كتبت “نداء الوطن” تقول: لم تفلح كل محاولات منظومة “النيترات” في حرف إصبع الاتهام عن أركانها المتواطئين “عن سابق تصوّر” في استحضار شحنة الموت وتخزينها وتهريبها وصولاً إلى يوم انفجارها المشؤوم في المرفأ، ولم يسعف سلطة “التماسيح” التباكي على الضحايا والتذاكي على أهاليهم وتمويه وجه الحقيقة في مسؤولية “كل من كان يعلم” عن إراقة الدماء وهدم العاصمة فوق رؤوس قاطنيها في 4 آب… حتى أصبح اليوم “اللعب على المكشوف” بين مسؤولين فارين من وجه العدالة يتوارون خلف خندق “الحصانات”، وقضاء عدلي عاهد أهالي الشهداء على إحقاق الحق “ولو بعد حين” إنصافاً لأبنائهم.
من القاضي فادي صوان الذي تكالب عليه أهل الحكم فأقصوه عن مهمته، إلى القاضي طارق بيطار الذي آثر إعلاء كلمة الحق في وجه سلطان جائر… أضحى التحقيق العدلي كابوساً حقيقياً يؤرق أركان المنظومة بعدما استعصى عليهم “تدجين” بيطار، فبيّن من خلال ادعاءاته أنه عازم على المضي قدماً في “مطاردة” السلطة، و”لن يكلّ ولن يملّ في استكمال مسار تحقيقاته حتى مثول كل المدعى عليهم والاستماع إلى إفادة جميع من هم على “ليستا” المشتبه بمسؤوليتهم في القضية ربطاً بقرينة العلم المسبق بوجود مواد كيماوية خطرة في العنبر رقم 12 من دون اتخاذ أي خطوة تدرأ الخطر الناتج عنها”، وفق ما نقلت مصادر مواكبة للملف، مشددةً على عدم وجود “أي استثناءات في هذا المجال، من أعلى رأس هرم المسؤولية حتى أسفله، بدءاً من رئيس الجمهورية وصولاً إلى أصغر موظف”.
وفي هذا السياق، أكدت معلومات موثوق بها أنّ المحقق العدلي بصدد زيارة قصر بعبدا للاستماع إلى إفادة الرئيس ميشال عون في قضية انفجار 4 آب، بالاستناد إلى ما سبق أن صرّح به علناً لناحية أنه كان يعلم بوجود شحنة “نيترات الأمونيوم” قبل انفجارها. ومن هذا المنطلق بدا كلام عون أمس أمام النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات بمثابة التوطئة المدروسة لخطوة الاستماع إلى إفادته من قبل المحقق العدلي، على قاعدة ما جاء في بيان بعبدا لناحية إبداء رئيس الجمهورية أمام عويدات “استعداده المطلق للإدلاء بإفادته في حال قرر المحقق العدلي الاستماع إليه عملاً بالمادة 85 من قانون أصول المحاكمات الجزائيّة”.
وفي الوقت عينه، طوّق القاضي بيطار محاولة الالتفاف على طلب منحه الإذن لملاحقة المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا وتبلّغه رسمياً رفضاً رئاسياً لهذا الطلب بذريعة أنّ المسألة تحتاج إلى قرار من المجلس الأعلى للدفاع، فبادر أمس إلى مراسلة المجلس مباشرة طلباً لمنحه الإذن بملاحقة صليبا كمدعى عليه في القضية. وأوضحت المصادر أنّ “المحقق العدلي ينتظر راهناً جواب المجلس الأعلى للدفاع لاستكمال تحقيقاته مع مدير عام أمن الدولة، كما لا يزال ينتظر إجابات من النيابة العامة التمييزية حول مسألة ملاحقة المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم”، معربةً عن ثقتها بأنّ “الأسابيع القليلة المقبلة ستكون مفصلية في مسار القرارات التي سيتخذها القاضي بيطار”.
وإذ استبعدت انتهاء المحقق العدلي من إعداد قراره أو اتخاذ أي خطوة حاسمة في هذا الاتجاه أو ذاك قبل الذكرى السنوية الأولى لجريمة 4 آب، كشفت المصادر أنه “خلال الأسبوعين المقبلين سيعقد القاضي بيطار جلسات متتالية ومكثفة ومن المتوقع أن يحصل على جواب النيابة العامة التمييزية حول مسألة الادعاء على اللواء ابراهيم الأسبوع المقبل، بعدما كانت طلبت الاستماع اليه كشاهد في القضية باعتبار الأدلة غير كافية للادعاء عليه، ما اضطر المحقق العدلي إلى تقديم مزيد من التوضيحات إلى النيابة العامة بانتظار جوابها مجدداً على الطلب”.
وفي ملف اللواء صليبا، رجحت مصادر قانونية أن يرفض المجلس الأعلى للدفاع إعطاء المحقق العدلي الإذن بملاحقته، لتصب القضية كذلك عند النيابة العامة التمييزية، فيحصل عندها سيناريو أشبه بـ”ربط النزاع الطائفي” بين مصير المدير العام لأمن الدولة ومصير المدير العام للأمن العام على أساس القاعدة الشهيرة “6 و6 مكرّر”.
أما عن مسألة الطلب من المجلس النيابي رفع الحصانات عن المدعى عليهم من النواب، فألمحت المصادر إلى أنّ المسألة أصبحت مرتبطة بتشكيل الحكومة الجديدة وتحتاج إلى بعض الوقت “لأن المجلس النيابي راهناً في عقد استثنائي وعندما تتشكل الحكومة يمكن حينها للمحقق العدلي أن يلاحق المدعى عليهم من دون رفع الحصانة لأن المجلس يكون قد دخل في عقد عادي”.
في الشأن الحكومي، وعلى وقع إبداء باريس استعدادها لزيادة الضغط على المسؤولين اللبنانيين من أجل تشكيل حكومة جديدة، بالتعاون مع شركائها الأوروبيين والدوليين، كما أفادت المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية أنياس فون در مول أمس، برز تزامناً إعلان الاتحاد الأوروبي “إقرار إطار قانوني لنظام عقوبات يستهدف أفراداً وكيانات لبنانية”، موضحاً في بيان أنّ هذا “الإطار يوفر احتمال فرض عقوبات على المسؤولين عن تقويض الديمقراطية وحكم القانون في لبنان”.
وفي هذا المجال، نقلت أوساط مطلعة على الإجراءات الأوروبية أنّ إنجاز “نظام العقوبات اللبناني” ووضع الإطار القانوني اللازم له، يشكل “الحجر الأساس” استعداداً للدخول في “مرحلة إسقاط الأسماء على قائمة المعاقبين” خلال الفترة المقبلة… إذا استمر التعطيل مستحكماً في عملية تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة.