المشهد نفسه يتكرر مرة أخرى. “يزور” رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري لبنان لعقد لقاءات ومفاوضات حول التشكيلة الحكومية، يحرق الوقت ويسهم في إحراق البلد، قبل أن يسافر مجدداً وتطوى صفحة التأليف في انتظار أن يعود من جديد. إلا أن الجديد أمس، ربما، كان إشارة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله إلى أنه مع عودة الرئيس المكلف، “من المفترض أن تعقد لقاءات حاسمة خلال هذه الأيام”، علماً بأن نصرالله دأب خلال إطلالاته الأخيرة على الدعوة إلى عدم وضع مهل للتأليف
عاد الرئيس المكلّف سعد الحريري إلى بيروت، أمس، وتردد أنه التقى بعيداً عن الإعلام رئيس مجلس النواب نبيه بري ووضعه في أجواء لقاءاته الخارجية، على أن يعقد لقاء علني بين الرئيسين اليوم، فيما أكّدت مصادر قريبة من بعبدا لـ”الأخبار” أن “لا تقدّم ولو خطوة صغيرة… ولا معطيات جديدة، ولم نتبلّغ بنتيجة أي لقاء بين بري والحريري. كما لم نتبلغ أي طلب موعد من الرئيس المُكلّف لزيارة بعبدا. لكن، سمعنا من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أن ثمة اجتماعات مكثفة وحاسمة في الأيام الثلاثة المقبلة”.
عودة الحريري تتزامن مع زيارة لبيروت يقوم بها اليوم وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ويلتقي خلالها رئيسي الجمهورية ومجلس النواب والرئيس المكلف، “في إطار مساعي قطر للمساعدة في حلحلة الأزمة السياسية في لبنان، بحسب ما ذكرت قناة “الجزيرة” القطرية. وفيما ذكرت وسائل إعلام أن الوزير القطري “سيعرض تقديم مساعدات للبنان في قطاعات محددة، إضافة إلى تقديم مساعدات إلى الجيش”، وضعت مصادر مطلعة الزيارة في إطار “قرار أميركي بتقديم بعض الأوكسجين للبنان، بعد اقتناعها بأن حزب الله سيكون أقل الخاسرين من الانهيار التام”.
مصادر مطلعة ربطت كلام نصرالله عن “الأيام الحاسمة” بـ”معطى جديد” مصدره رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي أبدى ليونة في ما يتعلق بمطلب الحريري حصول حكومته على الثقة المسبقة من التيار الوطني الحر من أجل تسهيل الأمور، مع تيقّن مصادر التيار من أن “الحريري لن يشكل ولو قبلنا بأن يسمّي الـ24 وزيراً، لأن السعودية قالت كلمتها، وهو بات أقرب من أي وقت مضى من الاعتذار، لكنه ينتظر أن يتأمن البديل والمخرج اللائق”.
وفي هذا السياق، علمت “الأخبار” أن هناك احتمالاً بأن يتوجه الحريري إلى قصر بعبدا، الجمعة المقبل، حاملاً تشكيلة حكومية لا تراعي الشروط التي وضعها رئيس الجمهورية ميشال عون، ما يؤدي إلى رفضها، وبالتالي رفض الرئيس المكلف المضيّ في مهمته، والاعتذار بأقل الخسائر الممكنة، وعدم الظهور بمظهر الخاسر أمام باسيل، على أن يتوافق مع بري حول رئيس الحكومة الذي سيُكلّف بعده. وفي هذا الإطار، عادت أسهم السفير اللبناني في ألمانيا مصطفى أديب إلى الارتفاع. ومع أن أديب يؤكد لكل من يتواصل معه أنه لن يكرر خطأ العام الماضي، ولن يعود الى الساحة اللبنانية ما لم يكن تأليف الحكومة محسوماً قبل التكليف، فإن الخشية كبيرة من أن يتم التوافق على اسم شخصية، سواء كانت أديب أم غيره، تحمل الشروط الحريرية نفسها، مع ما يعنيه ذلك من استمرار التعطيل للعهد وعرقلة كل ما من شأنه العمل على مواجهة الأزمات المتفاقمة التي تعصف بالبلد.
نصرالله اعتبر في كلمة له خلال افتتاح مؤتمر “تجديد الخطاب الإعلامي وإدارة المواجهة”، أمس، أن أزمة الحكومة “هي نتاج أزمة النظام، في ظل وجود فساد مستشر وسرقات واحتكارات بلا حدود”، فضلاً عن أن ”البعض يأخذ البلد الى حيث يريد العدو (…) وهذه الأزمات لها وجه آخر هو القرار الاميركي الذي يمنع أي دعم خارجي للبنان”. ولفت الى أن “أميركا سبق أن اتبعت هذه الأساليب في غزة وسوريا، وقد فرضت أميركا قانون قيصر لمنع الاستثمار في سوريا، والمنطق نفسه يمارس ضد العراق وإيران واليمن”. واعتبر أن “أميركا تهدف إلى إثارة الشعب اللبناني وبيئة المقاومة عليها، لذلك الشريك الأساسي في ما يعيشه الشعب اللبناني من أزمات هو الإدارة الأميركية”، وهي “ليست صادقة في الحديث عن محاربة الفساد، لأن الفاسدين هم حلفاؤها”. ودعا الشعب اللبناني إلى التحلي بالصبر والعمل الجاد، ويجب البحث عن الحلول الناجحة، وهذا يحصل من خلال إرادة شجاعة وقادرة على التضحية”. وفي سياق آخر، أسف نصرالله لـ”أن يعرف المدعى عليهم في قضية انفجار المرفأ من الإعلام بذلك”، معتبراً الأمر “شكلاً من أشكال التوظيف السياسي الذي نعود ونرفضه”. وكرّر دعوة المحقق العدلي إلى نشر التحقيق التقني لنعرف سبب هذه الجريمة، وما الذي تسبّب في هذا الانفجار الكبير. ولنعرف هل هناك وحدة معايير أم أن هناك استهدافاً سياسياً”.
البطاقة التمويلية: لا تقدّم
رغم تسارع وطأة الانهيار الاقتصادي والاجتماعي، والارتفاع المتزايد في أسعار السلع مع زيادة رفع الدعم عن البنزين، لم تجد حكومة حسان دياب ما يكفي من الاسباب للإسراع ببتّ آلية تنفيذ البطاقة التمويلية ووضع أطر علمية لاختيار العائلات؛ إذ لم يحرز اجتماع اللجنة الوزارية المكلفة بهذا الأمر أمس أي تقدم يذكر، باستثناء الدوران في الحلقة نفسها حول تمويل البطاقة من قرض البنك الدولي المخصّص للنقل العام، حرصاً على الاحتياطي الإلزامي. لكن حكومة دياب التي تهرول للتخلص من قرض النقل العام، لم تقم بأدنى واجباتها حيال التواصل مع البنك الدولي كحكومة لا أفراد لنيل موافقته، ولا يزال كل وزير فيها يتواصل مع البنك على حدة. كل ذلك تحت عنوان عدم الخروج عن إطار تصريف الأعمال، ومن دون أن يعرف كيف للحكومة المستقيلة التي يعتكف رئيسها، أن تستقطب دولارات لتمويل البطاقة ما دامت لم ترسل طلباً رسمياً الى إدارة البنك الدولي، وهو ما عبّر عنه ممثّلو البنك عند حضورهم أحد الاجتماعات. المماطلة هذه، معطوفة على ترك المواطنين أسرى الكارتيلات والاحتكارات، ضاعفت حدة الفقر والعوز. وقد أشار وزير الشؤون الاجتماعية رمزي مشرفية، في حديث تلفزيوني، الى أن “5% من اللبنانيين أغنياء، أما الطبقة المتوسطة فانخفضت إلى نحو 10 إلى 20%، في المقابل ارتفعت نسبة مَن هم الأكثر حاجة ومن يقارب دخلهم الـ700 ألف ليرة، إذ أصبحوا يشكّلون نحو 75% من اللبنانيين، بينهم 25% يعيشون في ظل فقر مدقع”. على مقلب آخر، أعلن مشرفية أنه “سيزور سوريا قريباً”، لافتاً الى أن النزوح السوري “كان نزوحاً أمنيّاً وليس نزوحاً سياسيّاً، وعند انتفاء السبب الأمني، على هؤلاء العودة إلى سوريا، وهم كلّهم انتخبوا لمصلحة النظام”. وقال إن “نحو 35% من الموجودين على الأراضي اللبنانية سوريون، ونحن نعيش مشكلة اقتصادية كبيرة. يجري إنجاز إحصاء على الأراضي اللبنانية، وعندما تصبح لدينا معلومات كافية عن الوجود السوري في لبنان، ومن أي مناطق نزحوا، سنقوم بزيارة ثانية إلى سوريا”.