عاد رئيس الحكومة المكلف إلى بيروت وعادت معه علامات الاستفهام والترقب حول ما إذا كان سيعتذر أو سيبقي قبضته مُحكمة على ورقة التكليف، مقابل إحكام قبضة كل من رئيس الجمهورية وصهره على ورقة التأليف… أسئلة كثيرة تنتظر إجابات حاسمة في الأيام المقبلة، لكنّ الأكيد أنّ كل المؤشرات لا تزال تشي حتى الساعة بأنّ حبل التعطيل ما زال “على الجّرار” ولم يبلغ مداه بعد.
وإذا كانت المعطيات والوقائع على امتداد “جلجلة” التكليف والتأليف حسمت بشكل لا يقبل التأويل استحالة التعايش مجدداً بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري تحت سقف مجلس وزراء واحد، غير أنّ بعض العاملين على خط تزخيم الوساطات والاتصالات لا يزالون يترقبون “معجزة ما” تعيد وصل ما انقطع بين الجانبين تحت وطأة “موازين قوى تعلو ولا يُعلى عليها”، وفق تعبير مصادر مواكبة للملف الحكومي، مؤكدةً أنّ “هذه الموازين هي التي تفرض الستاتيكو القائم وتحول دون اعتذار الحريري، وإلا فهو “بدّو يعتذر” منذ الشهر الفائت، لكن “ما بدّو يزعّل” رئيس مجلس النواب نبيه بري”.
ورأت المصادر أنّ “حسابات الاعتذار من عدمه لم تعد مرتبطة بحسابات الرئيس المكلف الشخصية إنما باتت متصلة بسلسلة من الخيوط والخطوط العريضة المتشابكة سياسياً وطائفياً”، كاشفةً أنّ “الحريري على المستوى الشخصي يميل إلى الاعتذار أمس قبل اليوم، لأنّ المراوحة القائمة تجعل منه شريكاً في التعطيل مع رئيس الجمهورية ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، لكنه في الوقت عينه يتعامل مع المسألة من منطلقات متشعّبة غير محصورة برغبته الشخصية، فهو لا يستطيع القفز فوق تمنيات المجلس الشرعي الأعلى ورؤساء الحكومات السابقين بعدم الاعتذار، ولا تجاهل رغبة حليفه الأوحد نبيه بري بعدم الإقدام على هذه الخطوة”.
وعلى هذا الأساس، تتجه الأنظار إلى مفاعيل استئناف التشاور المباشر مع بري بعد عودة الحريري إلى بيروت لتحديد مسار الأزمة حكومياً، وتحرص أوساط مقربة من عين التينة على إشاعة أجواء تفاؤلية بإمكانية إحداث كوة في جدار الأزمة في القابل من الأيام، من دون أن توضح معالم وآفاق هذه الحلحلة المرتقبة، مكتفيةً بالإشارة إلى أنّ “الأمور وإن كانت لا تزال تراوح في دائرة السلبية حتى الساعة، لكنّ التعويل يبقى على أنّ الجميع بات يستشعر عدم القدرة على إبقاء الوضع القائم على ما هو عليه من دوران في حلقات مفرغة”.
ولفتت الأوساط في هذا السياق إلى أنّ “بري يتمسك بتكليف الحريري لأنه الأقدر على ترؤس الحكومة في هذه المرحلة الدقيقة، وبالتالي فهو سيبقى رافضاً مبدأ اعتذاره عن عدم التأليف إلا في حال سمى الحريري نفسه شخصية سنية أخرى وتبناها لتشكيل الحكومة، فضلاً عن وجوب الاتفاق مسبقاً بين سائر الأطراف على تسهيل طريق التكليف والتأليف، والتعهد سلفاً بمنع اجترار مشهد وضع العقبات والعراقيل نفسه أمام عملية التشكيل”.
وتزامناً، لا يزال وهج الاستدعاءات والادعاءات الأخيرة التي سطرها المحقق العدلي في جريمة انفجار الرابع من آب طاغياً على الساحة الوطنية، حيث يترقب أهالي الشهداء مآل طلبات رفع الحصانات النيابية والقانونية والأمنية عن المدعى عليهم في الجريمة، وقد حذروا بالأمس خلال اعتصامهم الشهري في “ساحة الجريمة” من محاولات تسويف التحقيق العدلي وعرقلة مساره.
وعشية الذكرى السنوية الأولى لانفجار 4 آب، وعلى وقع قرع أجراس الكنائس وأصوات المآذن، تجمّع أمس عدد من المصابين ومبتوري الأطراف ومن بينهم الطفلة سما، التي فقدت عينها جراء الانفجار إلى جانب أهالي الشهداء عند البوابة رقم 3 في مرفأ بيروت، لتحذير السلطة بشكل صريح من مغبة “التلطي خلف الحصانات” لمنع اتخاذ التحقيق مجراه العدلي باتجاه إحقاق الحق والعدالة، مشددين على وجوب محاسبة المسؤولين عن الجريمة.
وتحت هذا السقف، توجهوا إلى الطبقة الحاكمة بالقول: “إياكم وحماية أي من المتهمين مهما كان وزنه سياسياً أو طائفياً، فلا حصانات سياسية أو نيابية أو طائفية في قضيتنا ولن نسمح بتكرار ما حصل سابقاً (مع القاضي فادي صوان) وليكن كلامنا واضحاً جداً وبخاصة لجهة الحمايات الطائفية”.
الرئيسية / صحف ومقالات / نداء الوطن : أهالي شهداء المرفأ من “مسرح الجريمة”: لا حصانات في قضيتنا الحريري “بدّو وما بدّو” يعتذر!