إذا كان يمكن تشخيص المشهد السياسي – الحكومي في ظل اجتماع التأليف الثالث عملياً بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي، فهو يتلخص بأن ميزان السلبيات والإيجابيات يقف عند منتصفه تماماً، والأمر ليس مفاجئاً أبداً في ظل ما كانت أوردته “النهار” أمس وتأكدت معطياته لجهة بدء المخاض الشاق لمسار التأليف الجديد. فحتى لو مضى كل من قصر بعبدا والرئيس ميقاتي في إضفاء وتوزيع الانطباعات الإيجابية عن مناخ لقاءات بعبدا، فإن إرجاء الاجتماع الرابع بينهما الى الاثنين المقبل، يضفي لمسة فرملة على التقديرات المغالية في الاستعجال لجهة توقع الولادة الحكومية قبل الرابع من آب.
وفي كل حال فإن ثمة معطيات موثوقة للغاية تشير الى ان يومي الاثنين والثلثاء المقبلين هما الخط الزمني الحاسم لإحداث اختراق داخلي وخارجي كبير من خلال النجاح الذي يأمله الرئيس ميقاتي في استيلاد حكومته لتكون الصدمة الإيجابية في الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت، ولكي تكون أولى إطلالاتها الخارجية الفورية من خلال مشاركتها في المؤتمر الدولي الثالث لدعم لبنان الذي تنظمه فرنسا في يوم الرابع من آب تحديداً.
وتبعاً لذلك برزت مفارقة لافتة اكتسبت دلالات معبرة للغاية وتمثلت في أن العدّ العكسي ليوم الرابع من آب أطلق سباقاً محموماً بين الجهود الحكومية لاستيلاد الحكومة الجديدة والتحركات المتصلة بملف رفع الحصانات عن سائر المسؤولين بما عكس دخول البلاد في جرم هذه الذكرى التي ترخي بذيولها الكثيفة على مجمل الأجواء السياسية والشعبية حتى حلول موعد الذكرى.
ولكن الاجتماع الثالث بين عون وميقاتي أمس اظهر مجددا عقدة حقيبتي الداخلية والعدل اللتين كانت توقفت عندهما اجتماعات عون والرئيس سعد الحريري لجهة عدم قبول عون إسناد الوزارتين لغير وزرائه.
وبعد نحو ساعتين على الاجتماع، غادر ميقاتي القصر الجمهوري من دون الإدلاء بأي تصريح، مكتفيا بالقول: “اللقاء المقبل مع الرئيس عون سيعقد الاثنين”.
واوضحت مصادر مطلعة على اللقاء الثالث بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف ان الرئيسين استكملا البحث في توزيع الحقائب على الطوائف وفق الصيغ التي طرحت في لقائهما الثاني. ووفق هذه المصادر فإن “الاجواء كانت ايجابية، وان الرئيسين يعتبران انهما حققا تقدماً في مسار التشاور لتأمين ولادة سريعة للحكومة.
وبقيت بعض النقاط التي تحتاج الى لمسات اخيرة في بعض الوزارات لاسيما الحقائب السيادية. والرئيسان سيلتقيان الاثنين لاستكمال البحث بما تبقى من حقائب ما زالت قيد الدرس والتشاور. فبعض الوزارات ومنها الحقائب السيادية تحتاج الى مزيد من التشاور والدرس”.
وذكرت هذه المصادر ان الرئيس ميقاتي يسعى الى انجاز تأليف الحكومة في الاسبوع المقبل وان رغبته مشتركة مع الرئيس عون بالانتهاء سريعاً من عملية التأليف.
ووفق المصادر، لم يتم الدخول بعد في مرحلة الاسماء التي لن تطرح قبل الاتفاق على التوزيع النهائي للحقائب، و الصيغة المطروحة على الطاولة هي 24 وزيراً، اي رئيس ونائب رئيس من دون حقيبة و22 حقيبة تعطى لـ22 وزيرا.
وأفادت معلومات أخرى ان ميقاتي يُفضّل ألا يتمّ الإقدام على المُداورة في الحقائب بما أنها لن تشمل كل الوزارات، وبان معلومات غير مؤكّدة تُفيد بأنّ بعض الأسماء التي وردت في التشكيلات السابقة قد تطرح تكراراً. كما اكدت بأن عقدة وزارة الداخلية ما زالت قائمة اذ أنّ عون يريد أن تذهب إلى المسيحيين فيما ميقاتي يريد إبقائها ضمن الحصة السنية.
وكان ميقاتي صريحاً مساءً عندما اكد انه لا يلتزم موعداً للتأليف ويستبعد انجاز تاليف الحكومة قبل 4 آب، باعتبار ان البحث في الأسماء سيبدأ مع عون الاثنين المقبل. وقال في مقابلة تلفزيونية عبر محطة “ام تي في” ان النقاش يجري الان على تركيبة من 24 وزيرا ولدينا هم لحقائب معينة يجب ان تكون مستقلة تماماً مثل الداخلية والعدل اللتين ستشرفان على الانتخابات النيابية ولا يمكن ان نأتي بهما من طرف معين بل يجب ان يكونا على حياد واستقلالية تامتين كما للمال والاقتصاد أهميتهما في التعاون للتفاوض مع الخارج”. وشدد على ان هناك تعاوناً وتفاهماً كاملين حتى الان بينه وبين الرئيس عون وأنهما متفقان على المعايير. وأكد انه لا يقبل ان يفرض عليه أي اسم ولكنه لا يطرح اسماً استفزازياً لاحد ونحن نريد فريق عمل منسجماً ومتجانساً ولديه صدقية لإنقاذ البلد. وتساءل لماذا الثلث المعطل ولمن؟ فرئيس العهد هو رئيس السلطات فهل يصغر نفسه ويحصر نفسه بالثلث المعطل ؟ وحتى الان لم يطرح هذا الموضوع. وقال ميقاتي “انه وسعد الحريري واحد ولو ان لكل منا أسلوبه وطريقته وتوقع ان يضم مؤتمر الدعم الدولي للبنان في الرابع من آب أطرافا لم تشارك في السابق من دون ان يسمي الدول الجديدة التي ستشارك فيه.
باريس
وفي حمأة هذه الأجواء، بدت باريس من اكثر العواصم الدولية ترقباً وتتبعاً لمجريات الحدث اللبناني، اذ أفادت مراسلة “النهار” في باريس رندة تقي الدين امس ان المسؤولين الفرنسيين طلبوا من وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانز تجنيب لبنان أي مواجهة او عملية عسكرية وعدم اغتنام فرصة انهيار البلد للقيام بأي عمل عسكري ضده. فالجيش اللبناني اليوم في حالة كارثية بسبب الفقر الذي ألمّ بالبلد ودول عديدة في طليعتها فرنسا والولايات المتحدة تساعد وتقدم الدعم للجيش اللبناني لاخراجه من الانهيار الذي يعاني منه. وتمنى الجانب الفرنسي ألا يقوم الجانب الإسرائيلي بزيادة الكوارث على البلد. والى ذلك يرى المسؤولون الفرنسيون انه اذا استطاع الرئيس المكلف نجيب ميقاتي ان يشكل حكومة مع وزراء في قطاعات أساسية معروفين بنزاهتهم وفعاليتهم خصوصاً في وزارتي المال والطاقة وبدأ التفاوض مع صندوق النقد الدولي وجمعت فرنسا والولايات المتحدة مؤتمر دعم للبنان يستطيع لبنان ان يبدأ الخروج من الكارثة الاقتصادية والإنسانية التي يتخبط فيها. ويقول المسؤولون ان ليس هناك حلاً مثالياً وربما يرى الشعب ان ميقاتي هو من السياسيين التقليديين المرفوضين من الجيل الجديد ولكن بإمكانه اذا تمكن من تشكيل حكومة فاعلة ان يبدأ بحل للبلد ثم يعدّ لانتخابات تشريعية يشارك فيها الجيل الجديد، ولكن المهم الآن ان يبدأ بإعادة اطلاق مسيرة إنقاذ البلد وهو يستطيع ذلك اذا لم يتم تعطيله. وتمنى المسؤولون ألا يواجه ميقاتي ما سبق ان واجهه الرئيس سعد الحريري لان البلد لا يتحمل مزيداً من الانهيار.
الحصانات
في غضون ذلك تقدّم ملف التحقيقات في انفجار المرفأ. فغداة منح نقابة محامي بيروت الاذن بملاحقة الوزيرين السابقين غازي زعيتر وعلي حسن خليل، قرّر مجلس نقابة المحامين في طرابلس منح الاذن بملاحقة المحامي الوزير السابق يوسف فنيانوس في قضية انفجار مرفأ بيروت.
وليس بعيداً من هذا السياق، وفي اطار جولة على الكتل بدأها حاملاً عريضة تعليق الحصانات التي اقترحها الرئيس سعد الحريري منذ ايام، زار وفد من “كتلة المستقبل” النيابية امس على رئيسَ مجلس النواب نبيه بري الذي اكد أن “أولوية البرلمان كانت وستبقى التعاون التام مع القضاء من أجل معرفة الحقيقة كاملة” وقال، “نعم مع تعليق كل الحصانات تماشياً مع اقتراح “كتلة المستقبل”.
كما زار الوفد مقر “التيار الوطني الحر” في ميرنا الشالوحي حيث استقبله وفد من التيار برئاسة أمين سرّ تكتل لبنان القوي النائب ابرهيم كنعان الذي اعلن ان “موقف التكتل الثابت بعملية الذهاب الى التصويت بشكل سريع ومباشر لرفع الحصانات في مجلس النواب ونرفض العريضة لأنّه يجب رفع الحصانات بالتصويت في المجلس النيابي من دون حاجة لتعديل الدستور”. ثم زار الوفد رئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب تيمور جنبلاط. وقال أمين السر العام في الحزب الاشتراكي ظافر ناصر “اننا مع رفع الحصانات وقلنا أن التحقيق يجب أن يبقى تحقيقا عدليا عند المحقق العدلي وسندرس اقتراح “المستقبل” مع تأكيد موقفنا الأساسي أننا مع رفع الحصانات” .