بعد ان تكرم رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري على اللبنانيين وعاد من رحلاته الخارجية «اللامتناهية» الى بيروت، عاد «الانتظار» ليكون سيد الموقف من جديد بعدما انتهت الجولة الاولى من التفاوض في «عين التينة» مع رئيس مجلس النواب نبيه بري الى نتائج متارجحة حيث لم يحمل معه اي مسودة جديدة للحكومة واقتصر البحث في التداول بالمخارج الممكنة المطروحة من قبل «الوسيط» القديم -الجديد فيما تنتظر بعبدا نتائج الجولات الجديدة «ليبنى على الشيء مقتضاه» قبل منح الرئيس المكلف موعدا جديدا في القصر الجمهوري.
وفيما ينتظر ان يلتقي الحريري اليوم المعاون السياسي للامين العام لحزب الله الحاج حسين خليل، ومستشار بري النائب علي حسن خليل، عقد لقاء بعيد عن الاضواء بين الوزير جبران باسيل «والخليلين» والحاج وفيق صفا مساء امس جرى خلاله جوجلة الافكار بانتظار ما سيقدمه الحريري خلال الساعات المقبلة، مع العلم ان لقاءه مع رؤساء الحكومات السابقين في «بيت الوسط» خلص الى مواقف متشددة بعد ان طلبوا منه بضرورة التمسك بمواقفه وعدم الذهاب الى تنازلات جديدة، مع العلم ان البحث عن بدائل قد وضع على «الطاولة»، اذا ما فشلت «التسويات» حيث بات البحث عن بديل للرئيس الحريري مطروحا كخيار لتاليف حكومة تحضر للانتخابات النيابية المقبلة بعدما بات احتمال قيام حكومة انقاذية للوضع المالي والاقتصادي امرا صعبا جدا، وهو ما نصح به الحريري من قبل اكثر من مسؤول «خليجي». اما المستجد فيتعلق بما نقله الحريري من باريس وهي محطته الاخيرة قبل وصوله الى بيروت، حيث سمع «جس نبض» فرنسي حيال موقفه من قائد الجيش العماد جوزاف عون، حيث بات يرى فيه الفرنسيون خيارا مطروحا كبديل عن اي فراغ رئاسي محتمل، كما سمع كلاما واضحا عن دور محوري له في منع اي فوضى محتملة اذا ما حصل انفلات امني بات غير مستبعد في حال بقاء الانسداد السياسي في البلاد؟
«جس نبض» فرنسي
ووفقا للمعلومات، تحدث الحريري عن اهتمام فرنسي مستجد بقائد الجيش العماد جوزاف عون، ووفقا لزواره فقد تحدث اليه مسؤولون رفيعون في الادارة الفرنسية حيال دوره المستقبلي في البلاد، وفهم ان الادارة الفرنسية تعلق امالا كبيرة على دوره كقائد للجيش وكذلك كمرشح «طبيعي» محتمل لرئاسة الجمهورية. وكان لافتا تأكيد الرئيس المكلف ان باريس تعول على دور القيادة العسكرية في المرحلة المقبلة في ظل وجود قلق جدي من انفلات امني في البلاد اذا ما استمر الانسداد السياسي.
وفي هذا السياق، تلفت اوساط سياسية مطلعة الى ان اشاعة هذه الاجواء في بيروت ربما تهدف الى ارسال «رسالة» واضحة من الحريري الى بعبدا بانه لم يعد مستعدا للدخول باي تسوية من ضمنها الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو لديه خيارات اخرى باتت مدعومة دوليا، ولهذا يعمل على التسويق لاحتمال الرهان على قائد الجيش في المرحلة المقبلة.
مرشح «طبييعي»
في المقابل»، تلفت مصادر معنية بهذا الملف الى ان قائد الجيش الذي يرى انه مرشح «طبيعي» للرئاسة غير مستعجل على «حرق» اسمه الان فيما يدرك الجميع ان المسألة لا تحسم الا قبل الامتار الاخيرة من «السباق» وفي هذا الاطار يعمل جاهدا الان على حماية المؤسسة العسكرية من الانهيار قبل اي شيء آخر، وهو ما اكده للفرنسيين والاميركيين لانه يرى في انهيار الجيش سقوطا للدولة والاستحقاقات الدستورية.
نيات واشنطن «الخبيثة»
هذا الاهتمام بقائد الجيش فرنسيا، يتماهى مع نيات اميركية «خبيثة» تحاول اعطاء المؤسسة العسكرية ادوارا هي وصفة «للحرب الاهلية» كما تشير اوساط نيابية بارزة فالاعلان عن اعتزام وزارة الخارجية الأميركية تحويل مبلغ 120 مليون دولار لتمويل الجيش اللبناني، إضافة إلى إعلان وزارة الدفاع الأميركية 59 مليون دولار إلى لبنان لتعزيز قدرات الجيش الأمنية على الحدود الشرقية قد يكون امرا معتادا، لكن تاكيد مسؤول في وزارة الدفاع أن ادارة الرئيس جو بايدن ترغب في تفعيل قدرات الجيش اللبناني، لاحتواء نفوذ طهران في لبنان والتصدّي لحزب الله المدرج على لائحة الإرهاب، ومنع سقوط مؤسسات الدولة اللبنانية الأمنية بيده، يعد وصفة «انتحار» لن يقبلها الجيش الذي سبق ورفضت قيادته عروضا مماثلة وكانت حاسمة في تاكيدها على الاستقرار الداخلي، وهذا الامر لن يتغير على الرغم من الاغراءات الاميركية؟
«غموض» حكومي!
حكوميا، ثمة افكار يجري التداول بها لكن لا يزال الغموض سيد الموقف، بانتظار تبلور الصيغ الجديدة، وقد انتهى اللقاء في عين التينة على قاعدة الاتفاق ان يكون هناك للبحث «صلة» خلال الساعات القليلة الماضية بعدما جرى تقييم عام لمبادرة الرئيس بري الذي اصر على ضرورة الخروج من الدائرة المفرغة سريعا مشيرا الى انه سيسحب يده من هذا الملف اذا لم يتلق اجابات واضحة وصريحة لا تقبل اي تاويل خلال الايام القليلة المقبلة، مشيرا الى انه لن يزور بعبدا الا اذا تلقى اجوبة مفيدة على اقتراحاته المتعلقة بتسمية الوزيرين المسيحيين وهوية وزيري الداخلية والعدل. ووفقا للمعلومات جرى البحث في عدة صيغ حكومية وكذلك تم طرح اكثر من توزيعة للحقائب على القوى السياسية، وقد استمهل الحريري بري قبل اعطاء الاجوبة.
وكان الحريري قد التقى بري لمدة ساعتين وخرج دون التصريح وقد اشار بيان عين التينة الى ان اللقاء حضره المعاون السياسي للرئيس بري النائب علي حسن خليل ومستشار الرئيس الحريري هاني حمود. وتم خلاله البحث في الاوضاع العامة وآخرالمستجدات السياسية سيما الموضوع الحكومي. وتخللته مأدبة غداء حيث كان في خلالها نقاش في مسار تشكيل الحكومة والمراحل التي قطعتها وكانت «الاجواء ايجابية».
استمزاج راي باسيل؟
في هذا الوقت عقد المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله حسين الخليل والمعاون السياسي للرئيس نبيه بري النائب علي حسن خليل ورئيس لجنة الارتباط في «حزب الله» وفيق صفا اجتماعا مع النائب جبران باسيل في منزله حيث جرى البحث في بعض الافكار التي طرحت في لقاء- بري الحريري وتم الاتفاق على مواصلة التشاور اليوم، وقد تحدثت مصادر مطلعة عن عدم احراز أي تقدم على صعيد حل عقدة تسمية الوزيرين المسيحيين بانتظار ان تتبلور افكار جديدة مع الحريري اليوم.
بعبدا تنتظر!
وفي حين لم يحدد اي موعد بعد للرئيس الحريري في بعبدا، اكتفت الاوساط الرئاسية بالتاكيد ان الامور منوطة بما سيحمله الرئيس المكلف الى القصر وعندما ينتهي من اعداد صيغة حكومية جديدة ستدرس «ويبنى على الشيء مقتضاه»، لكن لا شيء تغير في معايير رئيس الجمهورية الثابت على مواقفه غير القابلة للمساومة.
وكانت لافتة تغريدة لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط عبر «تويتر» قال فيها: «لا بد من التفتيش عن القوى الخفية التي تحول دون تشكيل الحكومة».
تشدد «نادي» رؤساء الحكومة!
وقد عقد الحريري في «بيت الوسط» اجتماعا مع رؤساء الحكومة السابقين نجيب ميقاتي، فؤاد السنيورة وتمام سلام، تم خلاله التداول بمسار ملف تشكيل الحكومة الجديدة، ووفقا للمعلومات نصح «نادي» الرؤوساء الحريري بعدم تقديم اعتذاره وكذلك طلبوا منه عدم تقديم تنازلات جديدة للفريق الاخر. وقد تم الاتفاق على استمرار الرئيس سعد الحريري في مهمته وعدم اعتذاره عنها، كما تمسكوا بتشكيل حكومة اختصاص خارج إطار الحصص وضرورة احترام المعايير الدستورية في التأليف.
وقد اكد الرئيس فؤاد السنيورة ان رؤساء الحكومات السابقين يقفون الى جانب الرئيس المكلف وهو مستمر في اداء مهمته، موضحًا ان من يعطل هو من يقف ضد الدستور. وأضاف «هناك رئيس مكلف والدستور ليس «خرقة» نلعب بها كما نريد وبالتالي نحن ملتزمون باحترام الدستور». وخلص السنيورة الى القول: «لا اعتذار للرئيس المكلف ولا استقالة من مجلس النواب وكل ما يحصل هو الهاء للناس ومحاولة ذر الرماد في العيون وكأن من يعطل هو الرئيس المكلف بينما من يعطل هو رئيس الجمهورية».
«اذلال» اللبنانيين
في هذا الوقت يستمر مسلسل اذلال اللبنانيين على محطات الوقود، وقد اكدت مصادر مطلعة ان استمرار التأخير في فتح الاعتمادات للبواخر الراسية في عرض البحر لمدة تتجاوز الـ7 أيّام، من شأنه أنّ يؤدي إلى تراجع مخزون الوقود في لبنان إلى مستويات خطرة. وفي السياق، أكّد ممثّل موزعي المحروقات فادي أبو شقرا أن «الكميات التي نتسلّمها من المحروقات لا تكفي حاجة السوق واصفا الوضع بـ «الصعب». من جهته اكد رئيس تجمّع الشركات المستوردة للنفط جورج فياض أنّ الكميات المتوافرة من البنزين تكفي ما بين 6 إلى 7 أيّام استهلاك، وتوقع أن يشهد الأسبوع المقبل حلحلة على صعيد فتح الاعتمادات من قبل مصرف لبنان، ووصول بواخر البنزين. وهذا الأمر من شأنه حلّ الازمة ل15 يوما فقط!
سيناريوهات «مرعبة»
في هذا الوقت وفيما يغرق المسؤولون اللبنانيون في «زواريب» مصالحهم، تتزاحم الملفات الاقليمية على وقع المفاوضات «الايجابية» في فيينا حول الملف النووي، واستمرار الحوار «البناء» بين ايران والسعودية، وبينما سيتبلور مصير الازمة السياسية في اسرائيل خلال الساعات المقبلة، لا يزال الراي العام الاسرائيلي يعيش نتائج هزيمة حرب غزة وما كشفته من انهيار كبير للجبهة الداخلية وعجز لسلاح الطيران عن حسم المعركة، ما دفع بصحيفة «هارتس» الى اعتبار ان القنبلة النووية وحدها قادرة على انقاذ اسرائيل من سيناريوهات حزب الله «المرعبة».
سلاح الجو «مات» في غزة!
ولفتت الصحيفة الى انه منذ سنوات طويلة والمواطنون الإسرائيليون يعتبرون سلاح الجو نوعاً من الحامي، المخلص الكبير الذي يدافع عنهم، والمنقذ من كل ضيق. وإعجابهم بسلاح الجو وإيمانهم به وبقوته نوع من عبادة الأوثان لكن في عملية «حارس الأسوار» سقط سلاح الجو من السماء وتحطم. طائراته اللامعة التي يلوح لها الأولاد في عيد الاستقلال أصبحت الآن تحت أقدامنا محطمة كالتماثيل التي سقطت وانكسرت وسلاح الجو الكبير القوي مات في غزة. «مئات الطلعات ومئات الطائرات ألقت آلاف القذائف الدقيقة المتفجرة بكلفة مليارات الشواكل على منطقة صغيرة»، ورغم كل شيء لم تنجح في وقف إطلاق الصواريخ والقذائف.
البدء بالخوف
واكدت «هارتس» ان على الاسرائيليين البدء بالخوف. ففي حرب متعددة الساحات ستطلق آلاف الصواريخ والقذائف نحو إسرائيل… بدون توقف ومن جميع الاتجاهات. ستطلق الصواريخ يومياً على المراكز السكانية… وهي صواريخ بقوة تدميرية أكبر بعشرات الأضعاف من صواريخ حماس. سيتم إطلاق صواريخ دقيقة ذات رؤوس متفجرة تحمل مئات الكيلوغرامات من المواد المتفجرة لدى حماس صواريخ ثابتة غير دقيقة، أكبرها منها مع رأس متفجر بوزن 90 كغم، في حين لدى حزب الله صواريخ دقيقة مع رؤوس متفجرة بوزن 500 كغم وأكثر. ويمكن لأعدائنا المحاربة لأسابيع وربما لأشهر بسبب احتياطي السلاح الكبير الذي بحوزتهم، والذي يشمل 250 ألف صاروخ وقذيفة.
نصرالله على حق
وخلصت «هارتس» الى القول نصر الله على حق ولدى الاسرائيليين كل الأسباب للارتجاف من الخوف عند سماع تهديداته. «سلاح الجو لن ينقذكم. ستكون هناك حاجة لسفك دماء كثيرة جداً لجنود الجيش الإسرائيلي في حرب لبنان المقبلة. ربما لن يساعدكم الا قنبلة نووية لمواجهة سيناريوهات الرعب التي جعلت موشيه ديان يقترح في اليوم التالي لحرب يوم الغفران تجهيز الخيار النووي بعد ان أصبحتم تدركون أن سلاح الجو لن يساعدكم».