عرّى المفوض الأعلى لشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، الطبقة الحاكمة، من جديد. «الازمة محلّية الصنع»، قالها من قصر بعبدا، محمّلا المنظومة من خلال هذا الموقف، مسؤوليةَ تعطيل الحل السياسي – الحكومي في البلاد وإغراق شعبها في مأساة انسانية – معيشية من الاخطر في العقود المنصرمة.. وبعد وضعهم في قفص الاتهام، حاول بوريل، مرّةً اخيرة، حثّ اهل الحكم على الاسراع في التأليف والإصلاح، فيهبّ المجتمع الاوروبي والدولي الى مساعدة لبنان، و»إلا فإن اي دعم لن يصل الى لبنان – الدولة».. غير انه وبعدما بات المجتمع الدولي بأسره يدرك ان لا الجزرة ولا الاغراءات ولا لغة مناشدة الضمائر، نفعت في تحريك اي حسٍّ وطني في نفوس القابضين على مقاليد قيادة البلاد، اضطرّ الديبلوماسي الاوروبي الى التلويح لهم بالعقوبات – وإن أوضح انها لاتزال في مرحلة الدرس – من دون كبير أمل في ان تتمكّن «العصا» هذه المرة، من تحقيق تغييرٍ ما في اداء القوى السياسية المعنية بالتأليف، والمتّسم بانانية وكيدية قل نظيرهما وبحسابات انتخابية وفئوية ضيقة، فيما البلاد تنهار.
رؤى متباعدة؟
بحسب ما تكشف مصادر مطّلعة، فإن تحديد اسباب الازمة التي يشهدها لبنان، كانت متفاوتة بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والمسؤول الاوروبي. فالاول بدا يحمّلها الى النازحين السوريين، الامر الذي لم يقنع الثاني، الذي رأى ان تأليف حكومة والمباشرة بالاصلاحات، كفيلان ببدء اخراج لبنان من الحفرة، معتبرا ان التدقيق الجنائي وسواه، يتطلبان حكومة اوّلًا. وهنا، شدد الرئيس عون على ضرورة احترام المعايير الدستورية والطائفية وتوزيع الصلاحيات، لتسهيل الولادة الحكومية، الامر الذي ايضا، لم «يفهمه» بوريل، «فهذه تفاصيل واهية يجب ان يتم تجاوزها امام حجم الازمة الاقتصادية – المعيشية، ومعاناة الناس»… في المقابل، تلفت المصادر الى ان وجهات النظر بين عين التينة والضيف الاوروبي كانت اكثر تطابقا. فالتشديد كان مشتركا بين رئيس مجلس النواب وبوريل على ان تشكيل الحكومة (وفق المبادرة الفرنسية) أولوية، وكل الباقي تفاصيل، مشيرة الى «تشجيع بوريل رئيسَ المجلس على المضي قدما في مساعيه التوفيقية».
اصلاح وانتخابات
في المواقف، أعرب بوريل من بعبدا عن قلقه للغاية بسبب الازمة التي يواجهها لبنان، قائلاً متضامنون مع الشعب اللبناني ومستعدون في الاتحاد الاوروبي، للقيام بجزئنا بتقديم الدعم ولكن لا نستطيع تقديم المساعدة من دون اصلاحات». وأطلق بوريل «رسالة لكل القادة اللبنانيين باسم الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء، وهي بان الأزمة في لبنان صناعة وطنية وليست من الخارج، وأرقام الفقر والبطالة دراماتيكية وعلى القادة اللبنانيين تحمل مسؤولياتهم».
وأصرّ بوريل على أن الاتحاد الأوروبي مستعد للمساعدة «ولكن إزاء الظروف اللبنانية الحالية قد نلجأ إلى أساليب أخرى منها العقوبات مع أننا لا نحبّذ اللجوء إليها كحلّ». وعن الانتخابات النيابية، قال «على الانتخابات النيابية المتوقعة في 2022 أن تحصل في موعدها من دون أي تأجيل ومستعدون لإرسال لجنة مراقبة، في حال طلب منا ذلك، لمراقبة الانتخابات والتأكد من انها تتم بشفافية».
بري يشرح
ومن بعبدا انتقل الديبلوماسي الى عين التينة حيث التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري، وكان عرض مفصل وحوار صريح حول الوضع اللبناني بتشعباته وتداعياته لاسيما الازمة الحكومية، بحسب عين التينة. وقدم الرئيس بري للموفد الاوروبي شرحا مفصلا عن مبادرته الرامية لتجاوز الازمة الحكومية والمراحل التي قطعتها وأين تقف الان، مؤكدا أن «العقبات التي تحول دون إنجاز الحكومة هي محض داخلية». كما عرض ما أنجزه المجلس النيابي من قوانين إصلاحية وما هو قيد الانجاز في هذا الاطار لمواكبة الحكومة العتيدة في مهمتها الاصلاحية والانقاذية المنتظرة. وشكر للاتحاد الاوروبي دوره وجهوده كما المبادرة الفرنسية لمؤازرة لبنان للخروج من أزماته… وزار بوريل السراي فبيت الوسط ايضا حيث التقى الرئيس المكلف سعد الحريري، وتناول اللقاء آخر المستجدات السياسية والأوضاع العامة في البلاد، والعلاقات بين لبنان والاتحاد، على ان يلتقي ايضا مسؤولين سياسيين وعسكريين ومن المجتمع المدني قبل ان يغادر بيروت.
باسيل يهاجم
فالى اي حد يمكن ان تضع مواقف بوريل الحازمة والمباشرة، حدا للمناكفات وتبدّل في واقع الشرخ الحكومي العمودي؟ الجواب السلبي جاء سريعا من رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل الذي هاجم كلا من رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس المكلف سعد الحريري، معتبرا في مؤتمر صحافي امس ان احدهما «يستشهد بقداسة البابا وغبطة البطريرك لناحية انه اخبرهما عن تمسّكه بالمناصفة… فما الاهم، القول او الفعل؟»، «شخص آخر، يذكّر بأن رئيس الجمهورية ليس عنده لا صوت بمجلس الوزراء ولا كلمة باختيار رئيس الحكومة، ولا يجب ان يكون عنده اي وزير! اي ان رئيس البلاد «صورة على الحيط ومنكسّرها وقت بيلزم».
لمؤتمر دولي
ووسط هذا الستاتيكو السياسي – الاقتصادي غير القابل للكسر منذ 8 اشهر، أيّد سينودس أساقفة الكنيسة المارونية في بيانه الختامي «موقف البطريرك مار بشاره بطرس الراعي في تحركه الوطني الهادف إلى إنقاذ لبنان بعد تعثر التوافق السياسي وعجز المسؤولين عن تأليف حكومة إنقاذية تعالج الفساد وتقوم بالاصلاحات المطلوبة، وذلك عبر الدعوة إلى إعلان حياد لبنان، وإلى عقد مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة لأنها هي المخولة بحكم تأسيسها وقوانينها، الدفاع عن الشعوب المظلومة والمغلوب على أمرها، وتطبيق القرارات الدولية المتخذة والتي لم تطبق حتى الآن. وهم يرافقون صاحب الغبطة بصلواتهم فيما يحمل القضية اللبنانية إلى المراجع الدولية والكنسية العليا».