كل الاحتمالات واردة فالانفجار الاجتماعي أصبح على قاب قوسين وأدنى، وما شهدته طرابلس من “بروفا” بعد موجة احتجاجات صاخبة ترافقت مع تظاهرات واسعة وإطلاق الرصاص في الهواء، يمكن أن يحصل في أي منطقة لبنانية انطلاقًا من الغضب العارم لدى المواطنين نتيجة تقاعس المسؤولين في معالجة الأزمات المتلاحقة.
توازياً، فإن قرار رفع الدعم عن المحروقات لم يلغ مشهد طوابير السيارات التي اصطفت أمام المحطات، ما خلق بلبلة كبيرة لدى المواطنين الذين كفروا بكل الإجراءات العشوائية التي زادت من قهرهم وإذلالهم أمام جشع التجار والمتلاعبين بالأسعار، فيما الدولار الأميركي يتابع قفزاته الجنونية متخطيا كل السقوف ليزيد الطين بلة ويجعل الناس رهائن لدى سلطة لا تقيم وزناً لهمومهم ولا تضع حدا لمعاناتهم.
في هذا الوقت، أقر مجلس النواب البطاقة التمويلية بعناوينها العريضة ومن دون رصيد حيث لم يتم تحديد آلية تمويلها التي ستكون على الأرجح من أموال المودعين والاحتياط الالزامي، وذلك في ظل عدم مخاطبة الحكومة للبنك الدولي للتنسيق معه في استخدام الأموال المخصصة لعدد من المشاريع المتوقفة لتمويل هذه البطاقة، وذلك بالتوازي مع التخفيض الفاضح في عدد العائلات الأكثر فقرًا وتدني الرقم من 750 الف عائلة الى 200 الف عائلة مع اعتماد معايير محددة لامكانية الاستفادة منها اي لمن يقل دخلهم الشهري عن مليوني ليرة لبنانية.
في هذا السياق، طالبت مصادر سياسية وزارات المال والاقتصاد والشؤون الاجتماعية رفع يد السياسيين عن البطاقة التمويلية خشية تحويلها الى بطاقة انتخابية وحصرية الاستفادة منها للأزلام والمحاسيب وإهمال العائلات الفقيرة، على غرار ما كان يحصل في المرات السابقة.
المصادر توقفت عند غياب رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب عن الجلسة التشريعية التي خصصت لإقرار مشروع البطاقة التمويلية، فيما المطلوب من حكومته تنفيذها والكشف عن مصادر تمويلها.
وعلى هامش الجلسة، تم تسجيل موقفين لافتين لكل من تكتل لبنان القوي الذي طالب رئيسه النائب جبران باسيل الرئيس المكلف سعد الحريري بضرورة تحديد خياراته بالنسبة لتشكيل الحكومة، فإما ان يشكل حكومة او يعتذر، داعيا مجلس النواب الى النظر بالمهل المعطاة للتشكيل. وأما الموقف الآخر فكان لتكتل الجمهورية القوية الذي تحدث باسمه النائب جورج عدوان معلناً رفض التكتل ان يكون شاهد زور حول ما أسماه تقاعس حكومة تصريف الاعمال عن الاجتماع لمعالجة الأمور الحياتية التي تخص المواطنين، منتقدًا الرئيس المكلف الذي يمضي غالبية وقته منذ ثمانية أشهر خارج لبنان، داعيًا إياه للاجتماع فورًا مع رئيس الجمهورية لمناقشة موضوع تشكيل الحكومة التي لم يعد من الجائز الاستمرار بحال المراوحة في هذا الملف بعد وصول البلد الى شفير الانهيار.
عضو تكتل الجمهورية القوية النائب أنيس نصار برّر في حديث لجريدة “الأنباء” الالكترونية انسحاب التكتل من الجلسة وذلك بسبب المسّ بالاحتياطي الالزامي، واصفاً المس به بالإجراء “غير القانوني”، مطالبًا بفتح اعتماد خاص بالموازنة العامة لهذه الغاية، لافتًا الى وجود المبالغ المالية 246 مليون دولار و300 مليون دولار التي يمكن الاستفادة منها من القروض، مستغربًَا إصرار بعض الكتل النيابية على تمويل البطاقة من احتياطي مصرف لبنان ما يعني من أموال الناس، مجددا تحذيره تحويل البطاقة التمويلية الى بطاقة انتخابية وأن يكون مصيرها نفس مصير سلسلة الرتب والرواتب.
وقال نصار: “نحن كقوات لبنانية لا يمكننا ان نكمل في هذه السياسة، وكيف يمكن وضع أكثر من مئة بند على جدول الأعمال في ظل حكومة مستقيلة؟ وهل هذا يسمى تشريع الضرورة الذي كان من الممكن حصره في ثلاثة بنود فقط وهم البطاقة التمويلية وتقصير ولاية مجلس النواب ومنع التهريب؟”، مضيفا “من المعيب عقد جلسة نيابية للبحث في بنود عادية وعلى بعد عشرات الأمتار تصطف أرتال من السيارات على محطات البنزين”، رافضا الربط بين كلام عدوان عن الرئيس المكلف وما قاله النائب جبران باسيل بهذا الموضوع، متوقفا عند عقدة الوزيرين التي تؤخر تشكيل الحكومة وهي وزارة الداخلية ووزارة العدل في إشارة الى عقلية المحاصصة التي تتحكم بظروف التشكيل.
مصادر كتلة المستقبل رفضت التعليق على كلام باسيل “الذي يوحي دائما بأنه يستعجل تشكيل الحكومة في محاولة منه لرمي الكرة في ملعب الرئيس المكلف”، وسألت عبر “الانباء” الالكترونية: “هل نسي باسيل ان الحريري عقد مع رئيس الجمهورية 16 لقاء ليقول له في نهاية الأمر “هيك مش ماشي الحال”، والتشكيلة الحكومية موجودة منذ شباط الفائت في عهدة رئيس الجمهورية وإذا كان فخامته جاهز لإصدار المراسيم فالحريري جاهز للذهاب لعنده غدا لإصدار المراسيم، اما اذا كان المطلوب ان يزور الحريري بعبدا كما حصل في المرات السابقة فهذا لن يحصل، والحريري لن يتراجع ولن يعتذر قبل ان يعلن الرئيس نبيه بري وقف مبادرته، فهل نسي باسيل كيف أحبط مساعي الخليلين ووفيق صفا؟”، خاتمة بالقول: “يلي استحوا ماتوا”.
في المقابل، مصادر تكتل لبنان القوي اتهمت الرئيس المكلف “بتشويه سمعة العهد عن طريق الإيحاء بأن رئيس الجمهورية هو الذي يعرقل تشكيل الحكومة فيما الحقيقة عكس ذلك تماما، فالرئيس عون والنائب باسيل قدما كل التسهيلات للرئيس المكلف، لكنه في كل مرة كان يختلق الحجج والأعذار ليتنصل من التزاماته وعلى هذا الاساس طالب النائب باسيل في الجلسة التشريعية الرئيس المكلف حسم خياراته اما الذهاب الى التأليف او الاعتذار، كما طالب النواب باجراء التعديلات الضرورية على الدستور وتحديد مهلة زمنية لعملية تأليف الحكومة اذ لا يجوز ان تبقى معلقة الى ما شاء الله”.