تكفي كلمة الرئيس المكلّف، نجيب ميقاتي، من القصر الجمهوري للدلالة على أنّ مؤشرات التفاؤل تراجعت كثيراً، بانتظار اللقاء الخامس يوم الخميس الذي سيكون مؤشراً إضافياً على المسار الذي سيسلكه ميقاتي حينها، وهو الذي أعلن بشكلٍ واضح بأنّ المهلة ليست مفتوحة، “ويفهم اللّي بدو يفهم”. الكلام الذي فُهم منه كما وكأنه تلويح بالاعتذار إذا ما استمرت الأجواء على مراوحتها.
إذاً ميقاتي تراجع خطوة إلى الوراء بعد دبلوماسية اللقاءات الأربعة وبعث برسالته المشفّرة. وقد أعربت مصادر مراقبة عبر جريدة “الأنباء” الإلكترونية عن خشيتها من أن يكون مصير اللقاءات التي يعقدها الرئيس المكلف مع رئيس الجمهورية، ميشال عون، هو نفسه المصير الذي لقيه الرئيس سعد الحريري الذي كان يخرج من بعبدا بانطباع إيجابي، لكن سرعان ما يتحوّل إلى سلبي إلى أن وصلت الأمور إلى طريق مسدود.
المصادر أشارت إلى تراجعٍ ملحوظ في أسهم تشكيل الحكومة من الأربعاء الماضي حتى اليوم، وهذا ما عكسه الارتفاع المفاجىء في سعر الدولار الذي تجاوز سعره عتبة العشرين ألفاً، متوقفة عند أبعاد كلام ميقاتي عن عدم وجود مدة مفتوحة، ما يعني أنّ ميقاتي يعطي لنفسه مدة زمنية للتشكيل وعلى المعنيّين بتشكيل الحكومة الالتزام بها، وأنّ هذا الكلام موجّه بالتحديد للرئيس عون وفريقه السياسي، وحزب الله، محمّلهم مسؤولية تأخير تشكيل الحكومة.
المصادر اعتبرت أنّ، “ميقاتي الذي بدا متجهماً وحاسماً في موضوع التشكيل الذي يجب أن يكون بأقصى السرعة، يُستشفّ من حديثه أنّ الخلاف على حقيبتَي الداخلية والعدل هو لبّ المشكلة، وهو الذي شدّد على إبقاء القديم على قدمه في موضوع الحقائب السيادية، على عكس عون الذي يطالب بالمداورة ويتمسّك بالداخلية والعدل مقابل تخلّيه عن الخارجية والدفاع، وتخلي الثنائي الشيعي عن المالية، في محاولة منه لإحداث شرخٍ بين ميقاتي والثنائي الشيعي الذي يرفض التخلي عن المالية”.
مصادر بيت الوسط لفتت عبر “الأنباء” الإلكترونية إلى أنها لم تفاجأ بموقف ميقاتي، وتمنّت له التوفيق في مهمته لأنّ اعتذاره سيؤدي إلى كارثة حقيقية، وسيحول دون تكليف غيره من الشخصيات السنّية لتشكيل الحكومة، وهو ما يسعى إليه عون، وهو ترك البلد من دون حكومة حتى نهاية عهده، وتأجيل الانتخابات النيابية، والرئاسية، والبلديات، ليبقى النائب جبران باسيل محتفظاً بأكبر كتلة نيابية.
من جهته، أشار عضو كتلة الوسط المستقل التي يرأسها ميقاتي، النائب علي درويش، إلى أنّ الأمور بعد لقاء اليوم بدأت تأخذ مداها. ويبدو أنّ تشكيل الحكومة سيأخذ وقتاً أكثر مما كنا نتوقعه، واصفاً عبر “الأنباء” الإلكترونية مسار التشكيل بالوعر، وهو ما دفع الرئيس المكلّف للقول إنّ ليس هناك من مهلة مفتوحة، وأنّ هناك مدة زمنية للتشكيل يعتبرها ميقاتي بالمنطقية للخروج بحكومة جديدة.
وقال درويش: “كنا متفائلين بأن يأخذ منحى التشكيل السرعة المطلوبة بالنظر للأوضاع الدقيقة التي تشهدها البلاد”.
ورداً على سؤال، قال: “ليس لدينا معطيات تفصيلية حول موضوع توزيع الحقائب، لكن من الواضح أنّ هناك مجموعة عوائق أخّرت التشكيل، ما يتطلب بحثاً تفصيلياً لاستكمال المشاورات في نقاطٍ محددة”.
وعما إذا كلام ميقاتي من بعبدا هو مؤشر للاعتذار، قال: “لا يمكننا التوصّل لهذا الاستنتاج مباشرة. صحيح كنا نتوقع أن تكون الجلسة الرابعة حاسمة، لكن الأمور لم تأخذ السرعة اللّازمة على أمل أن يكون لقاء الخميس حاسماً”.
بدوره، كشف مسؤول الجماعة الإسلامية، النائب السابق عماد الحوت، عبر “الأنباء” الإلكترونية أنّ الجماعة، ومنذ تحركات 17 تشرين كانت تطالب بحكومة اختصاصيين ومن غير الحزبيين، بعيداً عن المحاصصة والأنانيات، وتقدم على برنامجٍ إصلاحيٍ حقيقي بعيداً عن منطق فرض الشروط والعودة إلى منطق المحاصصة والأنانيات من قِبل فريق رئيس الجمهورية.
ورأى في اشتراط رئيس الجمهورية الحصول على وزارتَي الداخلية والعدل، المهمّتين للانتخابات النيابية القادمة، مؤشراً واضحاً لعدم اكتراث العهد بمطالب الناس والمواطنين، وإنما همّه الأول تحقيق مكتسبات في معركة الانتخابات النيابية ومن بعدها الرئاسية، والاستمرار بمنهجية التعطيل للوصول إلى ذلك، ولو على حساب تفاقم معاناة المواطنين، وتعميق الأزمة الاقتصادية والمعيشية، معتبراً أنّ الرئيس المكلّف بذل جهداً كبيراً لتدوير الزوايا وتذليل العقبات أمام تشكيل الحكومة، داعياً إلى “التشكيل سريعاً، لأنّنا لا نملك رفاهية الوقت”.