عادت أزمة تشكيل الحكومة ومعها مجمل الوضع الداخلي الى دوامة الاستنزاف العقيم الذي يرتب مزيداً من التداعيات البالغة السلبية على مختلف المستويات والصعد المالية والاقتصادية والخدماتية والاجتماعية، وسط انطباعات واسعة تنظر بتشاؤم كبير وشكوك متعاظمة حيال أي احتمال إيجابي من شأنه إعادة احياء الآمال في تشكيل الحكومة الجديدة. فاذا كانت الساحة الإعلامية شهدت في اليومين الأخيرين هدنة غير معلنة بين رئاستي الجمهورية ومجلس النواب بعد حرب السجالات العنيفة التي انفجرت بينهما في منتصف الأسبوع، فان هذه الاستكانة لا تعني ان ثمة “انسحابات” متبادلة الى مواقع التهدئة تمهيداً لاعادة تعويم مبادرة رئيس المجلس نبيه بري التي باتت في أقل الأحوال مجمدة واقعياً بعد إصابة العلاقات بين بعبدا وعين التينة بعطب هو الأخطر والاكبر في تاريخ العلاقة المتوترة والكيمياء المفقودة بين الرئيسين عون وبري. وما ينطبق على بعبدا وعين والتينة ينسحب بقدر اكبر وأعمق على حالة الاشتباك الدائمة بين بعبدا وبيت الوسط حتى لو انكفأت في الفترة الأخيرة السجالات المباشرة بينهما وسط اشتعال جبهة الرئاستين الأولى والثانية. وتقدم أوساط سياسية معنية بكل مجريات الأسبوع المضطرب منذ نهاية الأسبوع الماضي حتى بداية عطلة نهاية هذا الأسبوع صورة بالغة القتامة حيال ما آلت اليه الازمة السياسية والحكومية من منطلق الأضرار العميقة التي اصابت آخر قناة داخلية كان يعول عليها كفرصة أخيرة لتشكيل الحكومة من خلال مبادرة بري. بيد ان هذه الأوساط تحزم تقريباً بان القطيعة الثلاثية بين كل من بعبدا وعين التينة وبيت الوسط لم تعد مسألة عابرة قابلة للمعالجة بوساطات محلية عادية بل ان ما نجم عن ثمانية اشهر من معارك التعطيل والمد والجزر والمماحكات واسقاط الوساطات والمبادرات تباعاً، ومن ثم اقتحام الازمة كل ما تبقى من عرى العلاقات بين المراجع والجهات المعنية بالتأليف والشراكة في التمثيل الحكومي العتيد. كل هذا أدى الى بلوغ الطريق المسدود فعلاً وواقعاً كما لم يحصل من قبل في الأيام الأخيرة. والاسوأ من ذلك في رأي هذه الأوساط، ان مجمل التقارير الدقيقة عن الوقائع اليومية للازمات الكارثية التي تحاصر اللبنانيين لا تدع أي مسؤول لا يدرك سلفاً ان البلد ذاهب بسرعة جنونية نحو الانهيار الكبير ومع ذلك سقطت آخر الرهانات على تدوير الزوايا ونزع الغام التعطيل من امام تشكيل الحكومة الجديدة التي يستحيل الكلام عن انقاذ لبنان واستدراك سقوطه في الانهيار الكبير الا من خلال تشكيلها كوسيلة وحيدة مسلم بها داخليا ودوليا لمهمة الإنقاذ.
زيارة بوريل
ووسط هذه المناخات تحديدا تأتي زيارة الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الامنية ونائب رئيس المفوضية الأوروبية جوزيب بوريل لبيروت اليوم وغداً كمحطة مهمة وبارزة لهذا المسؤول الأوروبي الرفيع المستوى الامر الذي يعكس دلالات دقيقة جداً لجهة ما يمكن ان تتركه زيارته لاحقا من نتائج. فمعلوم ان زيارة بوريل تسبق اجتماعا للاتحاد الأوروبي مطلع الأسبوع المقبل سيبحث في الوضع اللبناني من جهة كفتي الميزان المتصلتين بتشكيل الحكومة وبالعقوبات الأوروبية التي تكمل العقوبات الفرنسية على مسببي التعطيل في لبنان .
في المعلومات الرسمية الأوروبية ان بوريل يقوم “بزيارته الرسمية الأولى لبيروت، في لحظة حرجة للغاية للبلاد التي تعاني من أزمات عدة، كما تأتي زيارته، في وقت يتعين فيه بإلحاح على القيادة السياسية اللبنانية تشكيل حكومة وتنفيذ إصلاحات رئيسية، وسيحمل بوريل رسائل أساسية للقيادة اللبنانية، ويعرب عن تضامن الاتحاد الأوروبي مع الشعب اللبناني في هذه الأوقات البالغة الصعوبة”.
وتشير هذه المعلومات الى انه “خلال زيارته، سيعقد بوريل اجتماعات مع المسؤولين السياسيين والعسكريين اللبنانيين، وكذلك مع ممثلين عن منظمات من المجتمع المدني، وسيلتقي رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، ووزيرة الخارجية في حكومة تصريف الأعمال ونائبة رئيس مجلس الوزراء ووزيرة الدفاع الوطني زينة عكر“.
وتتوقع جهات محلية معنية ان ينهج بوريل المنهج الفرنسي إياه لجهة التلويح للمسؤولين الرسميين والسياسيين بضرورة تجاوز صراعاتهم بسرعة وتشكيل الحكومة والا فإن العقوبات الاوروبية جاهزة وسيتم الاتفاق عليها والمباشرة في تطبيقها، بعد اجتماع مسؤولي الاتحاد في بروكسيل الثلثاء المقبل.
مواقف
وفي المواقف الداخلية غرد رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط عبر حسابه على “تويتر” قائلا: “لا يمكن الاستمرار في هذه الحالة الانتظارية من قبل بعض المسؤولين وحالة البلاد تتراجع في كل يوم في غياب الحكومة. آن الاوان لجعل التسوية فوق كل اعتبار بعيداً عن الحسابات الشخصية الضيقة. ان مبدأ التسوية ليس بدعة بل اساس في الحياة وفي السياسة، وتذكروا ان الحقد يقتل صاحبه اولا”.
اما في التحركات المتصلة بالازمة الحكومية فالتقى الرئيس المكلف سعد الحريري امس في بيت الوسط السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا التي عادت من إجازة سريعة في بلادها. كما لفتت زيارة نائبة رئيس مجلس الوزراء وزيرة الدفاع ووزيرة الخارجية والمغتربين بالوكالة في حكومة تصريف الأعمال زينة عكر لبكركي تلبية لدعوة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الى مأدبة الغداء، حيث جرى عرض للأوضاع العامة والتطورات في لبنان، لا سيما الأوضاع الإقتصادية والمعيشية في ظل الأزمة الراهنة والتي يرزح تحتها اللبنانيون بشكل عام والجيش اللبناني بشكل خاص.
وأفادت مصادر مطلعة على الاجواء البطريركية ان الراعي مستاء جداً مما آلت اليه كل محاولات الانقاذ كما مبادرته ونداءاته المتكررة للمعنيين بتشكيل حكومة، وهو لا يتوانى عن التعبير عن غضبه واشمئزازه امام من يلتقيهم من الزوار، حاملا على المسؤولين الذين يعرقلون التشكيل.
وفي هذا السياق، وجه رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع “شكراً كبيراً وكبيراً جدا لدولة فرنسا وللدول التي شاركت البارحة في مؤتمر دعم الجيش اللبناني”، مضيفا “وخزي كبير على رئيس الجمهورية، رئيس حكومة تصريف الأعمال، وحكومة تصريف الأعمال، لتركهم أوضاع الجيش تصل إلى حد تهبُّ معه الدول الصديقة لمساعدته فيما همّ إما لا يفعلون شيئا، أو يفعلون سوءا”.
من جهة ثانية، أفادت “وكالة الانباء المركزية “ ان رئيس الجمهورية ميشال عون اطلع امس من رئيس وفد لبنان الى مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل العميد بسام ياسين على اجواء ايجابية ازاء امكان استئناف المفاوضات قريباً، واشارت المعلومات الى ان حركة الوسيط الاميركي جون دوروشيه تبدو كأنها اثمرت ايجاباً لجهة اعادة الزخم للمفاوضات انطلاقا من الثوابت اللبنانية المتمثلة بالتفاوض من خط هوف صعوداً في اتجاه الخط 29.