على وَقع التوقعات في أن يحسم الرئيس المكلف سعد الحريري خياراته تأليفاً للحكومة العتيدة او اعتذاراً وترك الساحة لاختيار بديل منه يتولى المهمة، دخل الاستحقاق الحكومي أمس في حالة انتظارية جديدة ريثما تُنهي السفيرتان الاميركية دوروثي شيا والفرنسية آن غريو محادثاتهما في الرياض، حيث انّ بعض الاوساط السياسية تعوّل على أن تؤدي هذه المحادثات بنتائجها المرتقبة الى تغيير في أمزجة بعض المعنيين بالاستحقاق الحكومي الذين يترددون في حسم الموقف، ما يؤخّر ولادة الحكومة ويدفع الأزمة التي تعيشها البلاد على كل المستويات الى مزيد من التعقيد.
أفادت الإشارات المتقاطعة الى انّ محاولة تجري في الكواليس السياسية والديبلوماسية للتوافق على اسم بديل عن الرئيس المكلف سعد الحريري الذي بات شِبه مقتنع باستحالة تَمكّنه من تشكيل الحكومة مع الرئيس ميشال عون والنائب جبران باسيل، فيما شددت مصادر مطلعة على أنّ الحريري تبلّغ من جهات إقليمية أنّ الموقف السعودي السلبي منه لم يتبدل، الأمر الذي يحول بينه وبين القدرة على تأليف الحكومة.
وأفادت المعلومات انّ هناك مسعى أميركياً فرنسياً للتفاهم مع المملكة العربية السعودية على اسم يكون مقبولاً لديها لتشكيل الحكومة، وانه في حال أصَرّت الرياض على رفض فتح الباب أمام تفاوض سياسي من هذا النوع فسيطلب منها الأميركيون والفرنسيون ان تساهم في مساعدات إنسانية او مالية موضعية تصل مباشرة إلى المستفيد النهائي، منعاً للانهيار الكبير وتداعياته المحتملة.
في الرياض
وأعلنت وزارة الخارجية السعودية عبر «تويتر» أنّ «وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية والاقتصادية السفير عيد بن محمد الثقفي، التقى في ديوان الوزارة في الرياض اليوم (أمس)، سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دورثي شيا وسفيرة الجمهورية الفرنسية لدى لبنان آن غريو». وأشارت إلى أنّ «هذا الاجتماع يأتي، وفقاً لما تقرر أخيراً في اجتماع وزراء خارجية الدول الثلاث في مدينة ماتيرا في الجمهورية الايطالية، باستمرار التعاون والتنسيق بينهم لدعم الشعب اللبناني ومساندته، في ظل الأوضاع التي يواجهها حالياً».
وفي انتظار الجديد الذي يمكن ان تنتهي إليه اجتماعات السفيرتين في الرياض جَمّدت كل المشاريع المتداولة في شأن الاستحقاق الحكومي. وقالت مصادر سياسية وديبلوماسية مطّلعة لـ»الجمهورية» انه كان من الطبيعي ان تفرض هذه التطورات تجميداً طوعياً للحركة الحكومية، فغابت المواقف وتراجعت «حرب المصادر» وساد صمت في مواقع المعنيين»، وخصوصاً في القصر الجمهوري و»بيت الوسط».
وفي هذه الأثناء بقيت مراجع سياسية تبحث عن إمكان انعكاس اجتماعات الرياض على الملف الحكومي وسط انقسام منطقي بين القول بانتظار قرار سيؤدّي إمّا الى تسهيل مهمة الرئيس المكلف لتوليد الحكومة المنتظرة، وإمّا مناقشة مرحلة ما بعد الإعتذار والبحث في مهمة التكليف مجدداً، علماً انّ شيا وغريو التقتا في الرياض ايضاً مؤسسة الملك سلمان للاعمال الإغاثية والانسانية.
مخاوف من تقديرات خاطئة
ولم يَشأ أي من المصادر، الحديث عن اي تطور مُرتقَب منعاً للوقوع في الفخ الناجم من تقديرات خاطئة، فلم يكن المسؤولون اللبنانيون على علم بهذه الخطوة التي أنتجتها لقاءات روما بين وزراء خارجية الولايات المتحدة أنتوني بلينكن وفرنسا جان ايف لودريان والسعودية الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، بعد ساعات قليلة على الاجتماع الذي جمعَ بلينكن بالبابا فرنسيس في الفاتيكان على هامش مؤتمر دول العشرين الصناعية الذي أكّدت بيانات رسمية صدرت عنه انّ الوضع في لبنان كان من ابرز القضايا المُدرجة على جدول اعماله.
وكانت السفارة الأميركية في بيروت قد كتبت عبر «تويتر» أنّ «السفيرة الفرنسية آن غريو والسفيرة الأميركية دوروثي شيا تقومان اليوم (أمس) بمشاورات ثلاثية مهمة مع المملكة العربية السعودية لمناقشة الوضع في لبنان والسبل التي يمكنهم من خلالها دعم الشعب اللبناني والمساعدة في استقرار الاقتصاد».
وفي هذه الاثناء أصدرت لجنة الدفاع والقوات المسلّحة في البرلمان الفرنسي تقريراً يُوصِي، في البند الرقم 6 منه، بإرسال قوات دولية الى لبنان بنحوٍ طارئ تحت سلطة الأمم المتحدة والبنك الدولي في سبيل تعزيز الأعمال الإنسانية ومساعدة اللبنانيين، ودعم الجيش اللبناني والقوى الأمنية لحفظ الأمن والاستقرار. كذلك يشدّد التقرير على ضرورة إجراء الانتخابات النيابية والرئاسية في لبنان سنة 2022.
في الرياض وواشنطن
وأكدت مصادر مطلعة لـ»الجمهورية» أنّ الرهان على لقاءات الرياض ارتفع منسوبه لمجرّد ربطها بوصول وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان الى العاصمة السعودية في زيارة مُبرمجة سلفاً بالتزامن مع الحديث عن اجتماعات مهمة عقدت في وزارة الخارجية الاميركية في واشنطن، وأبرزها اللقاء الذي جمع نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان مع وكيلة وزارة الخارجية للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند والمستشار ديريك شوليت، حيث تناول اللقاء «تفعيل المساعدة الخارجية للبنان «المنكوب» ولا سيما منها «مساعدة جيشه الذي يعاني أزمة سيولة نقدية». كذلك تناول ملف الأمن الإقليمي، ودعم المملكة العربية السعودية للدفاع عن نفسها من الهجمات عبر الحدود، وتحسين حقوق الإنسان.
وفي المعلومات انّ وزير الخارجية الاميركية انضَمّ إلى المجموعة في جزء من الاجتماع لمناقشة الجهود المبذولة لتحقيق وقف شامل لإطلاق النار في اليمن والانتقال إلى العملية السياسية، وكذلك مناقشة الحاجة إلى الإصلاح الاقتصادي والإغاثة الإنسانية للشعب اللبناني، وقضايا ثنائية رئيسية أخرى.
الراعي والبخاري
وكان السفير السعودي في لبنان وليد البخاري قد اغتنَم مناسبة الاحتفال أمس في بكركي بمئوية العلاقة بين المملكة العربية السعودية والبطريركية المارونية، ليأمل من الأفرقاء السياسيين «أن يغلّبوا المصلحة اللبنانية العليا لمواجهة التحديات التي يعيشها لبنان، ومن بينها محاولة البعض العبث بالعلاقة الوثيقة بين لبنان وعمقه العربي وإدخاله في محاور أخرى تتنافى مع مقدمة الدستور اللبناني، والتي تنصّ وبوضوح تام على أنّ «لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه، عربي الهوية والانتماء حيث لا شرعية لأيّ سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك». وأكد أن «لا شرعية لخطاب الفتنة والتقسيم والشرذمة، ولا شرعية لخطاب يقفز فوق هوية لبنان العربي».
وشدّد البخاري على «انّ العمق العربي ركيزة أساسية في رؤية السعودية 2030 الهادفة إلى تعزيز الانتماء لهوية ثقافية معاصرة ترسم آفاق المستقبل أمام «عولمة العروبة» التي تتّسِع للجميع، وتزخر بقبول الآخر والتفاعل والتكامل معه». وقال: «إنطلاقاً من رمزية المناسبة والمكان تجدّد المملكة اليوم الشراكة والأخوة تحت مظلة عروبية جامعة ركائزها الاعتدال، الحوار، المحبة والسلام. كما تؤكد المملكة أنها لا تسمح بالمساس بالهوية الوطنية اللبنانية ولا المساس بنسيج العروبة تحت أي ذريعة كانت، فالمسيحي كما المسلم مكوّن أساسي ومكوّن وازن في هذه الهوية المشرقية العربية الأصيلة».
ومن جهته، لاقى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي البخاري في الموقف، فقال انّ «لبنان يسير في هذا الشرق أخاً للعرب ومناصراً للحق، وهكذا نُدرك مدى محورية دَورَي المملكة والبطريركية المارونية في لبنان والمشرق والعالم العربي.» وتمنى ان
«تستعيد العلاقات اللبنانية ـ السعودية عفويتها وتقاليدها السابقة حين كان قادة المملكة يزورون ربوع لبنان ويلاقون الترحيب الشعبي. يومها كان عندنا دولة واحدة وآمنة.»
وأكد على أنّ «المملكة لا تميّز بين لبناني وآخر»، وأضاف: «كنّا نستشعِر احتضانها للمسيحيين، وكان أبناؤنا حين يهاجرون، فللعمل لا للسياسة، وهم رُسل لبنان لا رسل دولة اخرى.» وقال: «السعودية لم تنتهك استقلال لبنان ولم تورّطه في حروب ولم تتجاهل دولته، والسعودية لا ننظر اليها من خلال خياراتها السياسية ومواقفها القومية، بل إنّ علاقتنا بها تتخطى المحاور الى محور جامع هو الشركة المسيحية – الاسلامية.»
الدولار الأسود يحلّق
من جهة ثانية، وعلى الصعيدين الاقتصادي والمالي واصَل الدولار في السوق السوداء ارتفاعه، بما يوحي انه يتّجه الى تسجيل أرقام قياسية جديدة في الايام القليلة المقبلة. وقد لامَس أمس عتبة الـ19 ألف ليرة، الامر الذي أحدثَ بلبلة في الاسعار.
وفي قراءة لِما يجري في موضوع سعر الصرف، يتبيّن للمتابعين انّ استمرار انهيار سعر الليرة من الامور غير المُستغربة، بل متوقّع ان يستمر طالما انّ الوضع السياسي مقفل، والوضع المالي من سيئ الى أسوأ، يوماً بعد يوم. وقد بَدا الانفاق من الاحتياطي الالزامي، والذي يعتبر بمثابة احتياطي وطني ينبغي الحفاظ عليه، لتحاشي كوارث وطنية، أو للمساعدة في «إعادة النهوض الاقتصادي والمالي، متى تشكَّلَت الحكومة وأُطلِقت العجلة الاقتصادية بالتعاون مع المؤسسات المالية الدولية والدول الداعمة للبنان»، على ما أعلنت جمعية المصارف اللبنانية أمس.
ومن اللافت أنّ المصارف هدّدت في بيانها باللجوء الى إجراءات لمنع الانفاق من الاحتياطي الالزامي، وحمّلت الدولة ومصرف لبنان مسؤولية استمرار الانفاق من هذاه الاموال.
وقال مصدر مطّلع لـ»الجمهورية» انّ حديث المصارف عن إجراءات تدرس اتخاذها لمنع المَس بالاحتياطي، يعني انها قد تسلك الطرق القانونية، كأن تتقدّم بطلب الى القضاء المختص، للحجز على الاحتياطي ومنع التصرّف به. وهذا الامر ممكن، وتتمّ دراسته بين خيارات قانونية أخرى لا تزال قيد الدرس.
أزمة المحروقات والدواء
وفيما بَدت أزمة الفيول ذاهبة الى حلحلة مؤقتة في الساعات المقبلة بعد فتح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة اعتمادات لـ6 بواخر بقيمة 160 مليون دولار، بقيت أزمة الدواء عالقة. ففي معلومات «الجمهورية» انّ فواتير الاستيراد القديمة، والبالغة قيمتها 550 مليون دولار، لم تجد بعد طريقها الى الصرف حيث تعمل اللجنة المشتركة بين مصرف لبنان ووزارة الصحة على تكثيف جهودها لإنهاء عملية التدقيق ريثما يتم إعداد آلية الدفع.
امّا الفواتير الجديدة التي حصلت على موافقة مسبقة فقد فتح حاكم مصرف لبنان اعتماداً لها بقيمة تفوق الـ 100 مليون دولار، ولكن هذا المبلغ هو كَمَن اشترى سمكاً في البحر، لأنّ بعض الشركات المستوردة الكبيرة لن تتمكن من استيراد بضائعها من الادوية الجديدة من الشركات الرئيسية التي اشترطت الحصول على المبالغ المتراكمة. وصرّح الحاكم في مجالس خاصة انه لا يزال يملك 400 مليون دولار فقط لدعم المشتقات النفطية والدواء والطحين، وقد خرجَ من هذا المبلغ أمس 160 مليون دولار الى البواخر السِت، ما يعني اننا بتنا حكماً امام عملية ترشيد قاسية. وتخوّفت المصادر من انّ الدفع بالقطّارة سيؤدي الى المفاضلة بين المرّ والأمَرّ، أي بين الحاجة الملحّة والحاجة الطارئة، ما يعني دعم الادوية السرطانية وادوية الامراض المزمنة، امّا بقية الادوية فقد تشهد رفع دعم تلقائي في القريب العاجل، علماً أنّ دعم الطحين لا يزال خارج دائرة التأثر والمقدور عليه حالياً (12 مليون دولار شهرياً).
كورونا
صحياً، أعلنت وزارة الصحة العامّة في تقريرها اليومي أمس حول مستجدات فيروس كورونا تسجيل 400 إصابة جديدة (393 محلية و7 وافدة)، ليصبح العدد الإجمالي للإصابات 546766. كذلك سُجّلت حالتا وفاة جديدة، ليرتفع العدد الإجمالي للوفيات الى 7869.