لم تصمد الرضيعة جوري السيّد أكثر من 10 شهور على قيد الحياة تحت فكّ “سلطة التماسيح”، فارتحلت عن أهلها وديارها إلى “العناية الإلهية” بعدما تعذر إيجاد “غرفة عناية” متخصصة لإنقاذ حياتها وحياة أقرانها من الأطفال، كما روى الوالد المفجوع، معرباً عن اليأس من مناشدة الطبقة الحاكمة واكتفى بالقول: “يا عيب الشوم… لمن أوصل صوتي؟ للتماسيح؟ لا أحد يسمع سوى الله”.
وكما سلّم أهل الضحية أمرها للعناية الإلهية، كذلك أوكل البطريرك الماروني بشارة الراعي أمر اللبنانيين كلهم إلى “العدالة الإلهية”، مذكّراً “المسؤولين في الدولة بأنهم انتدبوا من الشعب من أجل توفير الخير العام وخير كل مواطن، لا لخدمة خيرهم الخاص ومصالحهم على حساب الدولة والشعب”، وجدد المطالبة “بملاقاة المجتمع الدولي لتشكيل حكومة تتمتع بالمواصفات الإصلاحية والحيادية”، منتقداً الاستمرار في “تبادل الشروط المفتعلة لتأخير التأليف”… وهو إن صوّب على مسؤولية رئيس الجمهورية ميشال عون في تعطيل التشكيل انطلاقاً من أنّ “عبارة الاتفاق مع الرئيس المكلف (في الدستور) لا تعني تعطيل التشكيلات المقدّمة”، غير أنه “حشر” بشكل أخصّ الرئيس المكلف سعد الحريري بضرورة حسم قراره بين التأليف والاعتذار، حين شدد في عظته أمس على أنّ “التكليف لا يعني تكليفاً أبدياً من دون تأليف”.
وإذ نوّه بالاهتمام الذي يبديه الفاتيكان مع الدول العربية والغربية بالقضية اللبنانية، وأثنى على المشاورات الجارية لبلورة “حل سياسي يعالج إشكالية وجود لبنان كدولة تتعرض دورياً لخضات وأزمات وحروب، بسبب تعدد ولاءات مكوناتها واختلافها على السلطة، وبسبب التدخلات الخارجية السلبية والمشاريع المذهبية التي تطوف في الشرق الأوسط وتجول”، رأى الراعي أنّ “الحريّ بالأطراف اللبنانيين أن يلبننوا الحل الدولي بتقديم مشاريع حلول بنّاءة عوض الإمعان في هدم الموجود، من دون تقديم بديل واقعي ينسجم مع الشراكة المسيحية ـ الإسلامية، وجوهر وجود لبنان الكبير ودوره الحضاري في المنطقة”.
ومن جهة موازية، تطرق الراعي إلى “مأساة تفجير مرفأ بيروت” عشية ذكرى السنوية الأولى لانفجار الرابع من آب، فطالب “الجماعة السياسية بتسهيل عمل القضاء لأن الشعب لا يغفر لمن يعرقل مسار التحقيق أو لمن يسيسه أو لمن يغطي أي شخص تثبت التهمة عليه”. وأضاف: “يدمي القلب أن يجعل السياسيون من رفع الحصانة عن وزراء ونواب وعسكريين استدعاهم القضاء لسماعهم، قضية تفوق ثمن دماء الـ200 ضحية ودموع أهاليهم النازفة ومصيباتهم، وثمن آلام الخمسة آلاف جريح، وثمن خسارة سبعة آلاف من البيوت والمؤسسات التي تهدمت، وثمن تشريد وتهجير منطقة من بيروت، وثمن هدم المرفأ ومحتوياته هدما كاملاً، وقطع هذا المرفق عن محيطه، وهو منذ سنة مائل أمام أعيننا كشبح الموت… فيا للعار!”.
وفي سياق متصل بالحراك الديبلوماسي المنكبّ على بحث المعضلة اللبنانية، أفادت مصادر مواكبة لهذا الحراك أنّ “المشاورات النشطة التي تجري على أكثر من خط دولي وإقليمي لا تنحصر فقط بشق المساعدات الإنسانية العاجلة للشعب اللبناني، إنما النقاش يتمحور في جانب منه أيضاً حول أزمة الحكم والنظام التي يرزح لبنان تحت وطأتها راهناً، الأمر الذي بات يستدعي تسوية جديدة تحت سقف الطائف وفق معادلات مختلفة عن القائمة راهناً وضمانات أوسع للمكونات اللبنانية”.
وأوضحت المصادر أن “هناك قناعة دولية بأن المدخل إلى الاصلاح في لبنان هو تنفيذ دستور الطائف بكل بنوده، بما يشمل بندي اللامركزية الادارية الموسعة وانشاء مجلس الشيوخ، واستناداً الى هذين البندين يصبح قانون الانتخاب أمراً واقعاً يحول دون إخضاعه للتفصيل على مقاسات القوى النافذة بالارتكاز على اعتماد التقسيمات الإدارية، بعد إعادة النظر فيها وفق اللامركزية الموسعة، بما يسهل أيضاً الإنماء المتوازن، ويطمئن المكونات الطائفية إلى تمثيلها المتساوي في مجلس الشيوخ حيث يصار إلى النظر في القضايا المصيرية”، لافتةً إلى أنّ “الرهان الدولي يسير في اتجاهين: الأول إحداث تغيير جدّي في الخريطة السياسية في الانتخابات النيابية المقبلة، والثاني العمل على ولادة سلطة موثوق بها قادرة على الذهاب الى تنفيذ الاصلاحات بلا حسابات مصلحية، مع إبقاء التعاطي الدولي مع السلطة القائمة مرتكزاً على قاعدة أنها أساس الأزمة ولا يمكن التعويل عليها في أي جانب من جوانب الانقاذ”.
وتزامناً، نقلت مصادر مقربة من قوى 8 آذار معلومات تفيد بوجود “حركة موفدين بين عواصم أوروبية و”حزب الله”، وتبادل رسائل شفهية بين قيادة “حزب الله” وباريس، تحت عنوان المصلحة اللبنانية والأوروبية المشتركة بعدم انفلات الوضع الداخلي في لبنان وذهابه إلى فوضى أمنية ليس بمقدور أي طرف التحكّم بمساراتها، بما يهدد بتسرب عشوائي وكثيف للنازحين السوريين باتجاه السواحل الأوروبية”، مشيرةً إلى أنّ التواصل الأوروبي مع “حزب الله” في هذا الملف ينطلق من كونه “الجهة المسلحة التي تمتلك فائض قوة في حال سادت الفوضى الساحة اللبنانية، خصوصاً وأنّ هناك خشية دولية متزايدة من أن يؤدي الانهيار الشامل في لبنان الى انزلاقه نحو مصير يشبه ما حصل في سوريا والعراق واليمن، وهذا الهاجس كان قد ألمح إليه البابا فرنسيس مؤخراً عندما تحدّث عن الخصوصية اللبنانية، بمعنى أنه لا يمكن استنساخ أي واقع محيط وإسقاطه على الواقع اللبناني”.