منذ بدء “حربها” المعلنة والمضمرة على تكليف الرئيس #سعد الحريري تشكيل الحكومة الجديدة قبل سبعة اشهر، نادراً ما صمتت بعبدا على غرار ما فعلت في الساعات الثماني والأربعين الأخيرة التي أعقبت صدمة الدفاع الهجومي الذي انبرى له الرئيس الحريري في رده على رسالة رئيس الجمهورية #ميشال عون في جلسة #مجلس النواب السبت الفائت. ولم يكن هذا الصمت دليل تسليم بالنكسة الكبيرة التي منيت بها الرئاسة الأولى وفريقها الاستشاري والسياسي في آن معاً فحسب على الأرجح، بل بدا بمثابة إعداد لخطوة الرد الآتية، لان المناخ لا يوحي بإمكان استيعاب ما احدثه رد الحريري من دوي واسع وهائل بما يتعين معه ترقب الساعات المقبلة بدقة وانشداد. والحال ان الصراع على الملف الحكومي بدا منذ اللحظة التي فرغ فيها الرئيس الحريري من تلاوة كلمته العاصفة بفتح ملف العهد العوني وما قبله سيرة الرئيس عون التعطيلية وباعه الطويل في تعطيل تشكيل الحكومات ومن ثم تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية، وكأنه دخل مرحلة محدّثة جدا من التصعيد والتوتر المفتوح على كل الاحتمالات، ولو ان ما اعقب الجلسة من لقاءات واتصالات اجراها رئيس مجلس النواب #نبيه بري ومعاونه النائب علي حسن خليل اوحت بتحرك جديد يهدف الى التوسط مجدداً بين بعبدا وبيت الوسط. غير ان المعطيات التي سادت المشهد السياسي غداة الجلسة النيابية لمناقشة رسالة عون الى المجلس، بدت شديدة التأزم والتعقيد والغموض، بل منذرة بمرحلة مختلفة من التصعيد المفتوح على مزيد من التداعيات المتفجرة سياسياً خصوصاً بعدما انكشفت الجلسة عن خسارة معنوية ثقيلة للعهد، يتعين عليه معها مراجعة متأنية لعملية تورطه او توريطه في حسابات خاطئة تماما جراء تشبثه بإرسال الرسالة الى مجلس النواب فيما أفقها #الدستوري والسياسي مقفل أساساً. ويفترض ان تتسع المراجعة لتلحظ ان معظم الكتل النيابية الأساسية على جانبي الازمة الحكومية ومن بينها “التنمية والتحرير” و”الوفاء للمقاومة” واللقاء الديموقراطي”، أيدت وتبنت مبدأ التوافق بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، بما يعني استمرار التمسك بتكليف الحريري، وجاءت صياغة القرار الذي صدر عن الجلسة لتتوج هذا الاتجاه وتقول “بالعربي الواضح”، ممنوع المغامرة بأي اتجاه نحو تعديل دستوري سيكون بمثابة لعب بنار الاستقرار. لذا باتت الكرة في الكامل في ملعب العهد ولو ان أصواتاً مؤثرة بدأت تطالب الحريري، بعدما فاجأ كثيرين برده الشامل والحاد والحاسم، بان يقدم على مبادرة جديدة لتحديث تشكيلته، ولكن لا يبدو سهلاً توقع تطور كهذا اقله في المدى المنظور.
إذن ستكون الأزمة امام منقلب جديد، الا في حال بروز مفاجأت غير محسوبة من أي من الافرقاء المعنيين بالازمة، علما ان الساعات الثماني والأربعين المقبلة قد تحمل مواقف جديدة من الازمة على هامش احياء مناسبة عيد التحرير غدا، والتي يتوقع ان يكون للمسؤولين وبعض القادة السياسيين اليوم وغدا كلمات فيها ومن بينهم الرئيس نبيه بري والأمين العام لـ”#حزب الله “ السيد حسن نصرالله.
ولعل أهمية الجلسة النيابية تمثلت في انها انتهت الى اصدار الموقف الذي استند فيه المجلس الى النص الدستوري حول اصول تكليف رئيس لتشكيل الحكومة وطريقة التشكيل وفق المادة 53 من الدستور لافتاً الى انه “لما لم يرد اي نص دستوري اخر حول مسار هذا التكليف واتخاذ موقف منه وبما ان رئيس الجمهورية قد قام باستشارات ملزمة وفق ما ورد وبعد اطلاعه رئيس مجلس النواب اتت نتيجتها تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة. وباعتبار ان اي موقف يطال هذا التكليف وحدوده يتطلب تعديلا دستوريا ولسنا بصدده اليوم… ولحرص المجلس على عدم الدخول في ازمات ميثاقية ودستورية جديدة وحرصا على الاستقرار في مرحلة معقدة وخطيرة اقتصاديا وماليا واجتماعيا… يؤكد المجلس ضرورة المضي قدماً وفق الاصول الدستورية من قبل رئيس الحكومة المكلف للوصول سريعاً الى تشكيل حكومة جديدة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية”.
رد الحريري
واما ابرز ما تناوله الحريري في رده فكان اعتباره ان رئيس الجمهورية يقول في رسالته الى مجلس النواب “أنتم سمّيتم رئيساً للحكومة أنا لا أريده ولا أسمح له بالتشكيل فتفضّلوا خلصوني منه”. وحمل بعنف على المسار التعطيلي للعهد قائلا “نحن أمام رئيس للجمهورية يريد منا تعديل الدستور وإذا لم نفعل يريد تغيير الدستور بالممارسة من دون تعديل وبانتظار أن يكون له ما يريد يُعطّل الدستور والحياة السياسية في البلد والأخطر من ذلك يُعطّل أي أمل أمام اللبنانيين بوقف الانهيار المريع. علينا أن نعترف أن فخامة الرئيس يمتلك تجربة كبيرة، لا بل باعا طويلا في التعطيل”. واكد الحريري “ان الفريق الرئاسي يسعى الى الحصول على الثلث المعطل ليتمكن من اسقاط الحكومة متى يشاء”. واعلن جازما: “لن اشكل الحكومة كما يريدها فريق فخامة الرئيس، ولا كما يريدها اي فريق سياسي بعينه، لن اشكل الحكومة إلا كما يريدها وقف الانهيار ومنع الارتطام الكبير الذي يتهدد اللبنانيين في أكلهم وصحتهم وحياتهم ودولتهم. وختم الحريري: لن أستجيب للعنعنات الطائفية ولستُ مستعدّاً لأكون شريكاً في أي إخلال في التوازن الدستوري ولا في الاتزان الوطني ولن أسهم في تسهيل المشاريع العدمية “.
اما رئيس “تكتل لبنان القوي” #جبران باسيل فدافع بقوة عن رسالة الرئيس عون وكرر معظم المواقف التي وردت فيها واعلن تكرارا أن “الهدف هو حث الحريري على التشكيل ولا شيء آخر والهدف من كلمتي ومن رسالة الرئيس ميشال عون ليس سحب التكليف من مجلس النواب لرئيس الحكومة المكلف، لأن هذه ليست الغاية، ولأن هذا تفسير وتعديل للدستور ومكانه ليس بهذة الجلسة، والأهم أنه لا يوجد أكثرية نيابية ترغب به”. ومع ذلك عاد باسيل وطالب رئيس المجلس بطرح اقتراح التعديل الدستوري الذي قدمه تكتل لبنان القوي لتحديد مهل لتشكيل الحكومات.
الراعي وعودة النازحين
وبدا لافتا في الاصداء التي تركتها الجلسة ان البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي سارع امس الى دعوة الرئيس المكلف مباشرة “إلى المبادرة وتقديم تشكيلة محدثة إلى رئيس الجمهورية في أسرع وقت، والاتفاق معه على الهيكلية والحقائب والأسماء على أساس من معايير حكومة من اختصاصيين غير حزبيين لا يهيمن أي فريق عليها”.
اما الجانب الأبرز في موقف البطريرك الراعي فتمثل في مبادرته امس الى الدعوة الى عودة النازحين السوريين الى بلادهم منطلقا مما حصل أخيرا على أوتوستراد نهر الكلب بين عدد من اللبنانيين والنازحين السوريين المتوجهين إلى صناديق الاقتراع الرئاسي “وسببه الاستفزاز لمشاعر اللبنانيين في منطقة تعج بشهداء سقطوا في المعارك مع الجيش السوري، وفيما لا يزال ملف المعتقلين في السجون السورية مجهولا” . واعلن انه “ليس مقبولا أن يبقى النازحون السوريون هنا بانتظار الحل السياسي الناجز للأزمة السورية. فكما رفضنا ربط أمن لبنان بحرب سوريا، نرفض اليوم ربط مصير لبنان بالحل السياسي فيها. لسنا بلد انتظار نهاية صراعات المنطقة. فلا المنطق ولا تركيبة لبنان التعددية يسمحان بذلك. بقدر ما كان واجب لبنان احتضان النازحين السوريين أثناء الحرب، بات واجب النازحين اليوم أن يعودوا إلى بلادهم، وقد انحسرت الحرب وتوسعت المناطق الآمنة وصاروا مواطنين سوريين عاديين لا نازحين. هذا واجبهم لا تجاه لبنان فقط، بل تجاه وطنهم سوريا أساسا التي تحتاج إلى أبنائها ليعيدوا بناءها ويحافظوا على هويتها الوطنية والعربية”.
عرض للجريمة !
في غضون ذلك بدا مستهجنا للغاية ان تتفرج وزارة الداخلية والسلطات الأمنية والسياسية على احد اجنحة #الحزب السوري القومي الاجتماعي يقوم بعرض ميليشيوي في شارع الحمراء ويرفع خلاله الهتافات السافرة الممجدة لجريمة اغتيال الرئيس بشير الجميل والمحرضة على اغتيال رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع . اذا ان العراضة التي نظمها هذا الجناح في الحمراء تحت ستار احياء ذكرى التحرير في الجنوب تحولت الى استفزاز سافر وإطلاق الهتافات ورفع اللافتات الداعية الى قتل جعجع. واثارت العراضة ردود فعل مستهجنة واسعة من من بينها للنائب جبران باسيل ونواب في كتلة المستقبل ناهيك عن حزبي القوات والكتائب ونواب مستقلين في حين ردت القوات اللبنانية بعنف على هذه العراضة التي رفعت فيها لافتات وهتافات تقول “طار رأسك يا بشير جايي دورك يا سمير” ولفتت الى “تباهي هذا الحزب بإرهابه وطبيعته الاجرامية” مطالبة السلطات المعنية بسحب ترخيصه ووقف الاعتراف بوجوده وذكرت “الحزب وأسياده ومشغليه وبعض أجهزة المخابرات العربية التي يعمل لديها بمحاولاتهم مرات عدة اغتيال الدكتور جعجع باءت كلها بالفشل “ وأعلنت انها ستتقدم بدعوى امام المراجع المختصة على المسؤولين عن احتفال الامس وكل من تثبت مشاركته في المجاهرة بالقتل والدعوة الى القتل. وتبين ان وزير الداخلية رخص للتظاهرة رغم معارضة محافظ بيروت للترخيص لها .