تتزايد المخاوف يوما بعد يوم من خروج الوضع في الشارع عن السيطرة وتوسع حالة الفوضى الناجمة عن غرق البلاد في مزيد من الانهيار في ظل انعدام الآمال بحلول سياسية وتأليف الحكومة قريباً.السلطة السياسية تدور حول نفسها بينما تنزلق البلد الى الهاوية وتتفاقم معاناة الناس الذين يتعرضون لاقسى انواع الاذلال والظلم والقهر.
شهدت طرابلس امس احد المظاهر الحادة حيث سجل انتشار مسلح في بعض احيائها واطلق الرصاص الغزير على وقع قطع عدد من طرق الشمال والشائعات حول محاولات لبعض المحتجين الاحتكاك مع وحدات الجيش المولجة تأمين الامن في المدينة.
وقد ورد بعض هذه المعلومات الى الرئيس نبيه بري خلال ترؤسه جلسة مجلس النواب امس في الاونسكو، فاستفسر من النائب سمير الجسر عن الوضع، واجرى لاحقا اتصالات مع الجهات المختصة للوقوف على حقيقة الوضع.
وبغض النظر عن الشائعات والمبالغات التي ساهمت في ترويجها مواقع الكترونية، فإن ما حصل في طرابلس وما يمكن ان يحصل في غيرها يشكل علامات انذار لحجم وتفلت الشارع في ظل ما نشهده من أزمات اقتصادية ومعيشية وهريان في مؤسسات الدولة ومرافقها.
ولفت في شأن الوضع الطرابلسي ما قاله نائب رئيس تيار المستقبل مصطفى علوش امس “ان طرابلس ستكون الشرارة الاولى للانفجار الاجتماعي وما يحصل حاليا يؤكد هذا الامر. وفي هذه اللحظة الناس فقدت اي امل بوجود امكانية للمعالجة، وما حصل في طرابلس من الممكن ان يتكرر في الايام المقبلة؟؟
لا تقدم حكومياً
وعلى الصعيد السياسي لم يطرأ اي جديد في شأن موضوع الحكومة، وعلمت “الديار” نقلا عن مرجع بارز قوله امس ” ان الايام القليلة الاخيرة لم تشهد اي جديد على صعيد المساعي من اجل تذليل العقبات امام تأليف الحكومة، مشيرا الى ان الوضع ما يزال على حاله وان العملية ما زالت في المربع الذي انتهت اليه الجهود السابقة قبل التصعيد الاخير بين بعبدا وبيت الوسط ثم بين بعبدا وعين التينة.
وفي هذا الشأن ايضا قالت مصادر مطلعة لـ”الديار” امس ان حزب الله لم يوقف مساعيه التي بدأها مؤخرا بعد احتكام رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل لامينه العام السيد حسن نصرالله في شأن الحكومة، مشيرة الى ان عقدتي تسمية الوزيرين المسيحيين ومنح تكتل التيار الثقة للحكومة عالقتان حتى الان.
واضافت المصادر ان الحزب يعمل على تبريد الاجواء اكثر وتبادل الافكارحول سبل معالجة العقدتين بالتعاون والتشاور مع الرئيس بري، لكنه لا يستطيع ان يساهم في الحل من دون تعاون وموافقة الطرفين المتنازعين.
وفيما لم يرشح عن مصادر بيت الوسط اي جديد حول موقف الرئيس الحريري، اعربت مصادر سياسية عن اعتقادها بأنه ربما اخذ يفكر باتخاذ موقف حاسم من الازمة الحكومية، ولا يستبعد ان يضع خيار الاعتذار في اطار هذا الحسم لاسيما في ظل التطورات والتداعيات الحاصلة على الارض.
وكان نائبه علوش جدد تحميل الرئيس ميشال عون مسؤولية استمرارالازمة الحكومية وقال “ان الحل يكمن بتشكيل حكومة بشكل سريع، ولكن للاسف رئيس الجمهورية لا يريد هذا الامر، لافتا الى ان دمار لبنان اسمه جبران باسيل”.
وعلى هامش جلسة مجلس النواب قال النائب باسيل في تصريح من الاونسكو “الاكيد انه لا يجوز الاستمرار كما نحن… على رئيس الحكومة المكلف ان يحسم امره اذا كان يريد ان يؤلف او يعتذر. وفي حال استمرت المماطلة، على المجلس النيابي ان يحسم امره اما بتعديل دستوري لوضع المهل او بإستعادة القرار، والا فليعلن عجزه وينهي ولايته بتقصير مدتها… ما منقدر نكفي هيك”.
ووفقا للاجواء المتوافرة فإن انسداد افاق الحلول وتمترس طرفي النزاع وراء مواقفهما يعزز الاعتقاد اكثر بأن البلاد متجهة الى مرحلة التعايش مع الازمة وتداعياتها، وان الجهود بدأت تتركز على ادارة هذه الازمة بأقل خسائر وتداعيات ممكنة، مع العلم ان الوضع ينذر بمزيد من التوترات وربما الاقتراب من انفجار الامن الاجتماعي.
وما يؤشر على هذا التوجه انخراط القوى والاطراف اكثر في الاجواء الانتخابية وحسابات هذا الاستحقاق في ظل تضاؤل فرص تأليف الحكومة الى الحدود الدنيا.
الموقف الأميركي والفرنسي
وفي ظل فشل المحاولات الداخلية لتذليل العقبات أمام ولادة الحكومة، تترقب الاوساط السياسية الموقف بعد تنشيط وتيرة التنسيق الفرنسي – الأميركي في شأن الضغوط لتأليف الحكومة واقرار الاصلاحات.
وذكرت مصادر مطلعة في هذا المجال ان واشنطن وباريس تتجهان لمزيد من التعاون في مجال ترجمة هذه الضغوط، لكنهما لم يصلا بعد الى اتخاذ خطــوات مــحددة في هذا الصدد.
ولفت أمس لقاء السفير السعودي وليد البخاري مع السفيرة الأميركية دوروثي شيا وتأكيدهما على الاسراع في تشكيل الحكومة.
من جهة أخرى، أكد وكيل وزارة الخارجية الاميركية للشؤون السياسي ديفيد هيل امس ان موقف الولايات المتحدة الأميركية حيال الانتخابات النيابية المقبلة في لبنان واضح وراسخ وثابت، فهي تعتبر نفسها معنية بهذه الانتخابات.
وشدد على “ان تتم هذه الانتخابات في موعدها وان تكون حرة ونزيهة، وعندها سنرى ما الذي سيتغير ان سمح للناس التعبير عن ارادتهم”.
البطاقة التمويلية
على صعيد آخر، عقد مجلس النواب جلسة تشريعية أمس، وأقر البطاقة التمويلية التي يؤمل ان تعرض جزءاً من اعباء رفع وترشيد الدعم لأكثر من خمسمئة ألف عائلة لبنانية بالاضافة الى 250 ألف مشمولين بقانوني شبكة الأمان الاجتماعي والعائلات الأكثر فقراً.
وعلى وقع الانهيار الذي أخذ ينعكس فلتاناً وفوضى في الشارع وشللاً في مؤسسات الدولة والمرافق العامة والخاصة بسبب الاضرابات المتلاحقة والمتزايدة، التأم المجلس لاقرار عدد كبير من القوانين ابرزها البطاقة المذكورة وقانون الشراء العام وتمديد المهل لغاية نهاية العام الحالي واتفاقيات وقوانين اخرى.
ورغم النقاش الطويل الذي دام اكثر من ساعتين قبل اقرار مشروع قانون البطاقة التمويلية، إلا أن الشكوك والاسئلة بقيت مطروحة حول التمويل وسبل تأمينه دون المس بودائع الناس، بالاضافة الى آلية توزيعها وتحديد المستفيدين منها، وبدء تطبيقها وربطها مع عملية ترشيد الدعم.
كل هذه الاسئلة اصبحت عند الحكومة التي هي المسؤولة عن هذه المواضيع التفصيلية والعملية وفق الاصول الدستورية والقانونية كما اكد الرئيس بري في الجلسة.
وقال “ان تمويل البطاقة وآلياتها وكيفية التسديد ستبقى على عاتق الحكومة”، لافتاً الى ان القانون يتضمن ان تضع لجنة وزارية خلال 15 يوماً أسس وتفاصيل المنصّة اللازمة للبطاقة. مشيراً في الوقت نفسه الى تعهد الحكومة بكتاب رسمي من رئيسها حسان دياب بترشيد الدعم فور بدء العمل بالبطاقة على أساس مبلغ 93.3 دولار أميركي كقيمة وسطية للعائلة و126 دولاراً كحد أقصى.
وكشف عن ترجيح حصول لبنان على 900 مليون دولار من صندوق النقد الدولي بعد قراره منذ أيام باعطاء لبنان حصته هذه من التأمينات في الصندوق، يمكن الاستعانة بجزء منها.
وشدد النواب على ربط البطاقة بترشيد الدعم، مؤكدين في الوقت نفسه على عدم المس بودائع الناس.
بري: الاحتياطي للمودعين
وكان للرئيس بري في هذا المجال تأكيد حازم على هذا الموضوع حين قال “ان الاحتياطي الالزامي هو للمودعين مهما كلف الأمر”.
والمعلوم ان كلفة البطاقة التمويلية وفق القانون الذي أقره المجلس هي 556 مليون دولار، على أن يصار الى فتح اعتماد استثنائي لها يموّل من قروض البنك الدولي وقروض أخرى لم تنفذ وسيصار الى تغيير وجهة صرفها بالاتفاق مع البنك الدولي الذي أبدى استعداده لبحث هذا الأمر وفق معايير محددة وواضحة.
وتبرز المخاوف في هذا الشأن من أن يطول البحث في حسم تأمين التمويل دون المس بودائع الناس، وان تأخذ عملية تأمين وترتيب وتنظيم آلية تطبيق المشروع وتحديد المستفيدين منه فترة غير قصيرة، الأمر الذي يزيد الشكوك في بدء تنفيذ مشروع البطاقة التمويلية قبل شهر أو شهرين أو أكثر.
ورغم كل هذه الملاحظات والتحفظات حول جوانبه، فقد أقر المجلس مشروع البطاقة التمويلية، وانسحبت كتلة نواب القوات اللبنانية بعد مداخلة للنائب جورج عدوان الذي أعلن موقفاً سياسياً باسم الكتلة اكد فيه على رفض المس بالودائع، وانتقد بشدة عدم قيام حكومة تصريف الأعمال بواجباتها ومسؤولياتها، داعياً الرئيسين عون والحريري للاجتماع حتى تشكيل الحكومة.
وكرر ان كتلة القوات لن تستقيل من المجلس، داعياً مجلس النواب الى محاسبة الحكومة وعدم الاكتفاء بالتشريع.
وهنا اكد الرئيس بري انه مستعد لعقد جلسة مناقشة عامة بعد الانتهاء من مناقشة واقرار القوانين التي تعتبر ملحة ومهمة في كل المجالات. وقال رداً على مداخلة عدوان “ان الضرب بالميت حرام، ولو كان الدستور يسمح للمجلس لفعل، وعلى المجلس واجبات تشريعية لاقرار القوانين اللازمة لتأمين الدعم الدولي ولمكافحة الفساد”. ولفت الى ان “المجلس سبق واتخذ موقفاً واضحاً في جلسة رسالة رئيس الجمهورية ولم نستطع فهل نجرهم جراً؟”.
وقال “اننا نشرع قوانين لحماية الناس، وهناك قوانين اليوم على جدول الأعمال أكثر من ضرورية”.
احتجاجات وتوترات وشلل
من جهة أخرى، تواصلت الاحتجاجات في العديد من المناطق، واستمر قطع الطرق في ظل تفاقم الوضع المعيشي والخدماتي من ازمة كهرباء الى ارتفاع جنوني للأسعار الى استمرار طوابير الذل أمام محطات المحروقات رغم رفع أسعار البنزين والمازوت حيث شكت المحطات من عدم التزود بالمحروقات وتأخر العملية.
وأعلن وزير الطاقة الاستعانة بمخزون الجيش اللبناني من مادة المازوت لتوزيعها اليوم وغداً ريثما يصار الى تفريغ البواخر المحملة بهذه المادة.
وفي سياق رفع الأسعار، قررت وزارة الاقتصاد رفع سعر الخبز مرة أخرى الى 3750 ليرة للربطة الواحدة، بينما بقي سعر الدولار محلقاً دون أي تعديل يذكر.
وذكرت المعلومات أيضاً ان وزارة الطاقة ستعلن جدولاً جديداً اليوم لأسعار المحروقات البنزين والمازوت بزيادة على الأسعار التي حددتها مؤخراً.