الاسم الأكثر تداولاً للتكليف بتأليف الحكومة الجديدة يوم الاثنين هو رئيس الوزراء السابق، نجيب ميقاتي. هذا في حال لم يتحقّق ما يتحدّث عنه مسؤولون سياسيون من وجود إمكانية – ولو ضئيلة – لتأجيل الاستشارات في قصر بعبدا. أن يكون الاختيار شبه محسومٍ، والشخصية معروفة بعلاقاتها الإقليمية – الدولية وبحيثيتها الشعبية في طرابلس، لا يعني أنّ السرعة والحسم ينسحبان على التكليف. فالعقبات التي أوصلت سعد الحريري إلى الاعتذار عن عدم تشكيل الحكومة لم تُذلل بعد، ومن أبرزها منحى العلاقة بين فريق رئاسة الجمهورية – التيار الوطني الحرّ من جهة، وميقاتي من جهة أخرى. الأخير يعود يوم غدٍ من اليونان، مُتسلحاً بما يعتبره «دعماً غربياً» لترشيحه من العواصم الرئيسية: واشنطن، باريس، مصر… أما السعودية فهي وإن لم «تُبارك» التكليف لرغبتها باستمرار الفراغ الحكومي وعدم إيجاد حلّ للانهيار الحاصل، ولكنّها في الوقت نفسه لم تُشهر الورقة الحمراء بوجه ميقاتي. وفي الداخل، يقف إلى جانبه رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي تواصل مع الحريري وسمع منه موافقته على تسمية نجيب ميقاتي أو الرئيس السابق تمّام سلام. وبما أنّ الأخير أبلغ رفضه التكليف، لن يبقى أمام الحريري سوى تسمية غريمه الانتخابي والسياسي. ويجري التداول في أنّ الحريري التقى ميقاتي في الساعات الماضية في اليونان، وبأنّ نائب طرابلس تلقى اتصالاً من الرئيس ميشال عون للبحث في الحكومة الجديدة.
على الرغم من هذه المعطيات «المُريحة» نوعاً ما، إلا أنّ ميقاتي لا يستعجل الإعلان عن أي موقف بما خصّ التكليف. بدأت تتكوّن «جبهة» المؤيدين له، تقابلها قوى إما لم تحسم موقفها أو لن تُسميه. لم يظهر بعد موقف حزب الله من تسميته. والقوات اللبنانية أعلنت أمس على لسان رئيسها سمير جعجع، بعد اجتماع تكتّل «الجمهورية القوية»، عدم تسمية أحد في الاستشارات النيابية الملزمة، «انسجاماً مع قناعتنا بأنّه من المستحيل الوصول إلى أي إصلاحات طالما أنّ الثنائي الرئيس ميشال عون – حزب الله وحلفاءهما ممسكون بالسلطة… لا حلّ في الوقت الحاضر إلا بالذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرة». والتيار الوطني الحرّ – حتى الساعة – لن يُسمّي ميقاتي، بل على العكس من ذلك بدأ نوابه ومسؤولون فيه يُروجون لاحتمال تسمية السفير السابق نوّاف سلام. علماً أنّه خلال ولاية سلام الدبلوماسية، التي تزامنت بمرحلة منها مع تولّي جبران باسيل وزارة الخارجية والمغتربين، لم تكن تربطهما علاقة جيدة، بل اختلفا على طريقة التعبير عن مواقف سيادية وسياسية في ملفات عدة، أبرزها اللاجئون السوريون.
يُحاذر ميقاتي المبالغة بالإيجابية، ليس بسبب الرفض المسبق له من البعض، بل أيضاً لعدم ثقته بالمواقف السياسية المعلنة، والمؤيدة له. يحمل لائحة شروطٍ يُريد موافقة القوى السياسية عليها قبل قبوله تأليف الحكومة. يُروّج لكونه «مُنفتحاً على الجميع، ولا يسعى إلى عداوات مع أحد». لا يريد أن يستغرق التأليف أكثر من 15 يوماً، وأن يتراوح عدد الوزراء بين 18 و24 كحدّ أقصى. ما قد «يُسهّل» مسودة التشكيلة، أنّ ميقاتي سيعتمد خطة العمل التي وضعها بنفسه أيام تكليف السفير مصطفى أديب، أكان على صعيد توزيع المقاعد الوزارية والحصص أو الأسماء المُرشحة لتبوؤ مناصب وزارية. التواصل غير مقطوع بينه وبين صندوق النقد الدولي، ويُنقل عدم اعتراض ميقاتي على الشروط المطلوبة ومنها إعادة هيكلة القطاع المصرفي. يرفض ميقاتي أن توصف حكومته حصراً بـ«حكومة الانتخابات»، لأنّه لم يحسم أمره بعدم الترشح إلى الانتخابات النيابية المقبلة، واحتمال ترؤسه الحكومة التي من بعدها حتى. أما الحكومة الحالية، فمن مهامها تطبيق مشروع الكهرباء الذي يحمله ميقاتي، ويُروّج فريقه إلى انتهاء الدراسات المتعلقة به «ولا ينقصه سوى عدم عرقلته».
طريق ميقاتي نحو تشكيل الحكومة ليس مرصوفاً بالورود، والحديث عن تاريخ 4 آب كحدّ أقصى لتأليفها لا يُعدّ أكثر من سيناريو تضغط الرئاسة الفرنسية لتحقيقه. الأمور غير مضمونة، بخاصة إذا اعتمد ميقاتي الأسلوب ذاته الذي اعتمده الحريري، لجهة الصدام مع فريق رئاسة الجمهورية ورفض التنسيق مع باسيل حصراً في مقابل التشاور مع بقية القوى السياسية. عندئذٍ، يكون مصير تكليف ميقاتي كمصير سابقه. وقد رفع التيار الوطني الحرّ من درجة الضغوط، إذ تُشير مصادره إلى التوجّه «نحو الاستقالة من مجلس النواب، وفرض الانتخابات المبكرة، في حال لم تُشكّل الحكومة بسرعة».