كل المؤشرات تدل على ان لبنان آخذ بالتدحرج السريع الى الهاوية بسبب اشتداد الازمة المالية والاقتصادية والمعيشية ، واستمرار مسلسل الخلاف السياسي على جنس ملائكة الحكومة الجديدة التي يبدو انها لن تبصر النور في المدى المنظور.
ومع دخول البلاد عمليا في مرحلة رفع الدعم في غياب اية اجراءات ملموسة لتدارك نتائجها الكارثية على اللبنانيين، حذرت مصادر سياسية مطلعة من ان يؤدي ذلك الى مزيد من حالة الانفلات والفوضى بدأنا نشاهد بعض نماذجها في الشارع من حوادث امنية امام محطات الوقود واحتجاجات يومية في مختلف المناطق مرشحة لارتفاع وتيرتها وتوسعها في الايام والاسابيع القليلة المقبلة.
واشارت في هذا المجال الى ان هناك معلومات وتقارير لدى الجهات الامنية تبعث على القلق رغم جهوزية الاجهزة والقوى العسكرية والامنية للمحافظة وحماية الامن والاستقرار العام في البلاد.
واضافت المصادر ان هذه المعلومات تلحظ مخاطر توسع الفوضى في ظل غياب الاجراءات والحلول الحكومية للوضع المتفاقم، عدا عن خطر قيام مجموعات معينة باستغلال الوضع لاحداث مزيد من الحوادث في الشارع.
وعلى الصعيد السياسي يمكن تلخيص الوضع بالعبارة التي قالها مصدر سياسي بارز لـ» الديار»: «لا حكومة في المدى المنظور وكل الطرق مقفلة امام الحلول حتى اشعار آخر».
واوضح ان المساعي التي بذلت لتذليل العقبات امام تشكيل الحكومة ذهبت ادراج الرياح بسبب ازمة الثقة المستفحلة بين بعبدا وبيت الوسط، وانفجار الخلافات وتوسعها مؤخرا على اكثر من محور خصوصا بعد المؤتمر الصحفي الاخير لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ورميه كرة نار الحكومة بين يدي حزب الله من باب الاحتكام الى السيد نصرالله.
وكشف المصدر في هذا السياق ان الحزب مستمر بالتواصل مع باسيل بعد مؤتمره الصحفي سعيا الى معالجة العقد المتعلقة بالازمة الحكومية لكن في اطار مبادرة الرئيس بري وليس خارجها او بديلا عنها بل استكمالا لمسارها من حيث وصلت اليه في اللقاء الاخير بين الخليلين والحاج وفيق صفا والنائب باسيل.
واوضح ان الحاج صفا تولى بعد المؤتمر التواصل مع باسيل، وان هذا التواصل مستمر ومفتوح وقد عقد معه اجتماعا يوم الاحد الماضي وبحثا في سبل معالجة العقد المستعصية لا سيما مسألة تسمية الوزيرين المسيحيين. لكن البحث لم يصل الى نتائج محددة وحاسمة بل ان باسيل بقي على موقفه والتمسك برفض تسمية او مشاركة الرئيس الحريري في تسميتهما.
وكشف المصدر عن ان الحاج صفا تواصل مجددا مع باسيل، من دون ان يرشح اي جديد عن نتائج ما جرى حتى الان.
واضاف ان النقاش مستمر ولم يكتمل، لكن الاجواء لا توحي بامكانية تحقيق خرق جدي سريعا. واشار الى ان الحزب على تواصل مستمر ومفتوح ايضا مع الرئيس بري الذي اكد ويؤكد استمرار مبادرته.
ولفت المصدر الى انه على الرغم وجود الرئيس الحريري في الخارج فان مصادره اكدت ان على تواصل مستمر مع الرئيس بري، وان وجوده خارج البلاد لا يؤثر ولا يعيق عملية التاليف اولا لانه يملك الادوات اللازمة لكي يكون حاضرا في كل اجواء ما يجري، وثانيا لانه ابدى كل تجاوب مع مبادرة الرئيس بري الذي تحظى بدعم جامع من الداخل والخارج.
واعرب المصدر السياسي عن خشيته من ان يكون هناك قرار لهذا الطرف او ذاك بابقاء الازمة الحكومية على حالها لغايات سياسية تتجاوز الحكومة الى حسابات الاستحقاقات الاخرى مثل الانتخابات النيابية والرئاسية. لكنه استدرك قائلا ان جهود حزب الله مستمرة وستتواصل لكنها كما ابلغ الحزب باسيل ليست منفصلة عن مسار مبادرة بري وما وصلت اليه قبل حرب البيانات مؤخرا بين بعبدا وعين التينة والاجواء المتشنجة التي احدثها مؤتمر باسيل.
من جهة اخرى واصلت اوساط مقربة من العهد الحديث عن خطوات جديدة قد يقدم عليها الرئيس عون سعيا للخروج من دوامة الازمة الحكومية ، لكنها تكتمت حول هذه الخطوات مشيرة الى ان الهدف منها الانقاذ والحلول وليس تسجيل المواقف.
ونفت مصادر مقربة من بعبدا في هذا الاطار المعلومات التي بثها بعض وسائل الاعلام عن ان رئيس الجمهورية في صدد البحث عن الية دستورية لسحب التكليف من الرئيس الحريري، واعتبرت ان مثل هذه المعلومات هي من نسج الخيال لان الرئيس عون يعرف الدستور جيدا ولا يقدم على اي خطوة لا اسس دستورية لها.
على صعيد آخر تتواصل فصول دخول البلاد عمليا في مرحلة رفع الدعم بشكل مطرد وغير معلن، لاسيما ان نتائج رفع الدعم الشامل ستكون كارثية وستشل البلاد وتأخذه الى المجهول في ظل عدم وجود خطة بديلة شاملة او على الاقل ترشيد الدعم ليبقى مؤمنا للفيول والطحين والادوية الاساسية وجزئيا المحروقات على اساس احتساب الدولار بـ ٣٩٠٠ ليرة بدلا من ١٥٠٠ ليرة.
اما المواد الغذائية فقد اصبحت كلها غير مدعومة بعد توقف مصرف لبنان عن تغطية اي منها. وقد اعلن نقيب مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي ان كل المواد المدعومة وزعت، وانه بالاجمال فان دعم السلة الغذائية يعتبر منتهيا.
وبالنسبة للدواء يستمر تفاقم ازمة فقدان الادوية من الصيدليات، بينما يتواصل الحديث ان مستودعات الادوية ما زالت مليئة بالادوية.
وفي شان وضع الكهرباء لم يطرأ اي جديدة بعد توقيع الرئيسين عون ودياب ووزير المالية مؤخرا اعتمادا ماليا قيل ان يحسن التغذية بالتيار بنسبة معينة، لكن ما حصل هو العكس حيث بقيت التغذية تتراجع بالاضافة الى نظام التقنين الذي بدأه اصحاب المولدات بسبب صعوبة تامين مادة المازوت بالسعر الرسمي.
البطاقة التمويلية وكرة نار رفع الدعم
ومع تدحرج كرة نار رفع الدعم الذي دخلت البلاد عمليا في مفاعيله من دون قرار علني ورسمي، واصل مجلس النواب امس مناقشة مشروع قانون البطاقة التمويلية بوتيرة ناشطة في محاولة لاستدراك ما يمكن استدراكه من النتائج الكارثية التي ستترتب عن رفع الدعم الشامل او ترشيده ليقتصر على مادة الفيول اويل والمحروقات والدواء والطحين بشكل جزئي.
ووفقا للاجواء التي سادت في جلسة اللجان المشتركة امس فان الاراء اجمعت على تاييد مشروع البطاقة لكنها تباينت حول الاجوبة على ثلاثة اسئلة مطروحة هي: طريقة تمويل البطاقة، حجم تغطيتها ومنصة بيانات العائلات التي ستستفيد منها، وعلاقة اقرارها بموضوع رفع او ترشيد الدعم.
وعكس نائب رئيس المجلس ايلي الفرزلي الذي ترأس الجلسة توجهات الرئيس بري، مؤكدا ان جلسات اللجان ستكون متواصلة قبل وبعد الظهر ان اقتضى الامر لحسم المشروع تمهيدا لمناقشته واقراره بصورة نهائية في الهيئة العامة للمجلس.
وعلمت الديار ان نقاشات طويلة دارت خلال الجلسة حول طريقة التمويل وخلفية التعاطي مع هذا الموضوع. وتبين ان البنك الدولي ابدى استعداده لزيادة تامين مبلغ اضافي على الـ ٢٤٦ مليون الذي اقر سابقا لشبكة الامان الاجتماعي ليصبح المبلغ ما بين ٣٦٠ و٤٦٠ مليون دولار.
واضافت المعلومات انه في سياق النقاش الذي كان جرى في الجلسة السابقة فان المبلغ الذي سيخصص للعائلة الواحدة هو ٩٣ دولارا بدلا من ١٣٧ كما ورد في المشروع وذلك في محاولة لتغطية ٧٥٠ الف عائلة بكلفة اقل يمكن تامينها من دون الحاجة الى اي مبلغ من احتياطي مصرف لبنان.
وقالت ان اقتراح تكتل لبنان القوي المتعلق بتغطية ٢٠٠ الف عائلة من خلال اعطاء المودعين الذين لا ينطبق عليهم تعميم مصرف لبنان الاخير مئة دولار من ودائعهم شهريا قد نوقش ايضا، وان العديد من النواب عارضوا واستغربوا هذا الطرح باعتبار انه يوفر الدولارات لهذه العائلات من حساباتها التي هي حق لها ولا منّة لاحد عليها في ذلك.
واوضحت المصادر ان عدد العائلات التي يغطيها قرض شبكة الامان (٢٤٦مليون دولار ) هو ١٨٢ الف عائلة يضاف اليها ٧١ الف عائلة لبيانات العائلات الاكثر فقرا، و٢٤٣ لبيانات احصائية اخرى غير محسومة ليصبح الرقم ٤٩٦ الف عائلة. واذا احتسب الرقم المتعلق باقتراح التيار يصبح مجموع العائلات المحسوبة ٦٩٦ الف عائلة، ويبقى تنظيم بيانات الباقي اي ٥٤ الف عائلة.
لكن المصادر النيابية قالت ان هذه الحسابات الرقمية غير محسومة، وان النقاش مستمر حول هذه النقطة بالاضافة الى كيفية تامين المبلغ الاضافي على مبلغ البنك الدولي الذي يتراوح بين ٦٠ ومئة مليون دولار.
وبعيدا عن تعقيدات لغة الارقام فان نقاشا اساسيا لم يحسم في اللجان حول علاقة تطبيق البطاقة التمويلية مع مصير الدعم. وتباينت الاراء بين من اكد على ان يواكب مشروع البطاقة مع مشروع ترشيد الدعم وليس رفعه، محذرا من ان رفع الدعم الشامل في غياب البدائل وفي ظل تدني رواتب ومداخيل اللبنانيين يعني شلل الدولة وانقطاع الموظفين والعمال عن اعمالهم .وشدد آخرون على اقرار البطاقة وعدم ادخال المجلس في دوامة ومعمعة الدعم الذي يجب على الحكومة الحالية الفصل به او على الاقل احالة خطة ترشيد الدعم الى المجلس لمناقشتها واتخاذ الموقف المناسب منها.
فضل الله للديار
وشن عضو كتلة حزب الله النائب حسن فضل الله خلال الجلسة هجوما عنيفا على السياسات المالية والاقتصادية التي اتبعت واوصلتنا الى ما وصلنا اليه، مؤكدا تاييد البطاقة التمويلية مع تحديد واضح لطريقة التمويل.
وقال بعد الجلسة للديار: موقفنا واضح وصريح، لقد ايدنا ونؤيد مشروع البطاقة التمويلية مع تحديد طريقة تمويلها دون المس بالاحتياطي في مصرف لبنان واموال المودعين. واكدنا اننا نناقش البطاقة التمويلية ولا نناقش موضوع الدعم. اما ترشيد الدعم فيحتاج الى ان تتقدم حكومة تصريف الاعمال بمشروع قانون واضح في شأنه، وعلى ضوئه نحدد موقفنا منه. اما اليوم نحن نناقش حصرا مشروع قانون له علاقة بالبطاقة التمويلية مع الاسف بعد ان اوصلنا تراكم السياسات المالية والاقتصادية الى ما وصلنا اليه.