صفة واحدة تختصر السلطة القابضة على الدولة والقرار، هي اللصوصيّة، التي تتبدّى بكل وقاحة في الادارة العبثية لبلد اغتالته وتمعن في شعبه قهراً وإذلالاً. والسؤال البديهي الذي يفرض نفسه امام هذه اللصوصية: كيف يمكن لسلطة كهذه أن تؤتَمن على وطن وشعب؟
سلطة كهذه لو كانت تحترم نفسها لَسترت عوراتها، وكفّت عن موبقاتها، ولطَمرت نفسها بالوحل، واعترفت انها هي أصل البلاء وعنوان الخراب للبنان واللبنانيين. ولكنّها مع الأسف ما اعتادت هذا الاحترام، كل يوم تثبت انها ليست أهلاً لقيادة البلد، بل هي عبء عليه، وراعية ومديرة لإفلاس اللبنانيين وحرمانهم جنى العمر.
ها هي هذه السلطة تمارس لصوصيتها بكل وقاحة وفجور على أموال المودعين، وبدل ان تقدّم نفسها سلطة بما تعنيه هذه الكلمة من معنى، وتفرض هيبتها وتردع المحتكرين والمهرّبين والمتلاعبين والمتاجرين بلقمة الناس وأساسياتهم من غذاء ودواء ومحروقات، تقدّم نفسها شريكاً لهؤلاء بالاعتداء على ما ليس ملكاً لها، واستِسهال مدّ يدها على جيوب الناس وإهدار أموال المودعين.
فهذه السلطة لا تكتفي بحرمان المودعين مدّخراتهم، بل تغطي عجزها وعدم أهليتها في ادارة شؤون البلد، بأن تبيح لنفسها حقّ الاقتطاع من اموال المودعين لسد ثغرات هي افتعلتها. ففي الأمس بدّدت السلطة اموال المودعين في ما سمّيت السلع الغذائية المدعومة، وفي النتيجة كانت تلك التجربة دعماً للمهرّبين وبيعت االسلع المدعومة في كل دول العالم الّا لبنان. امّا اليوم فتتكرّر البدعة نفسها، وعلى مستوى أخطر، يتصل بقطاع المحروقات والبنزين والمازوت، لاستيراده على دولار 3900 ليرة.
الواضح من هذا الاجراء، تهديد اضافي لما تبقّى من اموال المودعين. والواضح أكثر ليس إيجاد حل لأزمة البنزين والمازوت، بل استيراد كميات اضافية من البنزين والمازوت للمهرّبين. هل تعلم هذه السلطة انها بقرارها هذا فاقمت أزمة المحروقات اكثر، مع قرار كثير من المحطات التوقّف عن بيع البنزين بالسعر الحالي، طمعاً بالاستفادة من ارتفاع الاسعار لما فوق الـ60 ألف ليرة لصفيحة البنزين.
لا تستطيع السلطة أن تفاخر بأنّها أوجدت حلاً لأزمة المحروقات، فما قامت به هو جريمة إضافية ترتكبها بحق اللبنانيين. ألا تستطيع ان تمنّن اللبنانيين لأنها سبق لها ان استقالت من هيبتها ولم تسلك السبيل الواجب عليها سلوكه في الاقتصاص من مهرّبي البنزين الى سوريا ومافيا المواد الاغذائية وإخفاء الدواء. بهذه الحالة تثبت السلطة انها سلطة، وليس كما هو حالها اليوم، سلطة لا تحسن سوى التسرّع والاخفاق، ولا تسمع سوى مديح شعراء بلاطها، ولا ينشرح صدرها إلا لأفكار مستشاري المكائد والتخريب. مع هذه السلطة وصل لبنان الى ما قبل العصر الحجري، فهل يُلام المواطن اللبناني إذا قرف منها، وقال بالخلاص منها ورحيلها؟
القرار
وكان رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب قد أعلن امس أنه بهدف تأمين المحروقات للمواطنين لفترة الثلاثة أشهر المقبلة، وبالتوافق مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على صيغة جديدة، أعطيت صباح أمس الموافقة الاستثنائية على اقتراح وزير المالية بما يسمح بتأمين تمويل استيراد المحروقات على أساس تسعيرة 3900 ليرة لبنانية، بدلاً من 1500 ليرة لبنانية للدولار الواحد، إستناداً للمادة 91 من قانون النقد والتسليف».
المشهد الداخلي
هذا العبء المتجدّد على المودعين، يتزامَن مع حال تَفلّت رهيبة على كل المستويات المرتبطة بمعيشة المواطن، فمافيا الدولار حرّكت السوق السوداء بشكل عنيف في الساعات الماضية دفعت بالدولار أمس الى ملامسة عتبة الـ17 ألف ليرة، في وقت يبتزّ فيه المواطن باحتكار السلع الغذائية والاستهلاكية، وما يتوفّر منها يكوي المواطن بنار الاسعار المرتفعة بصورة جنونية. امّا الطامة الكبرى فتتبدّى في طوابير الذل امام محطات المحروقات، والتي لوحظ بالأمس انّ عدداً كبيراً من المحطات قد رفعت خراطيمها وامتنعت عن بيع البنزين طمعاً ببَيعه على سعر أعلى بعد فترة ربطاً بقرار استيراد البنزين والمشتقات النفطية على سعر 3900 ليرة للدولار بدل 1500 ليرة. ويأتي ذلك في الوقت التي تشهد معابر تهريب البنزين ومواد اخرى الى سوريا حركة ناشطة وبطريقة مكشوفة ومفضوحة، ولا من حسيب ولا من رقيب.
امّا على المقلب السياسي، فالمراوحة السلبية هي الطاغية على المشهد الحكومي، فيما برزت إشارات من مستويات سياسية معنية بهذا الملف تؤشّر الى رغبة في وضع هذا الملف على نار حامية من جديد.
وكشفت مصادر معنية بملف تأليف الحكومة لـ»الجمهورية» انّ حركة اتصالات مكثفة جرت في الساعات الأخيرة لإعادة تحريك الاتصالات بجدية اكبر هذه المرة، بُغية تذليل العقد القليلة المتبقية امام تشكيل الحكومة. وتحدثت المصادر عن عودة وشيكة للرئيس المكلف سعد الحريري إلى بيروت (ربما مساء اليوم)، مشيرة الى انّ اتصالات في هذا الشأن جرت معه خلال الأيام القليلة الماضية.
الّا انّ اللافت للانتباه في كلام المصادر ترجيحها، بناء على الاتصالات التي جرت خلال اليومين الماضيين وخصوصاً على خط «حزب الله» والتيار الوطني الحر، اعتماد ليونة اكبر من قبل الاطراف في مقاربة نقاط الخلاف المحدودة، وصولاً الى حل وسط حول عقدة الوزيرين المسيحيين، يحظى بموافقة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري، خصوصاً انّ عدة افكار مطروحة في هذا الشأن، الا انّ المصادر آثرت إبقاءها طَي الكتمان. وقالت: اكثر من 90 % من النقاط الخلافية قد اصبحت محلولة ومتّفقاً عليها، وتبقى هذه النسبة القليلة جداً، وإن اعتمدت الواقعية والموضوعية اللتان نتوقعهما، فلا شيء يمنع ان تظهر الايجابيات ضمن ايام قليلة لا تتجاوز نهاية الاسبوع المقبل.
واشنطن – باريس
على انّ الوضع اللبناني كان حاضراً أمس على الخط الاميركي – الفرنسي من زاوية حرص البلدين على استقرار لبنان، والتعجيل بتشكيل حكومة وإجراء اصلاحات ومكافحة الفساد.
وقال وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان، خلال استقباله نظيره الاميركي انطوني بليكن في باريس أمس: «قررنا التعاون مع الولايات المتحدة بخصوص الازمة التي يغرق فيها لبنان منذ أشهر». وأضاف: «يجب ممارسة الضغوط على السياسيين اللبنانيين لإنهاء المأساة التي تعيشها بلادهم. نلاحظ معاً المأساة التي يمكن أن تحصل في حال تفتّت هذا البلد أو زال، وقررنا أن نتحرك معاً للضغط على المسؤولين عن الأزمة ونحن نعرفهم».
بدوره، قال بلينكن: «ناقشتُ مع الوزير لودريان الأزمة في لبنان، والشعب اللبناني يطالب بإنهاء الفساد الذي تمارسه الطبقة السياسية». وأضاف: «نبحث عن قيادة حقيقية في لبنان لمساعدته».
وأردف قائلاً: «فرنسا حليف تاريخي وسنعيد الشراكة معها، ويجب ممارسة المزيد من الضغوط على المسؤولين اللبنانيين».
وفي موقف لافت للسفيرة الاميركية في لبنان دوروثي شيا، بعد عودتها من زيارة الى واشنطن، أكدت انّ «لبنان بأمسّ الحاجة إلى حكومة متمكّنة تماماً تلتزم بإجراء الإصلاحات» واشارت الى أنها مع الرؤية التي عبّر عنها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مبادرته، عندما قال إنّ ما يحتاجه لبنان فعلاً هو حكومة مَهمّة.
وحول الثلث المعطّل، قالت شيا: «لا أعلم ما هو الدافع وراء الثلث المعطّل، وقد سمعت ادعاءات بأن لا أحد يسعى إليه وإن كان ذلك صحيحاً فهو رائع، لكن حين أقوم بالحسابات غالباً ما أتوصّل إلى هذا «الرقم السحري». ولفتت إلى أنّ الثلث المعطل يتعارض مع حكومة المَهمّة ومع الرؤية التي عبّر عنها الرئيس ماكرون.
وأوضحت أنّ «الولايات المتحدة تنظر إلى أي محاولة لتعطيل الحكومة على أنها معارضة لنوع الحكومة التي يحتاجها لبنان خلال هذه الأزمة».
وعن تقييم عهد رئيس الجمهورية ميشال عون، قالت: «تعاملتُ كثيراً مع فخامة رئيس الجمهورية وهذا دوري كسفيرة فهو رئيس دولتكم، لكن سأترك هذا السؤال للشعب اللبناني لكي يقيّم أداءه». وأضافت: «أتعامل مع قائد الجيش جوزف عون بمنصبه الحالي، ولا أمتلك أي رأي عمّا إذا من الممكن أن يكون مرشحاً مناسباً لرئاسة الجمهورية لكنّه شريك جيّد لنا في منصبه الحالي كقائد للجيش».
وعن تفريغ شحنات نفط إيرانيّة في مرفأ بيروت، اعتبرت أنّ «هذا ليس حلاً بالفعل، وإذا تخلّصتم من الفساد المستشري في قطاعي الطاقة والكهرباء فستُحلّ نصف المشكلة على الفور».
الفاتيكان
الى ذلك، أكد وزير خارجية الفاتيكان بياترو كاليغر «أنّ الكرسي الرسولي ليس بمقدوره وحده مساعدة لبنان، لذلك يرى أنه على الأسرة الدولية كلها أن تقف إلى جانب هذا البلد».
وقال: «أردنا من لقاء 1 تموز تكوين رؤية مشتركة مع رؤساء الطوائف، ليكون لدينا وضوح في الرؤية ولنتحرّك كما يجب».
وقد شارك كلّ من أمين السر في حاضرة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين، رئيس مجمّع الكنائس الشرقية الكاردينال ليوناردو ساندري، ووزير خارجية الفاتيكان، في مؤتمر صحافي عن لبنان، وأكد المسؤولون الثلاثة أهمية اللقاء في 1 تموز، بأنه لن يقتصر على الصلاة فقط بل ستتبعه سلسلة من المبادرات التضامنية.
وفي هذا الاطار، سلّم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى القائم بأعمال السفارة البابوية في لبنان المونسنيور جيوسيبي فرانكوني رسالة الى قداسة البابا فرنسيس، واكد انّ «اللبنانيين ينظرون بكثير من الامل والرجاء الى اللقاء الذي دعا اليه قداسته القيادات الروحية المسيحية اللبنانية في 1 تموز المقبل، لا سيما انّ لبنان يعيش في ظروف صعبة يحتاج فيها الى دعم الدول الشقيقة والصديقة وفي مقدمها دولة الفاتيكان». واكد المونسنيور فرانكوني انّ البابا فرنسيس «يولي اهتماماً خاصاً بلبنان، وانّ اللقاء المرتقب في 1 تموز المقبل سيكون فرصة لتأكيد موقف الكرسي الرسولي حيال لبنان واللبنانيين».
نصرالله
جَدّد الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله دعوته إلى تشكيل حكومة بأسرع وقتٍ ممكن، وذلك لإنقاذ البلد من الانهيار الذي وصلنا إليه.
وأكد نصرالله، في إطلالة متلفزة، اننا «نرفض الفراغ الحكومي، وكل الاتهامات لنا بالتعطيل هي ظلم وافتراء وتضليل وعدوان».
واذ اكد «رفض المثالثة»، و»اننا لا نسعى اليها»، قال: «يجب ألا ننتظر مساعدة من الخارج، بل يجب أن تتكاتف جهود الداخل للخروج بصيغة حكومية مقبولة وفاعلة»، مشيراً الى «انني أوّل من دعا الى الاستعانة بصديق لمحاولة حلحلة الملف الحكومي وهو رئيس مجلس النواب نبيه بري، فتوصّلنا الى اتفاق على عدد وزراء الحكومة وتم الاتفاق على توزيع الحقائب على الجهات المختلفة».
وردّ على طلب باسيل اليه، وقال: «ليس في ما طلبه الوزير باسيل تفويض أو تسليم أمر، وقد بدأنا بتلبية دعوته ونمدّ يد المساعدة. ونحن وحريصون على حقوق كلّ اللبنانيّين الذين لديهم حق»، لافتاً إلى «أنّنا سمعنا ردود فعل سريعة بعد خطاب باسيل، وضَجّت مواقع التواصل بالتكفير السياسي واللغة الطائفيّة والعنصريّة، واتهموه بتفويضي على حقوق المسيحيين وهو لم يستخدم هذه العبارة، باسيل لم يفوّض ولم يسلّم أمر المسيحيين، وكل كلام غير ذلك هو دليل انّ المنتقدين لا يفهمون».
ورأى نصرالله أنّ «باسيل أذكى من أن يُقدِم على خطوة من نوع محاولة خَلق مشاكل بيننا وبين «حركة أمل». باسيل استعانَ بي كصديق وأنا كنت قد استعنتُ برئيس مجلس النواب نبيه بري كصديق، وسنعمل للوصول إلى صيغة مقبولة لرئيس الحكومة ورئيس الجمهورية. أنا لست في موقع الحَكَم في الملف الحكومي وهذه العبارة أثارت الالتباس عند الناس، وأنا لا أنصح أن يقبل أحد بما نحن نقبل به لأنفسنا لأنّ لـ»حزب الله» حسابات أخرى وأوليات مختلفة؛ ولا أعتقد أنّ أحداً يمتلك القوة السياسية والشعبية وغير السياسيّة التي يمتلكها «حزب الله».
ولفت الى أنّ «ما نشاهده بموضوع البنزين والكهرباء والغذاء والدواء، يجب أن يكون ضاغطاً أخلاقيّاً على المعنيّين للذهاب الى تشكيل الحكومة»، وأفاد بأنّ «البلد ذاهب نحو رفع الدعم ومن دون قرار لأيّ حكومة. فلتشكّل لجنة من كلّ الشركاء في الحكومات السابقة لمناقشة ترشيد الدعم أو رفعه، لأنّ المفروض أن يتحمّل الكل المسؤوليّة».
وفي ملف دعم الجيش، أكد نصرالله على أهمية حماية المؤسسة العسكرية باعتباره صمّام الأمان للبنان واللبنانيين، وقال: «يجب مساندة الجيش ودعمه محلياً، ونحن نرى في مؤسسة الجيش الضمانة الحقيقية للاستقرار الأمني في لبنان».