عشية أسبوع يبدو مثقلاً أكثر بكثير مما طواه الأسبوع الماضي من تداعيات تسببت بها سلسلة الازمات المعيشية والخدماتية والصحية، ناهيك عن الارتفاعات النارية المحلقة مجدداً لسعر الدولار في السوق السوداء هازئاً بمنصة التسعير التي أنشأها مصرف #لبنان، لا يقف السؤال الكبير عند حصيلة الحركة الاستثنائية التي قام بها الرئيس المكلف سعد ال#حريري في الأيام الأخيرة بل تتجاوزها الى السيناريو القاتم الأبعد من احتمال اعتذاره عن تشكيل ال#حكومة.
لعلّه من مؤشرات اقتراب العد العكسي لدومينو انهياري مخيف يحدق بلبنان في ظل سلسلة الازمات التي تطبق على انفاس اللبنانيين، ان صعّد احد ابرز القادة الروحيين اللبنانيين متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس #المطران الياس عودة امس نبرة مخاطبته المباشرة الى رئيس الجمهورية ميشال #عون في موقف شديد الوطأة والتأثير، لا ندري كم اخترق جدران العهد والحكم والسلطة خصوصا ان الرسالة المدوية للمطران عودة بدأت بالرئيس واستتبعته بكل المراجع الرسمية المعنية بمعالجة الكارثة.
في هذه الرسالة المدوية، قال المطران عودة مخاطبا الرئيس عون:”أستحلفك بأحفادك الذين ترى الحياة في عيونهم أن إنزل إلى الشارع واستمع إلى شعبك وعاين الذل الذي يعيشه. هل تقبل أن يموت إنسان جوعاً أو مرضاً في عهدك؟ هل تقبل أن يعاني طفل في عهدك؟ هل تقبل أن يهان مواطن في عهدك؟ هل تقبل أن يضمحل لبنان في عهدك؟ والدعوة عينها موجهة إلى رئيس الحكومة المستقيل منذ أشهر طويلة ولم يقم مع حكومته بأدنى واجبات الحكومة، ولم ينفطر قلبه وجعاً على حال اللبنانيين، وإلى الرئيس المكلف المطلوب منه التعالي عن الأحقاد والخصومات، والإسراع في تأليف الحكومة رحمة بالوطن والمواطنين، وإلى رئيس مجلس النواب ونواب الأمة ربما يدركون حجم الكارثة”.
جاءت هذه الرسالة وسط ظروف تنذر بانزلاق البلاد بسرعة كبيرة نحو مرحلة محفوفة بأخطار غير مسبوقة لجهة تفاعل الازمات المعيشية والمالية والصحية والاجتماعية خصوصا ان مشهد بيروت والضواحي والبلدات الكبيرة وقد تحولت الى مرائب عملاقة وخانقة لطوابير السيارات بفعل ازمة البنزين تمادت وطالت بما يعني انها قد تغدو نمطاً دائماً مع كل ما يعنيه الامر من تداعيات متفجرة.
الاعتذار المعلق
واذا كان مشهد الازمات الخدماتية والمعيشية الخانقة بدأ يشكل جرس الإنذار الأشد اثارة لقلق الناس، فان المقلب الاخر من المشهد السياسي يبدو اكثر اثارة للغموض والخشية من مرحلة قد تحمل نهاية دراماتيكية لأزمة تعطيل الحكومة بما لا يبدو اطلاقا ان الفريق المعطل يدرك حجم وخطر ما سيتسبب به إمعانه في التعطيل.
ذلك انه صار شبه ثابت ان الرئيس الحريري الذي كان له حركة دائرية واسعة من اللقاءات والمشاورات والاتصالات المعلنة والمكتومة في الأيام الأخيرة يقيم على قرار ضمني يجعل اعتذاره الجدي معلقاً فقط فيما تخضع كل الخيارات للدرس.
ولم يكن أدل على هذه الجدية من الاستنفار السياسي الاستثنائي الذي برز عبر المشاركة النادرة للحريري في اجتماع #المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى في دار الفتوى السبت والذي اصدر بيانا اتسم بنبرة حادة وحازمة في مواجهة استهداف صلاحيات الرئيس المكلف وإعلان دعمه التام للحريري، ومن ثم اجتماع الحريري عصرا في بيت الوسط مع رؤساء الحكومة السابقين فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمام سلام وتداولهم اخر تطورات الازمة والاتجاهات المحتملة للحريري حيالها.
اما بيان المجلس، فحمل دعماً مطلقاً للحريري وأشار المجلس الى أنه “في الوقت الذي توشك فيه السفينة على الغرق، فان “بعض المسؤولين لا يرفّ له جفن، ولا يتحرك لديه ضمير أو حسّ وطني أو إنساني. إن هذا البعض غارق في “الأنا” وفي نرجسياتهم الوهمية، وكأن الأخطار التي تحدق بسفينة الوطن لا تعنيهم من قريب أو بعيد. إنهم يرفضون حتى أن يمدّوا أيديهم الى الأيدي الممدودة من وراء الحدود لإنقاذهم من أنفسهم، ومن الغرق في دوامة الفوضى والانهيار”. واكد المجلس أنه “لا يمكن السماح بالمس بصلاحيات رئيس الحكومة المكلف، معتبراً أن اي سعي الى إعراف جديدة فيما يتعلق بالدستور أو باتفاق الطائف أمر لا يمكن القبول به تحت أي حجة من الحجج. وأكّد المجلس أيضاً دعم الرئيس المكلف وصلاحياته ضمن اطار الدستور المنبثق من وثيقة الوفاق الوطني، محملاً مسؤولية التأخير في التأليف الى من يحاول ان يبتدع طرقا ووسائل وأساليب تلغي مضمون وثيقة الوفاق الوطني التي هي مكان إجماع القيادات اللبنانية الحريصة على استقلال لبنان ووحدته وسيادته وعروبته. وشدد المجلس على أهمية ضرورة استمرار مفاعيل المبادرات التي قدمت من قبل فرنسا ورئيس مجلس النواب نبيه بري، املا ان تثمر حلا قريبا للخروج من النفق المظلم الذي وضع فيه لبنان، ودعا المجلس القيادات السياسية للعمل مع الرئيس المكلف للخروج بحكومة تنقذ لبنان مما هو فيه وتعيده الى الطريق القويم “.
هذا الموقف ترجم كما أفادت المعلومات في رفض واسع لاعضاء المجلس لاي اعتذار يقدم عليه الحريري، كما ان رؤساء الحكومات السابقين ابلغوا الحريري بدورهم ضرورة استمراره وعدم الاعتذار فيما بدا الحريري عملياً راغباً بإعطاء مهلة إضافية قد تكون قصيرة لاختبار ما اذا كان فريق العهد وتياره سيستجيب لمبادرة الرئيس بري الذي لا ينفك الحريري يشيد بموقفه وبوحدة الحال بينهما حيال هذا الاستحقاق.
ابعد من الآلية
ولعل الأخطر من كل ما سبق هو ما بدأت أوساط سياسية وديبلوماسية مطلعة تتداوله لجهة السيناريو الذي قد يواجهه لبنان في حال استعصاء تشكيل حكومة جديدة واعتذار الحريري وربما نشوء ازمة تكليف أخرى عقب تداعيات الاعتذار. تربط الأوساط تداول هذا الاحتمال بما اعلنه الأسبوع الماضي الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لجهة نية فرنسا قيادة جهد دولي لإنشاء آلية تمويل طارئ دولي للخدمات الأساسية في لبنان في حال حصول انهيار واسع بحيث لا يترك البلد فريسة الفوضى والعوز. وتلفت الأوساط الى ان هذا الاتجاه الذي لم يتبلور بعد تفصيلياً كشف النقاب عنه عمداً لحمل السياسيين والمسؤولين اللبنانيين يتحملون تبعات انقاذ البلاد في اللحظة الحاسمة وإزالة العوائق من طريق الحكومة الانقاذية لئلا يبدأ الانزلاق نحو إدارة دولية للانهيار على قاعدة إنسانية في المقام الأول. وليس من باب المصادفات، وفق الأوساط نفسها، ان يأتي الكشف عن هذا الاتجاه قبيل المؤتمر الدولي الذي تنظمه فرنسا أيضا لحشد المساعدات للجيش اللبناني منعاً لتأثره بقوة بالازمة المالية بما يضعفه ويؤثر سلباً على كونه ركيزة الاستقرار الأساسية فيما البلاد تقف عند مشارف مرحلة لعلها الأخطر في تاريخ نشأة لبنان.