بدأ مفوّض السياسة الخارجية الأوروبية جوزيب بوريل زيارته اللبنانية متحمساً للحديث عن العقوبات، على قاعدة التحذير من ترف التمسك بمكاسب سلطويّة بينما البلد يشارف على الانهيار، وأنهى زيارته باكتشاف أن الصيغة الطائفيّة لتقاسم السلطة وتكوين مؤسساتها صعبة ومتعبة ومعقدة، وعاجزة عن بناء دولة، ووفقاً لمصادر التقت ببوريل في نهاية جولته، فإن تقريره أمام مجلس الاتحاد الأوروبيّ لن يذهب للحديث باللغة التي كان بوريل قد بدأ بها جولته، بل سيشرح الصيغة الطائفيّة التي تنتج حساسيات وتعقيدات تجعل بناء حكم منتج مستحيلاً. وقالت المصادر إن بوريل ربما يذهب لاقتراح إدارة حوار لبناني على مستوى قيادي في بلد أوروبي أو عربي بهدف التوصل لتفاهم على تطوير الصيغة السياسيّة بتخفيض منسوب العامل الطائفيّ في تشكيل الحكومات، بما يتيح وجود حكومات منتجة ومحترفة ويمكن الوثوق بها، وقادرة على اتخاذ القرارات اللازمة لمعالجة تراكمات الأزمات الاقتصادية والمالية، والاكتفاء حتى تحقيق هذا الهدف بدعم شبكات الأمان الاجتماعي للجيش والمؤسسات الأمنية من جهة، وللعائلات الأشد فقراً من جهة أخرى، والبحث بكيفية دعم النظام الصحي الذي قال بوريل إنه لاحظ أنّه على وشك الانهيار وفقاً لما سمعه في عدد من لقاءاته.
في الشأن الحكوميّ أكد الحديث الذي أدلى به رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، ما سبق ونشرته “البناء” قبل أيام عن التوصل لحلحلة المشاكل العالقة في طريق تشكيل الحكومة، وصولاً لعقدة منح الثقة للحكومة من جانب التيار الوطني الحر، وقرأت مصادر على صلة بالملف الحكومي في كلام باسيل أمس، تطوّرين جديدين، الأول هو توثيق الاتفاق الذي كان غير معلن على كيفيّة تسمية الوزيرين المسيحيين المختلف عليهما، بقوله إن لا مانع من أن يحمل الرئيس المكلف لائحة اسماء يختار من بينها بالشراكة مع رئيس الجمهورية اسمين، والثاني هو تثبيت التنازل عن وزارة الطاقة التي كانت موضع تنازع في التشكيلات المتداولة، وفيما كان البعض يرى في مسألة الامتناع عن التعهد بمنح الثقة للحكومة نسفاً لهذه الاتفاقات، ويصف عدم منح الثقة ببدعة استفزازيّة للرئيس المكلف دفعته للحديث عن إعادة النظر بحصة رئيس الجمهورية طالما أن التيار غير مشارك ولن يمنح الثقة، فتح باسيل الباب لصيغ نصف ثقة بالإشارة إلى أن التيار لا يستطيع إلزام شركائه غير الحزبيين بقرار منح الثقة أو عدمه، ثم وصل الى طلب تحكيم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، الذي يعلم باسيل، كما قالت مصادر معنية بالملف الحكومي، أنه لن يقبل الحلول مكان رئيس مجلس النواب نبيه بري في تقديم المبادرات، والمتوقع بالتالي أن يتعامل السيد نصرالله مع مناشدة باسيل بصفتها دعوة للتدخّل لرأب الصدع مع بري، بصورة ربما تترجم بلقاء يجمع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، يشكل المدخل لتعويم مبادرة بري مجدداً.
في دمشق استضاف وزير الخارجية السورية الدكتور فيصل المقداد الاجتماع اللبناني السوري الذي بدأ برعاية سلفه الراحل الوزير وليد المعلم، بمشاركة ممثلي الكتل النيابية لقوى الثامن من آذار، للبحث في سبل تطوير التعاون الاقتصادي بين البلدين، وقد عقد اللقاء بمشاركة رئيس الكتلة القوميّة النائب أسعد حردان والمعاون السياسي لرئيس المجلس النيابي النائب علي حسن خليل وعضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسين الحاج حسن، والأمين العام لحزب الطاشناق النائب هاغوب بقرادونيان، ورئيس حزب الاتحاد عبد الرحيم مراد والوزير السابق صالح الغريب ممثلاً للحزب الديمقراطي اللبناني وبطرس فرنجية ممثلاً لتيار المردة، وحضره السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي، ودعا حردان في ختام اللقاء الى تفعيل الاتفاقات بين الحكومتين اللبنانية والسورية في ظلّ الحصار الذي يتعرّض له البلدان.
عُقِد في دمشق اجتماع حول التعاون الاقتصادي المشترك بين لبنان وسورية وسبل تنفيذ الاتفاقيات المشتركة بين البلدين حضره وزير الخارجية السورية فيصل المقداد والسفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي، رئيس المجلس الأعلى في الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان، رئيس حزب الاتحاد النائب عبد الرحيم مراد، الأمين العام لحزب الطاشناق النائب هاغوب بقرادونيان، المعاون السياسيّ لرئيس مجلس النواب اللبناني عضو كتلة حركة أمل النيابية علي حسن خليل، عضو كتلة حزب الله النيابيّة النائب حسين الحاج حسن، الوزير السابق صالح الغريب ممثلاً الحزب الديموقراطي اللبناني، وبطرس فرنجية ممثلاً تيار المردة. وتمّ البحث في شؤون تهمّ الدولتين.
قال حردان بعد الاجتماع لقناة الميادين: “النقاش دار حول كيفية مساهمة سورية ولبنان وتعاونهما المشترك بما يخفف معاناة المواطنين ومواجهة تحديات الحصار والوضع الاقتصاديّ الخانق.
وأكد حردان ضرورة أن تضطلع الحكومة اللبنانية بدورها ومسؤولياتها وأن تشكل لجاناً للبحث مع الحكومة السورية في تفعيل الاتفاقات المبرمة بين الدولتين.
وحذّر رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي وائل الحسنية من عودة الخطاب التقسيميّ في لبنان، معتبراً أنّ الفدرالية هي طرح مشبوه وهي عامل تقسيم للبنان وتقويض لاستقراره، لذلك نؤكد ضرورة التصدي لهذا الطرح التقسيمي، والذي هو محلّ رفض اللبنانيين الذين دفعوا أثماناً باهظة لإسقاط مشروع التقسيم.
وأشار خلال اجتماعه إلى المنفذين العامين في لبنان في دار سعاده الثقافية ـ الاجتماعية ـ ضهور الشوير، الى أنّ المهمة الأساس في هذه المرحلة هي تثبيت الاستقرار والتحصين الوطني والقومي لمواجهة كلّ التحديات والضغوط الاقتصادية الاجتماعية.
ولفت رئيس الحزب إلى أنّ الوضع الاقتصادي المتردّي في لبنان ينعكس سلباً على الأمن الاجتماعي، وهناك من يستغلّ وجع الناس ومعاناتهم لتمرير الطروحات والمشاريع المشبوهة، وهذا ما يحتم الحذر الشديد والعمل الجادّ في آن، لإجهاض كلّ ما يهدّد وحدة لبنان.
وأكد الحسنية ضرورة أن يتحمّل الجميع مسؤولياتهم، والإسراع في تشكيل حكومة تتفرّغ للمعالجات الجدية بما يخفف الأعباء والمعاناة عن كاهل الناس، ولتحصين البلد في ثوابته وخياراته.
وعن الاستحقاقات الحزبية قال الحسنية: نحن ذاهبون إلى المؤتمر العام والمجلس القومي في 16 و 17 و18 تموز المقبل، وعمدة الداخلية أنجزت الدعوات وباتت في عهدة المنفذيات، لذلك المطلوب من المنفذين العامين والمسؤولين كافة بذل جهود مضاعفة لتبليغ أعضاء المجلس القومي كافة، من أمناء ومندوبين، وإنجاز هذا الأمر سريعاً وإفادة عمدة الداخلية بشأن من تعذّر تبليغه لإجراء المقتضى الذي تراه مؤسسات الحزب مناسباً.
وقال : إنّ مؤسسات الحزب كانت قد عيّنت موعداً لانعقاد المؤتمر العام والمجلس القومي في شهر أيار 2021، إلاّ أنّ هذا الموعد تأجل إلى 16 ـ 17 ـ 18 تموز 2021، بناء على اقتراح رئيس هيئة مكتب المؤتمر الأمين حنا الناشف سعياً منه لتحقيق أوسع مشاركة، وهذا ما نحرص عليه. ولذلك، فإنّ المطلوب هو العمل بزخم أكبر لانعقاد المؤتمر العام والمجلس القومي وانبثاق قيادة جديدة للحزب.
الى ذلك يقدّم مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل تقاريره لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي اليوم الاثنين حيال الأزمة اللبنانية وما تمخضت عنه لقاءاته مع القادة السياسيين في لبنان، بحسب المعلومات فإن عصا العقوبات الاوروبية باتت حاضرة، فلا يجوز أن يبقى الوضع في لبنان على ما هو عليه من فراغ حكومي فيما الشعب يتخبط. وأظهرت مذكرة دبلوماسية للاتحاد الأوروبي أن معايير فرض العقوبات ستكون على الأرجح الفساد وعرقلة جهود تشكيل الحكومة وسوء الإدارة المالية وانتهاكات حقوق الإنسان.
وكان بوريل كشف في تصريحات بعد محادثات مع الرئيس العماد ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب أنه وجّه رسالة صريحة مفادها أن بعض الزعماء قد يواجهون عقوبات إذا استمرّوا في عرقلة الخطوات الرامية لتشكيل حكومة جديدة وتنفيذ إصلاحات تمس الحاجة إليها.
وقال لمجموعة من الصحافيين قبل مغادرة بيروت: “من الواضح أنه تشاحن من أجل توزيع السلطة. لا بد أن أقول إن هناك أيضاً حالة كبيرة من انعدام الثقة”.
وأوضح بوريل أن لبنان بحاجة إلى حكومة تتمتع بقدرات فنية وسلطة حقيقية لتجنب ما حدث من إخفاق لحكومة حسان دياب المنتهية ولايتها والتي قال إنها قدمت خطة إصلاح مالي سليمة، لكن الساسة وضعوا العراقيل أمامها.
وشدّد بوريل على أن المساعدات الخارجية لن تتدفق بدون حكومة تعمل مع صندوق النقد الدولي وتنفذ إصلاحات لمعالجة الفساد وسوء إدارة الأموال، لكنه قال إن القادة الذين التقى بهم كانوا متشائمين بشأن إحراز تقدّم.
وأكد أن عدم اتخاذ إجراء سيؤدي إلى انخفاض الاحتياطيات الأجنبيّة وجعل البلاد من دون عملات أجنبية لدفع ثمن السلع الأساسية أو مواجهة نقص الإمدادات بالمستشفيات.
وأشار الى أن محادثاته سلّطت الضوء على الانقسامات العميقة بين الطوائف اللبنانيّة سواء مسيحيّة أو سنيّة أو شيعيّة أو درزيّة، والطريقة التي يتمّ بها تقاسم السلطة. وقال “هذا البلد لديه مشكلة واضحة في نظام الحكم الخاص به”.
الى ذلك أطلّ رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل أمس، محمّلة مسؤولية تعطيل التأليف الى القوى التي ترفض الشراكة والمناصفة وتتخطى الدستور، وقال أزمة التشكيل أظهرت أن المشكلة ليست بالنصوص الملتبسة للدستور الذي يفتقد للمهل، بل بالنيّات الدفينة التي تفضح أصحابها بلحظة تأزم أو غضب وبهذه اللحظة تسقط كل معاني الشراكة والعيش المشترك ووقف العدّ، ويحلّ محلها التذكير بالعدد.
وشدّد رئيس التيار الوطني الحر على أن جوهر الأزمة الوجود والدور والشراكة في دولة تقوم على الإصلاح، وحتى الطائف الذي ارتضيناه، مطالباً بتنفيذه وتطويره، وقال: “قدّمنا مشروعاً متكاملاً بهذا الخصوص، صار المتمسكون به هم من يسيئون إليه، بسوء تطبيقه وعدم احترام نصوصه ورفض تطويره، وبسببهم صار الطائف بخطر”.
وأشار باسيل إلى أن رئيس الحكومة يقوم بمداورة كاملة باستثناء وزارة واحدة هي المالية وكأنّها صارت حقاً مكتسباً، معتبراً أن هذا وحده كافٍ ليسقط الطائف، وأكد أنه لن يقبل به.
وقال: “المناصفة الفعلية هي 12 بـ 12، يسمّونهم بالتوازي والتساوي المسيحيين والمسلمين، انا اليوم أريد أن أستعين بصديق هو السيد حسن نصر الله، لا بل أكثر، أريده حكماً وأئتمنه على الموضوع انا لا أسلّم أمري ومن أمثّل الى السيّد حسن بل ائتمنه على الحقوق. هو يعرف انّنا مستهدفون، وكل شي هو للنيل منا، وهو يعرف أننا تنازلنا بموضوع الحكومة عن كثير من الأمور”. وتوجّه إلى نصرالله بالقول: “يا سيّد حسن، أنا أعرف انّك لا تخذل الحق. انا جبران باسيل، من دون تحميلك أي عبء، أقبل بما تقبل به انتَ لنفسك. هذا آخر كلام لي بالحكومة”.
ولم يمر كلام باسيل مرور الكلام عند القوى السياسية وردّت “القوات” ببيان فندت خلاله ما أسمته المغالطات التي وردت في مؤتمر باسيل وحملته مسؤولية ما آلى اليه الوضع على صعيد الأوضاع المعيشية والاقتصادية، معتبرة أن باسيل يسلّم البلد إلى حزب الله.
ورأت أوساط سياسية متابعة، لـ “البناء” أن ما يجري على خط بعبدا – عين التينة لا يجوز أن يستمر، مشيرة الى ان ترافق الاتهامات والبيانات لن يوصل الا الى الصدام خاصة وأن التصعيد الذي ورد في البيانات أشبه بإعلان الطرفين فتح الجبهات ضد بعضهما البعض، معتبرة أن المساعي يجب ان تنصب على عقد لقاء بين الرئيس عون ورئيس المجلس النيابي من أجل تهدئة الأجواء واستكمال المساعي الحكومية. وهنا دعت الأوساط حزب الله الى مواصلة مساعيه مع الرئيس عون والنائب باسيل لتسهيل التأليف، فلعبة الابتزاز الباسيلي ستكون خاسرة وستلحق الضرر بالجميع.
وبانتظار عودة الرئيس المكلف من الإمارات التي توجه اليها ليل السبت – الأحد، شددت مصادر معنية بالتاليف لـ “البناء” على أن لا حكومة في الأفق، فاتصالات التشكيل وضعت على الرفّ، خاصة أن المعلومات تشير الى أن رئيس الجمهورية لن يوقع أي حكومة يترأسها الرئيس سعد الحريري.
وليس بعيداً، تؤكد مصادر التيار الوطني الحر لـ “البناء” ان ما يجري اليوم هو محاولة مدروسة من قوى سياسية لمحاصرة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، فهذه القوى قلقة من طروحات الرئيس عون لا سيما التدقيق المالي على وجه الخصوص، وبالتالي فهي تعتبر أن معركتها معه ستكون مفتوحة الى نهاية العهد، بيد أن الرئيس عون سيصمد أمام كل ما يحاك ضده، وتبدي المصادر عتباً على حزب الله الذي رغم كل ما يحصل يواصل دفاعه عن رئيس مجلس النواب، الذي يحاول ضرب صلاحيات الرئيس وافتعال المشكلات.
أما البطريرك الماروني بشارة الراعي فقال في عظة الاحد، يعطل المسؤولون تشكيل الحكومة بسبب الصلاحيات، على ما يقولون. فنسأل عن أي صلاحيات تتكلمون؟ هل تريدون إطعام الشعب بالصلاحيات؟ وتوفير الدواء بالصلاحيات؟ ورد أموال المودعين بالصلاحيات؟ ووقف الهجرة بالصلاحيات؟ وتأمين المحروقات بالصلاحيات؟ وإيجاد فرص عمل بالصلاحيات؟ تتحدثون عن صلاحيات وحقوق وجميعكم تتصرّفون خارج الدستور وخارج الصلاحيات. تتصرّفون كأنكم في حفل تسليم البلاد إلى الفوضى، والدولة إلى اللادولة، والسلطة إلى اللاسلطة. نحن لا نشكو من قلة الصلاحيات، بل من قلة المسؤوليّة”.
وتابع: “إذ نتطلّع إلى مؤتمر دعم الجيش الذي دعا إليه الرئيس الفرنسي أخيراً بعين الامتنان والشكر، نطالب، أكثر من أي وقت، كل الحريصين على المؤسسة العسكرية الضامنة للوحدة الوطنية والسلم الأهلي من مقيمين ومغتربين إلى حشد كل طاقاتهم دعماً لهذه المؤسسة حتى تستمر في القيام بمهامها وسط التحديات غير المسبوقة التي تواجه جنودنا الأبطال المدافعين عن سيادة لبنان وكرامته.. وعليه حان الوقت لأن تحسم الدولة موقفها وتحصر اعترافها به دون سواه مسؤولاً شرعياً وحيداً عن سيادة لبنان واستقلاله وسلامة أراضيه