هزلت بكل المقاييس، ميدانياً حيث تتناسل مشاهد الذل على امتداد الخريطة الوطنية ولم يعد الاقتتال على محطات الوقود يستثني أفراد السلك الواحد كما حصل أمس بين عناصر أمن الدولة في فرن الشباك، وسياسياً مع اشتداد عوارض الانفصام عن الواقع وتفاقم حالة النكران والتنكر للمسؤوليات والوقائع على مستوى الطبقة الحاكمة، وصولاً إلى “استغباء” الداخل والخارج بتسويق نظرية “الحصار الخارجي” على اللبنانيين، وتحميل الدول الشقيقة والصديقة مسؤولية ما اقترفت أيادي السلطة من سرقات وهدر ونهب للمال العام والخاص.
فعلى خطى الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله الذي “دشّن” مساء الاثنين حملة تحامل متجددة على المجتمع الدولي تحت شعار اتهامه بالانسياق وراء أجندة “الحصار الأميركي” على لبنان، أطلّ أمس رئيس حكومة 8 آذار حسان دياب من منبر السراي الحكومي موبّخاً ومؤنّباً السفراء وممثلي البعثات الديبلوماسية والمنظمات الدولية في لبنان، على اعتبار أنّ دولهم تفرض “حصاراً مطبقاً” على البلد وتزيد من معاناة أبنائه، في خطاب خشبي ممجوج لا يصحّ به سوى القول الشعبي: “بهدلنا قدّام الأجانب”… لا سيما وأنه استفزّ بكلامه الفجّ السفراء الأجانب والعرب على حد سواء، ما استدعى رداً فورياً قاسياً من السفيرة الفرنسية آن غريو أحرجت به دياب إلى درجة اضطر معها القيّمون في السراي، إلى الإيعاز بوقف النقل التلفزيوني وقطع بث كلمتها مباشرةً على الهواء.
وفي التفاصيل، ما أن أنهى رئيس حكومة تصريف الأعمال “محاضرته” في السفراء والديبلوماسيين الذين استدعاهم إلى اجتماع عاجل في السراي الكبير ليحمّل دولهم مسؤولية “قطع أنفاس البلد”، تحت طائل تهديدهم بأنّ الانهيار اللبناني “سيتردد صدى تداعياته خارج جغرافيا لبنان، واستمرار الحصار سيدفع لتغيير التوجهات التاريخية لهذا البلد”، حتى تصدّت له السفيرة الفرنسية بعنف فردّت له صاع “البهدلة” صاعين، مؤكدةً أنها كزملائها في البعثات الديبلوماسية المعتمدة لم يتوقعوا استدعاءهم “لإطلاق صرخة إنذار في وجهنا تحملنا مسؤولية الانهيار”، وأضافت مخاطبةً دياب: “لا يا دولة الرئيس، الحقيقة أنّ الانهيار هو نتيجة سوء إدارتكم وتقاعسكم ونتيجة مسؤوليتكم أنتم والسلطة السياسية”.
وإثر قطع النقل المباشر لكلمة غريو، نقل المجتمعون أنّ السفيرة الأميركية أعقبت نظيرتها الفرنسية بمداخلة أثنت فيها على ردّها، في معرض تأكيد مسؤولية السلطة السياسية اللبنانية عن الانهيار الحاصل، كما كان ردّ عربي من السفير الكويتي عبد العال القناعي على اتهامات دياب، فذكّره بأنّ الأشقاء العرب لم يتركوا يوماً لبنان ولطالما مدّوا أيادي العون له على امتداد تاريخ أزماته.
وبالفعل، على ما قال رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع في معرض استهجانه كلام دياب: “كان المشهد (أمس) في السراي محزناً جداً كما هو كل يوم في بعبدا او غيرها من المقرات الرسمية، والحزن الأكبر يكمن في طلب المساعدة من الآخرين في الوقت الذي نضيِّع فيه وقتنا وجهدنا وما تبقى لنا من إمكانيات إهمالاً وتسييباً وفساداً ولامبالاة”… بدا رئيس الجمهورية ميشال عون أمس كمن يستجدي مسعى قطرياً على نسق “دوحة 2” لحل الأزمة الحكومية، بعدما أوصد الأبواب أمام كل المبادرات الخارجية والداخلية للحل.
إذ، وبينما لاذ المسؤول القطري بالصمت الإعلامي أثناء جولته على بعبدا وعين التينة وبيت الوسط واليرزة، لاحظت أوساط ديبلوماسية أنّ رئيس الجمهورية حاول اغتنام فرصة زيارة وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، لاستدراج قطر إلى المبادرة واتخاذ “أي خطوة يمكن أن تقوم بها للمساعدة على حل أزمات لبنان الراهنة”، وفق ما قال لضيفه القطري، محمّلا بذلك زيارته “أبعاداً مفتعلة تستدرج مبادرة حكومية ما من الدوحة”. وهذا ما عكسه بشكل غير مباشر إعلان مكتب الإعلام في قصر بعبدا عن أنّ عون قدّم أمام آل ثاني “شرحاً للمعطيات التي أدت الى تفاقم الأزمة وتأخير تشكيل الحكومة”، مع توجيهه رسالة إطراء إلى “سمو أمير قطر لما يبديه من اهتمام للمساعدة على تجاوز الظروف الصعبة التي يمرّ بها لبنان وتداعياتها على مختلف الصعد”.
في الغضون، وبعدما سلك ملف الاستدعاءات وطلبات رفع الحصانة عن المدعى عليهم في جريمة انفجار الرابع من آب طريق التبليغات الرسمية إلى الجهات المعنية، حدّد رئيس مجلس النواب نبيه بري يوم الجمعة المقبل موعداً لعقد “جلسة مشتركة” لهيئة مكتب المجلس ولجنة الادارة والعدل، لدرس طلب رفع الحصانة (عن النواب علي حسن خليل وغازي زعيتر ونهاد المشنوق) الذي ورد من وزارة العدل والنيابة العامة التمييزية.
ورأت مصادر قانونية أنه ابتداءً من موعد انعقاد الجلسة المشتركة يمكن القول بأنّ “العد العكسي” انطلق للبت بطلب المحقق العدلي القاضي طارق بيطار، رفع الحصانات النيابية عن النواب المدعى عليهم خلال المهلة الدستورية المحددة بفترة أسبوعين، لكنها لم تخفِ في الوقت عينه توجسها من أنّ “طريق المجلس لن تكون معبدة خلال هذين الأسبوعين أمام المصادقة بسهولة على الطلب”، لا سيما في ظل الإمكانيات المجلسية المتاحة لتسويف الموضوع عبر إخضاعه “لعملية استنزاف بيروقراطية، تبدأ على سبيل المثال بعدم تقديم الهيئة المشتركة تقريرها حول طلب المحقق العدلي في المهلة المحددة وترك الموضوع للهيئة العامة، التي يمكن لها أيضاً ألا تبت الموضوع وتكتفي بأخذ العلم بطلب رفع الحصانة وتقرر منح الهيئة المشتركة مهلة زمنية إضافية لدرس الملف ومدى جدية الاتهامات الموجهة إلى النواب المدعى عليهم”.