لعلها مصادفة بالغة الدلالة في عمق معانيها، أن تقرّ لجنة المال والموازنة اقتراح قانون “كابيتال كونترول”، بالتزامن مع توقيع رئيسي الجمهورية والحكومة على تمويل شراء الفيول من الاحتياطي الإلزامي في مصرف لبنان… فبين إقرار قانون يحاكي الحرص على أموال المودعين، وبين الاستمرار في سياسة “صرف السلف” من جيوب المودعين، مشهدية توثّق بالمشهود حجم الانفصام والازدواجية في أداء السلطة الحاكمة والمتحكمة بمصير و”مصاري” الناس حتى آخر سنت من حساباتهم المنهوبة.
باختصار، ما أقرته اللجنة النيابية أمس هو أشبه بـ”قانون تأميم للودائع” أكثر منه قانوناً لحمايتها، كما وصفته مصادر قانونية، مستغربةً أن ينبري مجلس النواب لمهمة تشريع فرض “الكابيتال كونترول” بقوة الأمر الواقع على الودائع في المصارف اللبنانية، بدل أن يلعب دوره الأساس في حماية أموال الشعب الذي تنبثق منه سلطة المجلس، والعمل تالياً على ملاحقة المصارف ومصرف لبنان الناظم لعمل القطاع المصرفي، تحت طائل تطبيق قانون النقد والتسليف الكفيل بحفظ حقوق المودعين وتجريم كل من استولى عليها، لافتةً الانتباه في الوقت عينه إلى أنّ أي قانون “كابيتال كونترول” لن يكون ذا جدوى ما لم يكن مقروناً بإصلاحات جذرية واتفاق مسبق على برنامج عمل مع صندوق النقد الدولي.
وإذ لم تستبعد أوساط مالية أن يلاقي اقتراح قانون “الكابيتال كونترول” الذي خرج من لجنة المال والموازنة مصير الكثير من القوانين في الهيئة العامة، حيث وعلى حد تعبير أحد كبار المشرعين، عادةً ما تدخل الاقتراحات والمشاريع “كاملة متكاملة” إلى الهيئة ثم تخرج منها “نقانق”، فإنّ الأكيد أنّ أمام الاقتراح الوليد مساراً طويلاً قبل بلوغه الهيئة العامة بعد تحويله من لجنة المال والموازنة إلى لجنة الإدارة والعدل واحتمال تحويله إلى اللجان المشتركة في حال التعارض في الآراء بين اللجنتين.
لكن بغض النظر عن مصير الاقتراح، فإنّ لجنة المال تعتبر أنها تمكنت من قذف كرة لهب “الكابيتال كونترول” من بين أيديها بأقل ضرر ممكن على المودعين، فأبقت على سقف 50 ألف دولار للتحويلات الخارجية للأمور الإستثنائية كالصحة والتعليم وتسديد الضرائب والمتوجبات في الخارج، رغم مطالبة المصارف بتخفيضها إلى 10 آلاف دولار، وحددت سقف السحوبات بالليرة اللبنانية بين 15 و20 مليون ليرة. كما أبقت على إمكانية سحب بالعملة الأجنبية بما يعادل 50 في المئة من سقف السحب بالليرة اللبنانية محتسب على أساس سعر منصة معادل للسعر الرائج في السوق، أو 25% من سقف السحب بالليرة اللبنانية، ولم تخضع لطلب المصارف سحب هذا البند لعجزها عن تسديد أي مبلغ بالدولار في الداخل.
ولعل أهم ما جاء في التعديلات النهائية تمحور حول إعطاء الحق دائماً للمودع، وتحديد مرجعية إدارية للتظلّم في حال نشوب خلاف بينه وبين المصرف بحيث يحوّل الطلب إلى “وحدة مركزية التحاويل”، وإذا لم يكن قرار الأخيرة لمصلحة المودع يحوّل الملف إلى المجلس المركزي الذي يُعتبر قراره ملزماً إذا كان في صالح طالب التحويل، على أن يبقى من حق المودع في حال عدم إنصافه مراجعة القضاء المختص. كما نص الاقتراح على فرض عقوبات على المصرف المخالف لأحكام القانون لجهة السحوبات أو التحويل، بموجب المادة 208 من قانون النقد والتسليف والتي تصل إلى حد شطب المصرف المخالف من لائحة المصارف.
غير أنّ رئيس لجنة الرقابة على المصارف السابق سمير حمود استغرب وضع قيود على الرساميل “من دون تحديدها أولاً، وحماية أموال المودعين”، وقال لـ”نداء الوطن”: “اذا اعتبروا أن المال الموجود حالياً في جعبة مصرف لبنان ولدى المصارف في الخارج هو مصدر التحاويل وتمويل السحوبات بالعملة الأجنبية، فيجب توزيع هذه المبالغ على مجموع الودائع وإنشاء “كابيتال” لكل حساب يكون هو القابل لوضع “الكونترول” عليه، على ألّا يستعمل هذا “الكابيتال” الناشئ إلا وفقاً للقانون ومتطلبات واستثناءات القانون وبنوده”. ومن وجهة نظر حمود “لا تحدث العدالة في التوزيع إلا من خلال تحرير 15 في المئة من حساب كل وديعة وإخضاع المبلغ الذي ينتج عنها لـ”الكونترول”، وإلا فإنّ القانون سيكون بمثابة وضع اليد على هذه الودائع وحرمان المودعين من حفظ حقوقهم بما تبقى من رساميل”.
أما نقطة الضعف في القانون بحسب الخبير المصرفي ميشال قزح فهي عدم لحظه قيوداً على التحويلات الخارجية بالعملة الاجنبية كما فعلت اليونان على سبيل المثال، لا سيما وأنه في ظل توقع انفلاش هائل بالكتلة النقدية بالليرة اللبنانية قد يصل إلى 26 ألف مليار ليرة ستتحول مبالغ كثيرة إلى الدولار وستخرج من لبنان، وهذا سينعكس بطبيعة الحال نقصاً في الدولار وارتفاعاً بسعر الصرف، محذراً من أنّ اعتماد إجراءات مطلوبة من صندوق النقد على “الطريقة اللبنانية” تحرم لبنان من مساعدات الصندوق والمعونات المالية الدولية بخلاف ما سيكون عليه الوضع فيما لو التزمت الدولة اللبنانية الإصلاحات وفق برنامج منظّم مع صندوق النقد.
أما حكومياً، فتتجه الأنظار اليوم إلى إطلالة الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله لتلمّس رسائله في أكثر من اتجاه لا سيما باتجاه “التيار الوطني الحر” بعد وضع رئيسه جبران باسيل العصيّ في دواليب مبادرة “عين التينة”. لكن وعشية كلمة نصرالله، استرعت الانتباه “رسائل نارية” استباقية من باسيل، سددت ضربات “تحت الزنار” لـ”حزب الله” من خلال إضاءتها على عدم جواز بقاء سلاحه خارجاً عن المؤسسات الشرعية، وذلك بالتزامن مع تصويب القيادي في “التيار الوطني الحر” ناجي حايك على الحزب واصفاً إياه بأنه “شيطان أخرس” يقف إلى جانب رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس المكلف سعد الحريري على حساب تحالفه مع “التيار الوطني”.