السؤال الذي يتصدّر المشهد الداخلي بعد حرب البيانات بين بعبدا وعين التينة، هو: هل مرّ القطوع بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، واكتفى كلا الرئيسين بما قاله بحق الآخر وانتهى الأمر، ام انّ صعودهما الى ذروة القساوة في خطاب بلا قفازات هو فصل من مسلسل طويل من الاشتباك العاصف بينهما؟
المشهد الداخلي بعد المواجهة العنيفة بين عون وبري بَدا وكأنّه محكوم بهدنة غير معلنة تراجعت فيها حدّة القصف السياسي المباشر بين بعبدا وعين التينة، الّا أنّ هذه الهدنة تبدو هشّة حتى الآن، مع استمرار المناوشات والاتهامات والسباب من العيار الثقيل بين مناصري الرئيسين على المنابر والشاشات ومواقع التواصل الاجتماعي. وفي موازاتها مناوشات مماثلة وبالحِدة ذاتها بين مناصري رئيس الجمهورية والرئيس المكلف سعد الحريري.
إتصالات
وفي موازاة ذلك، تتبدّى حركة اتصالات في اتجاه بعبدا وعين التينة يتولى جانباً أساسياً منها «حزب الله» لإعادة ردم الهوّة بين رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي. وقالت مصادر متابعة لـ«الجمهورية»: هناك اتصالات ما زالت في بداياتها، ولا شك انّ هذه المهمة ليست سهلة.
جمود
وفي مقابل ذلك، جمود كامل على خط التأليف، وسط مخاوف من ان تكون حرب البيانات بين الرئاسات قد أطاحت ملف التأليف نهائياً. وفيما روّجت أوساط قريبة من القصر الجمهوري أجواء تفيد بأنّ رئيس الجمهورية بصدد المبادرة الى «خطوة ما» في القريب العاجل، من دون ان توضع ماهية هذه الخطوة وما اذا كانت مرتبطة بالاشتباك بين عون وبري او بملف التأليف، إكتفت اوساط بيت الوسط بالقول لـ«الجمهورية» ان لا تبديل في الموقف، وباب الخيارات مفتوح.
الّا ان اللافت للانتباه ما بدأ يتردد في بعض الصالونات السياسية عن انّ الرئيس المكلف سعد الحريري يعكف على مراجعة حساباته، وتقدير الموقف والخطوة التي سيقدم عليها، وقد يبادر في القريب العاجل الى إعداد صيغة حكومية كاملة، تعقبها زيارة يقوم بها الى القصر الجمهوري وإيداعها رئيس الجمهورية، فإن قبلها الرئيس عون يكون بذلك قد وضع نقطة النهاية للأزمة المستمرة منذ 8 أشهر، وإن لم يقبلها فساعتئذ يفتح الباب على خيارات أخرى أولها اعتذار الرئيس المكلف.
سقوط البلد!
الى ذلك، قال مرجع مسؤول لـ«الجمهورية» ان لا سبيل لتجاوز العقد سوى جلوس المعنيين بتشكيل الحكومة على الطاولة وجهاً لوجه ومحاولة فكفكة هذه العقد، لا أن يستمروا في مخاطبة بعضهم البعض من خلف المتاريس.
ولفت المرجع الى انّ مبادرة الرئيس بري تشكّل فرصة بلوغ توافق وحل بين عون والحريري، أمّا اذا أحبطت فلن يكون مثلها بل قد يفرط كل شيء ويسقط البلد.
وبرزت في السياق تغريدة لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، قال فيها: لا يمكن الاستمرار في هذه الحالة الانتظارية من قبل بعض المسؤولين وحالة البلاد تتراجع في كل يوم في غياب الحكومة. آن الاوان لجعل التسوية فوق كل اعتبار بعيداً عن الحسابات الشخصية الضيقة. انّ مبدأ التسوية ليس بدعة بل أساس في الحياة وفي السياسة، وتذكروا انّ الحقد يقتل صاحبه أولاً.
3 ضحايا
الجَلي في هذا المشهد الداخلي المازوم، أنّ 3 ضحايا سقطت على حلبة تأليف الحكومة: الأولى العلاقة بين عون والحريري ومن خلفهما تيار المستقبل والتيار الوطني الحر، والثانية العلاقة بين عون وبري، امّا الضحية الثالثة فهي الحكومة المقبوض عليها، التي تؤشّر كل المجريات المحيطة بها الى أنّ ولادتها قد تدرّجت من الاستعصاء الى الاستحالة وسط هذا الجو، ورُحِّلت إلى حين أن يغيّر المعنيون بتشكيلها ما في أنفسهم. وهو تغيير، يبدو مع المنحى التصعيدي المواظَب عليه منذ تكليف الحريري قبل 8 أشهر، أنّه من سابع المستحيلات.
السفارات: قلق
النتيجة الطبيعية لهذا السقوط هي انه يفقد، إن لم يكن قد أفقد، لبنان ما تبقّى من مناعته التي خلّعها زلزال الأزمة التي ضربته اقتصادياً ومالياً واجتماعياً، ويرسّخ حقيقة أنّ وضع لبنان بات ميؤوساً منه بالكامل، ويُدفَع عمداً، من قبل طاقم قابض على الدولة والحكومة، الى نهاية مشؤومة وفوضى هدامة لا قيامة للبنانيين منها.
هذه النهاية المشؤومة، تُلمس في التحذيرات الديبلوماسيّة العربيّة والغربيّة، للقابضين على الدولة والحكومة. وبحسب معلومات «الجمهورية» فإنّ حرب البيانات الاخيرة بين الجبهات الرئاسية، والتي تزامنت مع اختناق اقتصادي ومعيشي، استنفَرت السفارات في لبنان، التي وجّهت إشارات تحذيرية مباشرة الى بعض المستويات السياسية والرسمية، تعكس تخوّفاً شديداً على لبنان، وتحذّر من أثمان باهظة سيدفعها في أمنه واستقراره.
تضامن مصري
ووفق هذه المعلومات، فإنّ الديبلوماسية المصرية باتت ترى «ان كل تأخير في توافق اللبنانيين على حكومة سيفاقم أكثر من أعباء الازمة التي يمر بها لبنان»، وتشدد على «انّ ما آل اليه الوضع في هذا البلد الشقيق بات يتطلّب التقاء اللبنانيين سريعاً على تقدير مصلحة لبنان، ومصر تشجّع الاشقاء في لبنان على بلوغ مخرجٍ وتفاهم على حكومة وفق المبادرات المطروحة، تحفظ استقرار لبنان وسلمه الاهلي وتجنّبه ما يحدق به من مخاطر وتحديات، وتستعيد موقعه ودوره الى جانب الأسرة العربية والدولية».
لندن لحل سريع
وفي هذا السياق ايضاً، نقلت مصادر في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، عن ديبلوماسيين بريطانيين، شعورهم بالقلق البالغ حيال مستقبل الوضع في لبنان، وانهم ينظرون الى التوتر السياسي الحاصل في لبنان كعامل معقّد لأزمة لبنان اكثر، فيما الصعوبات التي يعانيها باتت توجِب على القادة في لبنان الاستجابة لنصائح المجتمع الدولي، وتلمّس حلول سريعة بدءاً بالاتفاق على حكومة والشروع سريعاً، وقبل فوات الاوان، في خطوات إصلاحية تعجّل بالمساعدات الدولية للبنان.
باريس: ندعم المبادرات
وربطاً بذلك، أبلغت مصادر ديبلوماسية في العاصمة الفرنسية الى الجمهورية قولها «ان الاشارات الواردة من بيروت تعكس إصراراً من قبل بعض الاطراف السياسيين في لبنان على اعتماد المنحى السلبي في مقاربة المبادرة الفرنسية، والمبادرات الاخرى الرامية الى تشكيل حكومة إنقاذ وإصلاحات في لبنان (في إشارة الى مبادرة الرئيس نبيه بري).
وقالت المصادر انّ ادارة الرئيس ايمانويل ماكرون، وبرغم الاجواء الضاغطة عليها جرّاء اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الفرنسية، ما زالت تمنح لبنان حيّزاً أساسياً في جدول أولوياتها، لما يمثّله لبنان بالنسبة اليها، اضافة الى التزامها بالوقوف الى جانب الشعب اللبناني وتخفيف الاعباء عنه. وفي سياق التزاماتها، يأتي المؤتمر الدولي الذي رعته دعماً للجيش اللبناني، وكذلك جهودها التي ستتواصل في حشد الدعم الدولي للبنان.
وإذ اشارت المصادر الديبلوماسية من باريس الى انّ الادارة الفرنسية تشجّع مبادرة رئيس مجلس النواب اللبناني كفرصة تحقق الغاية المنشودة في المبادرة الفرنسية، وموقفها هذا أبلغته الى القيادات في لبنان، عكست في الوقت نفسه حنق الادارة الفرنسية حيال ما سَمّته استمرار تهرّب القادة اللبنانيين من مسؤولياتهم، وقالت: مع الأسف، لا نلمس إرادة سياسية صادقة لدى السياسيين في لبنان، بل تغليب لمصالحهم الشخصية والحزبية على مصلحة لبنان والشعب اللبناني. هذا السلوك المحبط، هو الذي خرّب لبنان، وفاقَم من تعقيدات الازمة، وهو يضع لبنان الآن امام احتمالات صعبة وخطيرة.
واشنطن
ويتقاطع الموقف الفرنسي مع موقف الادارة الاميركية لناحية التعجيل بتشكيل حكومة في لبنان، وفي هذا السياق تندرج زيارة السفيرة الاميركية دوروثي شيا الى بيت الوسط ولقاؤها الرئيس المكلف سعد الحريري.
ولخّصت مصادر سياسية صديقة لواشنطن الموقف الاميركي حيال التطورات الاخيرة، بقولها لـ«الجمهورية»: انّ واشنطن تشارك المجتمع الدولي قلقه حيال الوضع الدقيق في لبنان، وتؤكد على الحاجة الملحّة لتشكيل حكومة تلبّي طموحات الشعب اللبناني بالإصلاح والانقاذ ومكافحة الفساد وصولاً الى إجراء الانتخابات النيابية في موعدها. وهذا يستوجب فوراً وقف مسلسل الشروط والاعتبارات والحسابات والسياسات الضيّقة التي تعطّل تشكيل الحكومة، وتقفل على لبنان باب المساعدات الدولية.
ورداً على سؤال حول موقف واشنطن من مبادرة الرئيس نبيه بري، قالت المصادر: الموقف الاميركي واضح لجهة دعم كل المساعي والمبادرات التي تحقق الغاية التي ينشدها اللبنانيون، وتشكيل حكومة تشرع في تطبيق الاصلاحات المطلوبة.
زوار موسكو
في السياق ذاته، نقل عائدون من موسكو تأكيداً روسياً على المسؤولين في لبنان بالحفاظ على استقراره. وأشار هؤلاء الى انّ موسكو تقف الى جانب لبنان، وهي على استعداد ان تشكل عاملاً مساعداً له للخروج من أزمته. وانّ امام المسؤولين الروس خططاً لتقديم المساعدة للبنان، خصوصاً في المجال الاقتصادي.
وبحسب هؤلاء العائدين فإنّ موسكو تعتبر انّ اولى خطوات الحل في لبنان، تتمثّل في المسارعة في تشكيل حكومة جديدة من وزراء اختصاصيين برئاسة الرئيس سعد الحريري، في مهمة محددة بمعالجة المشكلات والتحديات الاقتصادية. وموسكو على استعداد لأن تقدم ايّ مساعدة مطلوبة منها في هذا المجال.
بوريل
في سياق دولي آخر، وصل الى بيروت المفوض الأعلى لشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، لإجراء محادثات مع المسؤولين اللبنانيين. ويلتقي قبل ظهر اليوم رئيس المجلس النيابي نبيه بري.
البلد بلا أدوية
وفيما استمرت أزمة المحروقات تراوح مكانها، رغم التأكيدات الرسمية بأنّ البنزين بات متوفراً في السوق، وبقيت طوابير الإذلال على حالها، طَفت الى السطح أمس بوادر كارثة صحية مع تضاؤل مخزون الادوية، لا سيما أدوية الامراض المزمنة، الى مستويات خطيرة تُنذر بفقدانها عمّا قريب من الاسواق.
وفي مؤتمر عقده لهذه الغاية، حذّر نقيب مستوردي الادوية كريم جبارة أنّ «مخزون الادوية وصل الى مستويات متدنية جداً لعدد كبير من ادوية الامراض المزمنة والاساسية، بما يُنذر بكارثة اذا لم يتم تدارك الأمر سريعاً واستيراد كميات جديدة الى لبنان».
وأعاد سبب الأزمة الى «زيادة الطلب على الادوية وصعوبة الاستيراد نتيجة تراكم الديون المستحقة للموردين في الخارج والذين لم يعودوا يستطيعون تحمّل التأخير في دفع مستحقاتهم، بما أدى الى تدنّي المخزون الى مستويات حَرجة، بحيث أصبح لا يغطي احتياجات لبنان إلّا لبضعة اسابيع او لشهر تقريباً بالنسبة الى عدد كبير من هذه الادوية الاساسية، ما يتطلّب معالجة سريعة حفاظاً على الامن الصحي للمرضى المقيمين في لبنان».
الكبتاغون مجددا!
من جهة ثانية، وفي وقت ما يزال لبنان تحت تأثير التداعيات الشديدة السلبية للقرار السعودي بوقف الاستيراد منه على خلفية جريمة تهريب الكبتاغون الى السعودية، وفي الوقت الذي لم تنجح المساعي مع المملكة للتراجع عن قرارها، تصرّ بعض العصابات على إلقاء موبقاتها.
فقد ضبطت شعبة مكافحة المخدرات في الجمارك، في مرفأ بيروت، امس، كمية كبيرة من حبوب الكبتاغون موضّبة في مستوعبين محمّلين بالحجارة، مُعدّة للتهريب إلى السعودية. وتمّ توقيف بعض الأشخاص المتورطين بالعملية.
على الأثر، وصل وزير الداخلية والبلديات محمد فهمي الى المرفأ وطلبَ من المواطنين أن يضعوا أيديهم بأيدي القوى الأمنية من أجل المساعدة في إعادة الثقة بلبنان. وهنّأ الجمارك على ضبط ملايين حبوب الكبتاغون، وكشف انّ وجهتها كانت مدينة جدة في السعودية، وطلبَ من كافة الدول الثقة بلبنان.