شكل الاهتمام الفاتيكانيّ بالوضع اللبنانيّ من بوابة الأزمة الاقتصادية، إعادة تحريك للملف السياسيّ وفقاً لما صدر عن وزارة الخارجية الأميركية حول ما دار بين البابا فرانسيس الثاني ووزير الخارجية الأميركية أنتوني بيلنكن، ودعوة البابا الدول الكبرى للاهتمام بمساعدة لبنان. وقالت مصادر دبلوماسية تابعت الاجتماع الذي ضمّ وزراء خارجية أميركا وفرنسا والسعودية حول لبنان، أن اللقاء الذي جمع السفير السعودي في لبنان بالسفيرة الأميركية، كان لمتابعة ما تمت مناقشته في اجتماع الوزراء، خصوصاً لجهة معرفة الجواب السعودي على الموقف من تولي الرئيس سعد الحريري رئاسة الحكومة.
داخلياً، طغى قرار المحقق العدلي في قضية انفجار المرفأ القاضي طارق بيطار، على سائر الملفات الداخلية، بعدما وجه استدعاءات لكل من رئيس حكومة تصريف الأعمال، والوزراء السابقين نهاد المشنوق وعلي حسن خليل وغازي زعيتر ويوسف فنيانوس، والقادة الأمنيين اللواء طوني صليبا واللواء عباس إبراهيم، والقاضيين مروان كركبي وجاد معلوف، والقائد السابق للجيش جان قهوجي ومدير المخابرات السابق العميد كميل ضاهر، وعدد من الضباط الذين تولوا مسؤوليات سابقة تتصل بالقضية.
قرار القاضي بيطار خلط الأوراق وتسبّب بصدمة سياسيّة وإعلاميّة، ترجمتها حالة الصمت التي سادت أوساط عدد من الذين صدرت بحقهم استدعاءات، من جهة، ومن جهة مقابلة مبادرة بعضهم للإعلان عن استعدادهم للمثول أمام بيطار، كما قال النائبان علي حسن خليل وغازي زعيتر بمعزل عن ملف الحصانة، وتوقعت مصادر قانونيّة أن يتم تحريك المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء بدعوة أعضائه لقَسَم اليمين أمام الهيئة العامة للمجلس النيابي، خصوصاً أن أعلى ثمانية قضاة رتبة يتقدّمهم رئيس مجلس القضاء الأعلى هم أعضاء حكميّون في المجلس، الذي ينعقد برئاسة أعلى القضاة رتبة، أي رئيس مجلس القضاء الأعلى الذي سيترأس المجلس العدلي المعني بمحاكمة الذين يتهمهم المحقق العدلي بعد نهاية التحقيق، وفقاً لنص القرار الاتهامي الذي يصدره، وقالت المصادر إن توزيع المسؤوليات بين المجلس العدلي ومجلس محاكمة الرؤساء في قضية مطروحة أمام المجلسين بات ضرورياً، للبت بأمر جهة التحقيق وجهة النيابة العامة، مع الذين سيمثلون أمام المجلس الأعلى، وهي محدّدة بنصوص قانون إنشاء المجلس، لكنها غير مكتملة القوام، وتوقعت المصادر أن يسبق السير باستكمال إجراءات تكوين المجلس الأعلى قبل البتّ بطلب رفع الحصانة الموجّه الى مجلس النواب، طالما أن النواب المعنيين يلاحقون بصفتهم الوزارية، وليس بجرائم عادية.
في الجانب الأمني أطلّ قائد الجيش العماد جوزف عون من طرابلس ليعلن التمسك بالمسؤولية عن حفظ الأمن، مؤكداً أن لا تهاون مع أي مساس بأمن المدينة، وفي الجانب الصحيّ حذّر وزير الصحة حمد حسن من ظهور متحوّر دلتا الهندي المنشأ لفيروس كورونا في لبنان، كاشفاً عن 9 إصابات تمّ اكتشافها، داعياً للحذر والانتباه سواء لتكثيف عمليّات التلقيح أو لجهة عودة التشدّد بالإجراءات الوقائيّة.
بقي لقاء روما واللقاء الأميركيّ – الفرنسيّ – السعوديّ في واجهة الاهتمام المحلي بانتظار ما ستؤول اليه الاتصالات من نتائج يتمنى أن تأتي بنتائج إيجابيّة على صعيد ملف الحكومة.
وكشف المتحدّث باسم وزارة الخارجيّة الأميركيّة نيد برايس أن الاجتماع الثلاثيّ الذي جمع وزير الخارجيّة الأميركي انتوني بلينكن ونظيريه الفرنسي والسعودي، ناقش ضرورة تبقى الإجراءات الملموسة حاسمة من أجل إطلاق الدعم الهيكلي الطويل الأمد للبنان، مؤكداً أن هناك مصلحة دوليّة مشتركة في تحقيق الاستقرار في لبنان وتقديم الإغاثة الإنسانيّة للشعب اللبنانيّ وإعطاء وتأمين للبنانيين الحكومة التي يستحقونها – حكومة تخدم مصالحهم.
في المقابل، تقدّم النائب الجمهوري عن نيويورك، لي زيلدن، وزميلته الديموقراطية عن ولاية فرجينيا ألين لوريا، يوم الثلاثاء الماضي، بمشروع قانون يدفع وزارة الخارجية الأميركية إلى ممارسة ضغوط جديدة على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لفرض قرار يقضي بنزع سلاح حزب الله. وقّدم النائب الجمهوري من نيويورك، مشروع قانون آخر الأسبوع الماضي ويطالب المشروع الحكومة اللبنانيّة، بتقديم إثباتات تؤكد اتخاذها إجراءات ضد حزب الله، أو سيتمّ حجب 20 في المئة من المساعدات العسكريّة التي تقدّمها الولايات المتحدة الأميركية إلى الجيش اللبناني.
وفي هذا الإطار لا تستغرب مصادر مقرّبة من حزب الله اقتراحات او مشاريع قوانين أميركية تصب في محاولة نزع سلاح حزب الله، مشيرة في هذا السياق الى أن الأميركي يعمل اليوم على ضرورة المحافظة على استقرار لبنان بهدف تمرير الاستحقاق النيابي وبالتالي إجراء الانتخابات التي باعتماد سوف تطيح بالأكثرية الحالية وعندها يمكن لها ان تضع مسألة سلاح حزب الله على طاولة البحث، لأن نتائج الانتخابات سوف تدفع حلفاءها للتحكم بالملف الرئاسي والحكومي. واعتبرت المصادر أن هم الحزب اليوم العمل على تأليف حكومة في أسرع وقت فهو يواصل مساعيه في هذا الصدد، معتبرة أن مصلحة المجتمع الدولي عدم ذهاب البلد الى الانهيار. وشدّدت المصادر على ان البعض يحاول ان يضع الجيش او يصنفه في الخانة الاميركية، لكن الأكيد ان الجيش هو الضمانة للبنان والعمل على حفظ استمراريته في هذه الأزمة ضروري من الجميع، مشددة على عمق العلاقة والتعاون والتنسيق بين الجيش وحزب الله لا سيما في الوقت الراهن.
الى ذلك حضرت المستجدّات الحكوميّة، وما يمكن أن يؤدي الى حلحلة في الأزمة الراهنة في لقاء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والنائب الياس بو صعب الذي لفت الى أن موضوع ترسيم الحدود البحرية الجنوبية كان أيضاً محور بحث انطلاقاً من الحرص الذي أبداه رئيس الجمهورية على استمرار الاتصالات لمعالجة هذا الملف بما يحفظ حقوق لبنان في ثروته الطبيعيّة ويعزّز الاستقرار في المنطقة.
وبانتظار عودة الرئيس المكلّف سعد الحريري الى لبنان، أكدت مصادر مطلعة لـ “البناء” أن الاعتذار لا زال وارداً عند الرئيس الحريري، لكنه ينتظر التوقيت المناسب، إذا لم تنجح المساعي الجارية اليوم من قبل حزب الله مع النائب جبران باسيل للتراجع عن بعض الشروط التي وضعها، مشدّدة على أن الاعتذار لن يحصل إلا بالتنسيق مع الرئيس نبيه بري ورؤساء الحكومات السابقين، واعتبرت المصادر أن اعتذار الحريري لو حصل فإنه سوف يترافق مع دفع لإعادة تفعيل حكومة تصريف الأعمال من أجل التحضير للانتخابات النيابية المقبلة التي يُصرّ المجتمع الدولي على إجرائها في موعدها. مع إشارة المصادر الى ان إعادة تفعيل حكومة الرئيس حسان دياب سيترافق أيضاً مع مساعدات من المجتمع الدولي للبنان لتمرير هذه المرحلة. ومع ذلك ترى المصادر أن الثنائي الشيعيّ يفضل عدم اعتذار الحريريّ من منطلق ان الذهاب الى تكليف شخصية أخرى ستكون دونها عقبات كثيرة، وبالتالي فإن المزيد من الوقت سيهدر من دون تكليف وتأليف، وبالتالي هذا الأمر لا يصب في مصلحة أحد وتحديداً العهد.
إلى ذلك تستمر اتصالات الفاتيكان مع المجتمع الدولي ودول القرار لحثهما على العمل والتعاون لإيجاد حل للأزمة في لبنان.
واعتبر البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أن مجرّد دعوة البابا فرنسيس لاجتماع حول لبنان في الفاتيكان حرّك الرأي العام الدولي، مشيراً الى أن الفاتيكان يريد الاستماع الى كل الأصوات للجوجلة وهو يعمل بطريقته الديبلوماسية. وقال البطريرك “رأيت البابا فرنسيس مصمماً ووضع القضية اللبنانية نصب عينيه وسيستمر بدوره، واللقاء في الفاتيكان كان مناسبة لكي يستمع البابا للتفاصيل وهو لم يتدخّل فيها وفي النهاية قال كلمته و”الفاتيكان ما بيمشي على العمياني” إنما يفكّر ويعمل بطريقته الدبلوماسية”. ورأى البطريرك أن لا شيء يمنع البابا من دعوة السياسيين والرؤساء الروحيين المسلمين.
وأعلن البطريرك انه سيعمل جديًّا بعد لقاء الفاتيكان على موضوع جمع المسؤولين من “أجل تشكيل الحكومة، مضيفاً الجميع يُخالف الدستور ومن ضمنهم رئيس الجمهورية بدءاً من طريقة تأليف الحكومة وصولاً إلى طريقة العمل ككلّ”.
الى ذلك، أطلق المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار، مسار الملاحقات القضائيّة في هذا الملف بعد الانتهاء من مرحلة الاستماع إلى الشهود، حيث حدّد موعداً لاستجواب رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، كمدّعى عليه في القضية، من دون أن يعلن عن هذا الموعد. ووجّه كتاباً إلى مجلس النواب بواسطة النيابة العامة التمييزيّة، طلب فيه رفع الحصانة النيابية عن كل من وزير المال السابق علي حسن خليل، وزير الأشغال السابق غازي زعيتر ووزير الداخلية السابق نهاد المشنوق، تمهيداً للادعاء عليهم وملاحقتهم، كما وجّه كتابين: الأول إلى نقابة المحامين في بيروت لإعطاء الإذن بملاحقة خليل وزعيتر لكونهما محاميين، والثاني إلى نقابة المحامين في طرابلس، لإعطاء الإذن بملاحقة وزير الأشغال السابق المحامي يوسف فنيانوس، وذلك للشروع باستجواب هؤلاء جميعاً بجناية القصد الاحتمالي لجريمة القتل وجنحة الإهمال والتقصير.
وفي السياق نفسه، طلب المحقق العدلي من رئاسة الحكومة، إعطاء الإذن لاستجواب قائد جهاز أمن الدولة اللواء طوني صليبا كمدّعى عليه، كما طلب الإذن من وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال العميد محمد فهمي، للادعاء على المدير العام لجهاز الأمن العام اللواء عباس إبراهيم وملاحقته. ووجّه القاضي بيطار كتاباً إلى النيابة العامة التمييزية بحسب الصلاحية، طلب فيه إجراء المقتضى القانونيّ في حق قضاة. وشملت قائمة الملاحقات قادة عسكريين وأمنيين سابقين، إذ ادّعى بيطار أيضاً، على قائد الجيش السابق العماد جان قهوجي، مدير المخابرات السابق في الجيش العميد كميل ضاهر، العميد السابق في مخابرات الجيش غسان غرز الدين، العميد السابق في المخابرات جودت عويدات.
وأصدر البيطار قراراً بتخلية سبيل الرائد في الأمن العام داود فياض والمهندسة نايلة الحاج المسؤولة في الشركة المتعهّدة لأعمال صيانة العنبر رقم 12 في حرم المرفأ. وقد حدّد بيطار تاريخ “استجواب المدعى عليهم بعد 10 أيام وسيتم تبليغهم بالمواعيد كي لا يكون هناك أية مماطلة فيما خصّ رفع الحصانة”.
وأوضح وزير الداخلية والبلديات محمد فهمي في حديث تلفزيوني أنه بما أن طلب المحقق العدلي في قضية المرفأ القاضي طارق البيطار لملاحقة اللواء عباس إبراهيم راعى كل الأصول القانونية “لا يمكنني إلا أن أعطي إذن الملاحقة احتراماً للقانون”.
وأمنياً، حرص قائد الجيش على زيارة مدينة طرابلس متضامناً مع أهلها. فزارها يرافقه رئيس الأركان إلى طرابلس على متن طوافة عسكرية لتفقّد الأوضاع الميدانية. وقال العماد عون من ثكنة بهجت غانم في القبة: استقرار المدينة مسوؤليتنا جميعاً. ومن غير المسموح لأيّ كان المسّ بأمن مدينة طرابلس ولا تساهل أو تهاون مع مَن يعبث بالاستقرار كائناً مَن كان.
على الصعيد الصحي، أعلن وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن، في تغريدة عبر حسابه في “تويتر” أنّه “تمّ تسجيل تسع إصابات وافدة من متحور دلتا خلال الفترة الأخيرة: إثيوبيا، الرياض، الإمارات، بغداد؛ وما زالت جهود الوزارة منكبّة لتخفيض الإصابات واحتوائها”. وأضاف: “نناشد الجميع مشاركتنا المسؤولية للحفاظ على ما أنجزنا؛ لبنان ما بقى يحمل؛ اللقاح والإجراءات الوقائية واجب على الجميع”.