حالة الاهتراء المتمادية في الدولة اللبنانية، عززت المخاوف من انهيار وشيك للدولة، وشجعت “الوصايات” الدولية والاقليمية على التحرك للاستفادة من الواقع المازوم، وفيما لا تزال الطبقة السياسية “غارقة” بلعبة المصالح الضيقة يحاول الخارج الدخول الى الساحة اللبنانية من “الابواب” المشرعة على كافة الاحتمالات، وفيما تحرص باريس على “طمانة” حزب الله على خطواتها المشتركة مع الاميركيين والسعوديين،”بشر” وزير خارجية فرنسا جان ايف لودريان بان العقوبات على المتورطين “بمأساة” اللبنانيين ستبصر “النور” قبل ذكرى انفجار الرابع من آب، ترافق ذلك مع تسريب تقرير فرنسي جرى تداوله في” بروكسل” قبيل اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي تخوف من انهيار امني كبير بفعل حصول عمليات اغتيال “مستهدفة”..في هذا الوقت وبعدما اهتزت علاقة الرئيس المكلف سعد الحريري بموسكو اختار “المنصة” المصرية كمحطة اخيرة قبل حسم خياراته الضيقة مع ترجيح “الاعتذار” من قصر بعبدا بعد اعداد تشكيلة حكومية جديدة لن تلقى قبول رئيس الجمهورية ميشال عون، الا اذا كان لدى المصريين جديدا، ولا شيء يوحي بذلك…
في هذا الوقت تثير الازمة اللبنانية القلق في اسرائيل المهتمة على نحو غير مسبوق بالتطورات المتسارعة في الشمال، وبات واضحا من خلال التسريبات الاعلامية والامنية ان الجيش الإسرائيلي يرى أزمة لبنان الاقتصادية تهديدا، والرأي السائد لدى القيادة العسكرية أن الأزمة كفيلة بأن تشجع حزب الله على السيطرة علنا على الدولة اللبنانية. لكن في إسرائيل من يرى ايضا في هذه الأزمة فرصة لهزيمة حزب الله بالتعاون مع ضغط دولي وداخلي..وفي هذا السياق، يتابع الجيش الإسرائيلي الأزمة المتعمقة بقلق، ويرسم سلسلة من سيناريوهات الخروج منها، وكلها مقلقة: من توسيع مناطق حكم ذاتي تحت سيطرة حزب الله، إلى سيطرة علنية مطلقة على كل مؤسسات الحكم، بإسناد إيراني. ولهذا برزت توصية اسرائيلية بتكرار تجربة “كوسوفو” في لبنان عندما تدخل “الناتو” لحسم الموقف، فيما لا تزال الذكريات المؤلمة تتظهر علنا في الذكرى السنوية لحرب تموز…
العقوبات الاوروبية؟
دوليا،فيما شكك ممثل السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل باحتمال فرض عقوبات اوروبية على مسؤولين لبنانيين بسبب الخلاف بين دول الاتحاد بشأنها، مؤكدا ان الوضع في لبنان لم يشهد أي تحسن منذ زيارته الأخيرة، اكد وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان انه تم التوصل الى توافق سياسي بين دول الاتحاد الاوروبي على الاطار القانوني لفرض العقوبات على عدد من المسؤولين اللبنانيين، وهي ستبصر النور قبل الذكرى السنوية الاولى لتفجير المرفأ، ولفت الى ان هذه العقوبات ستكون للضغط على هؤلاء الذين فشلوا في تشكيل حكومة انقاذية…
قلق امني فرنسي!
في هذا الوقت حضر الملف اللبناني على “طاولة” اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الاوروبي بالامس، وعلم في هذا السياق، ان اجواء قاتمة تظلل الاحاطة الفرنسية حول الوضع في لبنان، وسط مخاوف جدية في باريس من انهيار مفاجىء للوضع الامني ليس فقط على خلفية الوضع الاقتصادي السيىء وتاخر تشكيل الحكومة، وانما القلق وفق تقرير استخباراتي فرنسي من عمليات اغتيال ممنهجة تستهدف شخصيات “مفصلية” على الساحة اللبنانية ستؤدي حكما الى فوضى امنية غير مسبوقة، ونتيجة هذه المخاوف قررت باريس ارسال مستشار الرئيس الفرنسي للشأن اللبناني باتريك دوريل الى بيروت للبحث في هذه المخاطر “الجدية” وكذلك حالة الاستعصاء الحكومي.
تواصل شبه يومي مع حزب الله
في غضون ذلك وعلى عكس كل ما يشاع عن “انقلاب” في الموقف الفرنسي اتجاه العلاقة مع حزب الله، لا تزال باريس مصرة على عدم “قطع شعرة معاوية” مع الحزب وتحافظ على وتيرة اتصال شبه يومية عبر القنوات المعتادة بين السفارة في بيروت ووحدة العلاقات الدولية، ووفقا للمعلومات سارعت السفيرة الفرنسية آن غريو وبتعليمات مباشرة من الخارجية الى ارسال توضيحات الى “حارة حريك” حول طبيعة التحرك الفرنسي- الاميركي المشترك في هذه المرحلة خصوصا بعد الزيارة المشتركة الى المملكة العربية السعودية، وحرصت “الرسالة” الفرنسية الى التاكيد ان التحرك الراهن دافعه “انساني” لا سياسي ولا يرتبط حتى بتشكيل الحكومة الجديدة، حيث تريد واشنطن وباريس جهدا اكبر من المملكة العربية السعودية لوقف الانهيار الاقتصادي ومساعدات عدة قطاعات وفي مقدمتها المؤسسة العسكرية، وعلم في هذا السياق ان الجانب الفرنسي شدد على انه لم يطرح خلال اللقاءات في الرياض اي فكرة تتعلق ببديل للرئيس سعد الحريري، كما لم تهدف الزيارة الى التسويق لشخصه في المملكة…
“النوايا” “والشكوك
ووفقا لمصادر مقربة من حزب الله، لا يمكن المحاسبة على “النوايا” الفرنسية المضمرة “والشك” يبقى هو الاصل في التعامل مع الدول التي تعمل اولا واخيرا وفقا لمصالحها، لكن حرص الفرنسيين على ابقاء التواصل مفتوح مع حزب الله واطلاعه على خلفيات الحراك الفرنسي “نقطة” ايجابية اذا كانت الامور في “ظواهرها”…ومتابعة لنتائج اللقاءات الأميركية -للفرنسية -السعودية عقد في السفارة السعودية اجتماع ضم الى السفير السعودي وليد البخاري والسفيرتين الأميركية دوروثي شيا والفرنسية آن غريو، وجرى البحث في تسييل التفاهمات في لقاءات السفيرتين في الرياض قبل ايام.
جعجع “والثقة” السعودية
اما رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، فاختار توجيه “رسائل” سياسية الى كل من يعنيهم الامر من حلفائه السابقين، وفي مقدمتهم الرئيس المكلف سعد الحريري، بانه الوحيد الذي يحظى اليوم “بثقة” المملكة العربية السعودية التي منحته هذه الفرصة من خلال مشاركة سفيرها في لبنان الوليد البخاري في لقاء تشاوري في معراب للبحث في ازمة تصدير البضائع اللبنانية الى المملكة..ووفقا لمصادر سياسية مطلعة، الاجتماع الذي انتهى الى “صفر” نتائج اقتصادية باعتراف جعجع نفسه الذي اكد انه لا يزال في حالة سعي ولا تاريخ محددا حتى هذه اللحظة لنهاية هذه الأزمة، كرس “معراب” حليفا موثوقا من قبل الرياض في زمن تخلي المملكة عن كل حلفائها..!
الحريري يحضر المسرح للاعتذار؟
حكوميا، يواصل الرئيس المكلّف سعد الحريري تحضير “المسرح” السياسي لتبرير اعتذاره عن تشكيل الحكومة، في ضوء حركة الاتصالات الدولية والعربية التي استكملت بلقاء بين كل من سفير المملكة العربية السعودية وليد البخاري والسفيرتين الأميركية والفرنسية دوروثي شيا وآن غريو العائدتين من الرياض، حيث لم يلمس وجود اي تغيير في الموقف السعودي اتجاه “مباركة” توليه الحكومة الجديدة، ولهذا اختار زيارة القاهرة يوم الخميس المقبل كمحطة اخيرة قبل الاعلان عن خطوته، حيث سيبلغ الرئيس عبد الفتاح السياسي بوصول جهوده الى “حائط مسدود” بفعل عدم تجاوب رئيس الجمهورية ميشال عون مع مقتضيات الدستور واستغلال “توقيعه” للاعتداء على موقع رئاسة الحكومة، ومن المتوقع ان يعود الى بيروت لرفع تشكيلة حكومية من 24 وزيراً الى عون، ليرفضها او يقبلها دون “نقاش”، وبعدها سيخرج لتلاوة بيان الاعتذار دون الاتفاق على بديل يخلفه في تشكيل الحكومة المقبلة، حيث جرى الاتفاق مع رؤساء الحكومة السابقين على عدم منح العهد اي غطاء لاي حكومة جديدة..ووفقا لاوساط سياسية مطلعة لا تملك القاهرة اي جديد لتقدمه للحريري، لكنها تفضل ان يتريث في خطوته اقله لعدم دفع البلاد الى “المجهول” في ظل غياب التفاهمات على “اليوم التالي”.!
.. ويفقد “الحاضنة” الروسية؟
وفي سياق متصل، يزداد الخناق الدولي والاقليمي على الرئيس المكلف سعد الحريري حيث تتساقط “اوراقه” الخارجية الواحدة تلو الاخرى، بعدما انضمت موسكو الى “ركب” الدول غير المتمسكة بقيادته للحكومة الجديدة.وحتى الان لا تزال القاهرة تحتضنه كخيار “امر واقع” على الساحة السنية، وقد ساهم الرئيس عبدالفتاح السيسي في فتح “الابواب” الامارتية امامه حيث يجهز لنقل اسرته من السعودية الى هناك مع تسهيل واضح من قبل ابوظبي للحريري كي يبدأ اعماله الاقتصادية من جديد بعدما انهارت شركة سعودي -اوجيه في المملكة..
“تكذيب” الخبر المفبرك!
ووفقا لمصادر دبلوماسية في بيروت لم يعد الحريري خيارا روسيا مفضلا لدى موسكو، خصوصا بعدما “فبرك” خبر اتصاله مع نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف حين ادعى بان الاخير ابلغه برغبة بلاده بان تكون الحكومة الاصلاحية الجديدة برئاسته، فيما لم يتطرق الاتصال الى اي من المواضيع السياسية وكان مجرد تواصل من الحريري عبر هاتف ممثله في موسكو جورج شعبان الذي كان يزور بوغدانوف للاطمئنان عليه بعد تعافيه من “كورونا” حيث يمضي اجازة مرضية مفتوحة..ووفقا لتلك الاوساط، تعمدت السفارة الروسية في بيروت “تكذيب” الخبر الملفق الصادر عن “بيت الوسط” من خلال تسريبات ممنهجة لاكثر من جهة سياسية واعلامية، تضمنت استهجانا من خطوة الحريري غير “الدبلوماسية” وغير “المبررة”، خصوصا انها ادت الى تداعيات سياسية في الخارجية الروسية بعدما جرى استيضاح موقف بوغدانوف الذي اضطر الى قطع اجازته لتقديم افادة مكتوبة تضمنت نفيا لكل ما جرى ذكره في بيروت، وعلم في هذا السياق ان الموقف الروسي الرسمي بات على الشكل التالي” لا تمسك باي شخصية لتشكيل الحكومة، واذا اراد الحريري الاعتذار فهذا “شانه” المهم ان يسرع المسؤولون اللبنانيون بتشكيل حكومة ذات مصداقية ويسهل التعامل معها لاعادة انقاذ الاقتصاد اللبناني”.
البيطار يصعد..ومحاكاة للانفجار
وبعد نحو اسبوع على “مسرحية” التهرب من رفع الحصانات، بدات التصريحات العلنية لبعض المسؤولين اللبنانيين توحي “بالحرج” ما دفعها لنفي تهمة الحماية السياسية للوزراء السابقين والقادة الأمنيين المدّعى عليهم من قبل المحقق العدلي القاضي طارق البيطار الذي اكدت مصادر مطلعة على خطواته المقبلة انه ليس في وارد ارسال اي توضيحات او تفسيرات جديدة لمجلس النواب حيال اسباب طلبه رفع الحصانة عن عدد من النواب والقادة الامنيين، لانه لا يملك اي شيء يضيفه “وما كتب قد كتب” وعلى المجلس تحمل مسؤولياته..وفي الخطوات العملية يبدو ان تجهيز مسرح العمليات لاجراء محاكات واقعية لما حصل في العنبر رقم 12 بات منجزا، حيث ستحصل عملية تلحيم مماثلة لما حصل في الرابع من آب بوجود المواد المتفجرة حينها، وبعدها سيتمكن المحقق العدلي من تكوين صورة شبه كاملة عما حصل يومها، سواء كان الانفجار متعمدا وبفعل عمل امني، او احتمال ان يكون “التلحيم” قادرا على التسبب بالانفجار، وينتظر “فرع المعلومات” الطقس الملائم وسرعة الرياح لتحديد موعد اجراء المحاكاة بالتنسيق مع الارصاد الجوية..وقد ارجأ بالامس استجواب مدير المخابرات السابق العميد كميل ضاهر، الى 23 تموز بسبب اضراب المحامين المستمر، حيث اكدت المعلومات انه رفع تقريرين لقيادة الجيش حينها حذر فيهما من خطورة المواد في المرفأ، فيما قائد الجيش السابق جان قهوجي لم يتم تبليغه بموعد الجلسة بالامس لوجوده في الولايات المتحدة الاميركية.
بري متمسك بالقانون والدستور!
واثرغضب أهالي الضحايا من رئيس مجلس النواب نبيه بري على خلفية عدم حسم احالة مسألة رفع الحصانات فوراً إلى الهيئة العامة للمجلس النيابي للبت بها، أكد بري في بيان أن جريمة انفجار مرفأ بيروت هي جريمة وطنية أصابت اللبنانيين في الصميم، ولن نقبل تحت أي ظرف من الظروف أقل من معرفة الحقيقة كاملة .. واضاف “نؤكد بكل شفافية وهدوء أن لا حصانة على أي متورط في أي موقع كان وأن المجلس النيابي سيكون مع القضاء إلى أقصى الحدود تحت سقف القانون والدستور، فالحصانة فقط هي لدماء الشهداء وللوطن وكرامة الإنسان وللدستور والقانون وليس لشريعة الغاب.
اسرائيل تحرض على “الوصايا” الدولية
اما في اسرائيل فالتحريض مستمر على التدخل العسكري في لبنان، والجديد تاكيد دراسة اعدها مركز القدس، الذي يقدم دراساته ونشراته التحليلية لصناع القرار السياسي والدبلوماسيين، بأن لبنان وصل إلى الهاوية ولا يوجد في الوقت الحاضر شبكة أمان لمنع السقوط، والجهة السياسية الوحيدة القادرة على تجاوز الموجة الخطيرة هي حزب الله، بسبب الدعم المالي الذي يتلقاه من إيران. ولهذا يطرح المركز توصية مفادها انه إذا أريد إنقاذ لبنان قبل أن يغرق في كارثة إنسانية غير مسبوقة، يجب على المجتمع الدولي أن يتدخل، ويجب أن يستولي على سلطات الحكومة اللبنانية الحالية واستبدالها بسلطة مخوّلة بقرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ووضع مفوّض سام لحكم لبنان لفترة محددة من الزمن. هذا المفوض السامي الجديد “سيسمح بإنشاء حكومة تكنوقراطية مختلفة ونظام حكم، وسيمكّن المجتمع الدولي من تقديم المساعدة الاقتصادية والمالية”. اما المهمة الاساسية للمفوض السامي فهي نزع سلاح جميع الميليشيات أولاً ومن ضمنها حزب الله، وسيساعده في ذلك وجود عسكري ضخم…ووفقا للتوصية حصلت مثل هذه السابقة في كوسوفو، بعدما تدخلت قوات الناتو. وطمان مركز القدس تلك القوى بامكانية هزيمة حزب الله واشار الى انه “على المرء أن يتذكر أن حزب الله ليس طالبان، وأن لبنان، ليس العراق أو أفغانستان..
تموز “الذاكرة” المؤلمة
وعلى نقيض توصية مركز القدس كتب ناحوم برنياع في صحيفة “يديعوت احرنوت” تجربته الميدانية في جنوب لبنان خلال حرب تموز وقال انه بعد 15 سنة من الهدوء شبه التام على الحدود الشمالية هناك عشرات آلاف الصواريخ التي جمعها “حزب الله” ومنها صواريخ دقيقة التي تهدد كل موقع استراتيجي في البلاد، متوقعا حربا جديدة في المستقبل..واستعاد بالذاكرة روايات الجنود الذين اكدوا انهم وصلوا إلى الوحدة القتالية ليأخذوا أمتعتهم الشخصية فوجدوها فارغة…وتحدثوا ايضا عن الماء الذي لم يصل وعن الطعام الذي لم يورد. بعد رفض سلاح الجو إنزال الماء بالمروحيات، ولكن عندما أوشك تسعة جنود على الهلاك عطشاً، اضطر سلاح الجو لإنزال مروحية كي يأخذ ثلاثة منهم وينقلهم إلى المستشفى. رووا بأن العطش والجوع ضيقا عليهم عيشهم،وكانت الشكوى من الأوامر التي لم تكن واضحة ومهام تتغير مرة كل بضع ساعات بلا منطق وعن رسائل مزدوجة، وتملص من المسؤولية،وذكر الكاتب بما كتبته يومها عن إدارة الحرب وعن إصرار الحكومة على المواصلة، رغم دعوات وقف النار. وقال”لا معنى للاستثمار في قضية خاسرة فالقوات البرية عالقة هناك ولن تحدث التحول المرجو في الرهان اللبناني. خذ ما يعرضونه عليك يا أولمرت، خذ واهرب”..وفي وصفه لما حصل في تموز قال الكاتب، الكثير من المال سكب هناك، من مصادر مجهولة. ووفرة شديدة من التلاعبات. اهانوا الجنود في لبنان، واستغلوهم في القدس.