دخلت البلاد في عطلة عيد الفطر السعيد في غياب أي مؤشّر جدي الى احتمال حصول اختراق ملموس في جدار التأليف الحكومي المسدود، فيما البلاد تستعد لدخول فصل جديد من فصول الازمة المعيشية المتفاقمة على ابواب رفع الدعم المنتظر عن كثير من السلع الاساسية في حياة الناس. وقد ثبت بالوجه الشرعي انّ كل التحركات واللقاءات التي عقدت في السر والعلن ومعها مشاريع المصالحات التي يعمل على تحقيقها بين بعبدا و”بيت الوسط” وعين التينة ما تزال مجرد أفكار غير قابلة للتطبيق ما لم تأت الساعات المقبلة بحدثٍ ما باتَ تحقيقه مستحيلاً.
وقالت مصادر تواكب الحراك الجاري لـ«الجمهورية» انه وفي الوقت الذي دخلت البلاد عتبة العتمة التدريجية ابتداء من منتصف هذا الشهر وفقدان معظم أنواع الأدوية التي يحتاجها المواطنون كما الغذاء اليومي ومعها أصناف من اللحوم والدجاج، ما زالت الاتصالات مقطوعة بين المقار الرسمية التي يبدو انّ كلّاً منها تفرّغ لملاحقة مسائل اقليمية وقضايا لا تحاكي اللبنانيين في مأساتهم اليومية.
الحريري الى أبو ظبي
وفي هذه الأجواء، وفيما بقيت المساعي المبذولة بحثاً عن مخرج للاستحقاق الحكومي مجمّدة عند اقتراحات لم تأت بما يجمع عليه المعنيون بملف تأليف الحكومة، علمت «الجمهورية» انّ الرئيس المكلف سعد الحريري سيغادر بيروت في الساعات المقبلة إلى ابو ظبي لموافاة عائلته وتمضية عطلة عيد الفطر هناك، قبل ان يعود الى بيروت في نهاية العطلة الرسمية التي ستمتد من الغد الى مطلع الاسبوع المقبل.
سلامة في بعبدا
وفي غضون ذلك، يزور حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قبل ظهر اليوم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لإطلاعه على التحضيرات الجارية لإطلاق منصة «صيرفة» لتوحيد مصادر تسعير الدولار الاميركي، والمبادرة الاخيرة التي أطلقها لإجراء مفاوضات مع جمعية مصارف لبنان لإعادة ضَخ كميات من الدولار والعملات الصعبة من حسابات المواطنين المتوافرة لديهم قبل انتفاضة 17 تشرين 2019. كما بالنسبة إلى شرح الخطوات المطلوبة لقَوننة ما هو مطروح إنفاذاً لمضمون قانون النقد والتسليف استباقاً للبَت في قانون «الكابيتال كونترول» او لتكون الخطوات متلازمة مع اصداره، بعدما انجزت اللجان النيابية المشتركة وضع النص النهائي لهذا القانون المنتظر منذ بداية الازمة المالية والنقدية في البلاد.
عون متخوف
ولعل أبرز ما أفصح عنه المسؤولون عن حجم اهتماماتهم الكبرى، استمرار الصمت في السرايا الحكومية وعين التينة و»بيت الوسط»، فيما اعلن مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية انّ عون تابع تطور الاحداث في الاراضي المحتلة في ضوء استمرار الاعتداءات الاسرائيلية التي بدأت قبل ايام في حي الشيخ جرّاح واستهداف المسجد الاقصى، ودعا المجتمع الدولي الى التدخل لمنع اسرائيل من مواصلة عدوانها، مكرراً التأكيد «ان لا سلام من دون عدالة، ولا عدالة من دون احترام للحقوق».
من لودريان إلى الراعي
على صعيد آخر وتتمّة لزيارة وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان لبيروت، تزور سفيرة فرنسا في بيروت آن غريو بكركي قبل ظهر اليوم ناقلة الى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي رسالة خاصة من لودريان، وتناقش معه ما انتهت اليه زيارته لبيروت والجهود المبذولة لمساعدة لبنان على الخروج من الازمة التي يعانيها لبنان.
وقالت مصادر قريبة من بكركي لـ»الجمهورية» انّ هذه الزيارة ستكون مناسبة لإنهاء السيناريوهات التي نسجت حول استياء بكركي من تجاهل لودريان لزيارتها، في اعتبار ان الاتصالات مستمرة بين الجانبين بالوسائل المتاحة، وان اي حديث عن عتب او استياء مردود على اصحابه، إلّا ان كان هناك من يرغب به ويتمنّاه فهو أبعد من ان يشهد عليه.
الاعتذار انتحار
وفي المواقف السياسية قال الرئيس نجيب ميقاتي امام زواره في طرابلس امس: «انّ سياسة العناد والمكابرة لم تعد تجدي نفعاً في معالجة الملف الحكومي بعدما دخل الوضع اللبناني في مرحلة الفوضى الاقتصادية والمالية والاجتماعية، وبات الحد من الانهيار التام هو المطلوب عبر تشكيل حكومة بشكل سريع وإطلاق عجلة المعالجات المطلوبة بالتوافق مع الهيئات الدولية المعنية وبدعم من أصدقاء لبنان وأشقائه». واعتبر «أنّ الاعتذار عن التكليف بتشكيل الحكومة هو اليوم بمثابة انتحار سياسي»، لافتاً الى «وجوب تغيير العقلية الاستئثارية والالغائية السائدة ضمن فريق العهد للإسراع في معالجة كثير من الملفات بالسرعة والحزم المطلوبين، ولكي ينطلق الجميع بالتكافل والتضامن في مسيرة الإنقاذ».
الراعي
وندّد البطريرك الراعي أمس بـ»انتهاكات اسرائيل في القدس واعتداءاتها على الشعب الفلسطيني»، وطالبَ «جامعة الدول العربية بإعلان موقف حازم إزاء ما يجري من أجل تصويب المسار السلمي في المنطقة، وإعادته الى مرجعية القرارات العربية والدولية، على قاعدة ان الأولوية هي لتحقيق السلام العادل والشامل، وليس لتحقيق المخططات السياسية التي تخدم المصالح الدولية في المنطقة على حساب مصالح أبنائها».
وحَضّ الراعي «اللبنانيين على تعميق وحدتهم وتضامنهم لمواجهة تداعيات المرحلة المتفاقمة الاخطار، وعلى ان يحافظوا على لبنان ويحيدوه عن انعكاسات تحديات المنطقة وتحولاتها بتمسّكهم أكثر بالمبادرة العربية للسلام وبالقواعد الدولية التي تحكم الوضع القائم على الحدود الجنوبية».
«الكتائب»
ومن جهته، قال المكتب السياسي «الكتائبي»، في بيان اثر اجتماعه الدوري الاسبوعي برئاسة رئيس الحزب سامي الجميل، ان «زيارة وزير الخارجية الفرنسية الأخيرة، أثبتت بما لا يقبل الشك ان المجتمع الدولي سحب يده من هذه الطبقة، التي وجدت نفسها في موقع الادانة، ووضع أمله بالقوى التغييرية التي اثبتت انّ صوتها بات مسموعاً». واذ شكر لـ»الوزير الزائر حرصه على الشعب اللبناني واصراره على وقف ما وصفه بالانتحار الجماعي»، اكد «انّ الحاجة الى التغيير باتت حتمية، استناداً الى خريطة واضحة في مواجهة حلف المافيا والميشليشيا، تبدأ بتشكيل حكومة انتقالية توقِف الانهيار وتباشر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وصولاً الى انتخابات حرة ونزيهة بإشراف دولي بأسرع وقت ممكن».
عقوبات أميركية
على صعيد آخر أكد وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن أنّ «التهديد الذي يشكّله «حزب الله» على الولايات المتحدة وحلفائها ومصالحها في الشرق الأوسط والعالم يدعو البلدان في جميع أنحاء العالم إلى اتخاذ خطوات لتقييد أنشطته وتعطيل شبكات التيسير الخاصة به».
وأشاد بلينكن، في بيان، بالدول في أوروبا وأميركا الجنوبية والوسطى التي اتخذت إجراءات ضد «حزب الله» في السنوات الأخيرة، ودعا الحكومات الأخرى في كل أنحاء العالم إلى أن تحذو حذوها.
وعلّق بلينكن في السياق على إدراج وزارة الخزانة الأميركية أمس 7 أشخاص لبنانيين على صلة بمؤسسة «القرض الحسن» التي تموّل «حزب الله»، فقال: «بينما تزعم مؤسسة القرض الحسن أنها تخدم الشعب اللبناني، نراها تقوم بنقل الأموال بشكل غير قانوني من خلال حسابات وهمية»، مؤكداً أن ذلك يعرّض المؤسسات المالية اللبنانية لمخاطر العقوبات.
وعلاوة على ذلك، ومن خلال تخزين السيولة النقدية التي يحتاجها الاقتصاد اللبناني بشدة، تمكّن القرض الحسن من بناء قاعدة دعم خاصة بـ»حزب الله»، وتعرّض استقرار الدولة اللبنانية للخطر».
وختم بلينكن «ان هذه التصنيفات تعزز الإجراءات الأميركية الأخيرة ضد مموّلي «حزب الله» الذين قدموا الدعم أو الخدمات للحزب»، وأكد «أن الولايات المتحدة ستستمر في اتخاذ إجراءات لتعطيل عمليات «حزب الله».
وكان مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية (OFAC) قد أدرجَ أمس 7 أفراد على صلة بـ»حزب الله» وشركته المالية «القرض الحسن» المدرجة لدى مكتب مراقبة الاصول الاجنبية في عام 2007، ويستخدمها الحزب كغطاء لإدارة الأنشطة المالية للجماعة الإرهابية والوصول إلى النظام المالي الدولي».
وأوضحت وزارة الخزانة الأميركية في بيان «أنّ إبراهيم علي ضاهر يشغل منصب رئيس الوحدة المالية المركزية لـ»حزب الله» التي تشرف على الموازنة والإنفاق العام للحزب، بما في ذلك تمويل الجماعة لعملياتها الإرهابية وقتل معارضيها». وأشار البيان إلى «أن الأفراد الستة الآخرين المدرجين، وهم: أحمد محمد يزبك وعباس حسن غريب ووحيد محمود سبيتي ومصطفى حبيب حرب وعزت يوسف عكر وحسن شحادة عثمان، استُخدِموا لغطاء الحسابات الشخصية في بعض البنوك اللبنانية بما في ذلك بنك جمّال ترست المصنّف لدى الولايات المتحدة، للتهرّب من العقوبات التي تستهدف القرض الحسن وتحويل ما يقرب من نصف مليار دولار أميركي نيابة عن هذه المؤسسة».
وقالت أندريا غاكي مديرة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية: «من أعلى مستويات الأجهزة المالية لـ»حزب الله» إلى الأفراد العاملين يواصل الحزب إساءة استخدام القطاع المالي اللبناني واستنزاف الموارد المالية اللبنانية في وقت عصيب بالفعل». وأضافت أنّ «مثل هذه الأعمال تظهر عدم اكتراث «حزب الله» بالاستقرار المالي والشفافية والمساءلة في لبنان».
وكشفت وزارة الخزانة الأميركية أنه «في حين أن مؤسسة القرض الحسن تَدّعي خدمة الشعب اللبناني، إلا أنها عملياً تنقل الأموال بشكل غير مشروع من خلال حسابات وهمية وميسّرين مما يعرض المؤسسات المالية اللبنانية لعقوبات محتملة». وأشارت إلى أنّ «مؤسسة القرض الحسن تتنكّر بصفة منظمة غير حكومية بموجب ترخيص ممنوح من وزارة الداخلية، وتقدم خدمات مصرفية لدعم «حزب الله» بينما تتهرّب من الترخيص المناسب والإشراف التنظيمي». وأضافت أنه «ومن خلال ادّخار العملة الصعبة التي يحتاجها الاقتصاد اللبناني بشدة، يسمح «القرض الحسن» لـ»حزب الله» ببناء قاعدة دعم خاصة به وتقويض استقرار الدولة اللبنانية».
وأوضحت وزارة الخزانة «أنّ مؤسسة «القرض الحسن» اطلعت بدور كبير في البنية التحتية المالية لـ»حزب الله» على مر السنين، وجنبت الكيانات والأفراد المرتبطين بالحزب من العقوبات، واحتفظت بحسابات بنكية من خلال إعادة تسجيلهم بأسماء مسؤولي القرض الحسن الكبار بما في ذلك تحت أسماء معينة تم تصنيف أفرادها من قبل وزارة الخزانة الثلثاء (أمس).
وبحسب المعلومات التي وزعتها وزارة الخزانة عن الأفراد المعنيين بالعقوبات الأميركية، فقد جاءت كالتالي:
ابراهيم علي ضاهر، مواليد 4 تموز 1964 بلدة بليدا في قضاء مرجعيون بمحافظة النبطية جنوب لبنان. يقيم ضاهر في حي دكاش، في حارة حريك، معقل «حزب الله» في الضاحية الجنوبية لبيروت.
تم تصنيفه وفقاً للأمر التنفيذي لكونه تصرف أو عمل لمصلحة «حزب الله» أو نيابة عنه، بنحو مباشر أو غير مباشر، ويقود ضاهر الوحدة المالية المركزية للحزب التي تشرف على استلام دخله العالمي، وهو مسؤول عن إدارة ومراجعة موازنات كل وحدات الحزب وإداراته، بما في ذلك تنسيق المدفوعات لجميع أعضائه.
وجاء في بيان الخزانة الأميركية «كان ضاهر شخصية رئيسية في البنية التحتية المالية لـ»حزب الله» لأكثر من عقد من الزمان».
ـ عزت يوسف عكر، مولود في 1 تشرين الثاني 1976، ومقيم في بلدة الخيام في محافظ النبطية جنوب لبنان. وهو مرتبط بجمعية القرض الحسن، وهو بموجب لائحة العقوبات معرّض لعقوبات ثانوية تتعلق بضلوعه في المؤسسة المالية المذكورة.
ـ مصطفى حبيب حرب، مواليد 6 آب 1973 في بلدة طير حرفا، في قضاء صور، جنوبي لبنان، ويقيم بها حتى الآن.
يخضع حبيب لعقوبات ثانوية وفقاً للوائح العقوبات المالية لـ»حزب الله».
ـ حسن شحاده عثمان مولود في 29 حزيران 1979 في بلدة حاروف في محافظة النبطية جنوبي لبنان.
ويمتلك كلّ من حرب وعكار وعثمان «حسابات ظل» يتم من خلالها إجراء المعاملات نيابة عن «حزب الله».
ـ وحيد محمود سبيتي من مواليد 23 شباط 1961 من جنسية لبنانية هو الآخر، مرتبط بـ»حزب الله». يقيم في بعلبك شرقي لبنان.
وشارك سبيتي في إجراء معاملات من خلال «حسابات ظل» نيابة عن «حزب الله»، وأدّى سابقاً دوراً مماثلاً في الاحتفاظ بالحسابات المصرفية باسمه جَنباً إلى جنب مع المسؤولين الآخرين الكبار في بيت المال.
بينما عمل بيت المال التابع لـ»حزب الله»، إلى جانب الوحدة المالية المركزية، كوزارة مالية للحزب.
ـ أحمد محمد يزبك، مواليد 1 كانون الاول 1971 يقيم في بلدة كفرصير في محافظة النبطية جنوب لبنان، وهو المدير المالي للقرض الحسن.
ـ عباس حسن غريب من مواليد 25 ايلول 1969 في بلدة طير حرفا في قضاء صور جنوبي لبنان، وهو مدير المعلوماتية.
ويمتلك كل من يزبك، وغريب، العديد من «حسابات الظل» التي يتم من خلالها إجراء المعاملات نيابة عن «حزب الله».