مع ان مسيرة العهد الحالي اقترنت بمنظومة نمطية من الأخطاء الفادحة في السياسات الخارجية أسوة بالإخفاقات الهائلة الداخلية التي تشكل الحجم الأكبر من أسباب الانهيارات الحاصلة، الا ان انكشاف العهد لم يكن مرة فادحاً وصارخاً كما حصل امس في ما سمي عاصفة شربل وهبة التي دفعت لبنان الى السقطة الأخطر هذه المرة في ميزان تهديد مصالحه لدى المملكة العربية #السعودية وعبرها سائر الدول الخليجية. في الخلاصات المباشرة لعاصفة خطيرة بهذا الشكل، كان يفترض ان يكون الاجراء الفوري الذي يوازي الأذى الكبير الذي لحق بلبنان اقالة الوزير فورا، ولو كان يشغل منصباً وزارياً في طور تصريف الاعمال، ولكن الاجراء لم يتخذ بعد ولو ان معلومات اشارت الى توقع اتخاذ خطوة ما اليوم. وافيد ليلاً ان الزيارة المتوقعة للوزير وهبه الى السفارة السعودية باتت في حكم الملغاة بعد الاتفاق على ان يبلغ الرئيسين #ميشال عون وحسان دياب صباحا تنحيه عن المسؤولية، وجرى البحث ليلا عن وزير مسيحي يتولى المهمة اذ ان الوزير البديل في مرسوم الحكومة هو دميانوس قطار المعتكف منذ اعلانه الاستقالة. ولم يكن الحجم الاستثنائي للتنديد الداخلي بالإساءات غير المقبولة اطلاقا التي وجهها الى السعودية وشعبها وعبرها الدول الخليجية وزير الخارجية في حكومة تصريف الاعمال سوى الانعكاس الأكثر إبرازاً للدلالات المهمة جدا على خشية اللبنانيين بمعظم طوائفهم وفئاتهم وقياداتهم على ان تأتي السقطة الأخيرة بمثابة رصاصة الرحمة في رأس العلاقات اللبنانية السعودية التي تعرضت لهزات عنيفة ومتعاقبة خلال سنوات العهد الحالي بما لم يعرفه سابقاً، ولا في أي حقبة تاريخ هذه العلاقات العريقة والتاريخية. حتى ان بعض المعنيين دعا العهد تحديداً الى التعمق في قراءة دلالات أوسع موجة من ردود الفعل الداخلية المجمعة على التنديد بإساءات الوزير “المتقدم” في الصف العوني الى السعودية بالشكل المخزي الذي حصل والذي اساء اكثر الى صورة الديبلوماسية اللبنانية، واطلق وابل التعليقات اللاذعة على الوزير وعهده عبر وسائل التواصل الاجتماعي بما لم يسبق له ان حصل حيال أي حدث. واعتبر هؤلاء ان المروحة الواسعة للردود الغاضبة والمستنكرة لتصريحات الوزير والتي شملت معظم القيادات اللبنانية حتى من ضمن صفوف قوى لا تعد صديقة تقليدية للسعودية شكلت الرد اللبناني الحاسم قبل الرد السعودي على الإساءة ورسمت صورة بالغة السلبية للأثر السلبي الذي باتت تتسبب به منظومة العهد اللصيقة به حتى من وزرائه.
ولعل الأسوأ في هذا السياق ان انكشاف العهد نفسه جاء بعد سقطة وزير خارجيته مزدوجة: فمن جهة أراد العهد التذاكي والمناورة في الموقف حيال تداعيات السقطة فحاول رئيس الجمهورية ميشال عون ان يوزع موقفه الى نصفين الأول يتبنى فيه دفاع وهبة عن نفسه، والثاني يتنصل فيه هو نفسه من موقف وزيره، واخفق طبعا في إنجاح المحاولة. اما مفاجأته الفاشلة الأخرى فتمثلت اقله في سوء اختيار التوقيت لارسال رسالته الجديدة الى #مجلس النواب بواسطة رئيس المجلس نبيه بري ليحرض المجلس على الرئيس المكلف #سعد الحريري ويوحي له بنزع التكليف عنه. وبدا واضحا بما لا يحتاج الى تفسير ان عون حاول الهرب من تداعيات الانكشاف في الفضيحة الخليجية الطارئة فلجأ الى توقيت اعتقده ملائما لأخذ الأنظار الى مكان اخر ولكنه أيضا اخفق في ذلك.
ووسط أوسع موجة ردود فعل منددة بمواقف وزير الخارجية ومطالبات بإعفائه نهائيا من مهماته وايلاء الخارجية موقتا الى الوزير بالوكالة تبعا لمرسوم توزيع الوزارات بالوكالة عند غياب الوزراء الاصيلين، جاء الرد السعودي الأولي باستدعاء وزارة الخارجية السعودية السفير اللبناني في المملكة وتسليمه مذكرة احتجاج شديدة اللهجة. وجاء في بيان لوزارة الخارجية السعودية : “إشارة إلى التصريحات المسيئة لوزير خارجية الجمهورية اللبنانية في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبة خلال مقابلة تلفزيونية، والتي تطاول فيها على المملكة وشعبها،
فإن وزارة الخارجية إذ تعرب عن تنديدها واستنكارها الشديدين لما تضمنته تلك التصريحات من إساءات مشينة تجاه المملكة و شعبها ودول مجلس التعاون الخليجية الشقيقة، لتؤكد مجددًا على أن تلك التصريحات تتنافى مع أبسط الأعراف الدبلوماسية ولا تنسجم مع العلاقات التاريخية بين الشعبين الشقيقين. ونظرًا الى ما قد يترتب على تلك التصريحات المشينة من تبعات على العلاقات بين البلدين الشقيقين فقد استدعت الوزارة سعادة سفير الجمهورية اللبنانية لدى المملكة للإعراب عن رفض المملكة واستنكارها للإساءات الصادرة من وزير الخارجية اللبناني، وتم تسليمه مذكرة احتجاج رسمية بهذا الخصوص.”
ولكن ردود الفعل اتخذت دلالة بارزة جديدة مع مطالبة مجلس التعاون لدول الخليج العربية وزير الخارجية شربل وهبة، بإصدار اعتذار رسمي لها بسبب “إساءات غير مقبولة” خلال تصريحاته الأخيرة. وأعرب الأمين العام لمجلس التعاون نايف فلاح مبارك الحجرف، “عن رفض دول مجلس التعاون واستنكارها” لما ورد على لسان وهبة، خلال مقابلة تلفزيونية “وما ورد فيها من إساءات مشينة بحق دول مجلس التعاون الخليجي وشعوبها وكذلك الإساءة بحق المملكة العربية السعودية”.
وأكد الحجرف “المواقف الثابتة والراسخة التي قامت بها دول مجلس التعاون الخليجي لدعم الشعب اللبناني الشقيق، تلك المواقف والتي يشهد التاريخ لها والتي تهدف إلى سلامة لبنان دعم استقراره وأمنه، وأن تلك التصريحات تتنافى مع أبسط الأعراف الدبلوماسية ولا تنسجم مع العلاقات التاريخية بين دول المجلس ولبنان “.
طالب وهبة “بتقديم اعتذار رسمي لدول مجلس التعاون الخليجي وشعوبها نظير ما بدر منه من إساءات غير مقبولة على الإطلاق”.
وبدورها أعربت وزارة الخارجية والتعاون الدولي في الإمارات العربية المتحدة عن “استنكارها واستهجانها الشديدين إزاء التصريحات المشينة والعنصرية التي أدلى بها معالي شربل وهبة وزير الخارجية بالجمهورية اللبنانية في حكومة تصريف الأعمال والتي أساءت إلى المملكة العربية السعودية الشقيقة ودول مجلس التعاون الخليجي”. واستدعت الوزارة سفير لبنان لدى الدولة وسلمته مذكرة احتجاج رسمية تستنكر فيها هذه التصريحات، مؤكدة أنها تتنافى مع الأعراف الديبلوماسية ولا تنسجم مع العلاقات التاريخية التي تجمع لبنان ودول مجلس التعاون الخليجي.
واعربت وزارة الخارجیة الكويتية عن استنكارها واستهجانها الشدیدین لما ورد من “إساءات بالغة” تجاه دول مجلس التعاون الخليجي وشعوبها.
وأوضحت الوزارة في بیان لها أن “نائب وزیر الخارجیة السفیر مجدي الظفیري استدعى القائم بأعمال سفارة الجمهوریة اللبنانیة الشقیقة هادي هاشم، وسلّمه مذكرة احتجاج رسمیة تضمنت استهجان واستنكار دولة الكویت لتلك الإساءات التي تتنافى وعلاقات الأخوة التاریخیة التي تربط دول مجلس التعاون بالجمهوریة اللبنانیة”، وفق ما ذكرت وكالة “كونا”.
وكانت رئاسة الجمهورية حاولت التوفيق بين دفاعها الضمني عن تبريرات وهبة والتبرّؤ من كلامه واعتبرت “ان ما صدر عن وهبة من مواقف يعبر عن رأيه الشخصي ولا يعكس موقف الدولة ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون”.
من جانبه عكس وهبة تخبطا في مواجهة العاصفة التي اثارها فتميزت تبريراته بالتناقضات وعمد الى الاعتراف بان “بعض العبارات غير المناسبة التي صدرت عني في معرض الإنفعال رفضا للإساءات غير المقبولة الموجهة إلى فخامة رئيس، الجمهورية، هي من النوع الذي لا اتردد في الإعتذار عنه. كما ان القصد لم يكن ،لا أمس ولاقبله ولا بعده، الإساءة إلى اي من الدول أو الشعوب العربية الشقيقة التي لم تتوقف جهودي لتحسين وتطوير العلاقات معها لما فيه الخير والمصلحة المشتركين ودوما على قاعدة الإحترام المتبادل. وجل من لا يخطىء في هذه الغابة من الأغصان المتشابكة”.
رسالة عون
ولم تتأخر المفارقة الثانية لتخبط العهد ووزرائه ومستشاريه في غرائب سياساتهم اذ قرر العهد حرف الأنظار عن التداعيات الواسعة التي واكبت عاصفة وهبة فوجه رسالته بعد الظهر الى مجلس النواب بواسطة رئيس المجلس نبيه بري لغسل يديه من تبعة تعطيل تشكيل الحكومة والقاء الاتهامات على الرئيس الحريري .
وقال عون في رسالته “اصبح من الثابت ان الرئيس المكلف عاجز عن تأليف حكومة قادرة على الإنقاذ والتواصل المجدي مع مؤسسات المال الأجنبية والصناديق الدولية والدول المانحة، لوضع برامج المساعدات التي من شأنها إنقاذ الوطن النازف دما غاليا على جميع الصعد، ولا يزال يأسر التأليف بعد التكليف ويؤبده كما يأسر الشعب والحكم ويأخذهما معا رهينة مساقة إلى الهاوية متجاهلا كل مهلة معقولة للتأليف”. كما اتهم الرئيس المكلف بانه “يصر حتى تاريخه على عدم التقدم بتشكيلة حكومية تحظى باتفاقنا وتتوافر معها الثقة المطلوبة من مجلس النواب وفق النص الدستوري، فضلا عن انقطاعه عن إجراء الاستشارات النيابية اللازمة مع مختلف الكتل النيابية (…) والأدهى أنه منقطع عن التشاور المستمر والواجب مع رئيس الجمهورية للاتفاق على تشكيلة حكومية تتوافر فيها ثقة مجلس النواب واللبنانيين والمجتمع الدولي”. وطلب مناقشة رسالته في الهيئة العامة للمجلس النيابي وفق الأصول “واتخاذ الموقف أو الإجراء أو القرار المناسب بشأنها لمنفعة الشعب الذي يئن ألما وهو ينتظر حكومته الجديدة على أحر من الجمر”.
وفي رد اولي مقتضب على رسالة عون غرد الرئيس الحريري قائلا :”رسالة رئيس الجمهورية الى مجلس النواب إمعان في سياسة قلب الحقائق والهروب الى الأمام والتغطية على الفضيحة الدبلوماسية العنصرية لوزير خارجية العهد تجاه الأشقاء في الخليج العربي… وللحديث صلة في البرلمان”.
وعلمت “النهار” مساء امس ان الرئيس بري سيدعو اليوم مجلس النواب الى جلسة مخصصة لموضوع رسالة رئيس الجمهورية ضمن مهلة الثلاثة أيام التي يحددها الدستور. وثمة توجه الى ان تقتصر الجلسة على تلاوة رسالة الرئيس عون ورفع الجلسة للمشاورات والاتصالات والمساعي بما يحفظ تطبيق الأصول الدستورية ومن دون التسبب بمزيد من التأزيم.