بَدا من المواقف المَرنة التي عبّر عنها الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، إثر لقائه الخامس مع رئيس الجمهورية ميشال عون، أنّ ملف التأليف الحكومي أُخرِج من دائرة التشاؤم الذي شاعَ بعد اللقاء الرابع الى جَو تفاؤلي وبحث هادئ، وربما بطيء، توصّلاً الى اتفاق على تركيبة الحكومة العتيدة حجماً وأسماء وتوزيع حقائب وزارية وفق روحية المبادرة الفرنسية وأصول التأليف. وفي معلومات لـ»الجمهورية» انّ عون طرحَ مع ميقاتي مقاربة «جديدة وإيجابية» للتأليف مختلفة كلياً عن المقاربات السابقة، وكان قد أبلغها إليه مسبقاً أمس الأول عبر موفد خاص، وقد اعتبرها الرئيس المكلف بأنها «خَلطة جديرة بالدرس»، لكنه أكد في المقابل انه لا يستطيع ان يكون مطمئناً كثيراً ولا متشائماً كثيراً، وانه يمكن وصف هذا التطور بأنه «إيجابي على رمادي». وبناء على هذه المعطيات، تتجه الانظار الى اللقاء السادس اليوم بين عون وميقاتي الذي يعوّل عليه ان يحوّل «التقدم البطيء» الذي تحدث عنه الرئيس المكلف تقدماً سريعاً، بما يُسهّل ولادة الحكومة من بوابةٍ اتفاق تَوقّعَ البعض حصوله بين المعنيين حول توزيعة الحقائب الوزارية السيادية الأربع: الخارجية، الداخلية، المال، الدفاع.
لامسَ اللقاء الخامس بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي الـ 180 درجة في قلب الاجواء التي كانت قد سادت إثر لقاء الاثنين، وتبيّن انّ محطة إحياء ذكرى 4 آب اتّسَمت بهَيبة أعادت الاطراف المعنيين بتشكيل الحكومة الى طاولة التفاوض مع تخفيض نسبي للسقوف، فخرج اجتماع بعبدا بأجواء إيجابية على ضفتَي عون وميقاتي عبر تفاهم يعدّ الأقوى في مقياس اللقاءات التي لم تتعدّ أصابع اليد الواحدة بينهما.
وفي معلومات لـ”الجمهورية” انه حصل “تقدّم كبير” في توزيع الحقائب غير السيادية حيث تم التفاهم على صيغة تضمن تسهيل الاتفاق على الحقائب السيادية الاربع، وهذا الامر سيكون موضع تشاور بين القوى السياسية والاحزاب والرئيس المكلف خلال الساعات الفاصلة عن لقائه السادس اليوم مع عون في حال لم يطرأ ما يمكن ان يفرض تأجيله.
وأكدت مصادر مطلعة على الاتصالات الجارية في شأن ملف تشكيل الحكومة لـ”الجمهورية” أنّ المناخات التي رافقت الساعات الاخيرة في مفاوضات التشكيل، والتي عكست ارادة مشتركة تَجدّدت بدفعٍ دولي كبير، وخصوصاً فرنسي، من خلال مؤتمر الدعم رجّحت احتمالاً كبيراً بإحداث خَرق في هذا الملف. وكشفت انّ هناك مخرجاً يتم التشاور حوله، وهو ان تبقى الحقائب السيادية على توزيعها الطائفي ويتم اختيار اسماء جديدة تحظى على توافق الطوائف الاربع الكبرى: المارونية والشيعية والسنية والاورثوذكسية.
الحقائب السيادية
وفي الوقت الذي تقلّصت مساحة التسريبات عن التفاصيل المتصلة باللقاء الخامس بين عون وميقاتي، كشفت مصادر واسعة الاطلاع لـ”الجمهورية” انّ البحث خلاله تناول إعادة نظر في توزيعة الحقائب العادية مجدداً، بعد جولة سابقة لم تكتمل فصولها قبل اليوم على وَقع تأجيل البحث في الحقائب السيادية الاربع.
وقالت هذه المصادر لـ”الجمهورية” ان عملية إعادة التوزيع ستُستكمل في اللقاء السادس اليوم، وستتناول موضوع الحقائب السيادية اذا انتهى التوافق حول مصير حقيبة وزارة العدل، التي اقترح رئيس الجمهورية ان تكون من حصّة المسيحيين بمعزل عن التوجّه السياسي للوزير الذي سيُعيّن لها، مع السعي الى ان يكون مستقلاً ويعطي الحقيبة ما تحتاجه من عناية في المرحلة المقبلة، خصوصاً انها من الحقائب الاساسية التي تواكب الاجراءات الخاصة بالانتخابات النيابية المقبلة، والتي ستكون من أبرز مهمات الحكومة العتيدة.
وكشفت المصادر العليمة انّ التفاهم على حقيبة وزارة العدل سيؤدي الى قطع نصف الطريق الى التفاهم على بقية الحقائب السيادية الاربع بتوزيعتها السابقة، فتكون الخارجية للموارنة والدفاع للاورثوذكس مثلاً، على ان تكون وزارة المال للشيعة وتبقى وزارة الداخلية للسُنّة.
وبناء على ما تقدّم، أوحى ميقاتي ان اللقاء كان إيجابياً ويمكن ان يقود الى تفاهم أكبر، وهو ما أوحَت به مصادر قصر بعبدا ايضاً، والتي لفتت إلى انّ اللقاء تميّزَ عمّا سَبقه بالإيجابية، ملاحِظةً ارتياح الرجلين الى النتائج التي أفضى إليها اللقاء الخامس غداة المؤتمر الدولي لدعم لبنان الذي نظّمه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وألقى بظلاله عليه توصّلاً الى المخرج الذي يمكن التوصّل إليه. هذا عدا عن الاتصالات التي تكثفت في الأيام القليلة التي فصلت اللقاء الرابع الإثنين الماضي عن لقاء الامس، والتي شكّلت تتمة لِما سبقها من اتصالات شاركت فيها شخصيات داخلية وخارجية فعلت فِعلها في فتح الثغرة الى التفاهم المحتمَل في الجلسات المقبلة.
وانتهت مصادر الرجلين لتؤكد لـ”الجمهورية” انّ الحديث عن بعض الاسماء المُستفزّة لبعض الحقائب هو مجرد روايات للتندّر قد يكون أصحابها من وزرائها، او انّ هناك من يرغب الادّعاء أنه على عِلم بما يجري، وانّ استمرار العقد سيُخفي هذا العيب الذي يتمتع به مُدَّعو المعرفة من كل الأطراف.
الفرنسيون والاعتذار
في غضون ذلك، اوضحت اوساط سياسية مواكبة للملف الحكومي ان الفرنسيين يرفضون اي تلويح بإمكان اعتذار الرئيس المكلف نجيب ميقاتي سريعاً، ويعتبرون انه يجب إعطاء الاولوية حالياً للدفع في تشكيل الحكومة، لأنه اذا ضاعت هذه الفرصة أيضاً فإنّ العواقب ستكون وخيمة.
ولفتت هذه الاوساط الى انّ أحد الاحتمالات الممكنة لتفكيك العُقَد هو، والى جانب استمرار البحث في الحقائب السيادية المتنازَع عليها، إعطاء قوة دفع لحسم توزيع الحقائب الأخرى على الطوائف والقوى، في اعتبار انّ إنجاز هذا الجانب من التركيبة الوزارية ربما يكون أسهل.
واشارت الاوساط الى انّ هناك طرحاً خافتاً، وغير متبلور بعد، يقضي بأن يتم منح حقيبة وزارة “الداخلية”، المُختلف عليها بين عون وميقاتي، إلى شخصية مستقلة لا تكون مسيحية ولا سنية، على أن تحظى بثقة رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، لكن هذا الطرح لم يتجاوز بعد حدود الهمس في بعض الاروقة.
ميقاتي
وكان ميقاتي قد قال بعد لقائه عون انّ “عملية التشكيل مستمرة، ولو انّ التقدم بطيء. لكننا نثابر ونصرّ على تشكيل الحكومة”. وأضاف: “في جلسة اليوم خطونا خطوة ايجابية الى الامام”. واشار الى ان “ليس هناك عملية تَحدّ لأحد، ولا أحد متمسّك بحقيبة معينة، وما من حقيبة مرتبطة بطائفة او مذهب دستوريّاً، ولكن انا قلتُ في التصريح الاخير ان لا وقت لدينا للدخول في مشكلات جانبية، ونتحدث بإعطاء هذه الحقيبة لهذه الطائفة او تلك. لنترك المشكلات ونذهب في اتجاه تشكيل حكومة”. واضاف: “دستوريّاً ليست هناك مهلة لرئيس الحكومة المكلف، ولكن من منطلق الحس الوطني، وشعوري بضرورة تشكيل الحكومة، قلتُ في المرة الماضية انني لا أستطيع إعطاء مهلة مفتوحة للتشكيل وإذا كان أحد سواي قادراً على أخذ هذا الحمل فليتفضّل”. وقال: “لا ألتزم مهلة زمنية ولا بعدد معيّن للحكومة، بل أسعى لتشكيل حكومة، هذا هو هدفي. ولم اقبل التكليف حتى لا أشكل حكومة، وإذا وصلتُ الى طريق مسدود فسأعلن ذلك”. واكد انه لم يتحدث عن اعتذار “وفي حال شعرت انني امام طريق مسدود وعاجز عن ايجاد فريقاً متجانساً للنهوض، فسأخاطب اللبنانيين واقول لهم انني اعتذر عن المهمة. حتى الآن لم اشعر انني امام طريق مسدود، فلماذا اتحدث عن مشكلة غير موجودة؟”. ونفى ان يكون رئيس الجمهورية متمسكاً بوزارة المال او وزارة الداخلية.
شكوى ضد اسرائيل
من جهة ثانية، وغداة القصف الاسرائيلي للاراضي اللبنانية في الجنوب إثر صواريخ سقطت في مستعمرة كريات شمونة، طلب رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان حسان دياب من وزيرة الخارجية بالوكالة زينة عكر الإيعاز إلى مندوبة لبنان لدى الأمم المتحدة امال مدللي لتقديم شكوى إلى مجلس الأمن الدولي في شأن “العدوان الإسرائيلي على لبنان”.
وقال دياب في بيان: “نفّذ العدو الإسرائيلي، بمدفعيته أولاً وبطائراته الحربية ثانياً، عدواناً صريحاً على السيادة اللبنانية، واعترفَ علناً بهذا الخرق الفاضح للقرار 1701، متذرّعاً بسقوط صواريخ مشبوهة الأهداف والتوقيت على شمال فلسطين المحتلة من الأراضي اللبنانية ولم تتبنّ أي جهة إطلاقها”. وشدد على أنّ “هذا العدوان الجديد والخطير يشكل تهديداً كبيراً للهدوء على حدود لبنان الجنوبية، بعد سلسلة من الخروقات الاسرائيلية للسيادة اللبنانية واستخدام الأجواء اللبنانية للعدوان على سوريا”.
ودعا دياب الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي إلى “ردع إسرائيل لوقف انتهاكاتها المتكررة للسيادة اللبنانية، لأنّ هذه الانتهاكات باتت تهدد القرار 1701 والاستقرار القائم منذ العام 2006”.
وأعربَ مصدر مسؤول في جامعة الدول العربية عن القلق إزاء الأنباء المتواترة عن التصعيد الذي تشهده مؤخراً الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، محذّراً من مَغبّته، ومؤكداً أنه ليس في مصلحة أي طرف. ورأى أنّ “زيادة منسوب التوتر بين جنوب لبنان وإسرائيل قد يخرج عن السيطرة”، داعياً الأطراف المعنية بالتصعيد في لبنان إلى تدبّر الموقف، وممارسة ضبط النفس وتجنّب إرباك المشهد، في وقت ينصَبّ فيه اهتمام المجتمع الدولي على مساعدة لبنان في الخروج من كبوته السياسية، ومعالجة المأزق الاقتصادي الصعب الذي فاقَم من معاناة اللبنانيين بصورة غير مسبوقة”.
إستجواب سلامة
قضائيّاً، مَثل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أمس أمام النيابة العامة التمييزية، حيث تم استجوابه في قضايا عدة، بينها اختلاس أموال عامة وتهرّب ضريبي، وفق ما أفاد مصدر قضائي مطّلع وكالة “فرانس برس”. وقال المصدر انّ المحامي العام التمييزي القاضي جان طنّوس “استمع الخميس (أمس) إلى رياض سلامة على مدى ثلاث ساعات وربع الساعة”. وقرّر في نهاية الجلسة “تَركه رهن التحقيق قي انتظار استكمال الاستجواب في جلسات لاحقة”. وأوضح أنّ استجواب سلامة “مقسّم الى أجزاء عدة لأنّ الملف كبير ومتشعّب”، موضحاً أنّ “التحقيق الذي يخضع له تحقيق لبناني صَرف، لكنّ الملف تأسّس مع ورود الاستنابة المرسلة من القضاء السويسري”. وأوضح أنّ ملاحقة سلامة “غير مرتبطة بمسيرته المالية ولا السياسة النقدية التي اعتمدها منذ ثلاثة عقود ولا بانهيار سعر صرف الليرة، بل تتعلّق بأفعال ووقائع محددة ذات وصف جُرمي”.
وأشار إلى أنّ “التحقيق يركز على مدى توافر أدلة وإثباتات قد تستدعي محاكمته على أساسها”.
كورونا
على الصعيد الصحي، أعلنت وزارة الصحة العامّة في تقريرها اليومي أمس حول مستجدات فيروس كورونا انّ حصيلة اليوم هي 1148 إصابة جديدة (1116 محلية و32 وافدة)، ليصبح العدد الإجمالي للإصابات 567044. كذلك سجلت 5 حالات وفاة، ليصبح العدد الإجمالي للوفيات 7926.
وأعلن وزير الصناعة عماد حب الله أنّ لبنان يأمل في إنتاج 12 مليون جرعة من لقاح “سبوتنيك لايت” الروسي ضد كورونا، وذلك بعد توقيع الاتفاقية بهذا الخصوص مع روسيا. وقال في مؤتمر صحافي: “يقضي الاتفاق الذي نوقّعه بإنتاج 60 مليون جرعة عموماً. ونأمل في أن ننتج 12 مليون جرعة من لقاح سبوتنيك لايت سنوياً”. وأضاف: “حصلت شركتنا “عروان” اللبنانية (للصناعات الدوائية) على دعم كامل في ما يخصّ توقيع الاتفاقية التقنية، ونتوقع حالياً حل مسائل رسمية معينة من جانب الصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة لإكمال هذه العملية”.