كتبت صحيفة النهار تقول: لم يعد الكلام عن اقتراب الانهيار الشامل مجرد تحذيرات هوائية ترمى على سبيل التهويل أو التضخيم أو التخويف حتى لو انطبق ذلك على أهداف مضمرة محتملة لقوى سياسية في لعبة تصفيات الحسابات، ولكن وقائع المشكلات والأزمات والتعقيدات الحياتية اليومية بدأت ترسم فعلاً معالم هذا الانهيار المخيف.
ويكفي عرض التحركات والمطالب والاحتجاجات والتحذيرات التي صدرت في الساعات الأخيرة عن قطاعات صحية وطبية واقتصادية واجتماعية ناهيك عن تظاهرة في ساحة ساسين في الأشرفية وبإلاضافة إلى مماحكات أزمات الفيول والمازوت والمحروقات الآخذة في التصاعد لكي تظهر خارطة التداعيات التصاعدية للأزمات التي يتخبط فيها اللبنانيون فيما تبتعد يوماً بعد يوم إمكانات التوصل إلى حل للأزمة الحكومية على رغم كل محاولات شراء مزيد من المهل التي تستنفد الواحدة تلو الأخرى وعبثاً انتظار الحل.
وبدا أمس أن اندفاع عدد من نواب “كتلة التنمية والتحرير” إلى التأكيد بأن مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه برّي مستمرّة ولم تتوقف يعكس استشعار برّي خطورة إعفاء نفسه بسرعة من هذه المسؤولية فيما تتخبط البلاد بأوخم الأزمات والصعوبات ولذا فهو يبقي مبادرته قائمة باعتبارها قد تكون آخر المبادرات كما أخر وسائل الضغط الممكنة على معطلي الحل المعروفين.
وفي أي حال لم تتأخر الشروط المستحدثة لـ” التيار الوطني الحر” أمس عن تأكيد المؤكد في أنه المسؤول الأول والأساسي عن عدم إقلاع مبادرة برّي حتى الآن وربما يكون نسف المبادرة هدفاً أساسياً للتيار في ظل الدعم المتواصل لرئيس مجلس النواب للحريري الذي يسعى التيار والعهد بطبيعة الحال إلى دفعه للاعتذار.
وكانت معلومات أفادت أن الاتصالات على الخط الحكومي استؤنفت في الساعات الماضية، بعيداً من الأضواء، لإحياء مسعى برّي. وسُجّل لقاء بين رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل وموفد من حزب الله، خُصّص للبحث في مدى استعداد رئيس تكتل لبنان القوي لتسهيل الحل القائم على حكومة من 24 وزيراً مقسّمين إلى ثلاث ثمانيات، ولتليين رفضِه المطلق لمشاركة الحريري في تسمية الوزيرين المسيحيين. غير أن باسيل يبدو أنه رفض حتى قَبلَ الوصول إلى الوزيرين منطقَ حكومة الـ 8-8-8، محذراً من أنها “مثالثة مقنّعة”، في كلام يقوله للمرة الأولى من شأنه وضع عقبة جديدة على درب التشكيل الشاق.
وقالت المصادر إن برّي يُمهل الاتصالات أياماً، ولن يعلن انتهاء وساطته إلا بعد انقضائها، خصوصاً أن في جعبته مخارج جديدة لا يريد الكشف عنها اليوم مخافة إحراقها.
وفي هذا السياق حذّر المعاون السياسي لبرّي النائب علي حسن خليل من أنه “إذا لم نتوصل إلى تشكيل حكومة فلا حدود للانهيار وقد نكون أمام انهيار شامل”. واعتبر أن الملف الحكومي هو ملف داخلي بامتياز.
بدوره، شدد عضو “كتلة التنمية والتحرير” النائب علي بزي على أن ” الرئيس برّي ما زال يسعى من أجل إيجاد المخارج لتشكيل الحكومة استناداً للمبادرة التي طرحها والتي تحظى بتفويض داخلي وترحيب خارجي”، مشيراً إلى أنه “وخلافاً لما يشيعه البعض من أن المبادرة فشلت نؤكد أن المبادرة لازالت قائمة وأن فشلها هو فشل للبنان وللبنانيين جميعاً”.
ولفت بزي إلى أن “كل العقد التي كانت تعيق تشكيل الحكومة قد حلت ولم يبق سوى تفصيلات صغيرة يجب حلها بشرط أن ينزل الجميع عن شجرة السقوف العالية والتخلي عن الشروط التعجيزية التي يدفع ثمن التمسك بها لبنان بمزيد من الانهيار”.
في غضون ذلك طرأ موقف جديدٌ لتيار العهد العوني لا يؤشر إلا إلى مزيد من التعطيل مع تصويب على صيغة “الـ8-8-8” وتلويح بتقصير ولاية المجلس. وأبدى المجلس السياسي في التيار الوطنيّ، عقب اجتماعه الدوري إلكترونياً برئاسة باسيل “قلقه الكبير من أن تؤدي المماطلة في تشكيل حكومة إنقاذية فعّالة الى بلوغ نقطة اللاعودة في مسار الانهيار المالي وما ينتج عن ذلك من مخاطر معيشيّة واضطرابات اجتماعية”.
وجدّد دعوة الرئيس المكلّف إلى القيام بواجباته الدستورية والوطنية فيقدّم تشكيلة حكومية تراعي الأصول الدستورية والقواعد الميثاقية ويتفق عليها مع رئيس الجمهورية لتأخذ طريقها الى الثقة في مجلس النواب، وإذ أكد “التزام التيار بحكومة اختصاصيين وبرئاسة الحريري، فإنه يبقى منفتحاً على أي حكومة يتوافق عليها اللبنانيون لكنه يرفض قطعاً أي انقلاب على الدستور بتخطي المناصفة الفعلية وتكريس أعراف جديدة بالحديث عن مثالثة مقنّعة يحاول البعض الترويج لها على قاعدة ثلاث مجموعات من ثماني وزراء يقود كلاً منها أحد المكونات الأساسية في البلاد، مع تأييده استثنائياً لهذه المرّة، ألاّ يكون لأي فريق أكثر من 8 وزراء”.
واعتبر المجلس أنه “في حال الإصرار على عدم تشكيل حكومة، وفي ضوء الانحلال المتسارع في بنية المؤسسات، وامتناع الحكومة المستقيلة عن القيام بواجباتها في تصريف الأعمال بما تقتضيه المرحلة وأبسطها حلّ مشكلات الترابة والنفايات والمواد الأساسية، فإن خيار تقصير ولاية مجلس النواب سيصبح عملاً إجبارياً وإن كان سيتسبب بمزيد من هدر الوقت، فيما لبنان بأمسّ الحاجة للإسراع بإقرار القوانين الإصلاحية”.