بعدما حسم الشريكان في الطبخة الحكومية الرئيس ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري، موقفهما وأظهرا مشاعرهما الدفينة تجاه بعضهما البعض، وصعد كل منهما الى السقف الأعلى في التصعيد، وقيّدا بعضهما البعض باتهامات تعطيلية، دخل البلد في أحجية جديدة محاطة بتساؤلات عما اذا كان تأليف حكومة ما زال ممكناً بين توجهين نقيضين تجمع بينهما لغة الوعيد والصدام؟
الاجواء السائدة بين الرئيسين وفريقيهما السياسيَّين، غداة المواجهة الأخيرة الأعنف في مسارهما المشتعل الذي انتهَجاه منذ اليوم الاول لتكليف الرئيس الحريري تشكيل الحكومة، ترجّح فرضية استحالة التأليف، وخصوصاً أنّ كلا الطرفين مسلّح بقوّة دفع ذاتيّة نحو الإشتباك، مذخّرة بالشروط المتبادلة ذاتها التي أحبطت المبادرات والوساطات وعجّزت الوسطاء وسدّت كلّ المنافذ المؤدية الى تفاهم على حكومة.
تشاؤم عارم
عمليّاً، عاد الملف الحكومي إلى ما قبل المربّع الأول، وسط حال من التشاؤم العارم، يُنذر بخطوات اضافية الى الخلف بكل ما يحمله ذلك من مفاجآت سلبية على الشعب اللبناني المهزوم سياسيا واقتصاديا وماليا ومعيشيا وبالنكد الشخصي المتبادل، ذلك أنّ القابضين على حكومة، يراهن عليها ان تفتح باب الانفراج، قد حكموا عليها بالسجن المؤبّد خلف قضبانهم السياسية والشخصية، متجاوزين بذلك النداءات والمناشدات التي تطلق من مختلف الاتجاهات الداخلية الشعبية والسياسية، والمراجع الروحيّة، وكذلك من أصدقاء لبنان في الخارج للإفراج عن هذه الحكومة.
يَشي ذلك بأنّ أولوية اطراف اللعبة الحكومة هي التصعيد لأجل التصعيد، وليس لدى اي منهم أفق للحل. وتحكمهما علاقة مفخخة بفتائل تفجير زادت احتقاناً مع الرسالة الرئاسية الى مجلس النواب وما تضمنته من اتهامات للرئيس المكلف، وكذلك مع ردّ الرئيس المكلف غير المسبوق في حدّته وقساوته على رئيس الجمهورية وكل ذلك زرع صواعق اضافية في قلب المشهد الداخلي، تمهّد لمرحلة مواجهة سياسية عالية التوتر يشدّ فيها كل طرف الحبل في اتجاهه، ويسعى من خلاله الى خنق الطرف الآخر. ويتأكّد ذلك من انّ اطراف اللعبة الحكومية قرّروا على ما يبدو طَيّ صفحة التفاهم بينهما، وترك الواقع الحكومي معلقاً الى ما شاء الله، من دون اي تقدير منهم للعواقب التي يمكن أن تتأتى من هذا الوضع الشاذ على لبنان واللبنانيين.
الهوة توسّعت
تبعاً لذلك، تؤكد مصادر معنية بالملف الحكومي لـ»الجمهورية» أنّ الهوة توسّعت بين الرئيسين عون والحريري الى حدّ صار يحتاج تضييقها الى جهود خارقة، غير متوفرة حتى الآن. وقد لا تتوفر على الاطلاق في ظل الطلاق الكامل بينهما، وتمسّك كل طرف بموقعه ومواقفه وشروطه وعدم رغبته في التواصل واللقاء مع الآخر. وهذا بالتأكيد سيُبقي البلد مخنوقاً بحبل فراغ لا سقف زمنياً له، ويصبّ مزيداً من الزيت على نار الازمات الحارقة اقتصادياً ومعيشياً.
ليونة… ولكن؟
واشارت المصادر الى ان حركة اتصالات خجولة جرت في الساعات الماضية، يمكن ان تتزخم مع عودة الرئيس المكلف الى بيروت. وتحدثت المصادر عن ليونة بدأت تبرز على خط بيت الوسط وكليمنصو، بعد العلاقة التي اتّسمت ببرودة واضحة بين الرئيس المكلف ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط. وقد انعكست هذه الليونة في تواصل هاتفي حصل بين الحريري وجنبلاط، كان للرئيس بري دور في إتمامه عبر جهد خاص قام به النائب علي حسن خليل.
وكشفت مصادر موثوقة لـ»الجمهورية» انّ الاتصالات التي انطلقت من عين التينة بعد «جلسة الرسالة»، وشملت بيت الوسط والتيار الوطني الحر، لم تأت بنتائج حاسمة حتى الآن، وإن كان الطرفان قد عبّرا عن ليونة مبدئية إنما ليست حاسمة. وتم الاتفاق على لقاءات واتصالات لاحقة لعلها تُفضي الى ترجمة لتلك الليونة تتوج بالتفاهم على حكومة وفق مبادرة رئيس المجلس القائمة على اساس 24 وزيراً من دون ثلث معطل لأي طرف. مع حسم توافقي للعقدة الأخيرة المتمثلة في الطريق، والمعروفة بعقدة الوزيرين.
بري: أسبوعان
هذا الوضع المقطوع والمعطل حتى الآن، سيزيد الحالة المرَضيّة السائدة على حلبة التأليف اعتلالاً، والحل يتطلب مبادرة عابرة للاحقاد توقِف الجريمة التي ترتكب بحق لبنان، وهو ما أكد عليه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذي حذّر من سقوط البلد، وأطلق صرخة مدوية في وجه المعطّلين لعلّ منهم من يسمع ويصغي الى أوجاع اللبنانيين والاصوات الجائعة الصادرة من كل بيت. وقد لاقاه رئيس مجلس النواب نبيه بري بتأكيده انّ الأوان قد آن لنلتقي على كلمة سواء ونشكل حكومة ننقذ لبنان.
واذا كانت العيون قد توجّهت بعد جلسة مناقشة الرسالة الرئاسية في مجلس النواب، الى عين التينة ترقّباً لِما قد يبادر اليه رئيس المجلس لإعادة مد الجسور بين الرئيسين عون والحريري، فإنّ رئيس المجلس متهيّب من انسداد كل سبل التفاهم على حكومة. وقال لـ»الجمهورية»: لم أتوقف يوماً عن محاولة احداث اختراق في الجدار الحكومي. فلقد طرحت 3 مبادرات للحل، والآن بعدما حصل الذي حصل حول الرسالة الرئاسية والرد عليها، لا بد من ان نجرّب ان نقوم بشيء ما يغلب منطق التفاهم، فالبلد كما ترون يسلك مسار الغرق، ولا نستطيع امام هذا الوضع ان نبقى مكتوفي الايدي ونستسلم لهذا الامر الواقع أو نستسلم للتعطيل.
على انّ المدى الحرج الذي بلغه البلد بات يتطلب، كما قال بري، حلاً عاجلا، وامامنا الآن فرصة لا بد ان نتحيّنها لإيجاد حل وتفاهم يُفضي سريعاً الى تشكيل حكومة انقاذية. وهذه الفرصة اخشى انها الاخيرة، سقفها الاعلى اسبوعان على الاكثر، اي ان علينا ان نجد حلا وتفاهما خلال هذين الاسبوعين، والّا فإننا كلما تأخرنا ستصبح الامور والحلول اكثر صعوبة وتعقيدا.
خريطة طريق
وكان الرئيس بري قد حدد، في كلمة وَجّهها الى اللبناني في مناسبة عيد المقاومة والتحرير، خريطة طريق الخروج من الأزمة الراهنة، ترتكز على «تحرير لبنان من الانانية، وحقد الطائفية والمذهبية عبر الدولة المدنية. وتحريره من احتكار المحتكرين، وتحرير أموال المودعين في المصارف، وتحرير القضاء ومكافحة الفساد وإقرار التدقيق الجنائي بدءاً من مصرف لبنان مروراً بكهرباء لبنان. أي ساعة شئتم نبيه بري وحركة أمل مع البدء بتطبيق هذا القانون الذي صار نافذاً مع بقية القوانين التي صارت نافذة.
واكد بري انّ المدخل الالزامي للانقاذ هو أن يبادر المعنيون بالتأليف والتشكيل والتوقيع، ومن دون شروط مسبقة ومن دون تلكؤ الى إزالة العوائق الشخصية التي تحول دون تشكيل حكومة وطنية أعضاؤها من ذوي الاختصاص غير الحزبيين، بلا أثلاث معطلة فيها لأحد، وفقاً لما نصّت عليه المبادرة الفرنسية، برنامج عملها الوحيد، إنقاذ لبنان واستعادة ثقة ابنائه به وبمؤسساته كوطن للعدالة والمساواة، حكومة تستعيد ثقة العالم به وبدوره وخاصة ثقة أشقائه العرب كل العرب.
وخَلص بري الى القول: إحتكموا الى الدستور في مقاربة الملف الحكومي. انصتوا الى وجع الناس وقلقهم على مصير وطنهم. تعالوا الى كلمة سواء ننقذ بها لبنان، فلتصفَّ النوايا ولتفعّل الارادات الصادقة من اجل تأليف الحكومة من أجل لبنان ومن اجل الانسان وقبل فوات الاوان.
عون والحريري: لا أفق
في مقابل ذلك، وفيما عبّرت مصادر ديبوماسية اوروبية لـ»الجمهورية» عن قلق بالغ من تدهور الوضع في لبنان، في ظل ما سمّته «تصميم الرئيسين عون والحريري على مواجهة بعضهما البعض، ورفضهما للتعاون والتفاهم بينهما». قالت المصادر: لسنا متفائلين بإمكان تشكيل حكومة». واضافت في اشارة الى عون والحريري من دون ان تسمّيهما، «الواضح ان هناك من يريد ان تزيد المصاعب على اللبنانيين، وهذا امر مستهجن».
على ان مصادر سياسية وسطية ترى ان الملف الحكومي قد نسف بالكامل، وهذا يعني ادخال البلد في شلل كامل، وفي حال اختناق خطير تحت وطأة الازمات المتفاعلة.
وقالت المصادر لـ»الجمهورية»: يجب ان نعترف ان عون والحريري وصلا الى النقطة التي ثبت فيها ان ليس لديهما اي افق للحل والتفاهم. كلاهما يتحدثان بلغة الالغاء، فعون حسم موقفه من الرئيس المكلف واعتبره عاجزاً عن تشكيل الحكومة ويريد أن يأتي بغيره. صحيح انه لا يقول ذلك بشكل مباشر إنما هو يقوله بالممارسة والاداء، ورسالته الى مجلس النواب لا تحمل سوى هذا المضمون. في المقابل وبدل ان يرد بطريقة مدروسة على رسالة عون، ويظهر مظلوميته، أظهر شراسته وعكسَ ايضا انه لا يريد رئيس الجمهورية. اي انه كان في امكانه ان يطرح ما طرحه بنبرة هادئة لكان حقق ما يريده. فكيف يمكن ان تتشكل حكومة بين شريكين في التأليف أصبحا لدودين في السياسة؟
واضافت المصادر: ما يجب ان يعلمه الجميع، وقبلهم رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، هو ان البلد وبكل صراحة ليس ملكاً لهما لكي يبقياه معلقاً بينهما على حبل مشاعرهما الشخصية والكيميا التي بات مؤكدا للجميع بأنها مفقودة بالكامل ولن تركب بينهما على الاطلاق.
عون وقائد الجيش
من جهة ثانية، وفي مناسبة عيد التحرير غرّد رئيس الجمهورية قائلاً: «في ذكرى التحرير نسترجع طعم الانتصار والكرامة ونتعهد بمواصلة مسيرة استرجاع سيادتنا على كامل ترابنا ومياهنا»، وكما حاربنا العدو وحررنا الارض علينا اليوم مجتمعين تحرير الدولة من الفساد وإعادة لبنان الى سكة النهوض والازدهار. وحدها وحدة اللبنانيين تحقق الاصلاح وتعيد كرامة الحياة لمجتمعنا».
واكد قائد الجيش العماد جوزف عون، الذي بدأ زيارة الى باريس امس بدعوة من رئيس هيئة أركان الجيوش المشتركة الجنرال فرانسوا لوكوانتر، «انّ التحرير لن يكتمل إلا باستعادة ما تبقى من الأرض، ولا سيما مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي من بلدة الغجر».
وقال في امر اليوم الى العسكريين بمناسبة عيد المقاومة والتحرير: ان إرث التحرير مسؤولية كبرى نتشرّف بتحمّلها، وأمانة غالية لن نفرط بها مهما طال الزمن. ومهما اشتدت الصعوبات، يظل الجيش متمسّكاً بحقه في مواجهة أي اعتداء والدفاع عن الحدود في وجه العدو الإسرائيلي، والعمل على وقف انتهاكاته لسيادة بلدنا وحماية حقوقنا الثابتة في ثرواتنا الوطنية براً وبحراً، مع الالتزام بتطبيق القرار 1701 ومندرجاته.
دعم أميركي للجيش
في سياق متصل، تم الاعلان امس عن ان وزارة الخارجية الأميركية والجيش اللبناني عقدا مؤتمرهما الافتتاحي لموارد الدفاع في 21 أيار الجاري، حيث ترأس الوفد الأميركي المسؤول الأول عن مراقبة التسلح والأمن الدولي سي أس إليوت كانغ، وترأس الوفد اللبناني قائد الجيش العماد جوزف عون.
وجددت وزارة الخارجية الأميركية التزامها للجيش اللبناني من خلال الإعلان عن 120 مليون دولار في شكل مساعدات تمويل عسكري خارجي إلى لبنان للسنة المالية 2021، وفقاً لإجراءات إخطار الكونغرس، وهو ما يمثّل زيادة مقدارها 15 مليون دولار عن مستويات السنة الماضية. كما ناقش الوفدان سبل الاستفادة من النطاق الكامل للسلطات بموجب القانون الأميركي، والتي يمكن للولايات المتحدة من خلالها تقديم مساعدة إضافية للجيش اللبناني في الوقت الذي يصارع فيه الأزمات الاقتصادية في لبنان.
وتمّ خلال هذا المؤتمر إبلاغ لبنان حول النقل المزمع لثلاثة زوارق دورية من فئة الحماية إلى البحرية اللبنانية، والتي عند تسليمها في سنة 2022 ستعزز قدرة البحرية اللبنانية على مواجهة التهديدات الخارجية والإقليمية وكذلك حماية حرية الملاحة والتجارة في المجال البحري».
اليوم عطلة وغداً إضراب
مطلبياً، يستعد الاتحاد العمالي العام للإضراب غداً في 26 أيار الجاري، معتبراً، كما يؤكد رئيسه بشارة الاسمر، أنّ هذا التحرّك هو «الإنذار الأخير الذي سيسبق الانفجار الاجتماعي والشعبي الكبير إذا ما استمرّت الأمور على ما هي عليه».
وقد واصل الاتحاد تحركاته للحشد لهذا الاضراب، الذي سيشمل بيروت وكل المناطق. وسيتمّ تنفيذ إضرابات عامة واعتصامات في كافة المصالح المستقلة والمؤسسات العامة والخاصة في بيروت والمؤسسات التابعة لها في المحافظات كافةً، وتحركات واعتصامات أمام المستشفيات الحكومية في المناطق كافة وأمام مراكز الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
كما سيتم تنفيذ اعتصامات في أوقاتٍ مختلفة أمام عدد واسع من المصانع في مختلف المناطق.
محروقات
الى ذلك، استمرت أزمة المحروقات تراوح مكانها رغم التأكيدات بأن لا أزمة. وتبين انّ المشكلة تكمن في فتح الاعتمادات من قبل مصرف لبنان، حيث ترسو البواخر المحمّلة بالبنزين والمازوت قبالة الشاطئ بانتظار الاعتمادات. ووفق المعلومات، انّ التأخير متعمّد وهو بمثابة سياسة يتّبعها المركزي وسيستمر بها، وهي تهدف الى استمرار الشح لأن ذلك يؤدّي حتماً الى خفض الاستهلاك، وبالتالي الى خفض قيمة الدعم وتوفير بعض الدولارات. وبالتالي، على المواطن ان يعتاد على هذا النمط الجديد الذي قد يستمر حتى إشعار آخر.