لعلّ الرئيس ميشال عون يرغب في أن يعيد تغريدة نظيره بشار الأسد أمس على حسابه على “تويتر”، فيصدر أمر تشكيل حكومة جديدة لا يكون للرئيس شريك مضارب فيها، تكليفاً وتأليفاً وتعييناً لأعضاء الحكومة من رئيسها إلى آخر وزير دولة فيها، لكنّ حظ العهد العاثر يضعه في مواجهة نظام برلماني ديمقراطي يحول دون استنساخ النظام البعثي الرئاسي الحاكم في سوريا، ويعاند النزعة العونية في الاستئثار بـ”حصة الأسد” الحكومية… وهنا بيت القصيد في “الملحمة التعطيلية” الطويلة لعملية التأليف، وفق تشخيص مصادر مواكبة للاتصالات الحكومية، معتبرةً أنّ “مشكلة عون هي مع الدستور قبل أن تكون مع الرئيس المكلف، لأنّ ما يقوم به عملياً هو عرقلة مسار العملية الدستورية في تأليف الحكومات عبر سياسة التعطيل، و”تهشيل” أي رئيس مكلف لا يحاكي تطلعاته في تدجين الدستور و”قولبته” بالممارسة في إطار “قالب رئاسي”، يقوم على فرض أعراف ومعايير تناهض النظام البرلماني وتنقلب على ركائزه”.
وأمام ارتفاع أسهم “فرضية” أن يكون الرئيس نجيب ميقاتي ثالث رئيس مكلف على التوالي يطيح به عون بعد مصطفى أديب وسعد الحريري، بدأ منسوب الاستياء يتصاعد في الأروقة الديبلوماسية من أداء رئيس الجمهورية الذي يمعن في “نحر شعبه ويزيد في عذاباته”، عبر الاستمرار في وضع العراقيل في وجه تأليف حكومة الإنقاذ الإصلاحية، كما عبّرت أوساط ديبلوماسية، كاشفةً أنّ باريس “على دراية بالعقبات التي يواجهها الرئيس المكلف الجديد وتواكب عن كثب مجريات المشاورات الحكومية الجارية”.
وفي السياق نفسه، عُلم أيضاً أنّ موسكو أبدت خشيتها من “التداعيات الكارثية للتأخير الحاصل في تشكيل الحكومة اللبنانية”، وأعربت عبر قنواتها الديبلوماسية مع المسؤولين اللبنانيين عن “استغرابها الشديد للاستمرار في سياسة وضع العراقيل بوجه تشكيل الحكومة بشكل سيؤدي إلى انهيار كامل في البلد وقد يكون غير قابل للانقاذ”. وعلى الأثر كشفت مصادر معنية أنّ عون سيعمد إلى إيفاد مستشاره للشؤون الروسية أمل أبو زيد الاثنين المقبل إلى موسكو لمحاولة تطويق مفاعيل “الامتعاض الروسي” وشرح أسباب تأخر التأليف من المنظور العوني.
على المستوى الداخلي، تؤكد المصادر المواكبة لخطوط الاتصالات الحكومية أنّ “أكثر من عقدة تعترض مسار التكليف، والمؤشرات حتى الساعة لا تبشّر بالخير، ولو كانت أوساط كل من رئيس الجمهورية والرئيس المكلف تحرص على الاستمرار في بث الأجواء الإيجابية”. إذ وبينما يتوقع البنك الدولي في أحدث تقاريره حول لبنان أن يلزم هذا البلد “ما بين 12 عاماً و19 عاماً ليتعافى من أزمته”، التي صنفها ضمن “الأزمات الثلاث الأكبر في العالم خلال الـ150 عاماً الماضية”، لفتت المصادر إلى أنّ النقاش الحكومي لا يزال على مراوحته عند نقطة البحث في “حصة هذا الفريق أو ذاك ولمن ستؤول هذه الحقيبة أو تلك”، كاشفةً أنّ العقد الحكومية مستمرة على حالها “بين حقيبة الداخلية التي يرفض رئيس الجمهورية أن تتولاها شخصية وسطية مستقلة كما يطرح ميقاتي، وبين معضلة الثلث المعطل التي عادت لتبرز من جديد عبر النقاش الدائر حول تفاصيل الحصص والتسميات، معطوف عليها طلب عون إعادة النظر برسم خريطة توزيع الحقائب الخدماتية بشكل بدأ يلوح معه كباش رئاسي حول حقيبة الشؤون الاجتماعية، لما لها من دور محوري في إدارة عملية توزيع المساعدات للعائلات الأشد فقراً وذوي الدخل المحدود عشية الانتخابات النيابية المقبلة”.
أما في جديد قضية انفجار المرفأ، فاسترعى الانتباه أمس ما كشفه رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، لناحية تحريض “حزب الله” المدعى عليهم في القضية على عصيان استدعاءات المحقق العدلي القاضي طارق بيطار، كاشفاً في هذا السياق أنّ “مسؤولين في “حزب الله” تواصلوا مع المتهمين الكبار وطلبوا منهم عدم الحضور إلى التحقيق”، منتقداً مضامين الخطاب الأخير لأمين عام “الحزب” السيد حسن نصرالله وما اختزنه من تهويل على أهالي ضحايا الانفجار ومن اتهامات تتجنّى على المحقق العدلي.
وعشية “مسرحية” رفع الحصانات على خشبة الأونيسكو في الجلسة المقرر عقدها غداً، للبت في العريضة النيابية الهادفة إلى الالتفاف على التحقيق العدلي وسحب البساط من تحته، عبر تحصين المدعى عليهم خلف أسوار المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، دعا أهالي ضحايا انفجار المرفأ اللبنانيين إلى المشاركة في محاصرة “جلسة العار” ومنع انعقادها الخميس، مؤكدين أنها ترمي إلى “طمس الحقيقة وتهريب المشتبه بهم من العقاب”، وذلك في سياق “استكمال مجموعة من الممارسات المخلة بالدستور والقانون التي قامت بها قوى الحكم للانقلاب على عمل المحقق العدلي أو وضع خطوط حمر له”.
وفي المقابل، يبدو القاضي بيطار عازماً على المضي قدماً في تحقيقاته متجاهلاً محاولات تطويقه من قبل أفرقاء السلطة، وأفيد في هذا الإطار أنه استمع أمس إلى إفادة اثنين من الشهود، كانا قد أدليا بمعلومات مهمة ومفيدة للتحقيق خلال إحدى الإطلالات الإعلامية، بحيث أكد أحدهما أنه ساهم على مرحلتين في نقل حمولة “نيترات الأمونيوم” إلى الجنوب، وتحدث الآخر عن مشاهدته لمواكب من الآليات “المفيّمة” التي كانت تدخل إلى حرم المرفأ حيث تم تخزين شحنة النيترات قبل انفجارها في الرابع من آب.