تتناسل المصائب من رحم الانهيار، ويواصل الدولار نهش الليرة كاسراً بالأمس حاجز الـ 15 ألفاً في مسار تصاعدي صاروخي منزوع السقوف، تحت وطأة انعدام الحلول وانسداد الآفاق أمام اللبنانيين، الذين هرع بعضهم أمس إلى الشارع حاملاً أطفاله الرضّع استجداءً لعبوة حليب مقطوعة… في وقت يكاد “العهد القوي” أن يسجل إنجازاً جديداً في سجل “إنجازات الـ72%”، وهذه المرّة بمقاييس “غينيس” لأطول طابور انتظار في العالم، وفق ما أظهرت لقطات جوية ملتقطة فوق محطات البنزين اللبنانية.
وبدل أن يسارع المسؤولون رأفةً بالبلاد والعباد إلى تحريك عجلة الإنقاذ ومغادرة مربّع التحاصص والاستقتال على المقاعد الوزارية، تستمر السلطة في سياسة التخاذل والمكابرة والتنصل من المسؤولية، بين رئيس حكومة 8 آذار حسان دياب الذي “رفع العشرة” أمس أمام أهالي شهداء انفجار المرفأ بحجة أنّ “الفساد هزمه”، ورئيس جمهورية 8 آذار ميشال عون الذي حوّل عهده إلى عهد “شحّاد ومشارط” بحسب تعبير مصادر نيابية معارضة، في معرض تعليقها على كلامه أمام وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة مطالباً بزيادة المساعدات إلى لبنان باعتبارها “ليست كافية”.
وبينما كان بيان قصر بعبدا يعمم أجواء الإشادة الدولية والأممية بسياسة رئيس الجمهورية “الحكيمة”، كان اللبنانيون على أرض الواقع يتظاهرون في الطرقات ويطلقون الهتافات المنددة بالعهد والطبقة الحاكمة برمتها، وسط تصدّر شعاري “عهد الذل” و”هنا جهنّم” أخبار اللبنانيين عبر منصات التواصل الاجتماعي حيث تم تناقل صور ومشاهد تدمي القلوب لمواطنين يستصرخون الضمائر الحية في المجتمع الدولي للمسارعة إلى إغاثة الشعب اللبناني وإمداده بمقومات الصمود صحياً وغذائياً واستشفائياً.
وفي هذا السياق، برز خلال الساعات الأخيرة تدحرج كرة المناشدات المدنية والطبية للمنظمات الأممية والدولية للتدخل ووضع اليد على الوضع اللبناني المنهار. ففي حين أرسلت مجموعات من المجتمع المدني كتاباً إلى الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش، تطالبه “بتفعيل دور الأمم المتحدة بشكل أقوى والتحرّك لحماية الشعب اللبناني”، انطلاقاً من أنّ السلطة الحاكمة “لا تؤتمن على حقوق الشعب ولا على مصالحه”، ارتفعت صرخات القطاع الطبي لليوم الثاني على التوالي بعدما بلغت أوضاع الطبابة والاستشفاء والمختبرات والصيدليات مستويات غير مسبوقة من التردي على وقع الانقطاع الحاد في الأدوية والمعدات والمستلزمات الطبية اللازمة لإجراء العمليات الجراحية وإنقاذ المرضى.
وانطلاقاً من ذلك، نفذت أمس مجموعة من منظمة “القمصان البيض” للأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان والممرضين والمخبريّين، اعتصاماً أمام مقر وزارة الصحة لرفع الصوت ولفت انتباه العالم إلى معاناة القطاع الطبي والتمريضي مطالبين منظمة الصحة العالمية بالتدخل السريع ومساندة هذا القطاع وانتشاله من مستنقع الانهيار، عبر وضع “خطة عمل” صحية إنقاذية والشروع فوراً في تنفيذها بالتعاون مع المعنيين على المستوى الطبي مباشرةً، من دون المرور بقنوات السلطة ومؤسسات الدولة الرسمية ربطاً بفقدان الثقة بالمسؤولين الذي أثبتوا أنهم يفتقرون إلى حسّ المسؤولية حيال ما يكابده مواطنوهم من مآس وويلات بلغت مرحلة “الموت حرفياً على أبواب المستشفيات” من دون توافر الإمكانيات لمعالجتهم.
وفي القطاع نفسه، كشفت مصادر مواكبة لملف التأمين أنّ بعض المستشفيات بدأ يرفض استقبال المرضى على حساب شركات التأمين، مؤكدةً أنّ مواطنين اشتكوا خلال الأيام الأخيرة من رفض بطاقاتهم التأمينية عند مكاتب الدخول في بعض المستشفيات رغم أنها صادرة عن شركات مرموقة في حقل التأمين، بذريعة أنّ “قيمة تحصيل مستحقات استشفائهم من هذه الشركات ستتم وفق تسعيرة الضمان”، معربةً عن تخوفها من أنّ المرحلة المقبلة ستشهد “انهيار قطاع التأمين أسوةً بغيره من القطاعات وعلى المواطنين أن يتوقعوا بأن تصبح بطاقات التأمين التي بحوزتهم “بالية” وغير مقبولة للطبابة والاستشفاء”.
أما حكومياً، فأكدت مصادر مواكبة لمسار مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري أنها وصلت أمام “حائط مسدود وباتت تحتاج إلى معجزة لإحداث أي خرق إيجابي في عملية التأليف على وقع احتدام معركة الشروط والشروط المضادة بين ضفة الرئاسة الأولى و”التيار الوطني الحر” من جهة، والرئيس المكلف سعد الحريري من جهة مقابلة”. وترددت معلومات إعلامية ليلاً عن زيارة مرتقبة اليوم للحريري إلى دار الفتوى لوضع المفتي عبد اللطيف دريان والمجلس الشرعي الأعلى في الأجواء السلبية التي تحيط ملف التأليف، وفي الخطوة المقبلة التي سيلجأ إليها الرئيس المكلف ومروحة الخيارات الماثلة أمامه وفي مقدمها خيار الاعتذار.