المحلات التجارية، في وقت يخوض البعض معارك دونكيشوتية، يلتزم بالدستور ساعة يشاء، ويضربه بعرض الحائط في ساعات أخرى، يطالب بالوزارات ويشترط الاستحصال على حصص معينة”.
وردا على إحتمالات استمرار التصلب خصوصا بعد بيان حركة أمل الأخير، إعتبرت المصادر أن ”حركة أمل تتعاطى مع مختلف الملفات إنطلاقاً من مبدأ الواقعية السياسية ومن معاناة الناس، وبيان المكتب السياسي تتطرق يوم الأول من أمس إلى ملفات عدة تهم المواطنين، من التدقيق الجنائي إلى الكهرباء والبواخر، كما وقانون الكابيتال كونترول وترشيد الدعم والإنتخابات النيابية وغيرها، وهي ملفات أساسية وتحتاج إلى حكومة لإنجازها، خصوصاً وأن حكومة تصريف الأعمال لا تعقد إجتماعات لتسيير الحد الأدنى من الأمور، علماً أنه لا يمكن الإستقالة من الشأن العام بهذه الطريقة”.
وتوجهت المصادر عينها لطالى “من ينتظر الإستحقاقات الخارجية والتسويات الإقليمية”، لافتة إياه إلى أن “لبنان يغيب عن مختلف اللقاءات الدولية، فوق الطاولة وتحتها، من الإجتماعات الإيرانية – الأميركية، إلى تلك الإيرانية – السعودية، والسعودية – السورية، والتركية – المصرية، والتركية – السعودية، وبالتالي العالم منشغل بأموره الخاصة، ومن واجبنا الإلتفات إلى شؤوننا، لأن “ما بقى يحملوا” اللبنانيين”.
من جهة أخرى، وبعدما طُرح إعتذار الرئيس المكلّف سعد الحريري عن تشكيل الحكومة، لفت منسق الإعلام في تيار المستقبل عبد السلام موسى إلى ان “الإعتذار حالياً ليس مطروحاً”.
وفي إتصال مع “الأنباء” الالكترونية، أمل موسى وصول “مبادرة الرئيس بري إلى نتيجة إيجابية، لأن الحل اليوم يكمن في تشكيل حكومة برئاسة الحريري، وليس الإعتذار، إلّا أنه وحتى اليوم، الأمور الحكومية لا زالت على حالها”.
في سياقٍ آخر، ومع إصرار الحكومة على إهدار أموال المودعين وعدم الشروع إلى خطة واضحة لترشيد الدعم وإستهداف الفئات الأكثر حاجةً، أطلق مصرف لبنان منصة “صيرفة” لتأمين الدولار للتجار من أجل الإستيراد.
مصادر مصرف لبنان أعلنت “بدء عمل المنصّة بشكل محدود، وبمن حضر، عبر بعض الصرافين والمصارف الذين أتموا الإجراءات، ومن المتوقع أن يزيد الإقبال مع الوقت على المنصة، خصوصاً وأنها تقدّم الدولار بسعر صرف أقل من ذاك في الأسواق السوداء، ويمكن للجميع الإستفادة من هذه الخدمة، مؤسسات وأفراد، على أن تكون الشروط مستوفاة”.
وفي حديث مع “الأنباء” الإلكترونية، لفتت المصادر إلى أن “العملية يجب أن ينتج عنها تراجعاً نسبياً بسعر صرف الدولار في السوق بسبب التراجع المرتقب على الطلب، إذ أن عدداً كبيراً من طالبي الدولار سيتوجهون نحو منصة “صيرفة”، كما أن سعر المنصة يحدد بالمقابل سعر الصرف في السوق السوداء، فإذا كان السعر الذي يقدمه مصرف لبنان 12,500 مثلاً، من المستحيل أن يكون سعر الصرف في السوق 14,000، بل أقل من ذلك”.
لكن المصادر شددت على وجوب أن “تُقترن المنصة بإجراءات تتخذها الحكومة، كترشيد الدعم، للتخفيف عن كاهل مصرف لبنان إستنزاف الدولارات، خصوصاً في ظل إعلان المصرف عن عدم القدرة على إستمرار دعم السلع مع نهاية أيار”.
وحول ما إذا كان آخر أيار هو التاريخ المنتظر لرفع الدعم نهائياً، لفتت المصادر إلى أن ”المركزي لا يمكن أن يحسم هذا الأمر، وهو بإنتظار الحكومة، التي قد ترسل كتاباً تطلب منه الإستمرار في الدعم، أو تلجأ إلى الترشيد، علماً أنه الحل الأفضل اليوم، للتوفير من هدر أموال المودعين”.
وحول إعادة أموال المودعين، أشارت المصادر إلى ان “مصرف لبنان ذكر في تعميمه الحاجة إلى الإجراءات قانونية تسهّل هذا الأمر، وهذه الإجراءات تتمثل بإقرار قانون الكابيتال كونترول، لضمان عدم تحويل هذه المبالغ إلى الخارج”. وأضافت: “إن نجاح المصارف في زيادة رساميلها بعد طلب مصرف لبنان منها إتمام ذلك، فتح الفرصة لإعادة جزء من أموال الناس”.
وبعيداً عن المشهد الداخلي وتعقيداته، يرسم الشعب الفلسطيني أجمل مشاهد المقاومة، ويخوض أسمى المعارك، معركة الصمود والدفاع عن الأرض والهوية، رافضاً سياسات الإحتلال الإسرائيلي التهجيرية والإلغائية.
فبعد سلسلة التظاهرات التي تم تنظيمها في القدس، هبّ أهل غزة والضفة لنصرة المقدسيين، فأطلقت فصائل المقاومة مئات الصواريخ على مدن إسرائيلية، كعسقلان وتل أبيب، الأمر الذي أحرج جبروت قوات الإحتلال فردت برشقات صاروخية أخرى وتودي بـ28 شهيداً فلسطينياً، بينهم 10 أطفال، وعشرات الجرحى.
فصائل المقاومة في فلسطين وعدت بالرد على أي قصف إسرائيلي يستهدف مدنيين، وهذا ما حدث بعدما ضرب جيش العدو برج “هنادي” غربي مدينة غزّة، وهو الأمر الذي أدى إلى توسيع رقعة الإشتباكات، وينذر بإستمرار المعارك.
نضال أهل فلسطين مستمر، وهم أثبتوا أن الشعب الفلسطيني جزء لا يتجزأ من أي معادلة إقليمية أو دولية تتعلق بأرضهم، إلّا أن ما يثير الإستغراب الصمت العربي والدولي حول جرائم الإحتلال الإسرائيلي، وتماديه في إنتهاك حرمة أهل الأرض.
الرئيسية / صحف ومقالات / الأنباء : في لبنان لا مبادرات رغم سعي بري والتصلّب يُعيق الملفات. وفي فلسطين صلابة أهلها تصدّ الاحتلال