كتبت صحيفة “الديار” تقول: 4 آب 2020، تاريخ مشؤوم في تاريخ الدوّلة اللبنانية ترك الكثير من الذكريات الأليمة في قلوب اللبنانيين وعوائل الشهداء والجرحى الذين عبّروا عن غضبهم في الذكرى السنوية الأولى لهذا التفّجير الذي تمّ تصنيفه من بين أقوى ثلاثة إنفجارات غير نووية في العالم. هذه المناسبة الأليمة كانت مناسبة لعودة مشاهد الرعب التي رافقت هذا النهار الذي دخل في التاريخ ليس فقط اللبناني بل التاريخ العالمي على أنه نتاج فساد سلطة سياسية عبثت بأرواح مواطنيها وخلّفت دمارًا لا يزال ظاهرًا في المرفأ وفي المناطق المجاورة في مشهد مروع.
هيومن رايتس ووتش وفي تقرير صدر في 3 آب 2021، قالت إن الأدلة تشير إلى تورط مسؤولين لبنانيين كبار في الانفجار الذي وقع في 4 آب 2020 في بيروت وأودى بحياة 218 شخصًا، مُشيرًا إلى أن المشاكل المنهجية في النظام القانوني والسياسي اللبناني تسمح لهم بتجنب المحاسبة. ودعا مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى إجراء تحقيق في هذه الجريمة مُشدّدًا على ضرورة فرض عقوبات على المسؤولين المتورطين في الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان وتقويض المساءلة وذلك من قبل الدول التي تمتلك قوانين لحقوق الإنسان ومكافحة الفساد شبيهة بقانون ماغنيتسكي العالمي.
على كلٍ هذه المناسبة أعطت دفعًا للتحقيق الذي يقوده القاضي بيطار والذي يُطالب برفع الحصانات على نواب وموظّفين أمنيين وهو طريق غير مُعبّد على الرغم من الدعوات الكثيرة الصادرة عن القوى السياسية والداعية إلى رفع الحصانات. ولكن تبقى العبرة في ترجمة هذا الإستعداد لرفع الحصانات بشكل قانوني.
عقوبات في الأفق
هذه الدعوى من قبل هيومن رايتس ووتش لاقت صداها في أروقة عواصم القرار حيث من المتوقّع بحسب معلومات صحافية أن فرنسا ستُصدر لائحة عقوبات تطال مُقربين من الرؤساء الثلاث: ميشال عون، ونبيه برّي، وسعد الحريري حيث ستتضمّن هذه الإجراءات تجميد حسابات ومنع سفر إلى فرنسا بالإضافة إلى العديد من الإجراءات التي تمّ وضعها في خانة الإجراءات الردعية – أي رسالة موجّهة إلى الرؤساء الثلاث.
كلام الراعي والجيش يحمي المتظاهرين
وترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداساً في مكان الانفجار في مرفأ بيروت، بتنظيم من أبرشية بيروت المارونية وتجمع كنيسة من أجل لبنان، وبمشاركة أهالي ضحايا الانفجار، بتلاوة آيات من القرآن الكريم، ثم عرض جوي نفذه سرب من القوات الجوية فوق منطقة الانفجار، وذلك تحية لشهداء وضحايا الانفجار، تمثلت بتحليق طوافة صعودا نحو السماء تجسيدا لارواح الشهداء. كما حلقت 3 طوافات رسمت بواسطة الدخان الوان العلم اللبناني. ثم تم عبر الشاشة، عرض اضاءة شمعة ورفع الدعاء والصلوات من كنيسة القيامة.
وفي عظته، اشار الراعي إلى أن كلمة البابا فرنسيس صباح امس تأتي لتبلسم جراح أهل الضحايا والجرحى والمنكوبين وكل اللبنانيين، وقال: “احتراما لقدسية اليوم ووفاء للضحايا والشهداء ودموع أهاليهم وآلام الجرحى والمنكوبين أدعو وأناشد الاخوة والاخوات المتظاهرين تجنب العنف والعبارات المسيئة والاعتداء على المؤسسات والاملاك العامة والخاصة وعدم التعرض للجيش وللقوى الامنية.
وإذ سأل: “لماذا جئنا إلى هنا؟” أجاب: “جئنا نصلي ونرفع ذبيحة الفداء عن أرواح الشهداء، جئنا نصلي لبيروت عروس المتوسط لمدينة تلاقي الأديان، نقف معًا خاشعين بين الدمار نضيء شعلة الرجاء والمستقبل ونكتب تاريخًا جديدًا للأجيال”.
وأكد الراعي أن مطلبنا الحقيقة والعدالة، نحن هنا لنطالب بالحقيقة والعدالة، مشددا “على أن الأرض ستبقى تضطرب في هذه البقعة إلى ان نعرف حقيقة ما جرى في مرفأ بيروت. وأشار الى أن الدولة لا تدين بالحقيقة فقط للأهالي بل لكل لبناني للأجيال اللبنانية للتاريخ والمستقبل والضمير.”
واوضح أن العدالة ليست مطلب عائلات منكوبة بل مطلب الشعب اللبناني كله، وقال: “نريد ان نعرف من أتى بالمواد المتفجرة من هو صاحبها الأول والأخير؟ من سمح بإنزالها وتخزينها ومن سحب منها كميات وإلى أين أرسلت؟ من عرف خطورتها وتغاضى عنها؟ من طلب منه أن يتغاضى؟ من فجّرها وكيف تفجّرت؟”، مؤكدا “أن واجب كل مدعو للادلاء بشهادته ان يمثل امام القضاء من دون ذرائع وانتظار رفع الحصانة. واعتبر أن كل الحصانات تسقط امام دماء الضحايا والشهداء ولا حصانة ضد العدالة وأردف: “نتلطى وراء الحصانة حين نخاف العدالة ومن يخاف العدالة يدين نفسه بنفسه”.
وتابع “عيبٌ أن يتهرّب المسؤولون من التحقيق تحت ستار الحصانة أو عريضة من هنا وعريضة من هناك”.
من جهة أخرى، المسيرات التي واكبت تحركات أمس تخلّلها عدد من الأحداث التي كانت ستكون كارثية لولا وعي الجيش وحرصه على أمن المتظاهرين. فقد أوقفت وحدات الجيش المنتشرة في مختلف المناطق اللبنانية عدداً من الشبان المتوجهين للمشاركة في الذكرى الاولى لانفجار مرفأ بيروت وبحوزتهم كميات من الاسلحة والذخائر. كما أوقفت عناصر الجيش ناشط في منطقة الزوق وتمّ اقتياده إلى ثكنة صربا. الجدير ذكره أن الجيش قام بعمليات تفتيش للمواطنين وقطع العديد من الطرقات على السيارات حفاظًا على الأمن.
مواقف من ذكرى 4 آب
أول المواقف في ذكرى 4 آب، آتى من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي توجّه أول من أمس بكلمة إلى اللبنانيين قال فيها أنه “يشعر بألم الأهل والأصدقاء الذين فقدوا أحباءهم في انفجار مرفأ بيروت”، داعيا القضاء إلى ان يذهب الى النهاية في التحقيق والمحاكمات” رافضًا أي حصانة، أو تسلّح بأي حجة قانونية أو سياسية بهدف التهرّب من إعطاء التحقيق كل المعلومات المطلوبة لمساعدته في الوصول إلى مبتغاه.
من جهته أعرب البابا فرنسيس في هذه الذكرى عن رغبته الشديدة في زيارة لبنان ووجه تحذيرًا إلى “السياسيين المتشاحنين” بوجوب حلّ الأزمة السياسية لأن “الكثيرين في لبنان، الذي يعاني حاليا من أزمة اقتصادية حادة، فقدوا إرادة الحياة” داعيًا المانحين إلى مساعدة لبنان “على طريق العودة للحياة”.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وفي تغريدة على “تويتر” قال: “بعد مرور عام على المأساة يمكن للبنان أن يستمر في الاعتماد على تضامن فرنسا” مُرفقًا التغريدة بفيديو يشرح فيه الخطوات الفرنسية بعد الانفجار.
كما أصدر الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي بيانًا جاء فيه: “في الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت لا يسعني إلا أن أنحني أمام أرواح الضحايا الذين سقطوا في هذا اليوم المشؤوم من عمر الوطن. إننا نقف إلى جانب أهالي الضحايا فيما يطالبون به لجهة تحقيق العدالة وإظهار الحقيقة كاملة، ونطالب الجميع بوجوب التعاون مع القضاء من أجل الوصول إلى الهدف المنشود، وإنزال العقاب بجميع الذين كانت لهم يد في هذه الجريمة في حق الوطن والشعب”.
وغردت السفيرة الفرنسية آن غريو في ذكرى 4 آب قائلة: “إلى جميع الذين نجوا، إلى أهالي بيروت، إليكم أصدقائي اللبنانيين، أعرب عن فائق تضامني. فرنسا والفرنسيون يقفون إلى جانبكم”.
أما السفير البريطاني أيان كويار فقد توجه برسالة إلى اللبنانيين على مواقع التواصل الاجتماعي قائلاً: “نشارك الشعب اللبناني الشعور بالدمار والخسارة والبحث عن العدالة، وندعو إلى مساءلة حقيقية. أشيد ببطولة وتضحية الذين كانوا في الخطوط الأمامية منذ سنة، وستواصل بريطانيا الوقوف إلى جانب شعب لبنان”.
أما قائد الجيش العماد جوزف عون فقد صرّح أن الرابع من آب 2020 شهد إنفجارًا هزّ العالم أجمع ومزج “دماء العسكريين والمدنيين”. وعزّى عائلات الشهداء مُتمنيًا “أن تحمل دماؤهم أملاً جديدًا بقيامة لبنان وأن تكون حافزًا لتحقيق العدالة”.
من جهته أكد شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن “الضرورة القصوى في كشف الحقيقة في إنفجار الرابع من آب، وسوق كل المتورطين أمام القضاء”.
نادي قضاة لبنان في مدونته عبر فيسبوك، توجه الى أهالي الضحايا قائلاً: “أنتم ونحن أمام دس سم الهروب من المسؤولية، في دسم إظهار حقيقة تفجير المرفأ، وأمام كلام حق في ظاهره يراد به باطل، فلا حصانات أمام قدسية الدماء…”. ودعا النادي إلى الإلتفاف حول المحقق العدلي فيما يتعرّض له من حملات لعرقلة التحقيق.
من جهته صرّح رئيس حركة “مشروع وطن الانسان” النائب المستقيل نعمة افرام أن يوم 4 آب هو “يوم وجع وصلاة وغضب…” مُشيرًا إلى أن الإهمال والفساد والعمالة هم المسؤولين عن تفجير المرفأ وتفجير “قلوب ومستقبل ناس ما ذنباً إلا انو انتو بسدة المسؤولية”.
المسار الحكومي
على الصعيد الحكومي، يلتقي اليوم الرئيس المكلف الرئيس نجيب ميقاتي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في محاولة جديدة لحلّ مُشكلة المداورة على الوزارات السيادية. وكان أخر لقاء بين الطرفين – الإثنين الماضي – قد إنتهى على أجواء سلبية مع تشدّد كلٌ من رئيس الجمهورية والرئيس المكلف على موقفه حيث يُطالب الأول بالمداورة الكاملة في حين يُطالب الثاني بالإبقاء على التوزيع كما هو في حكومة حسان دياب. هذه الأجواء صدرت على لسان ميقاتي ا
وما زال الكلام المُسرّب عن الرئيس نجيب ميقاتي عن مقربين له، قوله “مش ماشي الحال”، يُلقي بتوقعات سلبية عن إمكانية الخروج بحل اليوم خصوصًا أن الرئيس ميقاتي لوّح في تصريحه الأخير أن سقف التأليف محدود بالزمن وبالتالي تتوقّع المصادر إعتذار الرئيس ميقاتي ما بين 10 و15 من الشهر الجاري في حال لم يتمّ حل العقدة قبل هذا الوقت.
على هذا الصعيد تحدّثت المصادر عن مسعى ينصّ على إبقاء وزارة الداخلية في إطار الحصّة السنية على أن يكون الوزير وسطي بين الرئيس عون والرئيس ميقاتي، إلا أنه وبحسب المصادر نفسها هناك شبه إستحالة أن يصل هذا المسعى إلى خواتم سعيدة في ظل تعثر المفاوضات الأميركية – الإيرانية والتصعيد الجاري حاليًا في الخليج في حرب الغواصات وإمكانية الردّ الإسرائيلي على الهجوم على إحدى سفنها من قبل مسيرات إدّعت إسرائيل أنها إيرانية.
فتنة خلدة
ومن المتوقّع أن تأخذ أحداث خلدة، التي ذهب ضحيتها علي شبلي في زفاف في الجية و و4 ضحايا أخرى في إطلاق النار على موكب تشييع شبلي، حيزًا مُهمًا من كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله المتوقّعة السبت المقبل في الذكرى الخامسة عشر لعدوان تموز 2006. وتتوقّع المصادر أن يتناول سماحة السيد نصر الله الفتنة التي كان مُخططًا لها من قبل أيدي خارجية لإشعال فتنة وجرّ سلاح المقاومة إلى الداخل اللبناني بهدف ضربه، وبالتالي شرح موقف حزب الله في إدارة الخلاف مع العشائر العربية وحرصه على عدم إعطاء الفرصة لخلق فتنة سنية – شيعية خدمة لمصالح خارجية.
قائد الجيش العماد جوزيف عون وفي معرض ردّه على إتهامات طالت المؤسسة العسكرية بالتقصير، بعث برسالة قوية إلى كل الأطراف مؤكدًا فيها على دور الجيش اللبناني في هذه المرحلة الصعبة والمصيرية، وداعيًا إلى “عدم الانجرار خلف الأصوات الشاذّة المُفبرِكة والمشوِّهة للحقائق التي تحاول حرف الجيش عن مساره، ولا خلف انتقادات وشائعات بتنا نعرف مَن وراءها، وتهدف إلى جرّ البلاد إلى استفزازات لا تُحمد عقباها”.
على صعيد أخر، وفي إطار مساعي تطويق تداعيات هذه الأحداث، استقبل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في كليمنصو وفدًا من العشائر العربية حيث تمّ البحث في سبل معالجة تداعيات الأحداث التي عصفت بخلدة وحوّلتها إلى ساحة حرب كما والجهود الرامية إلى تخطّي هذه التداعيات وعقد مصالحة بين الأطراف المعنية.
تصعيد على الحدود الجنوبية
وشهد أمس تصعيدًا من قبل العدوّ الإسرائيلي على الحدود الجنوبية حيث أطلق جيش العدو قذائف ثقيلة في سهل مرجعيون وفي في خراج راشيا الفخار – قضاء حاصبيا. ويأتي هذا التصعيد – على ما زعمته إذاعة جيش العدو – ردا على إطلاق صواريخ من لبنان على مستعمرة كريات شمونة المُحتلة.
وبحسب إذاعة العدو، قام وزير دفاعه بينيت غانتس بتوجيه “رسالة شديدة اللهجة لقوات الأمم المتحدة المؤقتة العاملة في لبنان، على خلفية سقوط صواريخ من الجانب اللبناني تجاه إسرائيل”. بالطبع لم يكن هناك رد من قبل المقاومة عملاً بمقولة سماحة السيد نصر الله أن المقاومة هي من تُقرّر توقيت ومكان الردّ.
مؤتمر لدعم لبنان
هذا وعُقد البارحة مؤتمرًا إفتراضيًا لدعم لبنان نظّمته فرنسا برعاية فرنسية – أممية وحضور 46 دولة ومؤسسة. واللافت في الأمر مُشاركة الرئيس المكلف نجيب ميقاتي بدعوة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شخصيًا وهو ما يُعتبر دعمًا فرنسيًا للرئيس ميقاتي. وإفتتح الرئيس الفرنسي المؤتمر بكلمة ألقاها وتضمنت تأكيدًا على دعم الشعب اللبناني ولكن أيضًا إنتقادًا قاسيًا جدًا للطبقة السياسية مُعتبرًا أن الفشل جماعي ولن يكون هناك شيك على بياض مُنوّهًا في نفس الوقت بدور الجيش اللبناني. ثم ألقى الرئيس ميشال عون كلمة عوّل فيها على المجتمع الدولي لمساعدة لبنان خصوصًا أن “بعد فاجعة الرابع من آب 2020، لا تزال التداعيات المدمرة تنعكس على جميع المستويات الانسانية والاجتماعية والاقتصادية والصحية والتربوية، فتُفاقم الأزمات التي تعصف بوطننا” مُطالبًا المجتمع الدولي بعدم خذل لبنان. ويهدف المؤتمر إلى جمع 357 مليون دولار أميركي مُساعدات إنسانية ستذهب إلى دعم المواطنين اللبنانيين في قطاعات الصحة والتعليم والخدمات الأساسية. والمُلفت في الأمر أن هذه المساعدات ستذهب مباشرة إلى الشعب اللبناني من دون المرور بالمؤسسات الرسمية – بإستثناء الجيش اللبناني – وهو ما يُعتبر ضربة قوية لهذه الطبقة التي من الواضح أنها فقدت ثقة المُجتمع الدولي.
الحرائق تُلاحق لبنان
وكأن كل ما سبق لا يكفي المواطن، تستمر درجات الحرارة بالإرتفاع وتتسبّب بإندلاع حرائق حيث شهد أمس نشوب حرائق في بعض المناطق اللبنانية مثل بلدة محيبيب – قضاء مرجعيون التي شهدت إندلاع حريق كبير وفي منطقة حريق في جبل الرويس المشرف على مدينة النبطية حيث أتت النيران على مساحات من الاعشاب وبعض الاشجار.