الرئيسية / صحف ومقالات / الجمهورية: إعتذار الحريري يعيد الأزمة الى بداياتها… وبوادر انعدام توافق على البديل
الجمهورية

الجمهورية: إعتذار الحريري يعيد الأزمة الى بداياتها… وبوادر انعدام توافق على البديل

بعد اعتذار الرئيس المكلف سعد الحريري عن تأليف الحكومة، دخل لبنان في مرحلة جديدة قد تكون محفوفة بكثير من المخاطر والتطورات، وربما المفاجآت، التي يخشى ان تفاقم حال الانهيار التي يعيشها سياسياً واقتصادياً ومالياً ومعيشياً منذ انطلاق الحراك الشعبي في 17 تشرين الاول 2019 وحتى الآن. وقد شكّل هذا الإعتذار عن تأليف حكومة كان يعوّل عليها الانطلاق في تنفيذ الاصلاحات لوضع البلاد على سكة التعافي المالي والاقتصادي، دليلاً اضافياً على عقم المنظومة السياسية وإمعانها في تدمير البلد ومدى استهتارها بمصير العباد، وإصرارها على تغليب مصالحها على المصلحة الوطنية، والاستمرار في تجيير الدولة بكل مؤسساتها وادارتها لخدمة هذه المصالح.
ويرى المراقبون انّ اعتذار الحريري أعاد الازمة الحكومية الى النقطة صفر ولن يكون الحل لخروج البلاد من عنق الزجاجة الاقتصادي والمالي والمعيشي الصعب، لأنّ أسباب الازمة مستمرة حتى ولو تغيّر الاشخاص، حيث لا يوجد في الأفق حتى الآن أي مؤشر الى احتمال توافق المعنيين على خلف للحريري، وكذلك على طبيعة الحكومة الجديدة ومواصفات وزرائها وتوزيع الحقائب سياسياً وطائفياً وما الى ذلك من مسائل كانت السبب في عدم تمكّن الحريري من تأليف حكومته وذهابه الى الاعتذار.
طغى ملف الاستحقاق الحكومي أمس على كلّ الأزمات الأخرى المتصلة به أساساً، فمن القصر الجمهوري في بعبدا، أعلن الحريري اعتذاره عن تأليف الحكومة، عقب لقائه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. وقال: “إلتقيتُ الرئيس عون وأجرينا مشاوراتنا في الموضوع الحكومي. ومن ضمن الكلام، كانت هناك تعديلات يطلبها الرئيس، أعتبرها أنا جوهرية في التشكيلة. كذلك تناقشنا بالأمور التي تتعلّق بالثقة أو بتسمية الوزراء المسيحيين الآخرين وغير ذلك. والواضح أنّ الموقف لم يتغيّر في هذا الموضوع، كذلك الواضح أنّنا لن نتمكّن من الاتفاق مع الرئيس عون”. وأضاف الحريري: “خلال الحديث مع الرئيس عون، طرحت عليه إذا كان يحتاج الى مزيدٍ من الوقت لكي يفكّر بالتشكيلة، فقال لي: “إنّنا لن نتمكّن من التوافق”. لذلك، قدّمت اعتذاري عن تأليف الحكومة”. وختم حديثه، بالقول: “الله يعين البلد”.
من جهتها، أوضحت رئاسة الجمهورية، في بيان صادر، أنّ “الرئيس عون استقبل الرئيس الحريري وبحث معه في تأليف الحكومة الجديدة. وخلال اللقاء عرض الرئيس عون على الرئيس المكلف ملاحظاته على التشكيلة المقترحة طالباً البحث في إجراء بعض التعديلات للعودة الى الاتفاق الذي جرى التوصُّل إليه خلال الفترة الماضية من خلال مسعى الرئيس نبيه بري. إلّا أنّ الرئيس الحريري لم يكن مستعداً للبحث في أي تعديل من أيّ نوع كان، مقترحاً على الرئيس عون أن يأخذ يوماً إضافياً واحداً للقبول بالتشكيلة المقترحة. وعليه، سأله الرئيس عون ما الفائدة من يوم إضافي إذا كان باب البحث مقفلاً؟”. ورأت أنّ “رفض الرئيس المكلف لمبدأ الاتفاق مع رئيس الجمهورية ولفكرة التشاور معه لإجراء أي تغيير في الاسماء والحقائب يدلّ على أنّه اتخذ قراراً مسبقاً بالاعتذار ساعياً الى إيجاد أسباب لتبرير خطوته، وذلك على رغم الاستعداد الذي أبداه رئيس الجمهورية لتسهيل مهمة التأليف”.
وأعلنت الرئاسة أنّ عون “بعد اعتذار الرئيس المكلف، سيحدّد موعداً للاستشارات النيابية الملزمة سريعاً”.

إتصال مع بري
وعلمت “الجمهورية” انّ الحريري اتصل بعد زيارته قصر بعبدا برئيس مجلس النواب نبيه بري وأبلغ اليه انّ اللقاء مع عون “كان عاطلاً”، وانه “سَيبقّ البحصة” ويكشف كل شيء في مقابلته التلفزيونية مساء أمس.
وفي المعلومات أيضاً انّ اوساطاً قيادية في “حزب الله” كانت على بَيّنة منذ صباح امس من انّ الحريري سيعتذر على رغم من محاولات ضَخ بعض المؤشرات الإيجابية. وبري والحزب يفضّلان اختيار بديل ينطوي على حيثية تمثيلية في بيئته، ويكون كذلك مقبولاً منهما ومن الآخرين.

كذلك كان هناك انطباع لدى أوساط سياسية قريبة من 8 آذار بأنّ الحريري كان عازماً على الاعتذار، وانه اتخذ قراره الضمني في هذا الشأن قبل أن يزور قصر بعبدا وهو يعرف رَدّ الرئيس ميشال عون على التشكيلة الجديدة التي استخدمها الرئيس المكلف كمناورة لتبرير اعتذاره وتحميل المسؤولية لرئيس الجمهورية.
ووفق تلك الاوساط، انّ الحريري توصّل الى قرار الاعتذار على قاعدة انّ اولويته في المرحلة المقبلة هي للانتخابات النيابية، وبعد اقتناعه بأن المملكة العربية السعودية لن تفتح أبوابها أمامه.
وعلمت “الجمهورية” انه بعد احتواء فورة الاحتجاج على اعتذار الحريري في البيئة السنية، سيبدأ البحث في الاسم البديل، واذا كان هناك استعداد غربي وسعودي للأخذ والرد في هذا المجال والتعاون مع شخصية مقبولة، فإنّ في الإمكان معالجة الاعتراضات الداخلية المحتملة وتجاوزها.

الاستشارات الإثنين أو بعد العيد
وعقب اعتذار الحريري إنطلقت التحضيرات الجارية في القصر الجمهوري لتحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة التي سيجريها رئيس الجمهورية لتسمية شخصية جديدة تكلف تأليف الحكومة. وعلمت “الجمهورية” من مصادر مطلعة انّ الاتصالات في هذا الصدد لم تكن تنتظر لحظة الاعتذار التي كانت متوقعة بفارق التوقيت بين الأمس او اي موعد آخر، ولكن كل تلك المشاورات لم تُفض الى اي خطوة ممكنة في ظل عدم القدرة على تسمية الرئيس البديل من الحريري وفق معيار يتحاشى إعادة تسمية من يشبه الرئيس حسان دياب.
وقالت مصادر مطلعة على اجواء بعبدا لـ”الجمهورية” انّ المشاورات انطلقت منذ ليل امس بزَخم من أجل تحديد موعد عاجل لإجراء الاستشارات وتسمية الرئيس الجديد الذي سيكلّف مهمة التأليف. ونتيجة المشاورات الاولية استبعدت الدعوة لإجرائها في عطلة نهاية الأسبوع الحالي بعد سقوط فكرة تحديد اليوم موعداً في انتظار بعض المشاورات التمهيدية التي لا بد منها، وإعطاء مهلة للتفكير في اسم البديل الذي لم يتم التفاهم في شأنه بعد، وإصرار الحريري على عدم تسمية اي شخص يكلّف بالمهمة تاركاً المسؤولية لحلفاء عون و”حزب الله”.
ورجّحت المعلومات انّ الدعوة الى إجراء الاستشارات ربما وجّهت الإثنين المقبل، وإلا ستؤجّل الى ما بعد عطلة عيد الاضحى المبارك الممتدة من الثلاثاء الى الجمعة من الاسبوع المقبل.

لن أُسمّي
وقال الحريري خلال مقابلة مع قناة “الجديد” مساء امس: “سأترك الناس لكي تحكم إذا سَهّلوا وساعدوا في تشكيل الحكومة”. وأضاف: “أنا انسان واضح لا أؤمن بالفراغ ولن أسمح أن أكون جزءاً من الفراغ، وإذا كان رئيس الجمهورية ميشال عون يريد أن يبقى الفراغ الى آخر عهده فهذا قراره، لا أحد يطلب مني أن أفعل كل شيء وأضحّي وغيري لا يضحّي”. واكد انه لن يسمّي احداً في الاستشارات الملزمة، وقال: “من الآخر لن نسمّي، ولكن لن نعطّل ولن نوقِف البلد”. وأشار إلى أنّ “هناك انتخابات مقبلة وموعدنا مع جميع الذين مشوا ضدّ المبادرة الفرنسية”، مضيفاً: “أثبتت الدولة اليوم أنها فشلت في ادارة كل القطاعات بينما القطاع الخاص نجح كما في كل الدول”. ورأى أن “المملكة العربية السعودية لديها مشكلة مع “حزب الله” ومشكلة مع لبنان”.
ورداً على سؤال “لماذا لا تزور السعودية؟ قال الحريري: “أيمتى ما بَدّي بروح على السعودية بس أنا ما عم روح والسبب بالبداية هو كورونا”. وأضاف: “إذا كان فريق 8 آذار حريص فعلاً على السعودية ليتوقّفوا عن شَتمها وتصدير الكبتاغون والتدخل في الشؤون العربية واليمن و”بيمشي الحال”، ولا يجوز قولهم إنّ هناك مشكلة بين السعودية والحريري”. وأشار الحريري إلى أنّ “المملكة العربية السعودية لم تقدّم للبنان سلاحاً ولم تقم بـ 7 آيار، السعودية أعطت السلام للبنان ولا تريد إلّا الخير له كما كل دول الخليج، لكن لديهم مشكلة مع فريق اسمه “حزب الله”.

تشكيلة الحريري
وعلى هامش المقابلة المتلفزة عبر قناة “الجديد” كشف الحريري نسخة من التشكيلة الحكومية التي سلّمها الى رئيس الجمهورية أمس الأول، وفيها حسب التوزيع المذهبي للمقاعد والاسماء على الشكل التالي:
رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري من المذهب السني، لوزارة الداخلية والبلديات وليد عبود من المذهب السني، لوزارة الصحة فراس الأبيض من المذهب السني، لوزارة العدل لبنى مسقاوي من المذهب السني، لوزارة البيئة ناصر ياسين من المذهب السني.
في المقابل طرح الحريري 5 حقائب للمذهب الشيعي جاءت على الشكل التالي: وزارة المال يوسف خليل، ابراهيم شحرور لوزارة الأشغال العامة والنقل، وزارة العمل لمايا كنعان، وزارة التنمية الإدارية عبدالله نصرالدين، وزارة الثقافة جهاد مرتضى.
كما طرحَ مقعدين درزيين تقسّما على عباس حلبي في وزارة التربية والتعليم العالي وفؤاد حسن في وزارة المهجرين.
وحصلت الطائفة المسيحية على 12 مقعداً، 5 منهم للمذهب الماروني، تقسّموا على فاديا كيوان في الخارجية، فراس أبي نصيف في الإتصالات، لارا حنا في الزراعة، وسليم هاني في الشؤون الإجتماعية.
أمّا حقائب الروم الارثوذكس فسَمّى الحريري جو صدي في نيابة رئاسة الحكومة، أنطوان شديد لوزارة الدفاع، سعادة الشامي لوزارة الإقتصاد.
وكانت حقيبتا طائفة الروم الكاثوليك من نصيب: كارول عياط لوزارة الطاقة، فادي سماحة لوزارة الصناعة. الى وزير للأرمن لوزارة الشباب والرياضة بإسم كارابيت سليخانيان، وجو ميلا لوزارة الإعلام عن الأقليات.

رسالة
وكان اللافت قبل ساعات على اعتذار الحريري إعلان مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية أنّ “السفيرتين الأميركية والفرنسية سلّمتا رئيس الجمهورية ميشال عون رسالة مشتركة من وزيري خارجية الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا انتوني بلينكن وجان ايف لودريا اللذين اجتمعا في واشنطن امس “أكّدا فيها اهتمام بلديهما بالوضع اللبناني وبضرورة تشكيل حكومة جديدة لمواجهة الظروف الصعبة في لبنان”.
وقد تناول لودريان الوضع اللبناني في فقرة من تصريح له بعد اللقاء، فقال: “أمّا في ما يتعلّق بلبنان، فقد اتفقتُ مع وزير الخارجية الأميركي على مواصلة تنسيق أنشطتنا على نحو وثيق، من أجل التوصّل إلى تشكيل حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات الضرورية لإنهاء الأزمة السياسية والاقتصادية والإنسانية التي تعانيها البلاد. وإننا نعمل على اتخاذ تدابير فرنسية وأميركية لممارسة الضغوط على المسؤولين عن التعطيل في لبنان، إضافةً إلى القرارات التي اتخذها مجلس الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي في 12 تموز الجاري. وإننا نسعى معاً إلى حشد جهود شركائنا الإقليميين دعماً لهذه المساعي، وذلك بعد الزيارة المشتركة التي أجرتها السفيرتان الفرنسية والأميركية إلى الرياض في 8 تموز”.
وعلى أثر اعلان الحريري اعتذاره، قال لو دريان مساء أمس: “انّ الإخفاق في تشكيل حكومة لبنانية جديدة كان حادثاً مروعاً”، وانتقد الطبقة السياسية بكاملها في البلاد. وقال “إنها حادثة مروعة أخرى.. هناك عجز تام للقادة اللبنانيين عن إيجاد حل للأزمة التي خلقوها”.

ابو الغيط
وعلى صعيد ردود الفعل العربية والدولية ايضاً، أعربَ الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط من نيويورك، حيث يشارك في جلسة لمجلس الامن الدولي حول ليبيا، عن “خيبة الأمل الكبيرة” إزاء اعتذار الحريري عن تشكيل الحكومة. وتخوّف من ان تكون تبعات هذا الاعتذار “خطيرة على مستقبل الوضع في لبنان”. وتعهّد مواصلة الجامعة العربية “مواكبتها لوضع لبنان ومَد يد الدعم له في هذا الظرف الدقيق من تاريخه المعاصر”. وناشَد المجتمع الدولي “الاستمرار في مساعدة الشعب اللبناني في هذا الظرف الدقيق”.
وأوضح ابو الغيط “أنّ مسؤولية الفشل والتعطيل في التوصّل إلى التوافق السياسي باتت معروفة للقاصي والداني؛ وان كان الإنصاف يقتضي أيضاً تحميل جميع السياسيين اللبنانيين مسؤولية إيصال لبنان الى هذا الوضع المتدهور الذي لا يستحقه الشعب اللبناني الصامد والمثابر”. وشدّد على “ضرورة التزام جميع الأطراف اتفاق الطائف، نصاً وروحاً، كأساس للعملية السياسية في لبنان”.

جنبلاط وقبلان
وفي المواقف الداخلية، قال رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط تعليقاً على اعتذار الحريري: “سنة ونصف وأنا أقنع سعد الحريري بالاعتذار لأنّ رئيس الجمهورية ميشال عون لا يريده”، لافتاً إلى أنّ “الحريري لم يسمع النصيحة”. وأضاف: “من سنة يقول لنا سعد، أنا او ما في غيري، رضَخنا، ثم أتى موضوع مصطفى أديب، ورضخنا… ولكن الوضع على الارض لا يتحمّل مزاجية لا هذا ولا هَيداك”. وسأل: “ما علاقة لبنان والمواطن اللبناني بمشكلة سعد الحريري مع السعودية؟”. وقال: “ما حَدا يحق له ان يقول انا او لا احد، ولا يجوز شَخصنة العلاقة السياسية”.
وفي موقفٍ لافت، علّق المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان على اعتذار الحريري، وقال في بيان: “لبنان الآن أمام مفترق خطير جداً، الإعتذار كارثي، والفراغ أخطر من كارثي، والحلّ بطاولة أقطاب لإنقاذ لبنان، وإلّا فانتظروا الأيام السوداء، والقرار الدولي الإقليمي، لا لإنقاذ لبنان والاستثمار بالخراب جاهِز على الطاولة، والفوضى الكبرى مسألة وقت”. وشدّد قبلان على أنّ “الحلّ الآن وليس غداً بطاولة أقطاب، وإلّا طار البلد”.

تحذيرات وغليان ودولار
وكان قد أعقَب الإعتذار ارتفاع في سعر الدولار بنحوٍ جنوني، وتخطّى عتبة الـ20 ألف ليرة ثمّ الـ21 ألفاً للمرّة الاولى. فيما تحرّك الشارع احتجاجاً على هذا الاعتذار، وقُطعت الطرق في بيروت وعكار وطرابلس والبقاع وصيدا وصور… كذلك أقدم محتجّون على تكسير مطاعم في صور ومنعوا الزبائن من الدخول إليها.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *