رسمياً، صار اللبنانيون شحاذين. باتوا ينتظرون أن “تتصدّق” عليهم دول صديقة تهمّها مصلحتهم أكثر من مسؤوليهم، وتحترم حقوق الإنسان أكثر من سلطتهم، فترسل المساعدات الغذائية لإبعاد شبح الموت جوعاً. كم هو مؤلم هذا الدرك الذي وصل لبنان إليه، حتى بات يستجدي الخارج للحفاظ على الحد الأدنى من مقومات الصمود.
مساعدات مصرية للجيش، وأخرى كندية عبر برنامج الغذاء العالمي للفقراء، بطريقها إلى لبنان، تحت نظر حكومة اختارت الاستقالة من المسؤوليات الوطنية، وأمام أعين المعنيين بتشكيل الحكومة الذين اختاروا رهن البلد لتصفية حسابات ضيقة. تحولنا إلى دولةٍ فاشلة بإرادة السلطة، وما يعمّق من جراح اللبنانيين معرفتهم أن البلاد لم تدرك نقطة اللاعودة بعد، فالحلول لا زالت موجودة، لكن المفتاح السحري للنهوض من الانهيار الحالي متوفّر، لكن لا حياة لمن تنادي.
ما من جديد بما يتعلق بالملف الحكومي منذ أيام، أو حتى أسابيع، فرئيسا الجمهورية والمكلف تشكيل الحكومة يتصرّفان كأن لا أزمة، وكأن سير البلاد دون مجلسٍ للوزراء أمر طبيعي. وفي ظل غياب السلطة التنفيذية، تُحسم أكثر الملفات حساسيةً، بطريقة عشوائية وعبثية، فقد رُفع الدعم عن المحروقات نسبياً دون تأمين أي بديل للمواطنين بشكل عام، أو لسائقي السيارات العمومية بشكل خاص. فيما يتولى المجلس الأعلى للدفاع تسيير شؤون البلاد بطريقة غير دستورية وغير ميثاقية.
وفيما من المرتقب أن تتأثر مختلف القطاعات بارتفاع أسعار المحروقات، إذ من المتوقع أن ترتفع أسعار مختلف المنتجات والسلع المحلية والمستوردة، لأن تداخل المحروقات بمختلف القطاعات يبدأ من النقل ولا ينتهي بالانتاج والصناعة، فإن اللبنانيين يعلمون أنها فترة نقاهة، قبل أن يُرفع الدعم كلياً عن المحروقات بعد أشهر معدودة، ويبدأ الجحيم الفعلي على أبواب الشتاء والبرد.
وفي متابعة لهذا الملف، ومدى تأثر الحياة الاستهلاكية برفع الدعم النسبي عن المحروقات، أشار خبير الشؤون الغذائية والبيئية في جمعية حماية المستهلك جوزيف الصايغ إلى “علاقة مهمة بين أسعار المحروقات وأسعار السلع في الأسواق، بغض النظر عن ماهية هذه المنتجات، إذ مجمل الحركة الاقتصادية تتأثر بأسعار المحروقات على اعتبار هذه المادة مصدر الطاقة الأول”.
وفي إتصال مع جريدة “الأنباء” الإلكترونية، لفت الصايغ إلى ان “دراسةً تُجرى في الخارج لمتابعة تأثر أسعار السلع في السوق بأسعار المحروقات، ولكن في لبنان، هذا الأمر صعب لأن عوامل عدة تتحكم بأسعار المنتجات في السوق، كارتفاع سعر صرف الدولار وفتح الاعتمادات، والعرض والطلب، وغيرها، كما ومدى حاجة كل سلعة للبنزين والمازوت، وبالتالي لا يمكن وضع حسابات واحدة لمختلف المنتجات”.
ورأى الصايغ أن “لبنان سيتوجه من الاقتصاد المركزي نحو الاقتصاد المناطقي والمحلي، بمعنى أن اللبنانيين سيستبدلون المنتجات المستوردة بتلك المصنّعة محلياً، ولكن سيفضلون أيضاً المنتجات الموجودة في المناطق القريبة منهم، لتوفير كلفة النقل من المناطق البعيدة، من الشمال إلى الجنوب مثلاً، وعندها، ستختلف أسعار المنتجات الوطنية نفسها بين كل منطقة وأخرى”.
وأسف الصايغ للواقع الذي وصل لبنان إليه، “فالمواطنون باتوا ينتظرون الإعانات من الخارج، والدعم يرفع عن السلع رويداً رويداً، ونحن على بعد فترة قصيرة ليتم رفع الدعم كلياً عن مختلف السلع”، وانطلاقاً من هذه النقطة، شدد الصايغ على وجوب التوجّه نحو حلول بديلة، ودعم الصناعات الوطنية بدل الاستيراد، واتخذ الدواء مثالاً، مطالباً بدعم “هذا القطاع وإعفائه من بعض الضرائب لتحفيز الصناعة الدوائية”.
وفي سياقٍ متصل، لفت رئيس تجمع مزارعي وفلاحي البقاع إبراهيم ترشيشي إلى أن “الهم لم يعد بسعر المحروقات، بل بمدى توافرها بالسوق، وبسعرها الحقيقي وليس بسعر الأسواق السوداء، دون اختبار كافة أشكال الذل لتأمينها للمزارعين”.
وكشف ترشيشي عبر “الأنباء” أن “المزارعين لم يشتروا المحروقات وفق السعر الرسمي منذ زمن، بل يضطرون للجوء نحو الأسواق السوداء لعدم توافر المادة، فصفيحة المازوت يبتاعونها بـ90 ألف ليرة اليوم، وكانوا يشترونها في وقت سابق بـ60 الف ليرة يوم كان السعر الرسمي 30 الف ليرة، بما معناه أن الأسعار تتضاعف”.
وذكر ترشيشي أن “المحروقات تتداخل بمختلف شؤون المزارعين، كالنقل، التبريد، الفلاحة، وغيرها من النشاطات، وبالتالي المادة أساسية بالنسبة لهم، لكنهم في الوقت نفسه يضبطون أسعار سلعهم بالليرة الوطنية وضمن مستويات مقبولة، وهم يتكبدون الخسائر كلما ارتفع سعر صرف الدولار أو رُفع الدعم عن أي منتج، دون تعويض فعلي”.
وختم ترشيشي حديثه متوقعاً ارتفاعاً إضافياً في أسعار المزروعات في الفترة المقبلة وذلك لأن “الاستثمارات ستتراجع نسبةً للأوضاع، وبالتالي الإنتاج سيتراجع والكميات ستتضاءل في السوق، الأمر الذي سينعكس مباشرةً ارتفاعاً في الأسعار”، مطالباً بعدم رفع الدعم عن المازوت.
الرئيسية / صحف ومقالات / الأنباء : لبنان الى دولة فاشلة تستجدي المساعدات… جنون في الاسعار والبلد رهينة الحسابات الضيقة