بينما يواصل البطريرك الماروني بشارة الراعي الحفر بـ”إبرة” الحياد في “جبل” التعطيل والتنكيل بالدولة والكيان، وبحث أمس مع نائبة المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان نجاة رشدي في مسألة انعقاد “مؤتمر خاص يكرس حياد لبنان ويبعده عن التجاذبات والصراعات الإقليمية والدولية التي أدخلته في أزمة كبيرة وخطيرة”، تواصل السلطة الحاكمة على المقلب الآخر ردم كل فرص إنقاذ البلد وتعميق الحفرة الجهنمية أكثر فأكثر تحت أقدام أبنائه، على وقع النبش الرئاسي والسياسي المستمر عن مزيد من الحصص والمغانم في التشكيلة الوزارية العتيدة.
وفي هذا الإطار، أتت رسالة رئيس الجمهورية ميشال عون إلى مجلس النواب لتهزّ ركائز “التكليف” الممنوح للرئيس سعد الحريري وتسعير معركة “الصلاحيات” بين الرئاستين الأولى والثالثة، الأمر الذي يسعى رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى تطويق تداعياته الطائفية تحت قبة البرلمان، لا سيما وأنّ رسالة عون ستلقى اليوم “رداً شاملاً مناسباً من الرئيس المكلف يسرد فيه بالتفاصيل مسار العقبات التي اعترضت طريق التأليف”، وفق ما نقلت مصادر نيابية، مشددةً في الوقت عينه على أنّ “رئيس المجلس سيعمد إلى منع أي محاولات لحرف النقاش في مضمون رسالة عون عن مساره النيابي الدستوري، ولن يسمح بإقامة حفلة “زجل” وتراشق كلامي” في الجلسة العامة.
وكشفت المصادر أنّ بري الذي آثر أمس رفع الجلسة فور الانتهاء من تلاوة رسالة رئيس الجمهورية إلى جلسة تعقد اليوم لمناقشتها بعد انقضاء مهلة الأربع والعشرين ساعة الدستورية، كان قد لاحظ “ارتفاع منسوب التوتر” على هامش جلسة الأمس، فكثف مع معاونه السياسي النائب علي حسن خليل، الاتصالات على أكثر من خط “لترطيب الأجواء وتخفيف الاحتقان تجنباً لأي تصادم سياسي نيابي في الهيئة العامة” اليوم، موضحةً أنه “عمل في سبيل تحقيق ذلك على حصر الكلمات بواحدة لكل كتلة منعاً لـ”الهرج والمرج” بين أعضاء الكتل، بالتوازي مع التحضير لأرضية توافقية على الخروج بتوصية غير ملزمة من المجلس النيابي إزاء رسالة عون تدعو كل الأطراف المعنية بالتأليف إلى الإسراع في تشكيل الحكومة لأنّ البلد بظروفه لم يعد يحتمل مزيداً من التعطيل”.
ونقلت المصادر أنّ المشاورات خلصت إلى “اختيار ممثلين عن أكثر من كتلة لصياغة التوصية بشكل لا يُظهر أي طرف في موقع الخاسر أو المنكسر، بما يشمل صون تكليف الحريري من جهة، وحفظ ماء وجه رئيس الجمهورية من جهة أخرى، لأن أغلبية مجلس النواب تعتبر مضمون رسالته غير دستوري في مقاربة مسألتي التكليف والتأليف، وبالتالي في حال انقسم مجلس النواب حيال الرسالة فستصبّ الأكثرية حكماً في خانة إعادة دعم تكليف الحريري”.
وإذ لفتت إلى أنّ رئيس المجلس التقى الحريري مرتين على هامش جلسة الأمس، رجحت المصادر أنّ “يعمد الرئيس المكلف إلى مصارحة اللبنانيين في كلمته الجوابية اليوم على رسالة عون، بكل الوقائع والتفاصيل التي حصلت منذ تكليفه، ليكشف عن كل الجهود التي بذلها لإبداء التعاون مع رئيس الجمهورية، وكل العراقيل التي اصطدم بها في المقابل، لا سيما وأنّه كان كلما بادر إلى تلمس بعض التجاوب خلال لقاءاته برئيس الجمهورية يعود ليتفاجأ بأنه غيّر رأيه بعد مغادرة الحريري بعبدا”.
أما في ما يتصل بمواقف باقي الكتل، وبينما سربت الدوائر العونية معلومات عن أنّ رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل يتحضّر لإلقاء “كلمة عالية السقف” رداً على ردّ الرئيس المكلف، ستلتزم كتلة “التنمية والتحرير” سقف موقف بري الداعي إلى تسريع التأليف بعيداً عن الثلث المعطل وصراع الصلاحيات، على أن تؤثر كتلتا “حزب الله” و”الحزب التقدمي الاشتراكي” الحياد بين عون والحريري. في حين عُلم أنّ موقف كتلة “الجمهورية القوية” لن يقارب مشاكل التكليف والتأليف، ولن يركّز على خلاف عون وباسيل مع الحريري، إنما سيعيد التصويب على جوهر الأزمة الكامنة في الطبقة الحاكمة، التي لا خلاص معها ولا خلاص منها إلا بإجراء انتخابات نيابية مبكرة.
وفي الغضون، برزت أمس الإضاءة الأميركية على تداعيات الأزمة الاقتصادية الخانقة في لبنان على الجيش اللبناني، من خلال بحث “المؤتمر اللبناني – الأميركي لموارد الدفاع” الذي عُقد “عن بُعد” بين قائد الجيش جوزيف عون وعدد من المسؤولين السياسيين والعسكريين في الإدارة الأميركية بمشاركة السفيرة دوروثي شيا، في سبُل تعزيز مستوى دعم للمؤسسة العسكرية “في ظل هذه الظروف الاقتصادية الدقيقية التي يمر بها لبنان”، وتم الكشف خلال اللقاء عن رفع قيمة المساعدات للجيش اللبناني هذا العام إلى 120 مليون دولار، بزيادة بلغت 15 مليون دولار عن العام الفائت.
وبينما جدد الجانب الأميركي خلال المؤتمر التزام بلاده باستمرار دعم المؤسسة العسكرية وتعزيز قدراتها لضبط عمليات التهريب وحماية التجارة البحرية، أعلنت السفيرة شيا عن زيارات مرتقبة إلى لبنان سيقوم بها قادة عسكريون في القيادة الوسطى وقيادة القوات الخاصة في الجيش الأميركي بهدف الوقوف على فعالية برامج المساعدات وآفاق التعاون بين الجيشين وسبل تعزيز التنسيق المشترك بينهما وتطويره.