وكأنّ جمعية المصارف كانت تنتظر بيان مصرف لبنان “على الكوع”… إذ بعيد صدور قرار المجلس المركزي لمصرف لبنان بعد ظهر أمس والذي قضى بإلزام المصارف تسديد 400 دولار نقداً شهرياً الى المودعين، حتى تمّ تناقل بيان بتاريخ أمس الأول أعلنت فيه المصارف أنها “غير قادرة على توفير اية مبالغ نقدية بالعملة الأجنبية مهما تدنّت قيمتها”، متذرّعة بأن “سيولة المصارف بالعملة الأجنبية لدى المراسلين ما زالت سلبية بما يفوق المليار دولار”.
هي عملية تقاذف المسؤوليات نفسها التي درجت مافيا المال والسلطة على امتهانها للتغطية على “سرقة العصر” وتبييض أموالها عبر فرض ما يشبه “كابيتال كونترول” مقنّعاً على المودعين لتبرئة ذمة من نهب الأموال “بالجملة” ويعتزم سدادها اليوم “بالمفرّق”. لكن حتى السداد بالتقسيط المريح تريد المصارف تمويله من جيوب المودعين أنفسهم عبر مطالبتها “بخفض معدّل الإحتياطي الإلزامي المتوجّب على ودائع المصارف لدى “المركزي”، باعتبار أن الإحتياطي يشكّل “ضمانة للمودعين ويتمّ اللجوء اليه في الأزمات والحالات الطارئة كتلك القائمة حالياً”، ومن هذا المنطلق، رفضت جمعية المصارف في البيان نفسه تسديد “جزء من الأموال في أول سنة من حساباتها لدى المصارف المراسلة في الخارج والتي تتراوح بين مليار ومليار ومئتي مليون دولار اميركي”، كما ورد في بيان “المركزي” الذي أجاز لها أيضاً “سحب المبالغ نفسها من مصرف لبنان مقابل توظيفاتها الالزامية”.
إلا ان حالة التخبط التي عسكها تراشق البيانات بين المصرف المركزي وجمعية المصارف لم تنته عند هذا الحدّ، إنما خلصت إلى إصدار الجمعية بياناً آخر عند السابعة والنصف من مساء أمس “بعد اجتماعات ومشاورات ماراتونية بعد الظهر بين أعضاء جمعيتها ومصرف لبنان لاستدراك الأمر وردود الفعل التي نشأت عن بيانها الأول”، كما علمت “نداء الوطن”، فانتهى النقاش إلى نقض المصارف بيانها الأول والعودة إلى الإعراب عن “استعدادها الكامل لبحث مندرجات التعميم المزمع إصداره من قبل مصرف لبنان بإيجابية تامة لما فيه المصلحة العامة”، على أساس أنها تثمّن “العمل الذي يقوم به المجلس المركزي لمصرف لبنان برئاسة الحاكم في هذه المرحلة الحساسة جداً للحفاظ على الإستقرار النقدي والعمل على تسديد الجزء الأكبر من الودائع بالعملات الأجنبية للمودعين الصغار”، مؤكّدة أن “الكتاب الأول الذي صدر عنها والموجّه للحاكم، سبق بيان مصرف لبنان”. فكانت خاتمة المناوشات مسكاً.
وفي السياق ، اوضح الخبير الإقتصادي والمالي نسيب غبريل لـ”نداء الوطن” أن “المصارف ترحب بأية مبادرة تسمح للمودع باستخدام ودائعه، ولكن التزامات المصارف التجارية الخارجية أعلى بمليار و100 مليون دولار من موجوداتها الخارجية. لذلك تمنت جمعية المصارف على مصرف لبنان في البيان الأول خفض الإحتياطي الإلزامي كي يغطي المبلغ الذي سيصرف الى المودعين والذي حدده بمليار و200 مليون دولار في سنة واحدة”. لافتاً الى أن “الموجودات الصافية بالعملات الأجنبية سلبية ولديها التزامات أعلى من موجوداتها بالعملات الأجنبية حسب بيانات البنك المركزي”.
واعتبر أن الحلّ الأكبر والذي يجب التركيز عليه، هو تعهد الدولة بدفع ديونها والتزاماتها فيحلّ الجزء الأكبر من المشكلة، ومنها دفع سلفات الخزينة لمؤسسة كهرباء لبنان، والتفاوض مع الدائنين حول كيفية تسديد الديون، لافتاً الى أن “المشكلة تكمن في عدم وجود إرادة سياسية من قبل القيمين على الدولة لتسديد التزاماتهم للمودعين، سواءً من خلال مصرف لبنان أو من المصارف التجارية”.
فالبيان الذي اعلنه حاكم مصرف لبنان أمس وغير الملزم باعتباره ليس تعميماً، جاء، كما علمت “نداء الوطن”، بعد ضغوط كبيرة مورست عليه لتنفيس القنبلة الإجتماعية وتأجيل انفجارها، فأتى ليضاف الى جملة “التخبيصات” التي تحصل يومياً وآخرها أمس الأول ما حصل إزاء قضية إيقاف مجلس شورى الدولة دفع المصارف أموال الناس على سعر 3900 ليرة قبل أن يتم إيجاد “تخريجة” رئاسية في قصر بعبدا للتراجع عن القرار.
تجدر الإشارة إلى أنّ بيان مصرف لبنان أورد أنه “في السنة الأولى من تطبيق هذا التعميم تسدّد أرصدة ما يقارب 70% من عدد حسابات المودعين، ويمكن للمصارف استعمال الـ 3% باستثناء حسابات الـ Fresh dollars للمودعين لهذه الغاية. كما قرر المجلس المركزي تخفيض التوظيفات الالزامية بالعملات الاجنبية من نسبة 15% الى 14%، على أن يعمل بهذا القرار بدءاً من 2021/7/1.