قد يكون من مفارقات الواقع المأزوم ان تحل ذكرى مرور عشرة اشهر على انفجار مرفأ بيروت في سباق محموم ومتواصل بين التداعيات المدمرة لذاك الانفجار الدراماتيكي التاريخي، والتداعيات التي لا تقل سوءا عنه للانسداد السياسي الذي اطال عمر حكومة تصريف الاعمال حتى اللحظة، وحول استحقاق تشكيل الحكومة الجديدة سراباً وسبباً إضافياً لاتساع الانهيارات الداخلية. بذلك بدا بديهياً امس ان يتوزع المشهد الداخلي بين ذكرى انفجار 4 آب الماضي بكل أثقالها المفجعة من جهة، والإجراءات الجديدة التي اتخذها مصرف لبنان في شأن تحديد قيمة السحوبات من الودائع في المصارف، فيما غابت الى حدود واسعة كل الثرثرة العقيمة المتصلة بأزمة تشكيل الحكومة في ظل الشلل الذي طبع الحركة السياسية.
وعلى رغم صعوبة الأخذ بكل ما يحدد من مهل مبدئية وواقعية في سياق الصراع على تشكيل الحكومة، فان اوساطاً مطلعة اعتبرت ان أي طرف معني بالازمة لا يملك ان يقلب الطاولة، ويعلن انتهاء أي مهلة ما دام التكليف قائماً، والرئيس المكلف سعد الحريري ليس في صدد الاعتذار، الا اذا سلك خيار استقالات كتل نيابية من المجلس طريقه الى التنفيذ بما يسقط فعلا البعد الميثاقي. ولا يبدو وفق الأوساط ان هذا الاحتمال الأخير وارد حاليا قبل استنفاد ما بقي من هامش لمحاولة إبقاء خيار التسوية الحكومية في مقدم الأولويات اقله في الأسابيع القليلة المقبلة علما ان ثمة من يتحدث عن ترقب تطور ما في الأسبوع المقبل.
ولفتت الأوساط في سياق متصل الى ان الازمة السياسية والمالية الداخلية بدأت تجرف لبنان في اتجاهات بالغة السلبية دوليا من خلال ال#صدمة التي تشكلها ازمة تمويل المحكمة الخاصة بلبنان والتي تعتبر سابقة بالغة الخطورة في تاريخ المحاكم الدولية خصوصا ان المحكمة الخاصة بلبنان هي المحكمة الدولية الأولى المختصة بالإرهاب. واذا كانت المسؤولية الأممية أساسية في تأمين التمويل، فان الواقع الراهن في لبنان في ظل افتقاد حكومة كاملة الصلاحيات تلاحق هذه الازمة داخليا ودوليا وتتصدى لها سيهدد لبنان وسائر ضحايا الملفات التي كانت ستواصل المحكمة النظر فيها والعدالة الدولية كلا في الصميم.
وحذرت الناطقة بإسم المحكمة وجد رمضان عبر”النهار” من أن المحكمة الخاصة بلبنان “تعيش أزمة خطيرة جدا لا تخولها المضي في مهمتها بعد نهاية تموز المقبل لعدم توفر المبالغ الكافية لتستكمل عملها”. ولفتت الى ان المحكمة تلقت من الامم المتحدة قبل أشهر مساهمة مالية تشكل 75 في المئة تقريبا من مساهمة لبنان للسنة الحالية 2021 ، “ولكن في غياب أي مساهمات معلنة لهذه السنة لا أموال كافية لإستمرارها بعد نهاية الشهر المقبل. وفي حال عدم تأمين هذه المساهمات في غضون حزيران الجاري، لن يكون أمام المحكمة إلا خيار توقيف عملها لأنه في غياب مواردها البشرية والمالية لا يمكنها أن تستكمل عملها”. وقالت: “كما ناشد الأمين العام للأمم المتحدة الدول الأعضاء بالمساهمة لكي تتمكن المحكمة من إستكمال عملها نناشدها نحن أيضا السماح بتأمين الدعم المادي لها لتتمكن من إستكمال عملها لعدم توفر المبالغ المطلوبة لديها، وتاليا تأمين إستمراريتها بعد تموز، وإلا نحن مقبلون على سيناريو مأسوي جدا”.
وسط هذه الأجواء نظّم أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت امس تجمعا أمام تمثال المغترب في ذكرى مرور 10 أشهر على انفجار المرفأ واعلن باسمهم رئيس لجنة أهالي الضحايا ابرهيم حطيط أنه “من الآن وصاعدا لا شركات ولا مؤسسات ولا إعادة اعمار مسموح في مرفأ بيروت قبل تبيان الحقيقة”. ودعا الكتل النيابية الى “الموافقة على رفع الحصانة عن أي متهم بين النواب ورفع الحصانات متاح وأي كتلة تتغيب أو لا تصوت على هذا الامر سنعتبرها متواطئة في الجريمة”، محذرا من إقامة وقفات تحذيرية أمام المجلس النيابي.
المركزي والمصارف والسحوبات
اما على الصعيد المالي والمصرفي وفي ظل الجمود المسيطر على الواقع الحكومي، اتخذ المجلس المركزي لمصرف لبنان في جلسة استثنائية برئاسة الحاكم رياض سلامة بالإجماع قراراً يلزم المصارف بتسديد 400 دولار شهريا بالاضافة إلى ما يوازيها بالليرة اللبنانية للحسابات التي كانت قائمة بتاريخ تشرين الأول من سنة 2019 وكما أصبحت هذه الحسابات في آذار 2021 على ان يصدر مصرف لبنان تعميماً موجهاً للمصارف يفصل فيه الالية التنفيذية الخاصة بعملية التسديد.
وسيستفيد جميع المودعين من هذه الالية بغض النظر عن حجم وديعتهم، على ان يستطيعوا سحب هذا المبلغ دون تمييز بين حجم حساب وأخر. وسيرتب هذا الاجراء على كل مودع توقيع مستندات يرفع بموجبها السرية المصرفية عن حساباته لأمر لجنة الرقابة على المصارف، لكون كل عميل يستطيع الاستفادة من هذه الالية والحصول على هذه المبالغ عن مجمل حساباته، ويمكن الاختيار بين سحبها من حساب واحد لدى مصرف واحد او توزيع سحبها من حسابات عدة على ان يكون مجموع السحوبات الشهرية على كل حسابات المودع المصرفية في كل المصارف في لبنان 400 دولار شهريا بالدولار الاميركي النقدي بالاضافة الى ما يوازيها بالليرة اللبنانية على ان يتم إحتساب الـ 400 دولار الاضافي على اساس سعر صرف المنصة اي 12000 ليرة تقريبا، ليكون إجمالي السحوبات لكل مودع عن مجموع حساباته عند 25 الف دولار بالحد الأقصى خلال مدة ثلاث سنوات بعد دخول التعميم المرتقب حيز التنفيذ مطلع شهر تموز.
وبعدما كانت جمعية المصارف تحفظت عن الاجراء وطالبت مصرف لبنان بالتريث في اتخاذه عادت مساء وأعلنت انها “تثمن العمل الذي يقوم به المجلس المركزي لمصرف لبنان برئاسة الحاكم رياض سلامة في هذه المرحلة الحساسة جداً للحفاظ على الإستقرار النقدي والعمل على تسديد الجزء الأكبر من الودائع بالعملات الأجنبية للمودعين الصغار ” وأكدت تاليا إنها “تبدي إستعدادها الكامل لبحث مندرجات التعميم المزمع إصداره من قبل مصرف لبنان بإيجابية تامة لما فيه المصلحة العامة”.
في سياق متصل، علمت “النهار” ان ما صدر عن المجلس المركزي لمصرف لبنان، والتعميم المرتقب لناحية الآلية التنفيذية سيتم إعتباره جزءاً اساسياً ضمن مشروع قانون الكابيتال كونترول الذي إقتربت لجنة المال والموازنة من إقراره في الأسبوع المقبل ، على ان تتم إحالته على الهيئة العامة لمجلس النواب للإقرار في نهاية المطاف.
وفي الموازاة، أعلن سلامه في بيان، ان البنك المركزي سيقوم بعمليات بيع للدولار الاميركي للمصارف المشاركة على منصة “Sayrafa” بسعر 12,000 ليرة للدولار الواحد. على أن تبيعها المصارف بسعر 12,120 ليرة للدولار الواحد.