من سيئ إلى أسوأ يسير الوضع في البلد يومياً والعالم بات متيقّناً من أنّ الآتي أسوأ وأسوأ وأسوأ… ولعل أخطر التحذيرات الخارجية أتت من العاهل الأردني، الذي كان أول من رصد “الهلال” الإيراني في فضاء المنطقة، وأصبح اليوم يرى في الثقب الأسود اللبناني ما ينذر بأنّ الأوضاع ذاهبة إلى “تدهور خلال أسابيع”، كما حذر من واشنطن، ناهيك عن تحذير “فورين بوليسي” من أنّ انهيار لبنان “سيخرج الصراع الخفي بين إيران وإسرائيل إلى العلن”.
حتى قطر لم تعد تراهن على أي إصلاح يخرج من الطبقة الحاكمة، فأكدت على لسان وزير خارجيتها أمس أنّ “الأمل بدأ يضعف بتشكيل حكومة لبنانية موقتة تقوم على الأقل بدورها في العمل مع صندوق النقد الدولي والبرنامج الإصلاحي”… ورغم ذلك لا تزال الأكثرية الممسكة بزمام السلطة “تستهبل” الداخل والخارج بمناورات حكومية، وجديدها دخول الرئيس نجيب ميقاتي الاثنين “مقصلة” التكليف ليكون “كبش فداء” عن الرئيس سعد الحريري في “مسلخ” شروط رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل للتأليف.
وعشية الاستشارات النيابية الملزمة في قصر بعبدا، بادر باسيل إلى التصدي لميقاتي بإعلان تسمية السفير نواف سلام من قبل “التيار الوطني” يوم الاثنين، ليضرب بـ”حجر” ترشيح سلام “عصفورين”، الأول يرمي من خلاله إلى استخدام اسمه “مطية” للتقرب من الولايات المتحدة، والثاني يرمي من خلاله إلى “حرق” اسمه بالتكافل والتضامن مع “حزب الله” لعلمه سلفاً باستحالة حصوله على أكثرية أصوات التكليف.
ولأنّه “من رابع المستحيلات الوصول إلى أي إصلاحات أو تغيير في النهج والممارسة طالما الثنائي عون – “حزب الله” وحلفاؤهما ممسكون بزمام السلطة”، آثر حزب “القوات اللبنانية” عدم المساهمة في “غش الشعب اللبناني وإضاعة المزيد من الوقت عليه بعمليات تجميل لا طائل منها”، فأعلن رئيس الحزب سمير جعجع رفض كتلة “الجمهورية القوية” تسمية أحد في الإستشارات الملزمة، إيماناً منها بأنّ الانتخابات النيابية مفتاح الحل الوحيد “في الوقت الراهن لإعادة إنتاج السلطة وفتح مجال فعلي لبدء عملية الإنقاذ المطلوبة”.
وعلى الأثر، سرعان ما بدأ “التيار الوطني” العزف على وتر الميثاقية المسيحية المفقودة في تسمية ميقاتي في ظل تسمية “التيار” لسلام وتمسك “القوات” بعدم التسمية، كما شددت قناة “أو تي في” في مطلع نشرتها المسائية، متوقعةً بناءً على ذلك الدخول في “مرحلة صعبة تلي التكليف” في حال تسمية ميقاتي، باعتبار أنّ “عنوان الميثاقية سيرخي من دون أدنى شك بظلال من الشكوك حول مصير عملية تكليفه”.
وفي المقابل، أخذ رئيس مجلس النواب نبيه بري على عاتقه حلّ معضلة “الميثاقية” لتكليف ميقاتي، فبدأ “تجميع” الأصوات المسيحية في “وعاء” الاستشارات، حاشداً أصوات نواب “المردة” والنواب المسيحيين المنضوين في بعض الكتل وآخرين مستقلين، الأمر الذي أكدت مصادر قوى 8 آذار أنه لن يلقى اعتراضاً جوهرياً من “التيار الوطني الحر” بعدما أخذ “حزب الله” على عاتقه حصر هذا الاعتراض ضمن أضيق حيّز ممكن بشكل لا يعيق عملية التكليف.
وبينما أهل الحكم يتقاذفون كرة التكليف والتأليف، تواصل كرة الانهيار تدحرجها على الأرضية الاجتماعية والمعيشية والمالية والاقتصادية والصحية في البلاد، حيث وبعد انقطاع الدواء والبنزين والمازوت، دقت الأمم المتحدة ناقوس الخطر من مجاعة محدقة باللبنانيين، لا سيما وأنّهم باتوا “مهددين اليوم بحقهم في الحصول على الغذاء الكافي بسبب الارتفاع المستمر في أسعار السلع”، حسبما حذرت منسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في لبنان نجاة رشدي، منبهةً إلى أنّ “الناس أصبحت عاجزة عن توفير احتياجاتها الغذائية الأساسية وتستبدل الوجبات الصحية بخيارات أرخص غير صحية مما يهدد أمنها الغذائي”.
وتوازياً، جاء تحذير منظمة “اليونيسف” من “خطر فقدان أكثر من أربعة ملايين شخص، إمكانية الحصول على المياه الصالحة للشرب في لبنان”، لافتةً إلى أن “هذا الخطر يتزامن مع التفاقم السريع للأزمة الاقتصادية ونقص التمويل وعدم توافر المحروقات وإمدادات أساسية مطلوبة مثل الكلور وقطع الغيار”، مع الإشارة إلى أنّ “معظم محطات ضخ المياه ستتوقف تدريجياً في مختلف أنحاء البلاد في غضون أربعة الى ستة أسابيع مقبلة”.