الأسبوع الطالع هو الأسبوع الحكومي بامتياز، في ضوء الامل في امكان ولادة الحكومة الذي لاح في الافق إثر جلسة الرسالة النيابية الاخيرة والاتصالات التي فُتحت في أكثر من اتجاه، وتتركّز الأنظار على حركة رئيس مجلس النواب نبيه بري واللقاءات التي سيعقدها في الساعات والأيام القليلة المقبلة، وتأتي تتويجاً للقاءات غير المعلنة التي عُقدت مع المعنيين، في محاولة لإنجاح هذه الفرصة الجديدة. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل لبنان أمام فرصة حكومية جديدة؟ وهل قوة الدفع الثلاثية، والتي تضمّ إلى بري البطريرك الماروني بشارة الراعي، ورئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، ستكون قادرة على دفع رئيس الجمهورية ميشال عون واستطراداً رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل من جهة، والرئيس المكلّف سعد الحريري من جهة أخرى، إلى مساحة مشتركة تُفضي إلى ولادة الحكومة؟
يرى المتابعون للمساعي الجارية على خط التأليف الحكومي، أنّه لا يمكن الجزم في اي اتجاه من الاتجاهات، لا سلباً ولا إيجابًا، لا تفاؤلاً ولا تشاؤمًا، وجلّ ما في الأمر انّ ثمة فرصة حقيقية لولادة الحكومة خرجت إلى الضوء على إثر خلط الأوراق الداخلية الذي حصل أخيراً، ما طرح السؤال، هل ستصل هذه الفرصة إلى نهاياتها ويشهد هذا الأسبوع تتويجًا لهذه الحكومة وصدورًا لمراسيم التأليف، أم سيكون عوداً على بدء، حيث ما تكاد تتقدّم الأمور حتى تعود أدراجها إلى الوراء وإلى المربع الأول تحديدًا؟
وفي موازاة السعي الجاد لعين التينة وبكركي والمختارة، فإنّ المؤشرات التي تصدر عن قصر بعبدا و”بيت الوسط” لا تزال متناقضة ولا توحي بتفاؤل كبير، بل تعكس الرغبة في مواصلة اللعبة نفسها بتقاذف المسؤوليات ورمي الكرات وتسجيل النقاط. وعلى الرغم من انّ ذلك المسعى الثلاثي يحظى بمباركة خارجية ثلاثية روسية وفرنسية ومصرية، إلّا انّ مفتاح التأليف يبقى في يد عون والحريري وحدهما، وهذا المفتاح سياسي قبل ان يكون تقنياً، فإذا تجدّدت التسوية السياسية تُعالج فوراً تقنيات التأليف والخلاف حول لمن ستؤول هذه الوزارة ومن يسمّي هؤلاء الوزراء، وبالتالي المهمة الأولى للثلاثي المحلي المدعوم من الثلاثي الخارجي هي سياسية بامتياز. فهل سينجح الثلاثي بري والراعي وجنبلاط في تجديد التسوية بين العهد والرئيس المكلّف؟
ولكن اي متابع لهذا الوضع يلمس انّ ثمة تعتيمًا مقصودًا على حركة الاتصالات وجوهر المبادرات والأفكار التي تُطرح من أجل إنجاح هذا المسعى او منع تعطيله، خصوصًا وانّه قد يكون الأخير. ويترافق هذا المسعى مع تمني الثلاثي على الفريقين المعنيين وقف التصعيد السياسي وإعطاء هذه الفرصة حقها لمصلحة البلد والناس، في ظل أزمة مالية مفتوحة على الأسوأ، علّ اللبننة تنجح حيث فشلت المبادرات الخارجية.
تكتم وتأسف
وفي هذه الاجواء، تنتظر الأوساط السياسية عودة الحريري من الخارج من أجل استكمال الاتصالات الجارية لمعالجة الملف الحكومي، وما هو مطروح من مخارج في شأنه. ولم تؤكّد مصادر «بيت الوسط» لـ«الجمهورية» ما اذا كان الحريري سيعود في الساعات المقبلة ام لا، كذلك لم تؤكّد المعلومات التي تحدثت عن انّه انتقل من ابو ظبي الى باريس خلال الأيام القليلة الماضية، ولا اي معلومات تشير الى تحركاته على الساحة السياسية عقب تطور مبادرة بري وما هو مطروح من مخارج لبعض العِقد التي قيل انّها تعوق ولادة الحكومة.
وكرّرت المصادر عينها استهجانها «للاوراق واللوائح التي عمّمها رئيس الجمهورية على بعض المرجعيات عن تشكيلة الـ 24 وزيراً، وهي خطوة تتكرّر كل مرة، وتريد ان تعيد مشاريع التأليف الى نقطة الصفر، ولا لن يقدّم ولن يؤخّر اي تبرير في انّها للمساعدة في تشكيل الحكومة، لأنّ مثل هذه الخطوات لم تُعتمد مرة من قبل، وأنّها ليست المرة الأولى التي يشكّل فيها الحريري حكومة، وهو يعرف طريقة ادارة التوازنات داخلها وعملية توزيع الحقائب على الطوائف والمذاهب، ولا يحتاج الى مثل هذه الصيغ التي لا تشكّل سوى خروج على ما يقول به الدستور».
ودانت المصادر «الحملات الاعلامية التي يقودها الجيش الالكتروني للتيار الوطني الحر، والتي تحدثت في آخر نسخة لها عبر وسائط التواصل الاجتماعي عن توقيف الحريري في دولة الإمارات العربية المتحدة». ولفتت الى انّ الحريري اكتفى بالردّ عليها بتغريدة صباحية عبر حسابه الخاص على «تويتر»، كاتبًا: «يسعد صباحكم بالخير، كيفكم اليوم».
بعبدا تنتظر
وفي الوقت الذي لم يُسجّل فيه خلال عطلة نهاية الأسبوع اي نشاط رئاسي، قالت مصادر قريبة من رئاسة الجمهورية، انّ الرئيس ميشال عون ما زال ينتظر عودة الحريري من الخارج، وهي متوقعة إن صحّت آخر المعلومات في الساعات المقبلة، ليُبنى على الشيء مقتضاه. وليلاً ترددت معلومات عن عودة مرتقبة للحريري.
وخففت المصادر من حجم ردات الفعل على الصيغ التي وضعها عون عن هيكلية الحكومة. ولفتت إلى أنّها صيغ قديمة سبقت رسالة رئيس الجمهورية الى مجلس النواب، وانّ الهدف منها تسهيل عملية التأليف، وأنّها مجرد تصورات أولية للتركيبة الحكومية من 24 وزيراً. رافضة اعطاءها اي وصف بغير هذه الغاية، وخصوصًا القول انّها «تشكّل خرقًا دستوريًا او تجاوزًا لحدود السلطة.
موقف «حزب الله»
وفي السياق، شدّد الوزير السابق محمد فنيش بإسم «حزب الله»، على أنّ «هناك مساعي متجدّدة في تشكيل الحكومة من خلال دور رئيس مجلس النواب نبيه بري ودور «حزب الله» الذي لا يتوانى عن كل جهد، ونحن دعمنا وندعم قدر الإستطاع لمعالجة المشكلة التي أصبحت واضحة أنّها داخلية وليست مشكلة مرتبطة بالضغوط»، لافتاً إلى أنّ «التدخّلات الخارجية كان لها الدور في الوصول إلى هذا الوضع». وأشار إلى «أننا دخلنا في أزمة بالغة الخطورة على صعيد مستقبل البلد وأمن واقتصاد الناس»، مؤكّداً أنّ «علينا العمل على تشكيل حكومة للحدّ من هذه الأزمة».
لقاء مع البابا
وفي خطوة مفاجئة، اعلن قداسة البابا فرنسيس في عظة الاحد امس، أنّه سيلتقي ممثلين عن القادة الروحيين المسيحيين اللبنانيين في الأول من تموز المقبل، لمناقشة الوضع المقلق في لبنان. وقال إنّ هذا اللقاء سيكون «لقضاء يوم من التأمل في وضع البلد المقلق، والصلاة معا من أجل هبة السلام والاستقرار».
وخلال صلاة الأحد، حضّ البابا المؤمنين على «أداء صلوات تضامنية ترافق التحضير لهذه المناسبة، للدفع في اتجاه مستقبل أكثر سلامًا لهذا البلد الحبيب».
وعلمت «الجمهورية» من مصادر واسعة الاطلاع، انّ البطاركة المسيحيين في لبنان تلقّوا منذ اسبوعين تقريبًا مضمون الدعوة التي نقلتها السفارة البابوية الى بكركي والقادة الروحيين المعنيين بالشأن اللبناني من دون بقية مسيحيي المنطقة.
ولفتت المصادر، الى انّ البطريرك الراعي سبق له ان اطلع البابا فرنسيس قبيل استقباله الحريري في الفاتيكان خلال الثلث الأخير من نيسان الماضي، على حجم القلق لدى القيادات الروحية وبقية الطوائف والمذاهب اللبنانية مما يمكن ان تؤول اليه الازمة التي يعيشها لبنان، وانّهم يعانون من تقصير أهل السلطة في إدارة شؤونهم الداخلية، بفعل الأزمة السياسية والفشل في مواجهة اي من الأزمات التي يعانيها اللبنانيون، والتي تفاقمت في عقب بدايات الازمة المالية والنقدية، والتي زادت منها جائحة كورونا قبل ان يأتي انفجار المرفأ في 4 آب الماضي ليزيد من المأساة التي أصابت اللبنانيين.
وفي المعلومات ايضًا، انّ البابا ابدى في عدد من الرسائل الى البطريركية المارونية، وكذلك في ما أبلغه الى الحريري، وفي الرسالة التي وجّهها الى رئيس الجمهورية، تعاطفه مع اللبنانيين، مؤكّداً النية للقيام بأي نشاط او موقف يساعد اللبنانيين جميعًا، وليس المسيحيين فقط، على الخروج من المأزق، وخصوصًا انّه لم يوفّر مناسبة دولية إلّا واثار فيها معاناة الشعب اللبناني وحضّ العديد من الدول على تقديم العون لهم، في ضوء ما خلّفه الانفجار الرهيب في مرفأ بيروت من نكبات اصابت آلاف العائلات المسيحية وغير المسيحية في العاصمة.
وحتى مساء امس، كان جميع البطاركة قد اكّدوا حضورهم اللقاء الذي دعا اليه البابا، وسيكون موضع بحث على طاولة قمة روحية ستعقد في بكركي استعدادًا ليوم الصلاة المخصص للبنان.
الراعي
وفي المواقف السياسية، قال البطريرك الراعي خلال ترؤسه قداس الاحد في بكركي، إنّ «الوقت حان لترشيد الدعم من دون المَسّ بالاحتياط المالي في مصرف لبنان، الذي هو مال المودعين. وهو خصوصاً مال الطبقتين الوسطى والفقيرة، لأنّ الباقين حوّلوا أموالهم إلى الخارج، على ما يبدو. ولكن، بين تأخير التمويل، وهو كافٍ لحاجة السوق اللبنانية، وبين تخزين الأدوية المستوردة وتكديسها في المخازن من دون توزيعها رغبة بالكسب بعد رفع الدعم، وبين فقدان رقابة وزارة الصحة والأجهزة القضائية والأمنية على هذه المخازن والصيدليات، وبين التهريب والتلاعب في قواعد التوزيع، بين كل ذلك، يدفع المواطنون ثمن هذا الاستهتار بالحياة. فمن واجبات الأجهزة الأمنية والقضائية ومؤسسات الرقابة، القيام بدهم المستودعات ووقف الإحتكار، وإغلاق معابر التهريب».
وأضاف: «إننا من الناحية الإنسانية، إذ نتفهّم الموقف السياسي للدول الشقيقة والصديقة التي تربط مساعدتنا بتأليف حكومة تقوم بإصلاحات جدّية، فإنّ الوضع المأسوي الذي بلغه الشعب يدفعنا لنستحثّ هذه الدول على مساعدة هذا الشعب قبل فوات الأوان. فالشعب بريء من دولته، ومن خياراتها، ومن حكومته، ومن الجماعة السياسية عموماً». ورأى ان «ما من مخرج من أزماتنا السياسية والإقتصادية والمالية والمعيشية إلّا بعقد مؤتمر دولي خاص بلبنان، برعاية منظمة الأمم المتحدة، غايته: تطبيق قرارات مجلس الأمن بكاملها، وإعلان حياد لبنان، وإيجاد حل لنصف مليون لاجئ فلسطيني على أرضه، والسعي الجدّي لعودة النازحين السوريين المليون ونصف المليون إلى وطنهم».
عوده
بدوره، متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عوده، قال خلال قداس أحد السامرية في كاتدرائية القديس جاورجيوس، إنّهم «لو شكّلوا حكومة اتخذت الإجراءات الضرورية منذ مدة لما وصلنا إلى هذا القعر. لو حوّلوا شعاراتهم إلى حقائق، وطبّقوا ما ينادون به من محاربة الفساد، والتدقيق الجنائي، وحفظ حقوق المواطنين، والتخلص من الطائفية، وغيرها من الشعارات، لما انهار البلد ويئس المواطن».
ولفت الى انّ «اللبناني لم يعد يصدّق أنّ الدولة لم تكن قادرة على إيجاد الحلول لمشكلة الكهرباء طوال عقود. أي لغز هو لغز الكهرباء؟ هل هي مهمة مستحيلة أم أنّ هناك سبباً آخر نجهله؟ أين التخطيط والإستشراف؟ أين الإدارة الرشيدة؟ وهل يُعاقب الشعب بأكمله بسبب بعض الفاسدين والمعرقلين والسماسرة؟».
وأضاف: «نحن بحاجة إلى محاسبة كل فاسد أو مقصّر أو متعدٍ. من هنا يبدأ الإصلاح. وقد أصبح ضرورياً لأنّ حياة اللبنانيين أصبحت في خطر. حتى الأدوية لم تعد موجودة، ومرضى السرطان يعانون، كما تعاني المستشفيات من نقص حاد في المستلزمات الطبية والأدوية وكل ما تستعمله في المختبرات وغرف العمليات. لم يعد بمقدور المستشفيات أن تقوم بواجبها تجاه المواطنين الذين سُرقت أموالهم، واستُنزفت ودائعهم في دعم سلع تُهرّب أو تُحتكر، ودولتهم عاجزة عن دعم ما هو أساسي لصحتهم، أعني الأدوية والكواشف المخبرية وغيرها من المستلزمات الطبية. أين كان المسؤولون عندما استُبيحت خيرات لبنان وأموال اللبنانيين هدراً وسرقة وفساداً؟ وهل صحة اللبنانيين سلعة أو ورقة مساومة؟. بئس ما وصلنا إليه. والآن يعدون المواطنين ببطاقة تمويلية أخشى أن تصرف مما تبقّى من ودائعهم، فنكون كمن يلحس المبرد ويتلذذ بطعم دمه، كما أخشى أن تشكّل رشوة انتخابية يستعملها السياسيون لغاياتهم».
دعم الدواء
من جهة ثانية، وبعد عظة البطريرك الراعي امس، اتجهت الانظار الى دور وزارة الصحة ونقابة الصيادلة، بعد ايام من البيان الاخير لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي كشف فيه انّ قيمة دعم الدواء لهذه السنة بلغت خلال 5 اشهر ما تمّ دعمه خلال العام الماضي بكامله. وسألت مصادر حكومية لـ»الجمهورية»: «هل اصبح المستوردون والمحتكرون خارج نطاق الرقابة؟». وأملت في ان لا يحذو وزير الصحة حذو وزير الاقتصاد الذي ابطل ملاحقة بعض المستوردين عندما دهم المدير العام لوزارة الاقتصاد محمد ابو حيدر اواخر كانون الثاني 2021 مستودعات الحليب وتمّ تسطير محاضر في حق اصحابها، وعندها تدخّل وزير الاقتصاد وأوقف ملاحقة المستوردين بحجة انّهم لم يحصلوا على اموالهم. وتابعت المصادر: «المسؤولية عن الدواء والحليب اليوم هي لوزارة الصحة ونقابة الصيادلة. فهل ينسحب ماراتون اللقاح على ماراتون ملاحقة مستوردي الدواء ومحتكريه؟».
ماراتون فايزر
صحيًا، سجّل التقرير اليومي لوزارة الصحة العامّة أمس حول مستجدات فيروس كورونا انحفاضًا كبيرًا في عدد الاصابات، حيث تمّ تسجيل 145 إصابة جديدة (138 محلية و7 وافدة) ليصبح العدد الإجمالي للإصابات 540277 اصابة. كذلك سجّل التقرير انخفاضًا كبيرًا في عدد الوفيات التي بلغت 5 حالات جديدة، ليصبح العدد الإجمالي للوفيات منذ تفشي الوباء 7723 حالة.
وأعلن وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن عبر «تويتر»: «الدفعة الأولى 150 ألف لقاح الآن نستلمها من شركة فايزر من أصل 780 ألفًا مجدولة خلال شهر حزيران؛ ماراتون فايزر قريبًا؛ نحن حدكم لحمايتكم».
وكانت اللجنة التنفيذية للقاح كورونا قد أعلنت عبر«تويتر»، بدء استهداف فئة عمرية جديدة من لقاح «فايزر» لجميع المواطنين الذين تتراوح أعمارهم بين 40-49 (من الأكبر سنًا)، والذين تسجّلوا على المنصة ولديهم أمراض مزمنة ومستعصية.