ومرّ يوم عيد التحرير، دون أن يتحقق للبنانيين تحريرهم من أعباء الأزمات. لا بل لا تزال يومياتهم مثقلة بأقصى أنواع الضغوط المعيشية والتحديات الاقتصادية الخانقة، وتضاف اليها مناورات سياسية وهمية تغيب عنها النتائج الفعلية، يخوضها المعنيون بملف تشكيل الحكومة، والهدف تقاذف كرة التعطيل من فريقٍ الى الثاني تهرباً من تحمل مسؤولية الإنفجار الإجتماعي.
ومن الواضح أن أحداً لا يريد أن يقوم بواجبه وفق ما يمليه عليه موقعه الدستوري والمصلحة الوطني والضمير لتسيير شؤون الناس والبلاد، ولعل الأسباب الابرز لذلك شخصية أو فئوية ضيقة وفق توصيف ومجاهرة كل المتابعين للملف، إذ يعقل أن يتم رهن لبنان وشعبه بلقاء ثنائي أو إتصال؟ وغالبية المواكبين والساعين على خطوط التأليف المقطوعة يجزمون أن الأزمة داخلية، وأن التعويل على التحولات الخارجية في ظل الإهمال الدولي للبنان هو إنتحار. ويبقى الحل الوحيد المتاح محصوراً بإتفاق رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري على تقريب وجهات نظرهما وتشكيل الحكومة، وهو الأمر الذي أشار إليه الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، إما مباشرة عبر تواصل الطرفين، أو عبر وساطة يجريها رئيس مجلس النواب نبيه بري، علماً أن نصرالله أكد أن الحل لا يكمن في إستقالة عون أو إعتذار الحريري، معتبرا ان الإلغاء يغيب عن قاموس السياسة في لبنان. وينضم نصرالله بذلك الى رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط والبطريرك الماروني بشارة الراعي والرئيس بري وسواهم من القيادات الذين يحثّون على اتفاق عون والحريري.
وفي سياق متصل، بدأت ملامح الإنفجار الإجتماعي المرتقب تلوح بالأفق، في ظل رفعٍ مقنّع للدعم وتفلّتٍ بالأسعار، وانقطاع المحروقات، وطوابير الصيدليات والمتاجر وغيرها، فيما تغيب الحكومة تصريف الأعمال بشكل تام عن المشهدية. ومن المتوقع أن يُستتبع المشهد الأسود بتفلتٍ أمني إضافي، وما هو مقتل شاب أمام محطة محروقات الأسبوع الماضي بسبب خلاف بين شبان ينتظرون في طابور إلّا خير دليل.
وفي ظل كل ذلك يشهد الشارع تحركات إحتجاجية بسبب سوء الواقع الإقتصادي والمعيشي، المقبل على سوء أكبر مع الوقت بمباركة رعاة الفراغ والعرقلة. وتتصدر النقابات العمالية تحركات اليوم بدعوة من الإتحاد العمالي العام في محاولة للضغط على المعنيين لتشكيل الحكومة وإنقاذ البلاد من المأزق الكبير الذي وقع فيه. وإذ يعقد اللبنانيون آمالاً على وصول التحركات إلى نتيجة ملموسة على قاعدة أن “الغريق يتمسك بقشة”، إلّا أن المؤشرات سلبية، فتلك السلطة التي تشهد على موت المواطنين كما القطاعات يومياً لن تحركها بضعة إعتصامات أو إضرابات.
وتعليقاً على التحركات المرتقبة اليوم، من إعتصامات وإضراب، رحب رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو بـ”أي حركة تجريها الإتحادات العمالية، فهذا دورها الطبيعي القاضي في الدفاع عن حقوق الناس، وهذا مبرر وجودها، ومن واجبها أن تقوم بضغط على السلطة السياسية للقيام بواجباتها تجاه الشعب، خصوصاً وأن من بعد إنتفاضة 17 تشرين، لم يلزم أحد السلطة للقيام بأي تحرك”.
وفي حديث لجريدة “الأنباء” الإلكترونية، إعتبر برو أن “السلطة لا ترغب بإتخاذ أي إجراء لمصلحة الشعب نتيجة ضغوط المصارف وكبار التجار والحكام الذين يستفيدون من الواقع القائم، وبالتالي التحرك وإنزال الضغوط على السلطة لتحمل مسؤوليتها أمر ضروري”.
وحول واقع اللبنانيين اليوم بين تراجع القدرة الشرائية وإرتفاع أسعار المنتجات، لفت برو إلى ان “الفوضى وإرتفاع سعر صرف الدولار وغياب الإستقرار الإقتصادي كما غياب الإجراءات الحكومية، هي الأسباب التي تقف وراء هذا الحال، وفي الحالات المشابهة عالمياً، تقوم الدول بوضع خطط لتشجيع القطاعات وتنميتها، وتقوم بإختبارها وتصحيح الأخطاء، لكن في لبنان، تغيب الحلول وتحضر المصالح الفئوية”.
ورأى برو أن “المؤشرات سلبية، فلبنان حتى الآن لم يستفد مثلاً من قرض البنك الدولي الأخير لأنه لم يقدم المستندات اللازمة، كما هناك مبالغ أخرى مرصودة من قبل البنك للبنان، لكن السلطة السياسية لا تعمل على استثمارها لأن شروط الإستفادة قاسية تحرمها من السرقة، وفي حال إستثمرتها لتمويل البطاقة التمويلية مثلاً، فعندها ستكون هذه البطاقات ملغومة لتستفيد منها السلطة نفسها”.
وزير المالية تطرق في مقابلة تلفزيونية قبل يومين إلى البطاقة التمويلية، مشيراً إلى أن مصادر تمويلها تشكل نقطة ضعف الملف. من جهته، ذكر مدير أنظمة الدفع سابقا في مصرف لبنان رمزي حمادة أن “مصادر التمويل المحتملة هي إما المساعدات الأجنبية أو القروض، في وقت مصرف لبنان غير قادر على التمويل بسبب الوصول إلى حافة الإحتياطي الإلزامي، إلّا أن التنسيق مع “المركزي” ضروري”.
لكن حمادة أشار في حديث مع “الأنباء” الإلكترونية إلى أن “الإستفادة من قروض البنك الدولي أو صندوق النقد تفرض على الحكومة إتخاذ إجراءات جدية لضمان إستثمار القروض بطريقة صحيحة، كإستهداف الطبقات الفقيرة والمحتاجة دون غيرها، وهذا يتطلب استعادة الحكومة للثقة المفقودة، لكن الحكومة الحالية لم تقم بأي تحرك لكسب الثقة، وبالتالي أي تأخير اليوم يعني خسارة هذه الفرص”.
وفي ظل التأزم السياسي القائم وسوداوية المشهد وغياب الحلول، لفت حمادة إلى إجراء يتخذه مصرف لبنان لإطالة أمد الإستفادة من الأموال التي بحوزته، “فهو يقوم على تخفيض نسبة الإحتياطي توازياً مع سحب المودعين لأموالهم من المصارف، فيستفيد من الفرق”.
أما وحول المنصة التي أطلقها مصرف لبنان، رأى حمادة أن “المنصة مهمة، و”المركزي” يحاول عبرها فرض الإستقرار في الأسواق السوداء، لكنها تحتاج إلى مقومات من حكومة موثوقة إلى إجراءات جدية. كما أن أول فترة من العملية ستكون بهدف الإختبار، ومن غير المتوقع أن نشهد أي نتائج قبل شهر، لكن بالوقت نفسه يجب أن يتم دعم هذه المنصة من قبل المصارف والسياسيين على حد سواء، بهدف تطوير المنصة وتوسيع رقعة المستفيدين منها”.
وعن خطة إستعادة أموال المودعين، لفت حمادة إلى أن “المركزي وضع 25 الف دولار بالعملة الأجنبية كحد أقصى، لكن المبالغ تتفاوت حسب الأموال المودعة في المصارف، كما أن مصرف لبنان طلب من المصارف معلومات حول المودعين والمبالغ، وبالتالي لو لم يكن مستعدا لتنفيذ الخطة لما أعلن عنها”.
سياسياً، ما من شيء جديد، فالأمور على حالها والفراغ مستمر. ومع الحديث عن أنباء حول إحتمال عودة الحريري من الخارج في وقت قريب، لفت عضو كتلة المستقبل النائب عثمان علم الدين إلى أن “الحريري لم يغادر نهائياً أساسًا، فهو بسفرة خاصة وليس ببعيد عن الأجواء السياسية، وسيعود متى إستجد جديدٌ”.
وفي إتصال مع جريدة “الأنباء” الإلكترونية، شدد علم الدين على أن “لا نية لدى رئيس الجمهورية لتشكيل حكومة أو إنقاذ لبنان من الإنهيار الحالي، بل أن محور مشروعه ومعركته ضمان مستقبل الصهر كرئيس للجمهورية، لكنه لا يتلفت إلى كلفة هذا المشروع على اللبنانيين”.
وعن دعوة البطريرك مار بشارة الراعي للحريري لتقديم تشكيلة حكومية جديدة لعون، أكد علم الدين أن ”الحريري جاهز لأي خطوة فيها مصلحة للبلد، وهو قد يقدم على الخطوة المذكورة، لكن المعايير التي يعتمدها لن تتغير”.
أما وحول الكلام الذي صدر عن تكتل لبنان القوي حول الإستقالة من المجلس النيابي والتوجه نحو إنتخابات نيابية مبكرة، قال علم الدين: “لو قام التيار الوطني الحر بدراسة للرأي العام لعدَل عن هذا التوجه، وليذهبوا إلى المجلس النيابي لإقرار قانون انتخاب جديد غير طائفي في حال كانوا جديين، لكن الأمر لا يتعدى الفذلكة السياسية”.
من جهته، كشف عضو كتلة التنمية والتحرير النائب محمد نصرالله أن “الرئيس بري سيتوجه إلى تفعيل مبادرته، وسيحث الأفرقاء لتقريب وجهات النظر، وهو يربط ملف تشكيل الحكومة بفترة أسبوعين نسبةً للوضع الإقتصادي والإجتماعي الذي يسير من سيءٍ إلى أسوأ، فالدعم قد رفع عن العديد من المنتجات، والأسعار ترتفع، والناس تنتظر في الطوابير، وبالتالي ما من وقت”.
وفي حديث مع “الأنباء” الإلكترونية، أشار نصرالله إلى “الكلام حول إنتخابات نيابية مبكرة لا قاعدة له حتى الآن، خصوصاً وأننا على بعد سنة من إجراء الإنتخابات في موعدها، والمطلوب اليوم الإعداد لها والتشديد على أن لا يتم السماح لأحد بتأجيلها