عام مرّ على أحد أضخم الانفجارات التي شهدها التاريخ، انفجار مرفأ بيروت. عام والجراح لم تندمل بعد، في حين أن الحقيقة لم تنكشف، والمجرمون لم تتم محاسبتهم، وعملية إعادة إعمار المرفأ لم تنطلق. عام مرّ، ويمكن القول أننا ما زلنا نراوح مكاننا، دون أي تقدم على أي صعيد يُذكر.
عام مرّ على تاريخ الرابع من آب، وعام مرّ على الوعود التي أطلقتها السلطة الحاكمة لكشف حقيقة ما حصل عند الساعة السادسة والسبع دقائق من ذلك اليوم، ولا نتيجة بعد ولا محاسبة. يدور الملف حالياً في دوائر القضاء العدلي الذي سرّع من وتيرة العمل قبل أسابيع معدودة من الذكرى السنوية الأولى للانفجار.
كل المطلوب لتسهيل عمل المحقق العدلي هو رفع الحصانات عن المطلوب الاستماع لشهاداتهم، الأمر الذي لم يحصل بعد. الملف أخذ جدلاً واسعاً ويشكّل التهديد الأكبر لسلامة مسار التحقيقات، خاصة وأنه وفق القانون لا حصانات فوق أحد، كما يكشف النائب السابق والمحامي صلاح حنين.
وفي حديث مع جريدة “الأنباء” الإلكترونية، يوضح حنين أن “الحصانة غير متوفرة بالنسبة لرؤساء الحكومات أو الوزراء عند اقترافهم جرماً جزائياً، كجريمة تفجير مرفأ بيروت، لأن المادة 70 من الدستور تقول، لمجلس النواب أن يتهم رئيس مجلس الوزراء والوزراء في حال ارتكابهم الخيانة العظمى أو اخلالهم بالواجبات المترتبة عليهم فقط، لكنها لا تشمل أبداً الجرم الجزائي الذي يبقى خارج حلقة الإتهام من قبل مجلس النواب، وبالتالي يمكن محاكمتهم أمام القضاء العدلي بشكل طبيعي دون العودة إلى المجلس المذكور”.
ويضيف: “كما أن الجرم الجزائي لا يخضع للمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، إذ أن المادة 71 تقول إن محاكمة رئيس مجلس الوزراء والوزير المتهم أمام المجلس الأعلى متعلقة بحالتين لا ثالث لهما، الخيانة العظمى والاخلال بالواجبات، وهذه المادة معطوفة على المادة 70، وبالتالي من المفترض محاكمتهم أمام المجلس العدلي بحكم أن الجرمَ جزائيٌ دون إذن مجلس النواب”.
ويتابع: “أما بالنسبة لرئيس الجمهورية، المادة 60 من الدستور تقول لا تبعة على رئيس الجمهورية في حال قيامه بوظيفته إلا عند خرق الدستور أو في حال الخيانة العظمى، أما التبعة في ما يختص بالجرائم العادية فهي خاضعة للقوانين العامة، لكن لا يمكن اتهامه بسبب هذه الجرائم أو بسبب خرق الدستور والخيانة العظمى إلّا من قبل مجلس النواب، ويُحاكم أمام المجلس الأعلى، وهذه المادة خاصة برئيس الجمهورية فقط وتؤكد أن لا حصانة للآخرين بالنسبة للجريمة العادية”.
أما وبالنسبة للنواب الذين تولوا مهاماً وزارية سابقاً ويريد المحقق العدلي استدعاءهم، يشير حنين إلى ان “المادة 40 تقول لا يجوز أثناء دور الانعقاد (مجلس النواب) اتخاذ اجراءات جزائية أو القاء القبض عليهم إذا اقترفوا جرماً جزائياً إلّا بإذنٍ من مجلس النواب، ما خلا حالة التلبّس بالجريمة، أي الجرم المشهود. لكن هذه المادة تحد الموضوع بالاجراءات الجزائية، أي التوقيف أو حجز الحرية، إنما هذا لا يمنع اتخاذ اجراءات قانونية بحقهم، كالاستماع إلى الشهادة أو المحاكمة والاتهام”.
“صفر حصانة للجميع” يختم حنين حديثه. قد يكون الخبر المنتظر من قِبل أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت، وهم الذين ينتظرون العدالة بفارغ الصبر، ويؤرقهم قلق افلات المسؤولين عن استقدام وتخزين نيترات الامونيوم في مرفأ بيروت، وسط العاصمة، بين الناس، معرضين حياة الآلاف للخطر، من الحساب.
من جهة أخرى، يعود ملف إعادة اعمار المرفأ وبيروت إلى الواجهة في الذكرى السنوية للتفجير، نسبةً لأهمية المرفأ الاقتصادية، كونه يشكل رئة لبنان، والمنشأة الأكبر على صعيد الحركة التجارية بالنسبة للاستيراد والتصدير، وسيكون له دور كبير في المستقبل، كما ووجوب إعادة تأهيل المنطقة المحيطة لاعادة السكان إلى منازلهم.
الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة يشير إلى أن “80% من مرفأ بيروت تدمّر، أما المناطق المتضررة، فهي تنقسم إلى ثلاث مناطق، الأولى هي المناطق الملاصقة للمرفأ، والتي تضررت بشكل كبير جداً، حيث تهدّمت الأبنية بشكل تام أو جزئي، أما المنطقة الثانية فهي ذات الأضرار المتوسطة، والثالثة هي التي تبعد نسبياً عن موقع الانفجار، واقتصرت الأضرار على تكسير الزجاج أو الأبواب”.
وفي اتصال له مع “الأنباء” الإلكترونية، يذكر عجاقة نوعين من الخسائر، المباشرة وغير المباشرة. “بالنسبة لتلك المباشرة، فانها تتمثل بتدمير المرفأ والآليات والمباني المحيطة والسيارات وغيرها من الماديات، أما تلك غير المباشرة، فتتمثل بغياب الفرص الاقتصادية، فالاقتصاد اللبناني مبني على الاستيراد، و70% من هذه الحركة تتم عبر المرفأ، وبالتالي هذه أحد الفرص الاقتصادية التي خسرها لبنان، بالاضافة إلى خسارة الوظائف واقفال المؤسسات المحيطة وغيرها”.
وحول اعادة اعمار المرفأ، يلفت عجّاقة إلى ان “تكلفة عملية اعادة اعمار مرفأ بيروت واعادته إلى شكله قبل الانفجار، دون التغيير في هيكليته أو توسيعه، تتراوح بين 200 مليون و500 مليون دولار، وهذا الفارق بين الرقمين هو نسبةً لتضرر وتصدّع أرض المرفأ، ومدى امكانية البناء عليها دون اعادة بناؤها. أما وفي حال نيّة توسيع المرفأ لتكبير حجم الاستثمارات، فذلك سيعني ارتفاع الكلفة”.
أما وبالنسبة للمناطق المحيطة، فيشير عجاقة إلى أن “الكلفة تتراوح بين 500 مليون دولار والمليار دولار. وعلى صعيد الخسائر غير المباشرة التي ذكرناها سابقاً، فهي تُقدر بما بين المليارين والأربعة مليار دولار، وبالتالي اجمالي خسائر الانفجار يكون ما بين 4 و5 مليار دولار”، وهنا، يذكر عجاقة “العرض الالماني والذي تبلغ كلفته 10 مليار دولار، وهو مشروع ضخم يهدف لاعادة اعمار المنطقة بأكملها وادخال التقنيات المتطورة اليها والى المرفأ”، مع تشديده على وجوب ابقاء ملكية المرفأ للدولة اللبنانية لأنه مرفق سيادي.
ويرى عجاقة أن “إعادة اعمار المرفأ أمر ضروري بالنسبة للبنان، فإلى جانب الدور الداخلي الذي يلعبه على صعيد الاستيراد والتصدير، سيكون له دور استراتيجي مع اطلاق عملية إعادة اعمار سوريا، إلى جانب مرفأ طرابلس، إذ المرافئ السورية وحدها لن تكون قادرة على القيام بالمهمة وحدها”.
إلّا أن عجاقة يلفت إلى أن “عملية اعادة الاعمار تتطلب بالدرجة الأولى وجود حكومة أصيلة، كما استقدام الاستثمارات الخارجية، لأنه يستحيل على الاستثمارات الداخلية القيام بالدور المطلوب، كما ويحتاج اللأمر إلى ضوء أخضر جيوسياسي من الخارج، إذ عادةً تتمتع البنى التحتية والاستثمارات الضخمة بحمايات معنوية دولية لضمان أمنها”.