بصفته “أمّ الصبي” في عملية إجهاض تكليف الرئيس سعد الحريري، باشر رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل “تخصيب” بديل مطواع في سدّة “التكليف والتأليف”، وانكب خلال الساعات الأخيرة مع “حزب الله” على رسم معالم الشخصية السنّية القادرة على إتمام المهمة الانقلابية على الدستور، تأكيداً على “علوّ كعبه” في عملية التأليف، وقد جنحت به “سكرة” الإطاحة بالحريري نحو محاولة تسويق “فكرة” تولي أحد المحسوبين عليه، مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الخليجية فادي عسلي، رئاسة الحكومة ولو بأكثرية بسيطة، كما كشفت مصادر واسعة الاطلاع، غير أنه اصطدم بتفضيل “حزب الله” عدم استعجال خيار “المواجهة”.
وتوضح المصادر أنّ “المشاورات الحكومية الجدّية لا تزال محصورة ضمن نطاق سياسي ضيّق يكاد ينحصر حتى الساعة بحيّز الاجتماعات الجارية بين “حزب الله” وباسيل، والتي ترمي إلى التباحث في الفصل المقبل من المشهد السياسي، وسط محاولة “حارة حريك” كبح جموح “البيّاضة” ودفعها إلى التعقل وتغليب المصالح الاستراتيجية على النزوات العابرة، من خلال السعي إلى “تدبيج” شخصية سنّية قابلة للتسويق سنياً وخارجياً”، مؤكدةً أنّ “الأمور لا تزال تراوح راهناً بين أخذ وردّ، ودعوة رئيس الجمهورية ميشال عون للاستشارات النيابية الملزمة ستبقى معلقة بانتظار ما ستفضي إليه مشاورات باسيل”.
غير أنّ دوائر الرئاسة الأولى حرصت في المقابل على إيصال “رسائل إسناد” لتوجهات رئيس “التيار الوطني الحر” الحكومية، فشددت على أنّ عون “وإن كان فتح المجال أمام محاولة بلورة توافق سياسي قبل توجيه الدعوة إلى الاستشارات النيابية، لكنه في المقابل لن ينتظر طويلاً لتحديد موعدها”، ملوحةً بأنّ “رئيس الجمهورية في حال لمس مسعى للمماطلة في إنجاز التوافق المسبق على التكليف فإنه لن يتأخر في الدعوة إلى الاستشارات، وعلى الكتل عندها تسمية من تراه مناسباً وليُكلف من يحصد أعلى نسبة أصوات”.
وفي السياق نفسه، لفتت مصادر بعبدا إلى أنّ عون قد يعمد إلى تحديد موعد الاستشارات خلال الساعات القليلة المقبلة ليضع الجميع أمام سقف زمني مقفل، بحيث يكون الموعد المحدد مباشرةً بعد عيد الأضحى “إما نهاية الأسبوع الجاري أو مطلع الأسبوع المقبل”، في حين كشفت المعلومات أنّ رئيس الجمهورية تحرّك باتجاه الديمان، حيث أوفد مستشاره أنطوان قسطنطين إلى المقر الصيفي للبطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، حاملاً معه رسالة عونية شفهية لوضع الراعي في تفاصيل المشهد ومستجداته، لا سيما ما يتصل منها بما ينوي رئيس الجمهورية القيام به إزاء عملية التكليف والتأليف.
توازياً، وعلى وقع توثيق منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” ما نسبته “77% من الأسر في لبنان لم يعد لديها ما يكفي من المال لشراء الطعام”، ناشد البطريرك الماروني أمس أهل السلطة “باسم الشعب الفقير والمقهور والجائع والمشتت كخراف لا راعي لها، وباسم لبنان الواقع في حال الانهيار” الإسراع في بلورة الحلول الحكومية باعتبار الوقت الراهن هو “وقت تحمّل المسؤوليات لا وقت الانكفاء”.
على أنّ عظة الراعي “الحكومية” التي استفزت على ما يبدو “تيار المستقبل” في شقها المتعلق بتحديد المواصفات المطلوبة لرئاسة الحكومة، كونه أساء فهمها، رسمت معالم وطنية مختلفة عما يجري الإعداد له في مطبخ مشاورات “الممانعة”، سيّما وأن البطريرك الماروني طالب صراحةً بأن يفضي التشاور بين القوى السياسية إلى تسمية “شخصية سنية لرئاسة مجلس الوزراء، تكون على مستوى التحديات الراهنة (…) وتواجه انقلاباً جارفاً على النظام والدستور والمؤسسات الشرعية، وتفككاً للقوى الوطنية”.
وإذ دعا إلى ضرورة “خلق واقع سياسي جديد يعيد التوازن ويلتقي مع مساعي الدول الصديقة”، حذر الراعي من أنّ “البلاد لا تواجه أزمة حكومية عادية بل أزمة وطنية شاملة تستدعي تضافر الجهود من الجميع”، مشدداً في هذا المجال على وجوب “تجاوز الأنانيات والمصالح والحسابات الانتخابية الضيقة التي تسيطر بكل أسف على عقول غالبية القوى السياسية، على حساب المصلحة الوطنية العليا”.
وانطلاقاً من أنّ كل الأمور المتصلة بتسيير شؤون الدولة مرهونة بإيجاد “سلطة إجرائية”، أعاد الراعي التنويه بكون “ما جرى ويجري من إهمال وانتفاء للحوار والتعاون، يعزز فكرة عقد مؤتمر دولي خاص بلبنان لإخراج لبنان واللبنانيين من ضيقتهم المتعددة الأوجه”، منتقداً “الجماعة السياسية التي تعطي كل يوم الدليل بعد الدليل على عجزها عن القيام بأبسط واجباتها تجاه الشعب والوطن، وعلى فشلها في الحفاظ على مؤسسات الدولة واستقلالية الشرعية الوطنية”، مع تسليطه الضوء بشكل أخص على عجز السلطة حتى عن حل أبسط المسائل اليومية “كالنفايات والكهرباء والغذاء والدواء والمحروقات”، إضافة إلى عجزها عن “مكافحة الفساد، وتسهيل عمل القضاء، وضبط ممارسة الوزارات والإدارات، وإغلاق معابر التهريب والهدر”، فضلاً عن كونها “عاجزة عن تحصين نفسها بتأليف حكومة، وعاجزة عن معالجة القضايا المصيرية كإجراء إصلاحات وترسيم حدود وحسم خيارات الدولة، واعتماد الحياد”.