قد تكون الفضيلة الوحيدة لعودة تقدم القضايا والملفات المالية والمصرفية والخدماتية الى واجهة المشهد الداخلي والاستحقاقات الضاغطة بقوة تنذر بتطورات على جانب كبير من الخطورة، انها ربما لعبت دوراً في نقل السجالات والحملات الإعلامية المتصلة بأزمة تأليف الحكومة الى مرتبة متأخرة. ومع انه سجل أمس إنحسار نسبي طفيف نهاراً في وتيرة حرب السجالات العنيفة بين قصر بعبدا و”التيار الوطني الحر” من جهة، و”تيار المستقبل” من جهة أخرى، الا ان هذا الانحسار لم يدم طويلا وتجدد عصراً، كما انبرى تيار العهد لحملة انتقاد وردود على معظم الصحافة والاعلام من باب نفيه انفجار التباينات بين رئيس التيار النائب جبران باسيل وممثلي الثنائي الشيعي في لقائهم الأخير.
وقد غابت تماماً كل معالم التحركات السياسية المتصلة بمبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري، فيما بدا من الواضح ان الستاتيكو التصعيدي أرخى ذيوله بقوة على مجمل الوضع بحيث يخشى ان تعقب مرحلة الانفجار الحاد بين العهد والرئيس المكلف سعد الحريري مرحلة أخرى من الشلل السياسي قبل اتضاح ما يمكن ان تتجه اليه الخيارات البديلة التي تتردد عناوينها بين استقالات نيابية وانتخابات مبكرة او حكومة انتقالية. وتعتقد أوساط مطلعة على مناخات الاتصالات الجارية ان الساعات الأخيرة أفسحت امام تمديد ضمني للمهلة المتعلقة بمبادرة الرئيس بري أسبوعا اخر او اكثر، حتى لو لم تكن هناك مؤشرات تبعث على التفاؤل بإمكان ان يطرأ ما يحمل العهد وباسيل على التخلي عن معاندتهما الرافضة لحق الرئيس المكلف في ان يسمي وزيراً او وزيرين مسيحيين الامر الذي بات يختصر عنوان سعيهما المكشوف للامعان في التعطيل واسقاط مبادرة بري.
والمفارقة ان ثمة تأكيداً ان المبادرة مستمرة ولم تسقط من مصادر المرجعيات الثلاث: رئاسة الجمهورية ورئاسة المجلس والرئيس المكلف سعد الحريري.
وتقول المصادر المتابعة للاتصالات ان الرئيس بري لم ينع مبادرته ولم يقل انه اوقف محركاته، ويتوقع ان تكون في صلب الاتصال المقرر بينه وبين البطريرك الماروني .
المصادر لا تنفي الصعوبة بأن يشكل الرئيس المكلف مع رئيس الجمهورية الا ان لا خيار آخر غير المبادرة مطروحاً حتى الآن طالما لم يعتذر الحريري عن التأليف، وطالما ان اي كلام عن انتخابات نيابية مبكرة لا يعدو كونه فكرة يقترحها البعض للخروج من المأزق دون ان تتحوّل الى مشروع بحث داخلي او خارجي.
وبالنسبة الى الرئيس بري المبادرة مستمرة طالما لم يتخذ الرئيس المكلف قراراً بالاعتذار في حال فشل المبادرة. وفي لقائه والحريري لم يتفقا على تشكيلة حكومية بل على صيغة الـ24 وزيراً من الاختصاصيين غير الحزبيين والمقسمة ثلاث ثمانات لا ثلث معطلاً فيها. وطرحت آلية لتسمية الوزيرين المسيحيين تنتظر التوافق حولها بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف .
من جهتها بعبدا، ردت على بيان الحريري ببيان الا ان ذلك لا يعني انه لم يعد رئيساً مكلفاً طالما لم يعتذر. وتقول مصادرها ان رئيس الجمهورية ينتظره ليقوم بواجباته في تقديم تشكيلة وزارية جديدة قائمة على ثلاث ثمانات دون ثلث معطل بعدما توافق الجميع على هذه الصيغة ولم يعد بإمكانه القول إنه قدم تشكيلة لرئيس الجمهورية. فالرئيس ليس لديه اليوم اي تشكيلة وقبل ان يقدم اليه الرئيس المكلف تشكيلة جديدة لمناقشتها معه لن يعطي موقفاً من وزير او وزيرين لاسيما وان تسمية كل الوزراء هي دستورياً حق متناصف ومكتسب لرئيس الجمهورية مع رئيس الحكومة.
في بيت الوسط ، يتردد منذ الثلثاء الحديث عن اعتذار الرئيس المكلف كأحد الخيارات المطروحة ومترافقاً مع استقالة كتلة المستقبل النيابية، الا ان مثل هذا القرار لن يتخذ الا بعد مناقشته مع الكتل الداعمة لتكليف الحريري ومع رؤساء الحكومات السابقين ولا قبل ان يعلن بري ان مبادرته قد توقفت.
موقف باريس
وعن الاصداء الفرنسية للتطورات الأخيرة في لبنان، أفادت الزميلة رندة تقي الدين من باريس ان فرنسا لم تفقد الامل رغم التراشق الكلامي بين الرئاسة اللبنانية “وتيار المستقبل”. وقال مصدر فرنسي رفيع لـ”النهار”: مازالت الضرورة والأولوية لتشكيل حكومة وليس صحيحا ان مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري سقطت وان كل شيء سقط . ومازال الفريق الرئاسي الفرنسي على اتصال مع جميع المعنيين لتشكيل الحكومة”. وكان المسؤول عن الشرق الاوسط في الفريق الديبلوماسي الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل اتصل بالرئيس المكلف سعد الحريري الاسبوع الماضي وبمسؤولين لبنانيين آخرين والاتصالات مستمرة.
الى ذلك علمت “النهار” ان فرنسا تمكنت من توسيع المشاركين في المؤتمر الدولي لدعم الجيش الذي سيعقد بعد اسبوعين في باريس، ولم يفصح المسؤول عن هوية المشاركين ولكن المعروف ان الولايات المتحدة وبريطانيا وايطاليا ستشارك وقد يعني التوسيع مشاركة عربية فيه.
تعليق القرار
وفي انتظار ما قد تحمله الأيام القليلة المقبلة من معطيات تصاعدت مؤشرات التأزم على المستويات المصرفية والمالية عقب ليل الانتفاضة المتجددة مساء الأربعاء الماضي الذي اشعل الاحتجاجات فيه القرار الإعدادي لمجلس شورى الدولة بوقف تنفيذ تعميم مصرف لبنان الرقم 151 المتعلق بتحديد قيمة السحوبات من حسابات المودعين في المصارف. وبناء على دعوة رئيس الجمهورية عقد اجتماع في بعبدا برئاسة عون ضم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ورئيس مجلس شورى الدولة فادي الياس، تقرّر على أثره اعتبار التعميم رقم 151 الصادر عن مصرف لبنان ساري المفعول كما اعلن سلامة بعد الاجتماع .
وطرأ تطور إيجابي في اجتماع لجنة المال والموازنة امس برئاسة النائب ابرهيم كنعان التي تابعت درس اقتراح القانون الرامي الى وضع ضوابط استثنائية للتحويلات المصرفية. اذ بنتيجة النقاشات، حصل تقدّم كبير في بت اقتراح قانون “الكابيتال كونترول”، على صعيد البنود المالية المتعلّقة بالسحوبات النقدية بالليرة والدولار والتحويلات الطلابية. وسيستكمل النقاش في جلسة أخيرة قبل ظهر الإثنين المقبل يليها مؤتمر صحافي لكنعان.
تحديد الدعم
وتقدم أيضا ملف الدعم اذ رأس عون اجتماعا ماليا في حضور حاكم مصرف لبنان تم خلاله التداول في “تأمين تمويل المواد الأساسية المدعومة بالعملة الأجنبية”.
في هذا السياق، علمت “النهار” ان سلامة أبلغ المجتمعين في بعبدا ان اموال الدعم قد نفدت ولا يمكن المجلس المركزي الموافقة على مزيد من طلبات فتح الاعتمادات، مع إعادة تأكيد موقف المجلس المركزي الرافض للمس بالاحتياطي الالزامي لتمويل الدعم، فهذه الاموال هي أمانة للمودعين، واي تصرف بها يجب ان يكون من خلال إعادتها للمودعين.
وفي معلومات “النهار”ان المجلس المركزي لمصرف لبنان سيعقد إجتماعا إستثنائيا اليوم بحضور كل اعضائه للبحث في الالية التطبيقية لأي تعميم قد يصدر عن المركزي تطبيقا لما أعلنه سلامة، لناحية التفاوض بين المركزي والمصارف اللبنانية بهدف اعتماد آلية تبدأ بموجبها المصارف بتسديد تدريجي للودائع التي كانت قائمة قبل 17 تشرين الأول 2019 وكما أصبحت في 31 آذار 2021، وذلك بالعملات كافة.
ولم يوافق المجلس المركزي في إجتماعه الاخير على توقيع فتح اعتمادات لـ4 بواخر فيول أويل بقيمة إجمالية تقارب 62 مليون دولار، وهي الطلبات التي كان وقعها وزير المال بحكومة تصريف الأعمال غازي والعائدة لمؤسسة كهرباء لبنان، في الوقت الذي توقفت فيه طلبات الدعم للسلة الغذائية او الدواء او فتح أي إعتماد جديد، بإنتظار ما ستقرره الحكومة لناحية ألية الدعم. اما إعتمادات شراء الفيول والغاز اويل للكهرباء فحصر الموافقات بفتح إعتماد واحد فقط لسفينة فيول أويل (Grade A ) لتشغيل معمل الزوق القديم. وأمام هذه الازمة، سارعت مؤسسة كهرباء لبنان لتحذر من ازمة تعتيم كامل قريبا.